نماذج من ادب الصحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

28-10-2020 1558 مشاهدة

أدب الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم : 

 

فهذا أبو سفيان بن حرب ([1]) يسأل زيد بن الدَّثِنة رضي الله عنه  حين قُدِّم ليقتل: أنشدك الله يا زيد ! أتحب أن محمدًا عندنا الآن مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك؟ قال: والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي. قال أبو سفيان: ما رأيت في الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدًا([2]).

وهذا عروة بن مسعود الثقفي لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم  عند الحديبية ورأى أدب الصحابة مع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم  وتعظيمهم وتوقيرهم له، رجع إلى قريش فقال لهم: أَيْ قَوْمِ وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ، وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم  مُحَمَّدًا، وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ " ([3]).

ولما وقع من غدر قريش ونقضهم العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  بإعانتهم بكر على خزاعة أرسلوا أبا سفيان معتذرين ومطالبين بتمديد العهد فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان – رضي الله عنها – زوج النبي صلى الله عليه وسلم  فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم  طوته عنه، فقال: يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني؟! قالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم  وأنت رجل مشرك نجس، فلم أحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ([4]).

وروى الطبراني وأبو نعيم في الحلية عن أنس رضي الله عنه  قال: لما كان يوم أحد حاص أهل المدينة حيصة ([5]) وقالوا: قتل محمد حتى كثرت الصوارخ في نواحي المدينة، فخرجت امرأة من الأنصار فاستُقبِلت ([6]) بأخيها وابنها وزوجها وأبيها، لا أدري بأيهم استقبلت أولا ! فلما مرت على آخرهم قالت: من هذا؟ قالوا: أخوك وأبوك وزوجك وابنك، قالت: ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون: أمامك، حتى ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  فأخذت بناحية ثوبه ثم جعلت تقول: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ! لا أبالي إذا سَلِمت مَنْ عطب ([7]).

في صحيح مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه  أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ[ (الحجرات: 2) جَلَسَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فِي بَيْتِهِ وَقَالَ: أَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ ! وَاحْتَبَسَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  فَسَأَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ رضي الله عنه  فَقَالَ: " يَا أَبَا عَمْرٍو مَا شَأْنُ ثَابِتٍ اشْتَكَى؟ " قَالَ سَعْدٌ: إِنَّهُ لَجَارِي، وَمَا عَلِمْتُ لَهُ بِشَكْوَى، قَالَ: فَأَتَاهُ سَعْدٌ فَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ،في صحيح مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه  أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ[ (الحجرات: 2) جَلَسَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فِي بَيْتِهِ وَقَالَ: أَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ ! وَاحْتَبَسَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  فَسَأَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ رضي الله عنه  فَقَالَ: " يَا أَبَا عَمْرٍو مَا شَأْنُ ثَابِتٍ اشْتَكَى؟ " قَالَ سَعْدٌ: إِنَّهُ لَجَارِي، وَمَا عَلِمْتُ لَهُ بِشَكْوَى، قَالَ: فَأَتَاهُ سَعْدٌ فَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ ثَابِتٌ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ أَرْفَعِكُمْ صَوْتًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  فَأَنَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ ! فَذَكَرَ ذَلِكَ سَعْدٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ " ([8]).

 

وروى البخاري عن نافع بن عمر عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ – رَضِي اللَّه عَنْهمَا – رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ، فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ – قَالَ نَافِعٌ: لا أَحْفَظُ اسْمَهُ – فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلا خِلافِي ! قَالَ: مَا أَرَدْتُ خِلافَكَ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ[ الآيَةَ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَمَا كَانَ عُمَرُ يُسْمِعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ ([9]).

أي: كان يخفض صوته إذا حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم  أدبًا، فكان النبي صلى الله عليه وسلم  لا يسمع كلامه فيطلب منه توضيحه.

 

 وروى مسلم عن رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الأَسْلَمِيُّ رضي الله عنه  قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِي: " سَلْ " فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: " أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ " قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: " فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ " ([10]). وفي الحديث حسن التأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم  بالسعي في خدمته، وفيه أيضا صدق المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم  بطلبه مرافقته في الجنة وعدم العدول عن ذلك.

 

 وفي صحيح مسلم أن عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رضي الله عنه  قال: وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  وَلا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلالا لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ لأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ ([11]).

 وفي صحيح مسلم عن سالم بن عبد الله أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنه  قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  يَقُولُ: " لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا " فَقَالَ بِلالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ ! قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ وَقَالَ: أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  وَتَقُولُ وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ ([12]).

من كتاب فضيلة الشيخ  محمد عطية  الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم


[1] – كان أبو سفيان في ذاك الوقت على الشرك ثم أسلم رضي الله عنه وحسن إسلامه.

[2] – انظر سيرة ابن هشام: 4 / 126 (دار الجيل)، وتاريخ الطبري: 2 / 79 (الكتب العلمية).

[3] – البخاري (2731) عن المسور بن مخرمة ومروان رضي الله عنهما.

[4] – انظر سيرة ابن هشام: 5 / 50.

[5] – حَاصَ عنه: عدل وحاد، يقال حاص الرجل عن الشيء: إذا حاد عنه حذرا أو خوفا، ويقال ما عنه مَحِيصٌ: أي محيد ومهرب.

[6] – أي استقبلها الناس باستشهاد أخيها وابنها وزوجها وأبيها.

[7] – الطبراني في الأوسط (7479)، وأبو نعيم في الحلية: 2 / 71، 72.

[8] – مسلم (119) ورواه البخاري (3613، 4846).

[9] – البخاري (4845).

[10] – مسلم (489).

[11] – مسلم (121).

[12] – مسلم (442).

 

تعليقات المستخدمين

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يمكنك قراءة

  • 30 ذو القعدة 1442 هـ
    اسلام عمرو بن عبسة رضي الله عنه – عبر وعظات…

    اسلام عمرو بن عبسة رضي الله عنه – عبر وعظات لكل باحث عن الحقيقة  

  • 10 ربيع الأول 1442 هـ
    هل أنت ممن يلتزم بالمواعيد أم موعدك شبه الريح

    هل أنت ممن يلتزم بالمواعيد أم موعدك شبه الريح

  • 11 ربيع الأول 1442 هـ
    أمريكا تقرأ سورة الانفال

    أمريكا تقرأ سورة الانفال