قف على السر من “ليلني منكم أولو الأحلام والنهى “

04-01-2022 1344 مشاهدة

بسم الله الرحمن الرحيم  وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

من كتابي “الإمام في فضل الإمامة وأحكام الإمام “

تقريب الإمام لأولي الأحلام والنُّهى خلفه،والسّرّ في ذلك

عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ، وَيَقُولُ: «اسْتَوُوا، وَلَا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» [1].

قوله: “أولو الأحلام” جمع حلم، كأنّه من الحلم، والسّكون، والوقار، والأناة، والتّثبت في الأمور، وضبط النّفس عن هيجان الغضب، ويراد به العقل، لأنّها من مقتضيات العقل، وشعار العقلاء، وقيل: أولو الأحلام: البالغون، والحلم -بضم الحاء: البلوغ، و”النّهى” – بضم النون: جمع نهية، وهو العقل النّاهي عن القبائح، أي: ليدن منيّ البالغون العقلاء لشرفهم ومزيد تفطنهم وتيقظهم وضبطهم لصلاته، وإن حدث به عارض يخلفوه في الإمامة.

قال النّووي : في هذا الحديث تقديم الأفضل فالأفضل إلى الإمام لأنّه أولى بالإكرام ولأنّه ربّما احتاج الإمام إلى استخلاف فيكون هو أولى ولأنّه يتفطّن لتنبيه الإمام على السّهو لما لا يتفطن له غيره ، وليضبطوا صفة الصلاة ويحفظوها وينقلوها ويعلمّوها النّاس وليقتدي بأفعالهم من وراءهم ولا يختصّ هذا التقديم بالصلاة بل السنّة أن يقدم أهل الفضل في كلّ مجمع إلى الإمام وكبير المجلس كمجالس العلم والقضاء والذّكر والمشاورة ومواقف القتال وإمامة الصلاة والتّدريس والإفتاء وإسماع الحديث ونحوها ويكون الناس فيها على مراتبهم في العلم والدين والعقل والشرف والسّنّ والكفاءة في ذلك الباب والأحاديث الصّحيحة متعاضدة”[2].

قال الطّيبي: أمر بتقديم العقلاء ذوي الأخطار والعرفان ليحفظوا صلاته، ويضبطوا الأحكام والسّنن، فيبلغوا من بعدهم” [3].

و عَنْ أَنَسٍ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يُحِبُّ أَنْ يَلِيَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ لِيَحْفَظُوا عَنْهُ ” [4].

بل جاء عن قيس بن عباد قال: بينا أنا في المسجد بالمدينة في الصّفّ المقدم ، فجبذني رجل من خلفي جبذة ، فنحاني وقام مقامي؛ فوالله ما عقلت صلاتي، فلمّا انصرف فإذا هو أبي بن كعب ، فقال: يا فتى! لا يسؤك، والله إن هذا عهد من النبي صلّى الله عليه وسلم إلينا أن نليه”[5].

وقال الإمام مسلم في مقدمة صحيحه: إنّه لا يقَصَّرُ بالرَّجل العالي القدر عن درجته، ولا يُرفَعُ مُتَّضِعُ القَدْر في العلم فوق مَنزلَتِه، ويُعْطَى كل ذى حَق فيه حَقه، ويُنزل منزلته[6].

وذكر الحافظ السّخاوي في “الجواهر والدرر”  فقال: المراد بالحديث الحضُّ على مراعاة مقادير الناس ومراتبهم ومناصبهم، وتفضيل بعضهم على بعض في الإكرام في المجالس، لقوله – صلّى الله عليه وسلّم -: “ليلِني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم…”، فيقدِّم الامامُ في القرب منه الأفضل، فالأفضل،  من البالغين ،والعقلاء إكراماً لهم، ويعامل كل أحد بما يلائم منصبه في الدين والعلم والشرف والمرتبة، فإن الله أعطى كل ذي حق حقه، وكذا في القيام والمخاطبة والمكاتبة، وغير ذلك من الحقوق. نعم، سوّى الشرعُ بينهم في القصاص والحدود، وأشباهها، لكن في التعازير يُعزَّرُ كلّ أحد بما يليق به، وبهذا الحديث تمسَّك المتكلّّمون في التّعديل والتجريح لرواة الأخبار، ليتميَّزَ صالحهم من طالحهم “

ثم قال :وقال أبو أحمد العسكري في “الأمثال” على هذا الحديث: هذا مما أدَّبَ به النبي-صلى الله عليه وسلم- أمته في إيفاء الناسِ حقوقَهم، من تعظيم العلماء، وإكرام ذي الشيبة، وإجلال “الكبير”، وما أشبهه”.[7]. اهـ

[1] -رواه مسلم (122 – (432).

[2] – شرح مسلم للنووي (4/154).

[3] – مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح(4/10) لأبي  الحسن عبيد الله بن محمد عبد السلام بن خان محمد بن أمان الله بن حسام الدين الرحماني المباركفوري (المتوفى: 1414هـ)/الناشر: إدارة  البحوث العلمية والدعوة والإفتاء – الجامعة السلفية – بنارس الهند.الطبعة: الثالثة – 1404 هـ، 1984 م

[4] –  شرح مشكل الآثار للطحاوي ) 5835) / تحقيق: شعيب الأرناؤوط/ الناشر: مؤسسة الرسالة/ الطبعة: الأولى – 1415 هـ، 1494 م.

[5] – أخرجه الحاكم 2/ 334 بسند صحيح

[6] – مقدمة صحيح مسلم (ص6).

[7] – الجواهر والدرر في ترجمة  شيح الإسلام الحافظ ابن حجر (1/60). للعلامة شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخاوي (المتوفى: 902هـ)تحقيق: إبراهيم باجس عبد المجيد/  الناشر: دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان/ الطبعة: الأولى، 1419 هـ – 1999 م.

تعليقات المستخدمين

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يمكنك قراءة

  • 11 ربيع الأول 1442 هـ
    الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية

    الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية

  • 11 ربيع الأول 1442 هـ
    فضائل رجب

    فضائل رجب

  • 10 ربيع الأول 1442 هـ
    حكم من انتقص جنابَ النبي صلى الله عليه وسلم

    حكم من انتقص جنابَ النبي صلى الله عليه وسلم