يابنيتي من روائع مقالات علي الطنطاوي
27-10-2020 1123 مشاهدة
وماذا بعد؟ ماذا يا بنت؟ فكري. تشتركان في لذة ساعة ، ثم ينسى هو ، وتظلين أنت أبدا تتجرعين غصصها ، يمضي (خفيفا) يفتش عن مغفلة أخرى يسرق منها عرضها، وينوء بك أنت ثقل الحمل في بطنك ، والهم في نفسك ، والوصمة على جبينك ، يغفر له هذا المجتمع الظالم ، ويقول : شاب ضل ثم تاب ، وتبقين أنت في حمأة الخزي والعار طول الحياة ، لا يغفر لك المجتمع أبدا. ولو انك إذ لقيته نصبت له صدرك ، وزويت عنه بصرك ، وأريته الحزم والاعراض … فإذا لم يصرفه عنك هذا الصد ، وإذا بلغت به الوقاحة أن ينال منك بلسان أو يد ، نزعت حذاءك من رجلك ، ونزلت به على رأسه ، لو أنك فعلت هذا ، لرأيت من كل من يمر في الطريق عونا لك عليه، ولما جرؤ بعدها فاجر على ذات سوار ، ولجاءك _ إن كان صالحا _ تائبا مستغفرا ، يسأل الصلة بالحلال ، جاءك يطلب الزواج. والبنت مهما بلغت من المنزلة والغنى والشهرة والجاه ، لا تجد البنت أملها الاكبر وسعادتها إلا في الزواج ، في أن تكون زوجا صالحة ، وأما موقر’ ، وربة بيت . سواء في ذلك الملكات و الاميرات ، وممثلات هوليود ذوات الشهرة والبريق الذي يخدع كثيرات من النساء . وأنا أعرف أدبيبتين كبيرتين في مصر والشام ، أديبتين حقا ، جمع لهما المال والمجد الادبي ، ولكنهما فقدتا الزوج فقدتا العقل وصارتا مجنونتين ، ولا تحرجيني بسؤالي عن الاسماء إنها معروفة!! .
الزواج اقصى اماني المراة ولو صارت عضوة البرلمان وصاحبة السلطان ، والفاسقة المستهترة لا يتزوجها احد، حتى الذي يغوي البنت الشريفة بوعد الزواج ان هي غوت وسقطت تركها وذهب- اذا اراد الزواج- فتزوج غيرها من الشريفات لانه لا يرضى ان تكون ربة بيته وام بنته امراة ساقطة والرجل وان كان فاسقا داعرا اذا لم يجد في سوق اللذات بنتا ترضى ان تريق كرامتها على قدميه وان تكون لعبة بين يديه إذ لم يجد البنت الفاسقة او البنت المغفلة التي تشاركه في الزواج على دين ابليس وشريعة القطط في شباط طلب من تكون زوجته على سنة الاسلام فكساد سوق الزواج منكن يا بنات لو لم يكن منكن الفاسقات ما كسدت سوق الزواج ولا راجت سوق الفجور .. فلماذا لا تعملن ، لماذا لا تعمل شريفات النساء على محاربة هذا البلاء ؟ انتن اولى به واقدر عليه منا لأنكن اعرف بلسان المراة وطرق افهامها ولانه لا يذهب ضحية هذا الفساد الا انتن : البنات العفيفات الشريفات البنات الصيّنات الديّنات في كل بيت من بيوت الشام بنات في سن الزواج لا يجدن زوجا ، لان الشباب وجدوا من الخليلات ما يغني عن الحليلات ، ولعل مثل هذا في غير الشام ايضا … فألفن جماعات منكن من الاديبات والمتعلمات و مدرسات المدرسة و طالبات الجامعة تعبد أخواتكن الضالات الى الجادة، خوّفنهن الله ، فان كن لا يخفنه فحذرهن المرض ، فان كن لا يحذرنه فخاطبهن بلسان الواقع ، قلن لهن : انكن صبايا جميلات فلذلك يقبل عليكن الشباب ويحومون حولكن ولكن هل يدوم عليكن الصبا والجمال ؟ ومتى دام في الدنيا شئ حتى يدوم على الصبيّة صباها وعلى الجميلة جمالها ؟ فكيف يكن اذا صرتن عجائز محنيات الظهور مجعّدات الوجوه من يهتم يومئذ بكنومن يسأل عنكن ، اتعرفن من يهتم بالعجوز ويكرمها ويوقرها ؟ اولادها وبناتها وحفدتها وحفيداتها ، هناك تكون عجوز ملكة في رعيتها ومتوجة على عرشها على حين تكون الاخرى … انتن اعرف بما تكون عايه.فهل تساوي هذه اللذة تلك الآلام ؟ وهل تشتري بهذه البداية تلك النهاية ?. وأمثال هذا الكلام لا تحتجن الى من يدلكن عليه، ولا تعدمن وسيلة الى هداية أخواتكن المسكينات الضالات ، فإن لم تستطعن ذلك معهن فاعملن على وقاية السلمات من مرضهن ، والناشئات
الغافلات من أن يسلكن طريقهن .
