ماالفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي ؟

28-10-2020 10718 مشاهدة

بسم الله الرحمن الرحيم

الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي

تعريف الضابط لغة واصطلاحا:
معنى الضابط لغة: مأخوذ من (الضبط) وهو لزوم الشيء وحبسه [1]. وقال بعضهم: الضبط لزوم شيء لا يفارقه في كل شيء, ومنه يقال: "أخذه فتأبّطه ثم تضبّطه" [2], ويقال: فلان لا يضبط عمله, أي لا يقوم بما فُوِّض إليه [3], وكأن ذلك لعدم قدرته على لزوم ذلك العمل وحبسه لنفسه عليه.
وهذا المعنى اللغوي للكلمة ملحوظ في استعمالها في مصطلح "الضابط الفقهي", لأن " الضابط الفقهي " يحصر ويحبس الفروع التي تدخل في إطاره [4].
أما معنى الضابط اصطلاحا, ففيه اتجاهان:
أ- أن الضابط: بمعنى "القاعدة" بدون تفريق بينهما, أي أن الضابط الفقهي والقاعدة الفقهية اصطلاحان مترادفان يدلان على معنى واحد [5].
وهو اختيار شائع في المصادر الفقهية وفي عدد من كتب القواعد الفقهية. [1]
ب- أن الضابط: هو غير القاعدة, فمجال الضابط الفقهي أضيق من مجال القاعدة الفقهية, فهما متفقان في أن كلا منهما حكم كلي تندرج تحته فروع فقهية, إلا أن:
– الضابط يختص ببابٍ فقهي واحدٍ فقط.
– والقاعدة أوسع مجالا, فهي تتعلق بعدة أبواب فقهية [2].

ومن الأمثلة التي ينطبق عليها هذا الكلام في التفريق بين هذين المصطلحين, قولهم مثلا:
– كل ماء مطلق لم يتغير فهو طهور [3]. (مثال خاص بباب المياه)
– يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب [4]. (مثال خاص بباب الرضاع)
فكلا المثالين المذكورين يختص بباب فقهي واحد فقط كما هو واضح من فحوى عبارتهما.
ولعل ما ذهب إليه أصحاب الاتجاه الأول وإن كان مقبولا باعتبار أن مفهوم الضابط لم يكن محدّدا مبدئيا بشكل واضح دقيق بحيث يقال بالتفريق بينه وبين القاعدة, ولهذا لم يركّز على ذلك عدد من أهل العلم فلم يفرّقوا بين الكلمتين, بل استعملوهما كاصطلاحين مترادفين, إلا أن القول بالتفريق بينهما (حسب الاتجاه الثاني) هو الذي ينبغي التعويل عليه [1], ذلك لأنه يؤدي إلى استقرار هذين المصطلحين كل منهما على حدة والتمييز بينهما بضبط ودقة, خصوصا أن المتأخرين من علماء القواعد الفقهية, اختاروا هذا التفريق بين المصطلحين.
فمن ذلك قول تاج الدين السبكي : القاعدة : الأمر الكلي الذي ينطبق عليه جزئيات كثيرة يفهم أحكامها منه. ومنها ما لا يختص بباب كقولنا: " اليقين لا يرفع بالشك ", ومنها ما يختص كقولنا: " كل كفارة سببها معصية فهي على الفور ". " ثم قال: "والغالب فيما اختُص ببابٍ وقُصد به نظم صور متشابهة, أن تسمى ضابطا" [2].
ويقرّر ذلك ابن نُجيم بعبارة صريحة واضحة فيقول: "الفرق بين الضابط والقاعدة: أن القاعدة تجمع فروعا من أبواب شتى, والضابط يجمعها من باب واحد. هذا هو الأصل" [3].
وهذا ما قرّره أيضا الزركشي و السيوطي و ابن النجار الفتوحي و الكفوي و البنّاني و التهانوي ( صاحب كتاب كشاف اصطلاحات الفنون ), كما سار على هذا الاتجاه من التفريق أغلب من تطرّق من المعاصرين إلى موضوع (القواعد الفقهية), حتى لقد أصبحت كلمة "الضابط" في أيامنا اصطلاحا متداولا مميّزا عن مصطلح "القاعدة" [4].
فينبغي "على من يبحث في هذا الموضوع أن يضع هذا الفرق موضع الاعتبار" [1].

