رفع الضرر في غض البصر
28-10-2020 1454 مشاهدة
رفع الضرر في غض البصر
إعداد
أبي سليمان المختار بن العربي مؤمن
الإمام والخطيب والباحث الشرعي بإدارة الأوقاف
والشؤون الإسلامية بدولة قطر
بسم الله الرحمن الرحيم
رفع الضرر في غض البصر
محاضرة لقاء الثلاثاء : 28 ذو الحجة 1433هـ الموافق لـ: 13/11/2012
بجامع سعد ماجد آل سعد
الحمدلله القائل في كتابه ] قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم [ ، والصلاة والسلام الدائم على نبي الهدى الداعي إلى رضوان الله وعلى ىله وصحبه وسلم وبعد :
فماأجمل ديننا الحنيف الذي جعل الوقاية من كل الأضرار قبل وقوعها ، وأمر المسلم أن يجتنب خطوات الشيطان قبل اقتراف المنكرات والسقوط في براثن الموبقات ، وأنزل قرءانا يتلى وجعله سبيل النجاة ومن سورة الحسنى سورة النور التي من تأملها وتدبرها وعمل بها كانت له نورا في الدنيا والآخرة نورا ، " هذه سورة النور.. يذكر فيها النور بلفظه متصلا بذات الله: «اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» ويذكر فيها النور بآثاره ومظاهره في القلوب والأرواح ممثلة هذه الآثار في الآداب والأخلاق التي يقوم عليها بناء هذه السورة. وهي آداب وأخلاق نفسية وعائلية وجماعية، تنير القلب، وتنير الحياة ويربطها بذلك النور الكوني الشامل أنها نور في الأرواح، وإشراق في القلوب، وشفافية في الضمائر، مستمدة كلها من ذلك النور الكبير[1].
"ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور يهد الله لنوره من يشاء " [النور ].
لقد جاءت بداية السورة توجه المجتمع بأوامر ربانية ليحافظ على كيانه ، ويسمو بعيدا عن سفاسف الشهوات والملذات ، فينال رفيع الدرجات ولن يكون إلا بامتثال الأوامر الربانية واجتناب النواهي الإلهية لكي تشرق بين ربوعه شمس الهداية الإيمانية والسعادة القرءانية .
فجاء غض البصر مأمورا به ليشمل جميع الشهوات الفاتنة والمهالك المضلة وليس مقصورا كما نفهمه كثيرا عند إطلاقه أنه أمر يختص بغض البصر عن النّساء ، فهنّ لاشك جزء من أخطر الفتن المحدقة بدين الرجل وآخرته كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي عَلَى أُمَّتِي فِتْنَةً ، أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ " أخرجه أحمد" 5/200(22089) و"البُخَارِي" 7/11(5096). و"مسلم" 8/89(7045).
ومن تأمل القرءان وجد أنّ غض البصر يتجاوز ذلك المفهوم القاصر الذي ندور حوله ، وإن كان كما ذكرنا أنه من رأس الشهوات ، وقد قسم العلماء غض البصر إلى عدة إلى أمور :
أولها : غض البصر عن عورات الناس ، ومن ذلك زينة المرأة الأجنبية .
" إن الله سبحانه قد أمر فى كتابه بغض البصر وهو نوعان :
غض البصر عن العورة ، وغضه عن محلّ الشهوة .
فالأول كغضّ الرّجل بصره عن عورة غيره .
وأما النوع الثاني من النّظر كالنظر إلى الزينة الباطنة من المرأة الأجنبية ، فهذا أشد من الأول ، كما أن الخمر أشد من الميتة والدم ولحم الخنزير ، وعلى صاحبها الحد … لأن هذه المحرمات لا تشتهيها النفوس كما تشتهى الخمر " انتهى[2] .
وقد تورادت نصوص الشرع في التحذير من النظر إلى المرأة الأجنبية والتلذذ
2- غض البصر عن بيوت الناس وما أغلقت عليه أبوابهم :
" وكما يتناول غض البصر عن عورة الغير وما أشبهها من النظر إلى المحرمات ، فإنه يتناول الغض عن بيوت الناس ، فبيت الرجل يستر بدنه كما تستره ثيابه ، وقد ذكر سبحانه غض البصر وحفظ الفرج بعد آية الاستئذان ، وذلك أن البيوت سترة كالثياب التى على البدن " انتهى[3] .