وأنا لا أطلب منكن أن تعدن بالمرأة المسلمة اليوم بوثبة واحدة إلى مثل ما كانت علية المرأة المسلمة حقا، لا، وإني لأعلم أن الطفرة مستحيلة في العادة ، ولكن أن ترجعن إلى الخير خطوة خطوة ، كما أقبلتن على الشر خطوة خطوة ، إنكن قصرتن الثياب شعرة شعرة ، ورققتن الحجاب ، وصبرتن الدهر الاطول تعلمن لهذا الانتقال ، والرجل الفاضل لا يشعر به ، والمجلات الداعرة تحث عليه ، والفساق يفرحون به ، حتى وصلنا إلى حال لا يرضى بها الاسلام ، ولا ترضى بها النصرانية ، ولم يعلمها المجوس الذين نقرأ أخبارهم في التاريخ ، إلى حال تأباها الحيوانات.
وفي النوادي والسهرات (التقدمية) الراقية ، رجال مسلمون يقدمون نساءهم المسلمات للاجنبي ليراقصهن ، يضمهن حتى يلامس الصدر الصدر ، والبطن البطن، والفم الخد، والذراع ملتوية على الجسد ، ولا ينكر ذلك أحد ، وفي الجامعات المسلمات شباب مسلمون يجالسون بنات مسلمات متكشفات باديات العورات ، ولا ينكر ذلك الآباء والامهات المسلمات ، وأمثال هذا!!. وأمثال هذا كثير لا يدفع في يوم واحد ، ولا بوثبة عاجلة ، بل بأن نعود إلى الحق ، من الطريق الذي وصلنا منه إلى الباطل ، ولو وجدناه الآن طويلا، وإن من لا يسلك الطريق الطويل الذي لا يجد غيره لا يصل أبدا، وأن نبدأ بمحاربة الاختلاط غير السفور ، أما كشف الوجه، إن كان لا يتحقق بكشفه الضرر على الفتاة والعدوان على عفافها فأمره أسهل ولعله أهون من هذا الذي نسميه في بلاد الشام حجابا ، وما هو إلا ستر للمعايب ، وتجسيم للجمال ، وإغراء للناظر.
السفور إن اقتصر على الوجه كما خلق الله الوجه ليس حراما متفقا على حرمته، وإن كنا نرى الستر أحسن وأولى ، وكان ستره عند خوف الفتنة واجبا. أما الاختلاط فشيء آخر ، وليس يلزم من السفور أن تختلط الفتاة بغير محارمها، وأن تستقبل الزوجة السافرة صديق زوجها في بيتها، أو أن تحييه إن قابلته في الترام ، أو لقيته في الشارع ، وأن تصافح البنت رفيقها في الجامعة ، أو أن تصل الحديث بينها وبينه، أو أن تمشي معه في الطريق ، وتستعد معه للامتحان ، وتنسى أن الله جعلها أنثى وجعله ذكرا ، وركب في كل الميل إلى الآخر ، فلا تستطيع هي ولا هو ولا الاهل الارض جميعا ، أن يغيروا خلقة اله ، وأن (يساووا) بين الجنسين ، أو أن يمحوا من نفوسهم هذا الميل. وإن دعاة المساواة والاختلاط باسم المدينة قوم كذابون من جهتين : كذابون لانهم ما أرادوا من هذا كله إلا إمتاع جوارحهم ، وإرضاء ميولهم ، وإعطاء نفوسهم حظها من لذة النظر ، وما يأملون به من لذائذ أخر، ولكنهم لم يجدوا الجرأة على التصريح به ، فلبسوه بهذا الذي يهرفون به من هذه الالفاظ الطنانة ، التي ليس وراءها شيء : التقدمية، والتمدن ، والفن ، والحياة الجامعية ، والروح الرياضية ، وهذا الكلام الفارغ (على دويه) من المعنى فكأنه الطبل.
