سلسلة التوحيد عند المالكية (2)

30-12-2022 540 مشاهدة

#سلسلة_التوحيد_عند_المالكية(2) :

ذكر ابن جزي ( السبب الذي أدى إلى وقوع الشرك في قوم نوح بإيراده نفس القصة السابقة ) والتي هي مافعله قوم نوح بصالحيهم (انظر التسهيل 4/284).
فما فعله قوم نوح من الشرك بالله تعالى هو من الأعمال القبيحة التي سرت إلى غيرهم من سائر الأمم .
وقفة تضليل :
أذكر أنني كنت أدرس عند شيخ القرءان فقلت له ما الدليل على بناء القباب والأضرحة على “الأولياء ” فقال لي قوله تعالى ( لنتخذنّ عليهم مسجدا ) (الكهف: (21) ، وكنت جاهلا وقتها بأن شرع من كان قبلنا شرع لنا مالم يرد النسخ ، وقد ورد بالأحاديث الصّحيحة التي أسلفناها في الحلقة الأولى من النّهي عن اتّخاذ القبور مساجد ، وتحذيره صلى الله عليه وسلم أن نفعل كما فعلت اليهود والنصارى .
نتابع :
وقد أشار إلـيـه مـحـمـد الـمـكـي عـنـد قـول الله تعالى : (وقالوا لاتذرن ءالهتكم . . . ﴾ [نوح : ٢٣) بقوله : «هذه الأصنام وغيرها قد استمرت تقاليد عبادتها إلى حين ظهور الإسلام )) ، وأن تلك ((السابقة الخبيثة والسنة السيئة التّي سنّها قوم نوح قد انتقلت عدواها منهم إلى غيرهم من البشر، ولا تزال عبادة الأصنام قائمة إلى اليوم» (التيسير في احاديث التفسير للعلامة المالكي محمد ناصر المكي 6/312) .
وحيث إن البناء على القبور وتشييدها، واتخاذ الصور سبيل لتعظيمها والغلو في أهلها كما تقدم، فقد جاء عن الإمام مالك رحمه الله النهي عن كل سبب يؤدي إلى الشرك، ومن ذلك :
(1) كراهية الإمام مالك تجصيص القبور والبناء عليها ، هذه الحجارة التي يبني ) (المدونة: 1/189).
(2) كراهيته للقول (زرنا قبر النبي صلى الله عليه وسلم ) .. عجيب ، لماذا ؟ قال ابن القاسم الذي نتبع مدونته ومتلخص منها عبر القرون :” قال وقال مالك: وناس يقولون زرنا قبر النبي عليه السلام، قال: فكان مالك يكره هذا ويعظمه أن يقال إن النبي يزار) المدونة(1/340)..
التعليل : هذا من الإمام مالك رحمه الله خشية الفتنة بعبادة القبر كما وقع في الأمم السالفة، يدل عليه ما فـي مـوطـئـه مـن قـول النبي ﷺ : «قاتل الله الـيـهـود والنصاري، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، لا يبقين دينان بأرض العرب» (الموطأ2/892).
قلت : وقد كنا ونحن صغار نجد من الخشية والتعظيم إذا أردنا أن ندخل ضريحا فنضع نعالنا المهترئة ، ونقبِّل الحجارة ، ونتمسح بها ، وندعو تلك الحجارة على أنها الولي الفلاني ، والغالب لم يكن فيها أي أثر لقبر ، ووالله من وطئ اليوم أي ضريح من هذا النوع سيقف على مهزلة كبيرة مستمرة في محاربة توحيد ربّ العالمين بالدعاء والنذر والذبائح ، ومن قال غير ذلك فهو كاذب مفتر ولكن فرنسا الخبيثة الماكرة يسّرت نشر تلك الأضرحة التي كانت في الحقيقة تعمل عَسَسًا لمزارعهم كما حكى لي أحد الفضلاء ، ان رومية (نصراينة ) كان عندها مزرعة عنب جهة الغرب الجزائري وكان بنو عمومتنا الجزائريين يسرقون منها العنب ، ففكرت وقدَّرت واستشارت بعض العتاة فقالوا لها هؤلاء لايخافون إلاّ من القباب (الأولياء ) ففعلت ، فجاء الموسم وافر العنب والخضروات ، نعم هذا التعظيم يجده في قلبه من جعل لله أندادا من دون الله ، يعظمهم ويخافهم ويهابهم ، ويزيده الشيطان زينة الشرك في قلبه ، ( إنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ) (الأعراف: (30) والعياذ بالله .
إن الله لم يجعل بيننا وبينه وسائط حينما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قرب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه ؟ ، فلم يقل له كما في بقية الأسئلة (يسئلونك عن الخمر والميسر قل …) وغيرها، ( قل ، قل ، فقد ترك الواسطة (قل) في الدعاء فقال (({وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ})) [البقرة: 186]. فلم يأت بقل بل جاء بالفاء الرابطة لجواب الشرط .
وقد أورد السيوطي في الدر المنثور : فقال : أخرج ابن جرير ، والبغوي في “معجمه” ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، من طريق الصلب بن حكيم، عن رجل من الأنصار، عن أبيه، عن جده قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : يا رسول الله، أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله : وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي إذا أمرتهم أن يدعوني فدعوني استجبت لهم .

وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، عن الحسن قال : سأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أين ربنا؟ فأنزل الله : وإذا سألك عبادي عني فإني قريب الآية .

وأخرج ابن مردويه عن أنس قال : سأل أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين ربنا؟ قال : ” في السماء على عرشه” ثم تلا : الرحمن على العرش استوى ” . فأنزل الله : وإذا سألك عبادي عني فإني قريب الآية .

وأخرج ابن عساكر في ” تاريخه” ، عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا تعجزوا عن الدعاء، فإن الله أنزل علي : ادعوني أستجب لكم، فقال رجل : يا رسول الله، ربنا يسمع الدعاء، أم كيف ذلك؟ فأنزل الله : وإذا سألك عبادي عني فإني قريب الآية

[3] ونقل الطرطوشي عن مالك قوله : «ولا يتخذ على القبور مساجد، ويكره أن يبنى على القبور بالحجارة» (الحوادث والبدع(304)..
(4) وعند حديث : «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد» قال القرطبي : «وقد ذكر مالك في الموطأ ما يدل على ذلك من حديث ابن عمر فإنه قال فيه : أول ما تكلم به رسول الله ﷺ : «قاتل الله اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، لا يبقين دينان بجزيرة العرب )) (رواه أحمد (6/275)، وانظر المفهم ( 4/563).
[5] ونقل القرطبي مقالة الإمام مالك السابقة في كراهة البناء على القبور، ثم قال معللا تلك الكراهة : «لأنه تشبه بمن كان يعظم القبور ويعبدها» .
وهذا يبين أنه استقر لدى الإمام مالك رحمه الله خشية الفتنة العظيمة التي تقع من تشييد القبور والبناء عليها واتخاذها مساجد، إذ هي ذريعة ووسيلة إلى الشرك بالله تعالى .
(6) وعلى هذا سار المالكية(تفسير القرطبي 10/380) .
قال القرطبي ـ عند شرح حديث : «لا تصلوا لى القبور ولا تجلسوا عليها»(مسلم: 972) ـ : «أي لا تتخذوها قبلة تصلوا عليها أو إليها، كما فعل اليهود والنصارى، فيؤدي إلى عبادة من فيها كما كان السبب في عبادة الأصنام ، فحذر النبي ﷺ عن مثل ذلك وسد الذرائع المؤدية إلى ذلك»(التمهيد لابن عبدالبر 1/168) ،(المنتقى : 7/195).

تعليقات المستخدمين

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يمكنك قراءة

  • 09 شعبان 1442 هـ
    الثلاثيات في الكتب الستة

    الثلاثيات في الكتب الستة

  • 10 ربيع الأول 1442 هـ
    هل الفخذ عورة بالنسبة للرجل ؟

    هل الفخذ عورة بالنسبة للرجل ؟

  • 11 ربيع الأول 1442 هـ
    لصوص رمضان

    لصوص رمضان