" ومن النظر الحرام النظر إلى العورات ، وهي قسمان : عورة وراء الثياب . وعورة وراء الأبواب " [4] .
3- غض البصر عما في أيدي الناس من الأموال والنساء والأولاد والمتاع ونحوها
قال تعالى : ( لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ) الحجر/88 ) .
قال ابن سعدي في "تفسيره" (434) :" أي: لا تعجب إعجابا يحملك على إشغال فكرك بشهوات الدنيا التي تمتع بها المترفون ، واغترَّ بها الجاهلون ، واستغن بما آتاك الله من المثاني والقرآن العظيم " انتهى .
وقال أيضا (ص/516) :" أي : لا تمدن عينيك معجبا ، ولا تكرر النظر مستحسنا إلى أحوال الدنيا والمُمَتَّعين بها ، من المآكل والمشارب اللذيذة ، والملابس الفاخرة ، والبيوت المزخرفة ، والنساء المجملة ، فإن ذلك كله زهرة الحياة الدنيا ، تبتهج بها نفوس المغترين ، وتأخذ إعجابا بأبصار المعرضين ، ويتمتع بها – بقطع النظر عن الآخرة – القوم الظالمون ، ثم تذهب سريعا ، وتمضي جميعا، وتقتل محبيها وعشاقها ، فيندمون حيث لا تنفع الندامة، ويعلمون ما هم عليه إذا قدموا في القيامة ، وإنما جعلها الله فتنة واختبارا ، ليعلم من يقف عندها ويغتر بها، ومن هو أحسن عملا " اهـ .
وما أحسن قول الشاعر:
وغض عن المحارم مـنك طــرفــــا |
|
طموحا يفتِنُ الرّجل اللَّبِيبَا |
ثالثا : قواعد ذهبية معينة على غض البصر :
الأولى: إذا نظرت نظر الفجأة فاصرف بصرك:
ففي صحيح مسلم عن جرير بن عبدالله البجلي قال سَأَلْت رَسُول اللَّه عَنْ نَظْرَة الْفَجْأَة, فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِف بَصَرِي.
قال النووي في شرح مسلم وَمَعْنَى نَظَر الْفَجْأَة أَنْ يَقَع بَصَره عَلَى الْأَجْنَبِيَّة مِنْ غَيْر قَصْد فَلَا إِثْم عَلَيْهِ فِي أَوَّل ذَلِكَ , وَيَجِب عَلَيْهِ أَنْ يَصْرِف بَصَره فِي الْحَال , فَإِنْ صَرَفَ فِي الْحَال فَلَا إِثْم عَلَيْهِ , وَإِنْ اِسْتَدَامَ النَّظَر أَثِمَ لِهَذَا الْحَدِيث , فَإِنَّهُ أَمَرَهُ بِأَنْ يَصْرِف بَصَره مَعَ قَوْله تَعَالَى: قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ .
فاصرف بصرك أيها الموفق مااستطعت إلى ذلك سبيلا .
دخل الإمام الأعمش حماما فرأى رجلا عريانا فأغمض عينيه وصار يتلمس الحائط فانتبه إليه الرجل وقال : متى فقدت بصرك يإمام ؟ فقال : منذ أن كشف الله عورتك .
القاعدة الثانية:
اجتنب تكرار النظر بعد الفجأة ففي الحديث : (يا علي! لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى و ليست لك الآخرة) رواه الإمام أحمد وأبوداود وهو حديث حسن.
وهذه قاعدة متصلة بالقاعدة السابقة، ومكملة لها، وهي قاعدة ذهبية في غض البصر وحفظه عن الحرام، لا سيما في هذه البلاد.
قال ابن الجوزي: "وهذا لأنّ الأولى لم يحضرها القلب, ولا يتأمل بها المحاسن, ولا يقع الالتذاذ بها, فمتى استدامها مقدار حضور الذّهن كانت كالثانية في الإثم".
