الشهوات وخطرها في الدارين

27-10-2020 1805 مشاهدة

بسم الله الرحمن الرحيم

                     الشهوات وأثرها على الفرد والمجتمع

قال تعالى ] زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المَآَبِ] {آل عمران:14} وقال سبحانه  ] [فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا] {مريم:59}  [

وقال جل في علاه ] وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا  [  {النساء:27}

ماهي الشهوات : هي الملذات التي جبل الله عليها الإنسان لتقوم بها حياتهم ، فالشهوات في حقيقتها نعمة ،و الغلو فيها والعبّ منها نقمة يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى : "  إن الله تعالى خلق فينا الشهوات واللذات لنستعين بها على كمال مصالحنا ، فخلق فينا شهوة الأكل واللذة فيه ، فإن ذلك في نفسه نعمة وبه يحصل بقاء أجسامنا في الدنيا ، وكذلك شهوة النكاح واللذة به هو في نفسه نعمة ، وبه يحصل بقاء النسل ، فإذا استعين بهذه القوى على ما أَمَرَنا ، كان ذلك سعادة لنا في الدنيا والآخرة ، وكنا من الذين أنعم الله عليهم نعمة مطلقة ، وإن استعملنا الشهوات فيما حَظَرَه علينا بأكل الخبائث في نفسها ، أو كسبها كالمظالم ، أو بالإسراف فيها ، أو تعدينا أزواجنا أو ما ملكت أيماننا ، كنا ظالمين معتدين غير شاكرين لنعمته "[ الاستقامة 1/341 ] .         

 

 

كيف تعيش البشرية اليوم في ظل شهواتها :

 

«إن البشرية اليوم تعيش في ماخور كبير! ونظرة إلى صحافتها، وأفلامها، ومعارض أزيائها، ومسابقات جمالها، ومراقصها، وحاناتها، وإذاعاتها، ونظرة إلى سعارها المجنون للحم العاري، والأوضاع المثيرة، والإيحاءات المريضة، في الأدب والفن وأجهزة الإعلام كلها… نظرة إلى هذا تكفي للحكم على المصير البائس الذي تدلف إليه البشرية في ظل هذه الجاهلية، إن البشرية تتآكل إنسانيتها، وتتحلل آدميتها، وهي تلهث وراء الحيوان، ومثيرات الحيوان، لتلحق بعالمه الهابط…»(1).

نعم أيها الإخوة كان هذا منذ أمد بعيد فكيف وقد تقدمت التقنية فصار هم سماسرتها الدعوة إلى الشهوات :

إن أعداء الدين يحاربون المسلمين بسلاحين :

1- سلاح الشهوات لإفساد سلوكهم .

2- سلاح الشبهات لإفساد عقولهم .

 

وسائل الدعوة إلى الشهوات :

الفضائيات :  إن من يشاهد القنوات الفضائية اليوم لا يكاد يسلم من الوقوع في الشهوة ، والولوغ في مستنقعها الآسن .

قنوات تبث عبر شاشاتها أغان فاحشة ماجنة داعية للرّذيلة ، نساء كاسيات عاريات ، يتميعن في الحركات ، ويتكسرن في الكلمات ، يأسرن قلوب العصاة والعاصيات .

وقنوات تبث مسلسلات هابطة ساقطة ، مشاهد عري واضحة ، ومناظر فاضحة ، وأفلام خليعة ، تخلع القلب من مكانه وتمرضه .

الانترنيت وما أدراك مالانترنيت .

المجلات الهابطة

كرة القدم وجميع الرياضات (فرق للنساء ) .

المؤتمرات التي تقيمها المنظمات الدولية والتي تبيح ما حرّم الله تعالى ورسـوله – صلى الله عليه وسلم –  مـن الفواحش والخنا: كالزنى، واللواط والسحاق، بل تـسن هذه المنظماتُ القوانينَ في سبيل حماية ورعاية الفجور وأهله!