وكذابون لان أوروبة التي يأتمون بها ، ويهتدون بهديها ، ولا يعرفون الحق إلا بدمغتها عليه ، فليس الحق عندهم الذي يقابل الباطل ، ولكن الحق ما جاء من هناك : من باريس ولندن وبرلين ونيويورك ، ولو كان الرقص والخلاعة ، والاختلاط في الجامعة ، والتكشف في الملعب والعري على الساحل ، والباطل ما جاء من هنا : من الازهر والاموي وهاتيك المدارس الشرقية ، والمساجد لاسلامية ولو كان الشرف والهدى والعفاف والطهارة ، طهارة القلب وطهارة الجسد. إن في أوروبا وفي أمريكا ، كما قرأنا وحدثنا من ذهب إليهما ، أسرا كثيرات لا ترضى بهذا الاختلاط ولا تسيغه ، وإن في باريز (في باريس يا ناس ) آباء وأمهات لا يسمحون لبناتهم الكبيرات أن يسرن مع الشاب ، أو يصحبنه إلى السينما ، بل هم لا يدخلونهن إلا إلى روايات عرفوها ، وأيقنوا بسلامتها من الفحش والفجور ، اللذين لا يخلو منهما مع الاسف واحد من هذه (التهريجات) و الصبيانيات السخيفة التي تسميها شركات مصر الهزيلة الرقيعة ( الجاهلة بالفن السينمائي مثل جهلها بالدين ) تسميها أفلاما!!يقولون : إن الاختلاط يكسر شرة الشهوة ، ويهذب الخلق ، وينزع من النفس هذا الجنون الجنسي . وأنا أحيل في الجواب على من جرب الاختلاط في المدارس ، روسيا التي لا تعودإلى دين ، ولا تسمع رأي شيخ ولا قسيس ، ألم ترجع عن هذه التجربة لما رأت فسادها؟
وأميركا ، ألم تقرؤوا أن من جملة مشاكل أمريكا مشكلة ازدياد نسبة (الحاملات) من الطالبات؟ فمن يسره أن يكون في جامعات مصر والشام ، وسائر بلاد الاسلام مثل هذه المشكلة. وأنا لا أخاطب الشباب ، ولا أطمع في أن يسمعوا لي ، وأنا أعلم أنهم قد يردون علي ويسفهون رأيي ، لأني أحرمهم من لذائذ ما صدقوا أنهم قد وصلوا إليها حقا ، ولكن أخاطبكن أنتن يا بناتي . يا بناتي المؤمنات الدينات ، يا بناتي الشريفات العفيفات ، إنه لا يكون الضحية إلا أنتن ، فلا تقدمن نفوسكن ضحايا على مذبح إبليس ، لا تسمعن كلام هؤلاء الذين يزينون لكن حياة الاختلاط باسم الحرية والمدنية والتقدمية والفن والحياة الجامعية ، فإن أكثر هؤلاء الملاعين لا زوجة له ولا ولد ، ولا يهمه منكن جميعا إلا اللذة العارضة ، أما أنا فإني أبو بنات ، فأنا حين أدافع عنكن أدافع عن بناتي ، وأنا أريد لكن من الخير ما أريده لهن . إنه لا شيء مما يهرف به هؤلاء يرد على البنت عرضها الذاهب ، ولا يرجع لها شرفها المثلوم ، ولا يعيد لها كرامتها الضائعة ، وإذا سقطت البنت لم تجد واحدا منهم يأخذ بيدها ، أو يرفعها من سقطتها ، إنما تجدهم جميعا يتزاحمون على جمالها ، ما بقي فيها جمال ، فإذا ولى ولوا عنها ، كما تولي الكلاب عن الجيفة التي لم يبق فيها مزعة لحم ! هذه نصيحتي إليك يا بنتي ، وهذا هو الحق فلا تسمعي غيره ، واعلمي أن بيدك أنت ، لا بأيدينا معشر الرجال ، بيدك مفتاح باب الاصلاح ، فإذا شئت أصلحت نفسك وأصلحت بصلاحك الامة كلها.