القاعدة الثالثة: تجنب الجلوس والتسكع في الطرقات:
في صحيح مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: ((إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الْأَذَى وَرَدُّ السَّلَامِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ)).
قال النووي: "هَذَا الْحَدِيث كَثِير الْفَوَائِد, وَهُوَ مِنْ الْأَحَادِيث الْجَامِعَة, وَأَحْكَامه ظَاهِرَة, وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْتَنَب الْجُلُوس فِي الطُّرُقَات لِهَذَا الْحَدِيث".
فقد نهاهم الرسول عن الجلوس في الطرقات لأنها مظنة التعرض للنظر المحرم، ولايعطى الطريق حقه إلا بغض البصر، وكف الأذى.
القاعدة الرابعة: يَعْلَمُ خَائِنَةَ ٱلاْعْيُنِ وَمَا تُخْفِى ٱلصُّدُورُ [غافر:19].
قال ابن عباس: (هو الرجل يكون جالساً مع القوم فتمر اّلمرأة فيسارقهم النّظر إليها، وعنه: هو الرّجل ينظر إلى المرأة فإذا نظر إليه أصحابه غضّ بصره, فإذا رأى منهم غفلة تدسس بالنظر, فإذا نظر إليه أصحابه غض بصره, وقد علم الله عز وجل منه أنه يود لو نظر إلى عورتها).
وقال مجاهد هي مسارقة نظر الأعين إلى ما نهى الله عنه.
وقال قتادة: هي الهمزة بعينه وإغماضه فيما لا يحب الله تعالى[5].
سئل الجنيد: بم يستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق إلى ما تنظره. وكان الإمام أحمد ينشد:
إذا ما خلوت الدهر يوما فــلا تقل خلوت ولكن قل على رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ســـاعة ولا أن ما يخفى عليـــه يغيب
القاعدة السادسة: ((احفظ الله يحفظك ))
يا أخي أحطت نفسك بأسوار الشيطان، وتخندقت في حبائله، ثم بعد ذلك تطالب نفسك بما لا مقدرة عليه، وتتمنى أن تغض بصرك.
ترجو السلامة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس
قال ابن تيمية: وتأمّل كيف عصم الله عز وجل يوسف عليه السلام من فتنة امرأة العزيز، فقد كانت مشركة فوقعت مع تزوجها فيما وقعت فيه من السوء، ويوسف عليه السلام مع عزوبته ومراودتها له واستعانتها عليه بالنسوة وعقوبتها له بالحبس على العفة عصمه الله بإخلاصه لله تحقيقاً لقوله: وَلاغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ [الحجر:39، 40]، قال تعالى: إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ [الحجر:42].
القاعدة الثامنة: ((وأتبع السيئة الحسنة تمحها))
إذا وقع منك ماوقع فاتبع السيئة بحسنة من صلاة أو صدقة واستغفار وغيرها مما يرضي الحليم الغفار .
رابعا : من فوائد غض البصر :
"في غض البصر عدة منافع[6] :
أحدها : أنه امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده ، وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى ، وما سعد من سعد في الدنيا والآخرة إلا بامتثال أوامره ، وما شقي من شقي في الدنيا والآخرة إلا بتضييع أوامره .
الثانية : أنه يمنع من وصول أثر السهم المسموم الذى لعل فيه هلاكه إلى قلبه .
الثالثة : أنه يورث القلب أنسا بالله ، وجمعية على الله ، فإن إطلاق البصر يفرق القلب ويشتته ويبعده من الله ، وليس على العبد شيء أضرّ من إطلاق البصر ، فإنّه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه .
الرابعة : أنه يقوي القلب ويفرحه ، كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه .
الخامسة : أنه يكسب القلب نورا ، كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة ، ولهذا ذكر سبحانه آية النور عقيب الأمر بغض البصر ، فقال : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) النور/30 ثم قال إثر ذلك : (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ) النور/35 أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه ، وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب ، كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان ، فما شئت من بدعة وضلالة واتباع هوى واجتناب هدى وإعراض عن أسباب السعادة واشتغال بأسباب الشقاوة ، فإن ذلك إنما يكشفه له النور الذي في القلب ، فإذا فقد ذلك النور بقي صاحبه كالأعمى الذي يجوس في حنادس الظلام .
