رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالحيوان
28-10-2020 1117 مشاهدة
رحمة النبي – صلى الله عليه وسلم ـ بالحيوان
ترتيب وإعداد
أبي سليمان المختار بن العربي مؤمن
بسم الله الرحمن الرحيم
رحمة النبي – صلى الله عليه وسلم ـ بالحيوان
لقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين فهو رحمة للخلق جميعا، إنسانا، وحيوانا، ونباتا، لقد شملت رحمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ كل شيء في هذا الكون، ولم تقتصر على جانب دون آخر، ومن تأمل رحمته مع العجماوات من الطير والحيوانات، لكان ذلك له كافيا في إسلامه، وصدق الله حيث قال : ] وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [ (سورة الأنبياء:107) .
وينطلق الهدي النبوي للرحمة بالحيوان في توازن يجمع بين منفعة الإنسان، وبين الرحمة والرفق به، فيأمر برحمة الحيوان وعدم القسوة معه، ولا يتجاهل احتياجات الإنسان الغذائية والمعيشية التي تتطلب الانتفاع به، ومن ثَمَّ فلا يسمح بالعبث بالحيوانات أو إيذائها أو تكليفها ما يشقّ عليها، بعكس ماتدّعيه بعض جماعات الرّفق بالحيوان المعاصرة التي تدعو إلى منع قتل الحيوانات بالكليّة، تذرعاً بالرّفق معها وحماية حقوقها .
نماذج من رحمته مع الحيوان :
النهي عن تعذيب الحيوان : عن سعيد بن جبير، قال: مرَّ ابن عمر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا، وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كلّ خاطئة من نَبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: «من فعل هذا لعن الله، من فعل هذا؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا» رواه مسلم (رقم الحديث :1958).(والغرض: الهدف الذي تصوب إليه الأسلحة ).
النهي عن الفصل بين الحيوان وولده أو الطير وفراخه :
فمن رحمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه نهى أن يحول أحد بين حيوان أو طير وبين ولده . فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته، فرأينا حُمَّرَة (طائر صغير) معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحُمَّرَةُ فجعلت تَعْرِشُ (ترفرف بجناحيها)، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : « من فَجَعَ هذه بولدها؟، رُدُّوا ولَدَهَا إليها » رواه أبو داود (حديث رقم : 1608 ).
فشتان بين رحمته صلى الله عليه وسلم ، وادّعاء حضارة الغرب التي تقتل الإنسان وتزعم أنها ترفق بالحيوان .
النهي عن تجويع الحيوان وزيادة تكليفه بما لايطيق :
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : « كَانَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنَ الْأَنْصَارِ لَهُمْ جَمَلٌ يَسْنُونَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْجَمَلَ اسْتُصْعِبَ عَلَيْهِمْ، فَمَنَعَهُمْ ظَهْرَهُ، وَإِنَّ الْأَنْصَارَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: إِنَّهُ كَانَ لَنَا جَمَلٌ نَسْنَى عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ اسْتُصْعِبَ عَلَيْنَا، وَمَنَعَنَا ظَهْرَهُ، وَقَدْ عَطِشَ الزَّرْعُ وَالنَّخْلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ: " قُومُوا " فَقَامُوا، فَدَخَلَ الْحَائِطَ وَالْجَمَلُ فِي نَاحِيَتِهِ، فَمَشَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ُ، فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ قَدْ صَارَ مِثْلَ الْكَلْبِ الْكَلِبِ، وَإِنَّا نَخَافُ عَلَيْكَ صَوْلَتَهُ، فَقَالَ: " لَيْسَ عَلَيَّ مِنْهُ بَأْسٌ ". فَلَمَّا نَظَرَ الْجَمَلُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَقْبَلَ نَحْوَهُ، حَتَّى خَرَّ سَاجِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِنَاصِيَتِهِ أَذَلَّ مَا كَانَتْ قَطُّ، حَتَّى أَدْخَلَهُ فِي الْعَمَلِ. فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، هَذِهِ بَهِيمَةٌ لَا تَعْقِلُ تَسْجُدُ لَكَ وَنَحْنُ نَعْقِلُ، فَنَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ، فَقَالَ: " لَا يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا، مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ كَانَ مِنْ قَدَمِهِ إِلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ قُرْحَةٌ تَنْبَجِسُ بِالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْهُ تَلْحَسُهُ مَا أَدَّتْ حَقَّهُ " » أخرجه أحمد (حديث رقم : 12614).
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ رضي الله عنه « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ الْأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ، فَقَالَ: «مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ، لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟»، فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: «أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا؟، فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ» رواه أبو داوود (حديث رقم : 2549) .وتُدْئبُهُ (تتعبه) .
النهي عن لعن الحيوان وسبه :
لم تعرف البشرية رحمة مهداة كنبينا صلى الله عليه وسلم فهاهو يترقى بها إلى الكمالات، ويترفع بها عن سفاسف الأمور حتى لاتنحط للسبّ والشتم في غير حاجة، وذلك مع الإنسان بل حتى مع الحيوان، فعَنْ أَبِي بَرْزَةَ رضي الله عنه قَالَ: كَانَتْ رَاحِلَةٌ أَوْ نَاقَةٌ أَوْ بَعِيرٌ عَلَيْهَا بَعْضُ مَتَاعِ الْقَوْمِ وَعَلَيْهَا جَارِيَةٌ، فَأَخَذُوا بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَتَضَايَقَ بِهِمُ الطَّرِيقُ، فَأَبْصَرَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: حَلْ حَلْ -(كلمة تقال للناقة إذا استعبت في مشيتها )- اللهُمَّ الْعَنْهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ صَاحِبُ هَذِهِ الْجَارِيَةِ؟ " لَا تَصْحَبُنَا رَاحِلَةٌ أَوْ نَاقَةٌ أَوْ بَعِيرٌ عَلَيْهَا مِنْ لَعْنَةِ اللهِ » اخرجه أحمد (حديث رقم : 19766).
من عذب حيوانا عذِّب بالنار :
إن استقراء صور الرحمة بالحيوان في سيرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر يطول، فقد تعددت مظاهر وصور هذه الرحمة، ومن ذلك نهيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن تعذيب الحيوان وحبسه حتى الموت، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلاَ سَقَتْهَا، إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ» رواه البخاري (حديث رقم :3482) .
أمره صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى الحيوان عند إرادة ذبحه:
لقد أمر صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى البهيمة في كل حال لاسيما حال ذبحها ، وأثنى على من فعل ذلك، بل ونهى أن تحد آلة الذبح أمامها، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» البخاري حديث رقم : (1955) .
و عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لَأَذْبَحُ الشَّاةَ، وَأَنَا أَرْحَمُهَا – أَوْ قَالَ: إِنِّي لَأَرْحَمُ الشَّاةَ أَنْ أَذْبَحَهَا – فَقَالَ: « وَالشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللهُ » أحمد (حديث رقم : 15592).
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحُهَا وَهُوَ يَحُدُّ شَفْرَتَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ هَلَّا حَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا» الحاكم (حديث رقم : 7563) وقال هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ".
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ رَحِمَ، وَلَوْ ذَبِيحَةَ عُصْفُورٍ رَحِمَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» الطبراني في الكبير (حديث رقم : 7915 ) وسنده حسن.
وهكذا كانت حياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلها رحمة، شملت الصغير والكبير، والمؤمن والكافر، بل حتى البهائم التي لا تعقل، وهو القائل ـ صلى الله عليه وسلم ـ : « الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك و تعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء » رواه أبو داود (حديث رقم :4941 ) . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ، وكتب أبو سليمان 30محرم 1435الموافق 3ديسمبر 2013