الدّعاء الجماعيّ للميّت بعد الدّفن من المسائل المختلف فيها التي لايجوز فيها الإنكار على من يعمله .
09-05-2022
1547 مشاهدة
#سلسلة_نور_الحق المسألة الخامسة ) .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
لقد أردت أن أكتب في مثل هذا الموضوع واستغنيت بكتابة أخينا الدكتور خالد السعد.وفقه الله تعالى، واضفت لذلك حديثا يستأنس به في جواز الدعاء الجماعي .
الدّعاء الجماعيّ للميّت بعد الدّفن
بقلم: د. خالد السّعد
في مسائل الفقه وأحكامه ما هو مجمع عليه ومنه ما هو مختلف فيه، ومن القواعد الشّرعيّة التي ينبغي أن تُراعى في الفتوى:(لا يُنكَر المختلف فيه وإنّما يُنكَر المجمع عليه).
وهذا يصدق في كثير من الأمور الخلافيّة :كالقنوت في صلاة الصّبح .وكوصل ركعتي الشّفع بالوتر.أو إفراد الوتر.وكعدد الرّكعات في صلاة التراويح…الخ.وقد ذكر الأئمّة المحقّقون أنّ كلا الأمرين جائز، وأنّه لا يجوز أن ينكر المخالف على الآخر في ذلك، لأن هذه الصّور كلّها مشروعة.
ومن المسائل التي ينبغي أن تنفسح لها صدور المشايخ وطلبة العلم:مسألة الدعاء الجماعي للميّت بعد دفنه، وصورته أن يجهر شخص بالدعاء ويؤمّن الباقون خلفه.فهذه الصّورة يعترض عليها بعض الإخوة ويعدّونها ابتداعًا في الدّين وربّما زجروا الدّاعي وانتهروه بزعم مخالفته لسنّة النّبي صلّى الله عليه وسلّم في ذلك. فقد روى أبو داود في سننه (3221) عن عثمان رضي الله عنه أنّه قال: كان النّبي صلّى الله عليه وسلّم إذا فرغ من دفن الميّت وقف على قبره فقال: «استغفروا لأخيكم وسلوا له بالتثبيت فإنّه الآن يُسأل».يقول هؤلاء الإخوة: إنّ الحديث فيه دلالة على أنّ الدّعاء للميّت بعد دفنه فرديّ وليس جماعيًّا وفي السرّ لا في الجهر، والعدول عن ذلك مخالف لسنّته عليه الصّلاة والسّلام. والرّد على هذا يقتضي شيئًا من التّفصيل وذلك من خلال ما يلي:
أوّلا: البدعة هي (الطريقة المخترعة في الدّين) أي ما ليس له أصل يدلّ عليه، أمّا ما كان له أصل فلا يقال عنه بدعة، وإنّما يُصنّف ضمن مسائل الخلاف أو الرّاجح والمرجوح أو نحو ذلك.وقد وردت عدّة آثار في كتب الحديث وغيرها تصلح في مجموعها أن تكون أصلا يُستدلّ به على جواز الجهر بالدّعاء عند القبر أو الدّعاء الجماعي بعد الدّفن، فمنها:
1) ما رواه ابن إسحاق في السيرة: أنّ عبدالله بن مسعود رضي الله عنه كان يحدّث فيقول: قمت من جوف الليل في غزوة تبوك فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر فاتبعتها أنظر إليها، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبوبكر وعمر وإذا عبدالله ذو البجادين المزني قد مات، وإذا هم قد حفروا له ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حفرته وأبوبكر وعمر يدنيانه إليه، وهو يقول: «أدنيا إلى أخاكما» فدلّياه إليه، فلمّا هيّأه لشقّه قال: «اللهمّ إنّي أمسيت راضيًا عنه فارض عنه»، قال ابن مسعود: ياليتني كنت صاحب الحفرة (سيرة ابن إسحاق: 2/606 بتحقيق أحمد فريد).