السادسة : أنه يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق والمبطل والصادق والكاذب ، … والله سبحانه يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله ، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، فإذا غض بصره عن محارم الله عوضه الله بأن يطلق نور بصيرته ، عوضة عن حبسه بصره لله ، ويفتح له باب العلم والإيمان والمعرفة والفراسة الصادقة المصيبة ، التي إنما تنال ببصيرة القلب ، وضد هذا ما وصف الله به اللوطية من العمه الذي هو ضد البصيرة فقال تعالى : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ) الحجر/72
السابعة : أنه يورث القلب ثباتا وشجاعة وقوة ، ويجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة وسلطان القدرة والقوة ، كما في الأثر : ( الذي يخالف هواه يفر الشيطان من ظله ) ومثل هذا تجده في المتبع هواه من ذل النفس ووضاعتها ومهانتها وخستها وحقارتها ، ما جعله الله سبحانه فيمن عصاه ، كما قال الحسن : ( إنهم وإن طقطقت بهم البغال ، وهملجت بهم البراذين ، فإن المعصية لا تفارق رقابهم ، أبى الله إلا أن يذل من عصاه ) .
الثامن : أنه يسد على الشيطان مدخله من القلب ، فإنه يدخل مع النظرة ، وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهوى في المكان الخالي، فيمثل له صورة المنظور إليه، ويزينها ويجعلها صنما يعكف عليه القلب ، ثم يَعِدُهُ ويُمَنِّيه ، ويوقد على القلب نار الشهوة ، ويلقي عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة ، فيصير القلب في اللهب ، فمن ذلك اللهب تلك الأنفاس التي يجد فيها وهج النار ، وتلك الزفرات والحرقات ، فإن القلب قد أحاطت به النيران بكل جانب ، فهو في وسطها كالشاة في وسط التنور ، لهذا كانت عقوبة أصحاب الشهوات بالصور المحرمة أن جُعل لهم في البرزخ تنورٌ من نار .
التاسع : أنه يفرغ القلب للفكرة في مصالحه والاشتغال بها ، وإطلاق البصر يشتت عليه ذلك ويحول عليه بينه وبينها ، فتنفرط عليه أموره ، ويقع في اتباع هواه ، وفي الغفلة عن ذكر ربه ، قال تعالى : ( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ) الكهف/28
العاشر : أن بين العين والقلب منفذا أو طريقا يوجب اشتغال أحدهما عن الآخر ، وأن يصلح بصلاحه ويفسد بفساده ، فإذا فسد القلب فسد النظر ، وإذا فسد النظر فسد القلب ، وكذلك في جانب الصلاح " انتهى [7].
وأما في عصرنا الحاضر فظهرت أمور كثيرة عن طريق الوسائل الحديثة التي تكشف لنا يوميا أن القرءان والوحي الذي نطق به نبينا صلى الله عليه وسلم يمثل للحضارة إعجازا علميا رائعا ففي مجال البصر كتب الشيخ الدكتور زغلول النجار فقال :
الإعجاز العلمي في القرآن في غض البصر
يقول الله عزوجل ) قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم [سورة النـــور؛ فقال العلماء أزكى معنى أطهر وأنفع وأطيب.
وقد قال عليه السلام » النظرة سهم من سهام إبليس المسمومة , فمن تركها من خوف من الله عزوجل أثابه الله إيمانا يجد حلاوته في قلبه«[8]
والسهم إذا دخل الجسم أحدث جرحا فقد يتلف مكانا معينا, أما حين يكون السهم مسموما فإن السم يسري إلى كل أنحاء الجسم
فالنبي عليه السلام قبل أربعة عشر قرنا بيَّن مخاطر النظرة التي تتبع النظرة , فالنظرة كالضغط على الزناد, الذي تبدأ بسببه سلسلة من التفاعلات والإفرازات الهرمونية الجنسية المعقدة , التي لها تأثير على كل عضو,بل على كل خلية والتي تهيء الجسم لعملية الاتصال الجنسي وكل هذا يجب أن يتم في وقت محدد , أما إذا استمر انطلاق هذه الهرمونات في الجسم دون تفريغ هذه الشحنة , فإنها سوف تؤدي إلى مضاعفات خطيرة في الجسم.
