ما حكم قول المسلم لأخيه المسلم جمعة مباركة أو يهنئه بشهر رمضان ونحوهما ، وهل صحيح أن هذه الجملة خبرية لفظا إنشائية معنى بارك الله فيكم؟.

10-04-2021 1350 مشاهدة

ما حكم قول المسلم لأخيه المسلم جمعة مباركة أو يهنئه بشهر رمضان ونحوهما ، وهل صحيح أن هذه الجملة خبرية لفظا إنشائية معنى بارك الله فيكم؟.

الجواب : لاشكّ أنّ الجمعة يوم عيد للمسلمين يمر عليهم كل أسبوع ، وهو يوم مبارك ، ودعاء المسلم لأخيه المسلم بذلك لاأرى فيه منعا إذا كان على سبيل الدعاء لاالسنية ، وقد ثبت أنّ الصّحابة رضي الله عنهم  كانوا إذا التقوا في الأعياد دعوا لبعضهم البعض بالقبول ،  فعن جبير بن مطعم قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك” قال الحافظ: إسناده حسن.

وقد رواه البيهقي مرفوعا والموقوف أصحّ كما قال الحافظ ابن حجر كما في جزء التهنئة له[1] ، ونقل عن مالك أن التهنئة لاتكره في الأعياد، وعن ابن حبيب قال : لاأعرفه ولاأكرهه [2]، قال ابن رشد”  يريد أنه لا يعرفه في السنة، ولا ينكره لأنّه قول حسن..

وقد استدل من جوز تلك التهاني بما ثبت في الصحيحين ماذكره أبوحمزة الضبعي أنه أخبره ابن عباس بأنه رأى في المنام من قال له : متعة متقبلة ” البخاري (1688) بهذا اللفظ ومسلم (1242) بلفظ : عمرة متقبلة .

وأخرج الفاكهي والأزرقي والبيهقي من طريق مرسلة أن الملائكة قالوا لآدم لما حجّ : برَّ نسكك ، أي قبل[3] .

قال الحافظ : وفي عدة أحاديث صحاح وحسان مشروعية الدعاء بقبول الأعمال الصالحة : وهي على وفق الآية (أي آية الخليل ربنا تقبل منا …الآية عند إتمامه الكعبة ).

وفي رد رابطة علماء سوريا الأحرار على بعض أهل العلم الذين رأووا بدعية القول بجمعة مباركة ونحوها  ، فقال الشيخ بلال فيصل البحر”: والواقع أن هذا الإطلاقَ(أي البدعة )  مجازفةٌ منه، فقد شهد لجوازه الأثرُ والنَّظرُ.

فأمَّا الأول: فعمومات النُّصوص باستحبابِ الدّعاء بالبركة وهو كاف في مثل هذا المورد عند الجمهور، ولا سيما أنَّ في الدّعاء بذلك مصلحة تأليف قلوب النّاس، واستجلاب المودَّة ودوام حُسن العشرة بينهم، وهو مقصودٌ للشارع.

وقد أخرج الطبراني والخرائطي وأبو الشيخ في (الثواب) بسند ضعيف أن النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم ذكر حقوقَ الجار، فذكر منها (وإن أصابَه خيرٌ هنَّأته) وهو عامٌّ في سائر الأوقات وفي كل خير، ولا ريب أن التَّهنئةَ والدُّعاءَ بالبركة في الجمعة أولى لأنه تـهنئةٌ على طاعة وقُربة، وفي يوم عيد والأصل في الأعياد التهنئة.

ولا يضر ضعفه فقد قطع البيهقي في (الشعب) بأن المحققين من أهل الحديث يتسامحون في الخبر الضعيف في الفضائل ما لم يكن موضوعا أو معارضا لما هو أصح، ويقويه:

الثاني: وهو النظر والقياس، فقد ثبت في عمل جماعة من السلف في آثار كثيرة التَّـهنئة بالعيد، كواثلة وأبي أمامة وعمر بن عبد العزيز والحسن البصري وغيرهم، بل أخرج الحافظ زاهر بن طاهر الشَّحَّامي في (تُحفة العيد) بسنده عن جُبير بن نُفير قال: (كان أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا في يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبَّل اللهُ منا ومنكم) فالتَّهنئةُ بالدعاء في الجمعة بالبركة مثله ولا فرق، بجامع كونـهما عيداً، فتأمل.