2) روى ابن ماجه في سننه (1553) عن سعيد بن المسيّب قال: حضرت ابن عمر في جنازةٍ فلمّا وضعها في اللحد قال: بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله. فلمّا أخذ في تسوية القبر على اللحد قال: اللهمّ أجرها من الشّيطان ومن عذاب القبر، اللهمّ جاف الأرض عن جنبيها وصعّد روحها ولقّها منك رضوانا. قلت: يا ابن عمر أشيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أم قلته برأيك؟ قال: إنّي إذا لقادر على القول، بل شيء سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
3) روى ابن أبي شيبة في مصنّفه (11696) عن عمر رضي الله عنه أنّه كان يقول إذا أدخل الميّت في قبره -أو إذا سوّي عليه-: اللهم أسلم إليك المال والأهل والعشيرة والذّنب العظيم فاغفر له.
4) وروى أيضًا (11709) عن عمر بن سعيد قال: صلّيت مع عليّ رضي الله عنه على يزيد بن المكفف فكبّر عليه أربعًا ثمّ مشى حتى أتاه فقال: اللهمّ عبدك وابن عبدك نزل بك اليوم فاغفر له ذنبه ووسّع عليه مدخله فإنّا لا نعلم منه إلا خيرًا وأنت أعلم به.
5) وروى أيضًا (11701) عن أنس رضي الله عنه أنّه دفن ابنًا له فقال: اللهمّ جاف الأرض عن جنبيه وافتح أبواب السّماء لروحه وأبدله بداره دارًا خيرًا من داره.
6) وروى أيضًا (11705) عن عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنهما قال: كان أنس بن مالك إذا سوّى على الميّت قبره قام عليه فقال: اللهمّ عبدك ردّ إليك فارأف به وارحمه، اللهمّ جاف الأرض عن جنبيه وافتح أبواب السّماء لروحه وتقبّله منك بقبول حسن، اللهمّ إن كان محسنًا فضاعف له في إحسانه وإن كان مسيئًا فتجاوز عنه.
ففي هذه الرّوايات وغيرها كان هؤلاء الصّحابة الكرام -وهم أفقه النّاس بالسّنّة وأحرصهم على التّأسّي بها- يجهرون بالدّعاء عند القبر، وقد سمعهم من حولهم وحكوا ذلك عنهم.ثانيًا: حديث أبي داود الذي تقدّم ذكره (استغفروا لأخيكم وسلوا له بالتثبيت) يحتمل أن يدعو كلّ واحد بمفرده ويحتمل أن يدعو واحد ويؤمّن الباقون، فلا يصحّ تقييده بوجه دون وجه.وقد سئل الشّيخ عبدالعزيز بن باز عن هذه المسألة فأجاب: «… ولا حرج في أن يدعو واحد ويؤمّن السّامعون أو يدعو كلّ واحد بنفسه للميّت”(مجموع فتاوى ابن باز:13/205).مجلة البحوث الإسلامية (68/ 53).وللشّيخ رحمه الله فتوى أخرى قيّد فيها القول بالجواز فقال: «ليس فيه مانع إذا دعا واحد وأمّن السّامعون فلا بأس إذا لم يكن ذلك مقصودًا وإنّما سمعوا بعضهم يدعو فأمّن الباقون، ولا يسمّى هذا جماعيًّا لكونه لم يُقصد». (مجموع فتاوى ابن باز: 13/340).
ومن حقّ الآخرين أن يخالفوا الشّيخ الجليل في هذه الجزئيّة أو هذا التقييد فليس في العلم كبير، وهو قوله: «فلا بأس إذا لم يكن ذلك مقصودًا».أقول: حتى وإن كان ذلك مقصودًا أو كان مرتّبًا له، فما المانع منه وما المحذور الشّرعيّ في أن يجتمع النّاس على شخص واحد ممّن يحسن الدّعاء وخاصّة في هذا الزّمان الذي كثر فيه اللغط والكلام بين المشيّعين أثناء الدّفن؟ فالدّعاء الجماعي في هذه الحالة أيقظ للقلوب وأجمع للهمّة وأبعد عن اللغو وأحفز للنّاس على التريّث وعدم الانصراف.