وفي بحث أجري قبل 20عاما توصل إلى النتائج التالية:
أولا : هذه الهرمونات تجري في الأوعيه , وتجول في الجسم الإنسان الذي يطلق بصره في الحرام طوال النهار .
والنبي الكريم نهى عن إتباع النظرة النظرة، ونهى عن تبرج النساء، وعن تعطر المرأة إذا خرجت من بيتها، ونهى عن الخلوة بالأجنبية، ونهى عن المصافحة ،ونهى أن تمتنع المرأة عن فراش زوجها، وكل هذا للوقاية من أمراض كثيرة .
فما الذي يحدث؟
أولا: ظهور رائحة كريهة جدا من الإبطين والقدمين من أثر دورة هذه السموم في الجسم طوال النهار بسبب إطلاق البصر والمجلات ومشاهد جنسية وأفلام ونساء كاسيات عاريات ….
فهذا بدوره يؤدي إلى دورة هذه الهرمونات طوال النهار وزيادة كميتها وامتداد دورانها في الجسم
( الهرمونات الجنسية الزائدة عن الحد تعتبر سموما إذا زادت عن الكمية المحددة وكذالك إذا امتد إفرازها في الجسم طوال النهار )
ثانيا: توسع فتحات الغدد العرقية والدهنية في الكعبين وأسفل القدمين وفي المؤخرة , وهذا يسبب البواسير .
وتوسع الفتحات الدهنية يسبب حب الشباب من دورة الهرمونات …
والهرمونات الجنسية , التي هي كالسموم , وتهيجها لحد أكثر من المتوسط يسبب داء الشقيقة أو الصداع النصفي الذي لا يوجد له علاج ليومنا هذا
أما الشيء المخيف فاآلام المفاصل ولا سيما الكبيرة ..
كمفصل الركبة والورك , ويبدوا أن هذه الهرمونات تقلل من لزوجة السائل الذي بين العظام وهذا يؤدي إلى جفاف السائل ثم احتكاك العظام ثم إلى آلام مفصلية لا تحتمل .
أما في مجال القلب والأوعية الدموية فاستمرار هذه الهرمونات في الجسم تسبب هبوط في ضربات القلب وبطء في الدوران الدموي
ثم أن هذه السموم قد تسبب جلطة دهنية إذا ما ترسبت في مكان معين
ومن بعض هذه الآثار هو حدوث توسع في غدة البروستاتة
وكل هذا مصداقا لحديث رسولنا الكريم الذي أخبر يه عن الله عزوجل : …..
] النظرة سهم من سهام إبليس المسمومة , فمن تركها من خوف من الله عزوجل أثابه الله إيمانا يجد حلاوته في قلبه)[9].
المرخص لهم في النظر :
قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله تعالى : (ولا) حرج (في النّظر إلى المتجالة )أي كبيرة السن (ولا ) حرج ( في النّظر إلى الشّابة) وتأمّل صفتها ( لعذر من شهادة عليها ) في نكاح أو بيع ومثل الشّاهد الطّبيب والجرّاح ولايجوز له ان يتعدى النظر إلى غير موضع العلة (وقد أرخص في ذلك) أي في النّظر إلى الشّابة (للخاطب) وذلك لما روى أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه [10] من حديث المغيرة بن شعبة t أنه خطب امرأة فقال النبي e :« انظر إليها فإنّه أحرى أن يؤدم بينكما » وروى أحمد ومسلم [11] من حديث أبي هريرة قال:« كنت عند النبي e فأتاه رجل فأخبره أنه تزوّج امرأة من الأنصار فقال رسول الله e أنظرت إليها، قال :لا ،قال: اذهب فانظر إليها فإنّ في أعين الأنصار شيئا » ،وغيرها من الأحاديث.
فيرخص للخاطب
والشاهد على امرأة أمام القضاء
والطبيب بقدر علة المريض .