وبناء على هذا يحسن في ختام هذا المبحث, إيراد تعريف لـ(الضابط الفقهي) بحيث يتحدّد الفرق بينه وبين (القاعدة الفقهية), فيقال:
الضابط الفقهي : هو حكم شرعي عملي كلي يدخل تحته مسائل تختص بباب واحد.
فيُلحظ في هذا التعريف أنه متّفق تماما مع ما ذكر سابقا في تعريف القاعدة الفقهية سوى فرقٍ واحد, وهو: أن الضابط الفقهي ينحصر نطاقه في باب واحد, أما القاعدة الفقهية فيتجاوز نطاقها إلى أكثر من باب.


———————————————
[1] لسان العرب 7/340 .
[2] تهذيب اللغة للأزهري 11/339 (ض ط ب) ، أساس البلاغة للزمخشري ص 370، ولسان العرب 7/340 .
[3] تهذيب اللغة للأزهري 11/339 (ض ب ط) ، أساس البلاغة للزمخشري ص 370 .
[4] انظر القواعد الفقهية للباحسين ص 58.
[5] انظر القواعد الفقهية للندوي ص 47، والقواعد الفقهية للباحسين ص 58-59.
[1] القواعد الفقهية للندوي ص 47.
[2] انظر القواعد الفقهية للندوي ص 46، والقواعد والضوابط الفقهية عند ابن تيمية للشال ص50، وعلم القواعد الشرعية للخادمي ص259، والقواعد الفقهية للباحسين ص 59-60.
[3] القواعد الفقهية للندوي ص 49.
[4] الأشباه والنظائر للسيوطي ص476، والقواعد الفقهية للباحسين ص 62.
[1] انظر القواعد والضوابط الفقهية عند ابن تيمية للشال ص 50، والقواعد الفقهية للندوي ص 51، والقواعد والضوابط المستخلصة من التحرير للندوي ص 109.
[2] الأشباه والنظائر للسبكي 1/11.
[3] الأشباه والنظائر لابن نُجيم 1/189، وهو الذي مشى عليه السيوطي في كتابه الأشباه والنظائر في النحو 1/7، وانظر القواعد الفقهية للندوي ص 47.
[4] انظر القواعد الفقهية للباحسين ص 59-61، والقواعد الفقهية للندوي ص 46-47 و52
[1] القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير للندوي ص 109.

المصدر
(معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الفرق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي

تعريف الضابط لغة واصطلاحا:
معنى الضابط لغة: مأخوذ من (الضبط) وهو لزوم الشيء وحبسه [1]. وقال بعضهم: الضبط لزوم شيء لا يفارقه في كل شيء, ومنه يقال: "أخذه فتأبّطه ثم تضبّطه" [2], ويقال: فلان لا يضبط عمله, أي لا يقوم بما فُوِّض إليه [3], وكأن ذلك لعدم قدرته على لزوم ذلك العمل وحبسه لنفسه عليه.
وهذا المعنى اللغوي للكلمة ملحوظ في استعمالها في مصطلح "الضابط الفقهي", لأن " الضابط الفقهي " يحصر ويحبس الفروع التي تدخل في إطاره [4].
أما معنى الضابط اصطلاحا, ففيه اتجاهان:
أ- أن الضابط: بمعنى "القاعدة" بدون تفريق بينهما, أي أن الضابط الفقهي والقاعدة الفقهية اصطلاحان مترادفان يدلان على معنى واحد [5].
وهو اختيار شائع في المصادر الفقهية وفي عدد من كتب القواعد الفقهية. [1]
ب- أن الضابط: هو غير القاعدة, فمجال الضابط الفقهي أضيق من مجال القاعدة الفقهية, فهما متفقان في أن كلا منهما حكم كلي تندرج تحته فروع فقهية, إلا أن:
– الضابط يختص ببابٍ فقهي واحدٍ فقط.
– والقاعدة أوسع مجالا, فهي تتعلق بعدة أبواب فقهية [2].