ثالثًا: هناك قضايا ومسائل استحسنها العلماء من قديم وأجازوها مع اختلافها بعض الشيء عن الهيئة التي كانت عليها زمن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما دام ذلك يحقّق مصلحة دينيّة معتبرة.فمن أمثلة ذلك: أنّ عبدالله بن عبّاس كان يجهر بفاتحة الكتاب على الجنازة، فلمّا سئل عن هذا قال: إنّما فعلت لتعلموا أنّها سنّة.ومن ذلك ما ذهب إليه بعض الصّحابة كابن عمر وبعض الأئمّة كالشّافعيّ من استحباب قراءة القرآن عقب الدّفن،مع أنّ هذا شيء لم يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.وأزيد من هذا استحباب بعضهم تلقين الميّت عند الدّفن. وقد سئل الإمام ابن تيميّة عن ذلك فقال: «تلقينه بعد موته ليس واجبًا بالإجماع ولا كان من عمل المسلمين المشهور بينهم على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وخلفائه، بل ذلك مأثور عن طائفة من الصّحابة كأبي أمامة وواثلة بن الأسقع، فمن الأئمّة من يرخّص فيه كالإمام أحمد وقد استحبّه طائفة من أصحابه وأصحاب الشّافعيّ،ومن العلماء من يكرهه لاعتقاده أنّه بدعة.فالأقوال فيه ثلاثة: الاستحباب والكراهة والإباحة وهذا أعدل الأقوال». (مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 24/297-298).فإذا كان هذا حال التلقين ورأيهم فيه، فالدّعاء الجماعيّ أولى بالإباحة.ومن ذلك أيضًا: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقوم في رمضان قيامًا طويلا ويصلّي إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة، فاحتاج النّاس بعد ذلك إلى التخفيف فصلّى بهم أبيّ بن كعب في زمن عمر رضي الله عنهما ثلاثًا وعشرين ركعة مع تخفيف القيام. وكان النّاس بالمدينة في إمارة عمر بن عبدالعزيز يصلّون تسعًا وثلاثين ركعة، فكان تضعيف العدد عوضًا عن طول القيام.
وفي عصرنا اضطرّ بعض أئمّة المساجد إلى أن يقسّم قيام رمضان قسمين: قسم في أول الليل وقسم في وسطه أو آخره لأجل التخفيف. ولا يعارض ذلك سنّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فالقصد هو إحياء الليل بالقيام والقرآن ولكن بالطّريقة الملائمة التي لا تشقّ على النّاس.رابعًا: مسألة الدّعاء الجماعي هذه من مسائل الخلاف التي لا يسوغ فيها الإنكار كما تقدّم، وإذا كان بعض المشايخ أو طلبة العلم لا يفعلونها فليس لهم أن يُنكروا على أتباع الرّأي الآخر ما دام الدليل يحتمل ذلك، وما دامت المسألة تقبل تعدّد الآراء. وقد رأينا أئمّة الإسلام الذين يُقتدى بهم يجوّزون أشياء ولا يفعلونها، كما كان أحمد بن حنبل يرخّص في التلقين ولا يفعله، وابن تيميّة لم يكن يرى القنوت في صلاة الفجر ولكنّه كان يفتي بأنّ من صلّى وراء إمام يقنت فإنّه يتابعه في قنوته، والأمثلة على هذا كثيرة، والله أعلم، وهو الموفّق للصّواب.اهـ كلام الدكتور .
قلت (مختار العربي مومن ) : لقد تقدم أن الدعاء الجماعي بعد الدفن من المسائل الخلافية ، وقد وقفت على حديث صحيح لعله يكون حجة للمستبصرين وهو مارواه : ما رواه الإمام مسلم في صحيحه (67 – (2867) عَنْ زَيْد بْن ثَابِت قَالَ “بَيْنَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِط لِبَنِي النَّجَّار عَلَى بَغْلَة لَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ، إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيه، وَإِذَا أَقْبُر سِتَّة أَوْ خَمْسَة أَوْ أَرْبَعَة فَقَالَ: “مَنْ يَعْرِف أَصْحَاب هَذِهِ الأَقْبُر؟” فَقَالَ رَجُل أَنَا. فَقَالَ: “فَمَتَى مَاتَ هَؤُلاءِ؟” قَالَ: مَاتُوا فِي الإِشْرَاك، فَقَالَ: “إِنَّ هَذِهِ الأُمَّة تُبْتَلَى فِي قُبُورهَا، فَلَوْلا أَنْ لا تَدَافَنُوا لَدَعَوْت اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُسْمِعكُمْ عَذَاب الْقَبْر الَّذِي أَسْمَع مِنْهُ”،
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: “تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب النَّار“.