قصص واقعية :
ساق أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه ذم الهوى بقوله : "بلغني عن رجل كان ببغداد يُقال له : صالح المؤذن ، أذّن أربعين سنة ، وكان يُعرف بالصلاح ، أنه صعد يوماً إلى المنارة ليؤذن ، فرأى بنت رجل نصراني كان بيته إلى جانب المسجد ، فافتتن بها ، فجاء فطرق الباب ، فقالت : من ؟ فقال : أنا صالح المؤذن ، ففتحت له ، فلمّا دخل ضمّها إليه ، فقالت : أنتم أصحاب الأمانات فما هذه الخيانة ؟ فقال : إن وافقتني على ما أريد وإلاّ قتلتك . فقالت : لا ؛ إلا أن تترك دينك ، فقال : أنا بريء من الإسلام ومما جاء به محمد ، ثم دنا إليها ، فقالت : إنما قلت هذا لتقضي غرضك ثم تعود إلى دينك ، فكُلْ من لحم الخنزير ، فأكل ، قالت : فاشرب الخمر ، فشرب ، فلما دبّ الشراب فيه دنا إليها ، فدخلت بيتاً وأغلقت الباب ، وقالت : اصعد إلى السطح حتى إذا جاء أبي زوّجني منك ، فصعد فسقط فمات،فخرجت فلفّته في ثوب ، فجاء أبوها ، فقصّت عليه القصة ، فأخرجه في الليل فرماه في السكة ،فظهر حديثه ، فرُمي في مزبلة"[12] .
أما الحكاية الثانية :فقد ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في حوادث سنة ثمان وسبعين ومائتين ما يلي : "وفيها توفي عبدة بن عبد الرحيم قبحه الله ذكر ابن الجوزي أن هذا الشقيّ كان من المجاهدين كثيراً في بلاد الروم ، فلما كان في بعض الغزوات والمسلمون يحاصرون بلدة من بلاد الروم ، إذ نظر إلى امرأة من نساء الرّوم في ذلك الحصن، فهويها ، فراسلها : ما السّبيل إلى الوصول إليك ؟ فقالت : أن تتنصر وتصعد إليّ ، فأجابها إلى ذلك ، فما راع المسلمين إلاّ وهو عندها ، فاغتمّ المسلمون بسبب ذلك غمّاً شديداً ، وشقّ عليهم مشقة عظيمة ، فلما كان بعد مدة مرّوا عليه وهو مع تلك المرأة في ذلك الحصن ، فقالوا : يا فلان ما فعل قرآنك ؟ ما فعل علمك ؟ ما فعل صيامك ؟ ما فعل جهادك ؟ ما فعلت صلاتك ؟ فقال : اعلموا أني أُنسيت القرآنَ كلّه إلاّ قوله :] رُّبَمَا يَوَدُّ الَذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يأكلوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [[13]وقد صار لي فيهم مال وولد"[14] .
قصة واقعية عامل محطة بنزين يتزوج بأجمل جميلات نيوزلندا :
كانت إحدى ملكات جمال نيوزيلندا يهفو إليه الجمهور الكبير في داخل بلدها وخارجه لينعموا بنظرة إلى جمالها ، ولكن كان هناك شاب مسلم من جنسية آسيوية يعمل في محطة بنزين قريب من بيتها، وكلما جاءت الملكة لمحطة البنزين لتزود سيارتها بالبترول غض الشاب بصره وملأ ماتحتاجه وأخذ الثمن ، مما جعل الملكة تمتلئ غيظا وحنقا عليه ، فهو لايبالي بها وهي التي فتنت الجماهير في العالم ، ولم يطل صبرها ففي يوم من أليام نزلت من سيارتها لتصب جام غضبها على الشاب الذي قهرها بامتثاله لربه ، فسألته من أنت ؟ ومن أين أنت ؟ هل أنت بشر أم جماد ؟ وماديانتك ؟ لماذا تقهرني بعدم الالتفات إلي والنظر في جمالي ومحاسني ؟ فأخبرها بأنه مسلم وأن دينه يحرم عليه إطلاق بصره في غير ماضرورة ، فأسلمت على يديه ، وقالت لابد أن تكون زوجا لاأرضى بغير ذلك ، فتزوجها وحسن إسلامها .