ودعوى عدم الورود لا تستلزم العدم مطلقًا عند الجمهور من أهل الأصول، وإنما تفيده حيث أنكره السلف، ولا سيما في قضية الأدب التي الأصل فيها العرف لأن مقصود الشارع منه تحقق الألفة والمودة بين الناس، وهذا من جنس الملائم المرسل وقد تقرر العمل عليه عند أهل الأصول، والتهنئة أدب.

وقد ذكر العلامة السيوطي عن القَّمُّولي أن الحافظ المنذري نقل في (فوائده) عن الحافظ الفقيه أبي الحسن المقدسي أنه سُئل عن التهنئة في أوائل الشهور والسنين: أهو بدعة أم لا؟ فأجاب بأن الناسَ لم يزالوا مختلفين في ذلك، والذي أراه أنه مباح ليس بسنَّة ولا بدعة، ونقله الشرف الغزي في (شرح المنهاج) ولم يزد عليه.

وهكذا ذكر أبو العباس بن تيمية أنه لا يُنكر من هنَّأ على من لم يـُهنِّئ، وما زال النَّاسُ في كافَّة الأعصار والأمصار يُظْهرون التَّهنئةَ بالبركة في الجُمَع وغيرها من غير نكير من العلماء والفقهاء، بل لقد نصَّ السَّفَّاريني على استحباب التَّهنئة لكل نعمة دينية تَتَجدَّد، واحتجَّ بقصة كعب بن مالك وتـهنئة الصحابة له بالتوبة، وتـهنئة الصحابة للنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم لـمَّا نزلت سورة الفتح بقولهم: هنيئاً مريئاً.

وقد حكي عن أحمد في إحدى الروايتين تجويزه تـهنئة أهل الذمة بنحو مولود وعُرس وغيرهما، فالتهنئة بالجمعة للمسلم وهو عيد تجوز بطريق الأولى تخريجًا على نص أحمد، وقال بعض أصحاب أحمد في نظم له في أحكام الذمِّيين:

وقولانِ في تجويزِ تـهنئةٍ وفي … عيادتـِهم ثمَّ العزا في مُلحدِ

وبعد يا شيخ صالح رعاك الله، فقد قال الإمامُ القدوة سفيان الثوري: (العلمُ عندنا الرُّخصةُ من ثقة، فأمَّا التَّشديدُ فيُحسِنُهُ كلُّ أحد).

يقول العلامة السعدي ـ رحمه الله ـ مبيناً هذا الأصل في جواب له عن حكم التهاني في المناسبات ؟ ـ كما في “الفتاوى” في المجموعة الكاملة لمؤلفاته (348) ـ       :

” هذه المسائل وما أشبهها مبنية على أصل عظيم نافع ،وهو أن الأصل في جميع العادات القولية والفعلية الإباحة والجواز ،فلا يحرم منها ولا يكره إلا ما نهى عنه الشّارع ،أو تضمن مفسدة شرعية ،وهذا الأصل الكبير قد دل عليه الكتاب والسنة في مواضع، وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره   .

فهذه الصّور المسؤول عنها وما أشبهها من هذا القبيل ،فإنّ النّاس لم يقصدوا التّعبد بها ،وإنّما هي عوائد وخطابات وجوابات جرت بينهم في مناسبات لا محذور فيها ،بل فيها مصلحة دعاء المؤمنين بعضهم لبعض بدعاء مناسب ،وتآلف القلوب كما هو مشاهد       .

أما الإجابة في هذه الأمور لمن ابتدأ بشيء من ذلك ،فالذي نرى أنه يجب عليه أن يجيبه بالجواب المناسب مثل الأجوبة بينهم ،لأنها من العدل ،ولأن ترك الإجابة يوغر الصدور ويشوش الخواطر    .

ثم اعلم أن هاهنا قاعدة حسنة ،وهي : أن العادات والمباحات قد يقترن بها من المصالح والمنافع ما يلحقها بالأمور المحبوبة لله ،بحسب ما ينتج عنها وما تثمره ،كما أنه قد يقترن ببعض العادات من المفاسد والمضار ما يلحقها بالأمور الممنوعة ،وأمثلة هذه القاعدة كثيرة جداً ” ا هـ كلامه .

[1] – لقاء العشر الاواخر بالمسجد الحرام (6/36).

[2] – البيان والتحصيل (18/452).

[3] – الشافعي في الأم (2/141) والمسند(1/116)

نص الفتوى