بل حتى مايسمى بجمعية مراقبة حقوق الإنسان "هيومن رايتس ووتس" تذم وتنكر أية محاولات لدول الخليج العربي لحجب الإنترنت، ويدعونها إلى الانفتاح والحرية!! أما القنوات الفضائية الإباحية التي تعرض الأفلام والأغاني الجنسية، وتعرض الدعايات الجنسية والاتصالات الهاتفية المباشرة المصورة، وما يسمى بخطوط الصداقة، والغرف الجنسية، وأفلام محاكاة الواقع بالمناظير، والغرف المظلمة، والمسارح، وحفلات الفنادق، وغرف التأجير، والشقق المفروشة، وسفن الدعارة، اليخوت الراسية على الموانئ العائمة؛ شيء هائل وشر مستطير، زد على ذلك أسطوانات الليزر المدمجة، والمجلات، وما يتبادله الطلاب في المدارس من الدسكات، وما يرسل بالبريد الإلكتروني.. النكت القذرة.. رسائل الجوال المهيجة للغرائز.. الكلام الفاحش… لقد صار البلاء عاماً أيها الإخوة!! وما حول الشباب والصغار والكبار اليوم جنس في جنس؛ عورات مكشوفة .. أعمال محرمة .. أوحال .. قاذورات .. مستنقعات .. عفن .. قرف .. أشياء تدعوا أصحاب الفطر السليمة للتقيؤ والمرض والهم والغم لما آل إليه الأمر وصار إليه الحال، والله المستعان وإليه المشتكى وعليه التكلان!

 

 

ماهي نتيجة الدّعوة إلى الشهوات :

ويقول سيّد في موطن آخر: «وكثيرون يحسبون أن التقيد بمنهج الله، وبخاصة في علاقات الجنسين، شاق مجهد، والانطلاق مع الذين يتبعون الشهوات ميسر مريح! وهذا وهم كبير.. فإطلاق الشهوات من كل قيد، والتجرد في علاقات الجنسين من كل قيد أخلاقي.. إن هذه تبدو يسراً وراحة وانطلاقاً، ولكنها في حقيقتها مشقة وجهد وثقلة، وعقابيلها في حياة المجتمع عقابيل مؤذية مدمرة ماحقة.

والنّظر إلى الواقع في حياة المجتمعات التي (تحررت) من قيود الدين والأخلاق والحياء في هذه العلاقة، يكفي لإلقاء الرعب في القلوب، لو كانت هنالك قلوب!

لقد كانت فوضى العلاقات الجنسية هي الـمِعْول الأول الذي حطم الحضارات القديمة، وحطم الحضارة الإغريقية، وحطم الحضارة الرومانية، وحطم الحضارة الفارسية، وهذه الفوضى ذاتها هي التي أخذت تحطم الحضارة الغربية الراهنة»(2).

الاختلاط مظهر من مظاهر القضاء على العفة :

إن الولوغ في الفواحش لا يزيد الأمر إلا ولعاً وإدماناً على ذلك، فسعار الشهوات لا حدّ له ولا انقضاء.

يقـول ابن القـيم رحمـه الله: «وليـعلم اللبـيب أن مـدمنـي الشهوات يصـيرون إلى حـالــة لا يلـــتذون بها، وهـم مع ذلك لا يستطيـعون تركها؛ لأنها قد صارت عندهم بمنزلة العيش الذي لا بدّ لهم منه…»(3).