وفي قصة أخرى حكاها الشيخ الداعية محمد حسان أن شابا مغربيا سافر إلى أمريكا وفي يوم من الأيام قدر له أن يجتمع بفتاة جميلة في إحدى الأبراج العالية إلا أن الشاب لم يرفع رأسه لينظر إلى هذه الجميلة التي كانت طول الوقت خائفة من هذا الذي ركّز نظره في الأرض دون أن يغويه جمالها ، ويغويه الشيطان لفعل مايخل بإيمانه ودينه ، فما إن وطئت أقدامهم باحة البرج ومر ذاهبا حتى نادته قائلة ، ألم يعجبك جمالي ؟ فقال لها وهو غاض بصره لم أر جمالك ليعجبني أو لايعجبني !، فأنا مسلم امرني ربي بغض البصر ؟ فقالت من ربك هذا فقال : الله ، قالت أي ديانة تعتنقها، قال : الإسلام ، فقالت ماأجمل هذا الدين الذي ينهاك عن إيذاء الغير حتى بالنظر ، قالت وهي مندهشة من أخلاقه وسمته هل تتزوجني ، قال أنا مسلم ولايجوز لي أن أتزوج امرأة على غير ديني ؟ قالت فإن دخلت دينك ، قال : نعم ، فأسلمت ،وتزوج بها ، وأعطته جميع ماتملك وكانت من أسرة ثرية جدا فاصبح بغضِّ بصره مليارديرا . صدق الله العظيم القائل ] ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لايحتسب [[الطلاق] .
من الأشعار الرائقة في الباب :
قال الشاعر:
وكنت متى أرسلت طرفـك رائـداً لقلبك يومـــاً أتعبتك المناظر
رأيت الـذي لا كله أنت قادر عليـ ـه ولا عن بعضه أنت صابر
والنظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرمية، فإن لم تقتله جرحته، وهي بمنزلة الشرارة من النار ترمى في الحشيش اليابس، فإن لم يحرقه كله أحرقت بعضه، والناظر يرمي من نظره بسهام غرضها قلبه، وهو لا يشعر فهو إنما يرمي قلبه.
وقال الشاعر:
إذا أنت لم ترع البــروق اللوامحا ونمت جرى من تحتك السيل سائحا
غرست الهوى باللحـظ ثم احتقرته وأهملته مستأنسا متســـــامحا
ولم تدر حتى أينعت شجـــراتـــه وهبت رياح الوجد فيــه لواقحا
فأمسيت تستدعي من الصبر عازبا عليك وتستدني من النــوم نازحا
وقال آخر :
يا راميا بسهام اللحــظ مجتهدا أنت القتيل بما ترمي فــلا تصب
وباعث الطرف يرتاد الشفاء لـه توقــه فإنه يأتيك بالعطــــب
ترجو الشفاء بأحداق بها مرض فهل سـمعت ببرء جاء من عطـب
وبائعا طيب عيش ما له خطـر بطيف عيش من الأيـــام منتهب
غبنت والله غـبنا فاحشا فلو اس ترجعـت ذا العقد لم تغبن ولم تخب
"و رُفِعَتْ لِلْإِمَامِ أَبِي الْخَطَّابِ بْنِ أَحْمَدَ الْكُلُوذَانِيِّ مِنْ أَكَابِرِ الأئمة والعلماء رُقْعَةٌ فِيهَا:
قُلْ لِأَبِي الْخَطَّابِ نَجْمِ الْهُدَى وَقُدْوَةِ الْعَــالَمِ فِي عَصْرِهِ
لَا زِلْت فِي فَتْوَاك مُسْتَأْمَـنًا مِنْ خُدَعِ الشَّيْطَانِ أَوْ مَكْرِهِ
مَاذَا تَرَى فِي رَشَــإٍ أَغْيَدَ حَازَ اللَّمـَا وَالدُّرَّ فِي ثَغْرِهِ
لَمْ يَحْكِ بَدْرَ التِّمِّ فِي حُسْنِهِ حَتَّى حَكَى الزُّنْبُورَ فِي خَصْرِهِ
فَهَلْ يُجِيزُ الشَّرْعُ تَقْبِيــلَهُ لِمُسْتَهَامٍ خَــافَ مِنْ وِزْرِهِ