ومن الأمثلة التي ينطبق عليها هذا الكلام في التفريق بين هذين المصطلحين, قولهم مثلا:
– كل ماء مطلق لم يتغير فهو طهور [3]. (مثال خاص بباب المياه)
– يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب [4]. (مثال خاص بباب الرضاع)
فكلا المثالين المذكورين يختص بباب فقهي واحد فقط كما هو واضح من فحوى عبارتهما.
ولعل ما ذهب إليه أصحاب الاتجاه الأول وإن كان مقبولا باعتبار أن مفهوم الضابط لم يكن محدّدا مبدئيا بشكل واضح دقيق بحيث يقال بالتفريق بينه وبين القاعدة, ولهذا لم يركّز على ذلك عدد من أهل العلم فلم يفرّقوا بين الكلمتين, بل استعملوهما كاصطلاحين مترادفين, إلا أن القول بالتفريق بينهما (حسب الاتجاه الثاني) هو الذي ينبغي التعويل عليه [1], ذلك لأنه يؤدي إلى استقرار هذين المصطلحين كل منهما على حدة والتمييز بينهما بضبط ودقة, خصوصا أن المتأخرين من علماء القواعد الفقهية, اختاروا هذا التفريق بين المصطلحين.
فمن ذلك قول تاج الدين السبكي : القاعدة : الأمر الكلي الذي ينطبق عليه جزئيات كثيرة يفهم أحكامها منه. ومنها ما لا يختص بباب كقولنا: " اليقين لا يرفع بالشك ", ومنها ما يختص كقولنا: " كل كفارة سببها معصية فهي على الفور ". " ثم قال: "والغالب فيما اختُص ببابٍ وقُصد به نظم صور متشابهة, أن تسمى ضابطا" [2].
ويقرّر ذلك ابن نُجيم بعبارة صريحة واضحة فيقول: "الفرق بين الضابط والقاعدة: أن القاعدة تجمع فروعا من أبواب شتى, والضابط يجمعها من باب واحد. هذا هو الأصل" [3].
وهذا ما قرّره أيضا الزركشي و السيوطي و ابن النجار الفتوحي و الكفوي و البنّاني و التهانوي ( صاحب كتاب كشاف اصطلاحات الفنون ), كما سار على هذا الاتجاه من التفريق أغلب من تطرّق من المعاصرين إلى موضوع (القواعد الفقهية), حتى لقد أصبحت كلمة "الضابط" في أيامنا اصطلاحا متداولا مميّزا عن مصطلح "القاعدة" [4].
فينبغي "على من يبحث في هذا الموضوع أن يضع هذا الفرق موضع الاعتبار" [1].

وبناء على هذا يحسن في ختام هذا المبحث, إيراد تعريف لـ(الضابط الفقهي) بحيث يتحدّد الفرق بينه وبين (القاعدة الفقهية), فيقال:
الضابط الفقهي : هو حكم شرعي عملي كلي يدخل تحته مسائل تختص بباب واحد.
فيُلحظ في هذا التعريف أنه متّفق تماما مع ما ذكر سابقا في تعريف القاعدة الفقهية سوى فرقٍ واحد, وهو: أن الضابط الفقهي ينحصر نطاقه في باب واحد, أما القاعدة الفقهية فيتجاوز نطاقها إلى أكثر من باب.


———————————————
[1] لسان العرب 7/340 .
[2] تهذيب اللغة للأزهري 11/339 (ض ط ب) ، أساس البلاغة للزمخشري ص 370، ولسان العرب 7/340 .
[3] تهذيب اللغة للأزهري 11/339 (ض ب ط) ، أساس البلاغة للزمخشري ص 370 .
[4] انظر القواعد الفقهية للباحسين ص 58.
[5] انظر القواعد الفقهية للندوي ص 47، والقواعد الفقهية للباحسين ص 58-59.
[1] القواعد الفقهية للندوي ص 47.
[2] انظر القواعد الفقهية للندوي ص 46، والقواعد والضوابط الفقهية عند ابن تيمية للشال ص50، وعلم القواعد الشرعية للخادمي ص259، والقواعد الفقهية للباحسين ص 59-60.
[3] القواعد الفقهية للندوي ص 49.
[4] الأشباه والنظائر للسيوطي ص476، والقواعد الفقهية للباحسين ص 62.
[1] انظر القواعد والضوابط الفقهية عند ابن تيمية للشال ص 50، والقواعد الفقهية للندوي ص 51، والقواعد والضوابط المستخلصة من التحرير للندوي ص 109.
[2] الأشباه والنظائر للسبكي 1/11.
[3] الأشباه والنظائر لابن نُجيم 1/189، وهو الذي مشى عليه السيوطي في كتابه الأشباه والنظائر في النحو 1/7، وانظر القواعد الفقهية للندوي ص 47.
[4] انظر القواعد الفقهية للباحسين ص 59-61، والقواعد الفقهية للندوي ص 46-47 و52
[1] القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير للندوي ص 109.

المصدر
(معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية)

 

تعليقات المستخدمين

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يمكنك قراءة

  • 19 ربيع الأول 1445 هـ
    هل بات العلماء بيضة القبان؟ | عبد الرحمن العامري

    هل بات العلماء بيضة القبان؟ | عبد الرحمن العامري

  • 10 ربيع الأول 1442 هـ
    تبكي السماء

    تبكي السماء

  • 11 ربيع الأول 1442 هـ
    حقوق المعلمين الأحرار للشيخ البشير الإبراهيمي

    حقوق المعلمين الأحرار للشيخ البشير الإبراهيمي