توبة الفاتنات
28-10-2020 1241 مشاهدةقال ابن القيم: ذكر أبو الفرج أن امرأةً جميلةً كانت في مكة وكان لها زوج، فنظرت يوماً إلى وجهها في المرآة، والمرآة والمرأة متصاحبتان، فقالت لزوجها هذه المغرورة: أترى أحداً يرى هذا الوجه ولا يفتتن به؟ قال: نعم. وهذه مصيبة! قالت: من؟ قال: عبيد بن عمير. قالت: فائذن لي فلأفتننه -الزوج الديوث- قال: قد أذنت لك. فأتته كالمستفتية، دخلت المسجد وهو في ناحية المسجد، ولما اقتربت منه ظنها تستفتي، فأسفرت عن وجه كفلقة القمر، فقال: يا أمة الله، استتري. قالت: قد افتتنت بك. قال: إني سائلك عن شيء، فإن أنت صدقتني نظرت في أمرك. قالت: لا تسألني عن شيء إلا صدقتك. قال: أخبريني لو أن ملك الموت أتاك ليقبض روحك، أكان يسرك أن أقضي لك هذه الحاجة؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت، قال: فلو دخلت قبرك وأُجلست للمساءلة، أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت، قال: فلو أن الناس أعطوا كتبهم ولا تدرين أتخذين كتابك بيمينك أم بشمالك، أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت، قال: فلو أردت الممر على الصراط ولا تدرين أتنجين أو لا تنجين، أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت، قال: فلو جيء بالميزان وجيء بك فلا تدرين أيخف ميزانك أم يثقل، أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا، قال: صدقت، قال: اتق الله فقد أنعم الله عليك وأحسن إليك. فرجعت إلى زوجها فقال: ما صنعت؟ قالت: أنت بطال ونحن بطالون. فأقبلت على الصلاة والصوم والعبادة فتفرغت للعبادة وانشغلت عن الزوج، فكان زوجها يقول: ما لي ولعبيد بن عمير أفسد علي امرأتي، كانت في كل ليلة عروساً فصيرها راهبة. أما عطاء بن يسار فقد خرج مع أخيه سليمان بن يسار ومع أصحابهما من المدينة، ونزلوا بالأبواء وضربوا الخيام، وكان هناك امرأة من الأعراب جميلة أرادت أن تفتن عطاء بن يسار الزاهد العابد، فدخلت عليه في خيمته لما ذهب أصحابه وبقي وحيداً، وكان في صلاة، فأوجز لأنه ظنها محتاجة، ثم قال: ألك حاجة؟ قالت: نعم. قال: ما هي. قالت: قم فأصب مني، وقد تقت ولا بعل لي. قال: إليك عني.. لا تحرقيني ونفسك بالنار. وجعل يبكي، وغشي عليه من البكاء، فرأت المرأة الرجل يبكي فتأثرت من هذا الذي وعظها وجلست تبكي، والرجل يبكي وهي تبكي، فجاء أخوه سليمان بن يسار فوجد الاثنين يبكيان ولا يدري ما القضية، فغلبته نفسه فتأثر وانخرط في البكاء، وجاء بقية أصحابهما، ودخلوا الخيمة، فرأوا عطاء يبكي، و سليمان يبكي، والمرأة تبكي، فتأثروا من المشهد، ولا يدرون ما القصة، فانخرطوا جميعاً في البكاء، وجلس الجميع يبكون ولا يدرون ما القضية..! إلى أن سكنوا وهدءوا فقامت المرأة وانسحبت، وقام أولئك وانسحبوا، وآوى كل إلى فراشه.. تهيب سليمان أن يسأل أخاه عطاء ما السبب، ومضت الأيام، وسافرا إلى مصر، فلما ناما ليلةً بمصر في غرفة واحدة استيقظ عطاء يبكي، فقام سليمان على بكاء أخيه، قال: ما يبكيك يا أخي؟ فاشتدّ بكاؤه، قال: ما يبكيك يا أخي؟ قال: رؤيا رأيتها الليلة. قال: وما هي؟ فأصرّ عليه حتى يخبره بها، فأخذ عليه عهداً من الله ألاّ يحدث بها في حياته، قال: رأيت يوسف النبي في النوم، فجعلت أنظر إليه، فلما رأيت حسنه بكيت -في المنام- فنظر إليّ وقال: ما يبكيك أيّها الرّجل؟ فقلت: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، ذكرتك وامرأة العزيز، وما ابتليت به من أمرها، وما لقيت من السجن، وفرقة يعقوب، فبكيت من ذلك، وجعلت أتعجب منه. فقال له في المنام: فهلا تعجبت من صاحب المرأة البدوية بالأبواء؟ -يقول له في المنام- فعرفت الذي أراد، فبكيت واستيقظت باكياً. وقصّ عليه قصة المرأة التي كانت بالأبواء؛ وحفظ سليمان السّر، ولما مات عطاء نشره، فكانت القصة مشهورة في المدينة .