أَمْ هَلْ عَلَى الْمُشْتَاقِ فِي ضَمِّهِ مِنْ غَيــْرِ إدْنَاءٍ إلَى صَدْرِهِ
إثْمٌ إذَا مَا لَمْ يَكُنْ مُضْمِرًا غَيْرَ الّــَذِي قُدِّمَ مِنْ ذِكْرِهِ
فَأَجَابَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ:
يَا أَيُّهَا الشَّيْخُ الْأَدِيبُ الَّذِي قَدْ فَاقَ أَهْلَ الْعَصْرِ فِي شِعْرِهِ
تَسْأَلُ عَنْ تَقْبِيلِ بَدْرِ الدُّجَى وَعَطْفِ زَنْدَيْك عَلَى نَحْرِهِ
هَلْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَحْلِيلِهِ لِمُسْتَهَامٍ خَافَ مِنْ وِزْرِهِ
مَنْ قَارَفَ الْفِتْنَةَ ثُمَّ ادَّعَى الْـ عِصْمَةَ قَدْ نَافَقَ فِي أَمْرِهِ
هَلْ فِتْنَةُ الْمَرْءِ سِوَى الضَّمِّ وَالَتَّـ ـقْبِيلِ لِلْحِبِّ عَلَى ثَغْرِهِ
وَهَلْ دَوَاعِي ذَلِكَ الْمُشْتَهَى إلَّا عِنَاقُ الْبَدْرِ فِي خِدْرِهِ
وَبَذْلُهُ ذَاكَ لِمُشْتَاقِهِ يُزْرِي عَلَى هَارُوتَ فِي سِحْرِهِ
وَلَا يُجِيزُ الشَّرْعُ أَسْبَابَ مَا يُوَرِّطُ الْمُسْلِمَ فِي حَظْرِهِ
فَانْجُ وَدَعْ عَنْك صُدَاعَ الْهَوَى عَسَاك أَنْ تَسْلَمَ مِنْ شَرِّهِ
هَذَا جَوَابُ الْكُلُوذَانِيِّ قَدْ جَاءَ يَرْجُو اللَّهَ فِي أَجْرِهِ
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ بَعْدَ إيرَادِهِ لِمَا ذكر: فَهَذَا جَوَابُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِمَا ذَكَرْنَا، يَعْنِي مِنْ عَدَمِ إبَاحَةِ النَّظَرِ لِلْمَحْبُوبِ، حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ النَّظَرَ رُبَّمَا يُذْهِبُ مَا الْتَاعَ بِهِ فُؤَادُهُ الْمَحْجُوبُ، فَإِنَّ احْتِمَالَ مَفْسَدَةِ أَلَمِ الْحُبِّ مَعَ غَضِّ الْبَصَرِ وَعَدَمِ تَقْبِيلِهِ وَضَمِّهِ أَقَلُّ مِنْ مَفْسَدَةِ النَّظَرِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْمَفْسَدَةَ أَعْنِي مَفْسَدَةَ النَّظَرِ وَنَحْوِهِ تَجُرُّ إلَى هَلَاكِ الْقَلْبِ وَفَسَادِ الدِّينِ، وَغَايَةُ مَا يُقَدَّرُ مِنْ مَفْسَدَةِ الْإِمْسَاكِ عَنْ ذَلِكَ سَقَمُ الْجَسَدِ أَوْ الْمَوْتُ تَفَادِيًا عَنْ التَّعَرُّضِ لِلْحَرَامِ .[15]
الخاتمة :
اللهم أحسن خاتمتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة برحمتك ياأرحم الراحمين
من إعداد الفقير إلى عفو ربه
أبي سليمان مختار بن العربي مؤمن الجزائري ثم الشنقيطي
[1] – في ظلال القرءان (4/2485).
[2] – يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (15/414) .
– ابن تيمية "مجموع الفتاوى" (15/379)[3]
[4] – ويقول ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين" (1/117) :
[5] – تفسير القرطبي (15/303).
[6] – ابن القيم في "الجواب الكافي" (125) .
[7] – بتصرف من موقع سؤال وجواب .
[8] – ضعيف جدا .
رواه الحاكم ( 4/313-314 ( </