فَقَالُوا نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب النَّار،
قَالَ: “تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب الْقَبْر“.
قَالُوا نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ عَذَاب الْقَبْر،
قَالَ: “تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ الْفِتَن مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ”.
قَالُوا نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ الْفِتَن مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ
قَالَ: “تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَة الدَّجَّال“. قَالُوا نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَة الدَّجَّال”.
فانظر رحمك الله كيف قال لهم ورددوا وراءه ، فهذا من ابين الوجوه في جواز الدعاء الجماعي ، إذ لافرق بين من يدعي والبقية يؤمِّنون لأن المؤمِّنَ مشارك للداعي في الدعاء ، قال تعالى : ” قد أجيبت دعوتكما ” فقد كان موسى يدعو وهارون يؤمِّن – عليهما الصلاة والسلام – فأخبر الله أنهما دعيا ربهما واستجاب لهما ، بل قد أزعم ولم أقرأ ذلك في كتاب أن الدعاء الجماعي اقرب للإجابة من دعوة المنفرد ، إذا ولابد أن يكون فيهم مخبتون منيبون خاشعون فيرفع الله الدعاء على قلب ذلك المخبت ويشمل الجميع بكرمه ، فاللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل واجعلنا من المتمسكين بهدي سيد الأولين والآخرين .
وحديث حُصين بن وحوح: أن طلحة بن البراء لما لقى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جعل يلصق برسول الله – صلى الله عليه وسلم – ويُقبلُ قدميه وقال: مُرني يارسول الله بما أحببت، لا أعصى لك أمراً، فعجب لذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – [وهو غلام] وقال لهُ: اذهب فاقتل أباك، فذهب مُولياً ليفعل، فدعاهُ وقال: إني لم أُبعث بقطيعة رحمٍ، ومرض طلحةُ بعد ذلك، فأتاهُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليعودهُ في الشتاء في بردٍ وغيمٍ، فقال لأهله إني لأرى طلحة قد حدث فيه الموت، فآذنوني به أصلي عليه، وعجلوهُ، فما بلغ النبي – صلى الله عليه وسلم – بني سالم بن عوفٍ حتى تُوفي وجنَّ عليه الليل، وكان فيما قال [طلحة]: ادفنوني، وألحقوني بربي عز وجل، ولا تدعو رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، فإني أخاف عليه اليهود أن يُصاب في سببي، فأخبر به النبي – صلى الله عليه وسلم – حين أصبح، فجاء حتى وقف على قبره، فصفَّ الناس معه،
ثم رفع يديه ثم قال: اللهم الق طلحة تضحكْ إليه ويضحك إليك( هذا لفظ أبي نُعيم واختصرهُ أبوداود (الجنائز ح 3159)، وابن أبي عاصم في السنة (1/ 246))ورواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن: 3/37.
وقد نص الحافظ المزي على اختصار أبي داود: أخرجه في الجنائز: باب التعجيل بالجنازة وكراهية حبسها: 3/200.
،وعلة الحديث: (عروة بن سعيد)، في التقريب (ص 674 ت 4595): “مجهول”. وضعف الألباني الحديث بسببه، في تحقيقه على السنة لابن أبي عاصم، وفي هذا التضعيف نظر لما له من متابعات يتقوى بها الحديث لم يذكرها الشيخ الألباني في تحقيقه ولعله لم يقف عليها (إذ من عادته رحمه الله التقصي في التخريج)
ونشرها محتسبا : أبوسليمان مختار العربي مومن الجزائري ثم الشنقيطي 08شوال 1443 الموافق :09/05/2022
مرتبط