و قال ابن الجوزي : (( أشد الناس جهلاً منهوم باللذات ، واللذات على ضربين : مباحة ومحظورة . فالمباحة لا يكاد يحصل منها شيء إلا بضياع ما هو مهم من الدين ، فإذا حصلت منها حبَّةٌ ، قارنها قنطار من الهمّ .. ثم لا تكاد تصفو في نفسها ، بل مكدَّراتها ألوفٌ .. فهي تغُّر الغَمر ، وتهدم العمر ، وتديم الأسى .. ومع ذلك فالمنهوم كلما عبّ من لذةٍ طلب أختها ، فلا يزال كذلك إلى أن يختطف بالموت ، فيلقى على بساط ندم لا يُستدرك . فالعجب ممن همته هكذا مع قصر العمر ، ثم لا يهتم بآخرته التي لذتها سليمة من كل شائب ، منزهة عن كل عائب ، دائمة الأمد ، باقية ببقاء الأبد !! وإنما يحصل تقريب هذه بإبعاد تلك ، وعمران هذه بتخريب تلك . فواعجباً لعاقل حصيف حسن التدبير ، فاته النظر في هذه الأحوال ، وغفل عن التمييز بين هذين الأمرين .
وإن كانت اللذة معصية انضم إلى ما ذكرناه : عار الدنيا والفضيحة بين الخلق ، وعقوبة الحدود ، وعقاب الآخرة ، وغضب الحق سبحانه ..     
بالله إن المباحات تشغل عن تحصيل الفضائل ، فذم ذلك لبيان الحزم ؛ فكيف بالمحرمات التي هي غاية الرذائل ؟!

والناظر إلى حال المسلمين ـ فضلاً عن غيرهم ـ يلحظ أن هذا الركام من الفواحش والقاذورات قد عمّ وطمّ، إذ استحوذت هذه الملذات المحرمة على فئام من المسلمين عبر وسائل كثيرة وميسرة، فآل بالكثير منهم إلى الانحلال والسفول، والتفلت من أحكام الشرع المطّهر.

سَمُّوا الأشياء بمسمياتها :

علينا ابتداءً أن نسمي الأمور بأسمائها الواردة في نصوص الوحيَيْن، فما يسمى الآن بالعلاقات الجنسية المشبوهة أو الممنوعة، أو المشاهد الإباحية ونحوها، فعلينا أن نطلق عليه: فواحش، وقاذورات، وزنى، وخبائث، قال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151]، وقال سبحانه: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء: 32]،

 وقـال تعـالـى: ]وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَـرْيَةِ الَّتِي  كَانَت تَّعْمَلُ الْـخَبَائِثَ إنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ [ [الأنبياء: 74]،

وقـال – e  – : «من أصاب من هذه القاذورات شيئاً، فليستتر بستر الله، فإنه من يبدي لنا صفحته، نُقِمْ عليه كتاب الله»(1).

إنّ في هذه الأوصاف استبشاعاً واستقباحاً لتلك الأفاعيل، وتنفيراً وتحذيراً منها، خلافاً للتعبيرات المعاصرة التي قد تهوّن سُبل الغواية، بل ربما عُبِّر عن هذه القبائح بأسماء محبوبة للنفوس.

 

مقولات أهل الباطل وقلب المسميات :

] ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما [

يقول ابن القيم في هذا المقام: « وإذا تأملت مقالات أهل الباطل رأيتهم قد كسوها من العبارات، وتخيّروا لها من الألفاظ الرائقة ما يسرع إلى قبوله كل من ليس له بصيرة نافذة ـ وأكثر الخلق كذلك ـ حتى إن الفجار ليسمون أعظم أنواع الفجور بأسماء لا ينبو عنها السمع، ويميل إليها الطبع، فيسمون مجالس الفجور والفسوق: مجالس الطيبة.»(2).

الخمر : المشروبات الروحية .

الزنا : العلاقات الجنسية .

الربا: الفوائد المالية .

الرشوة : الإكرامية والحلاوة .

الموسيقى والفسوق : الثقافة .

 

الشهوة المحرمة سبب في إخراج العبد من محبة الله:

إن هذه الشهوات المحرمة تخرج العبد من محبة الله، وتخرج محبة الله من قلب هذا الضال، والضدان لا يجتمعان: محبة الشهوات ومحبة الرحمن، فإذا امتلأ القلب من محبة الشهوات فماذا يبقى له نصيب من محبة الرحمن؟ إنه خيار واحد، حدد مصيرك واختر طريقك، وإذا أردت محبة الله ولذة الإيمان فلن تحصل إلا بطرد نصيب الشيطان. إن الذين تستغرقهم الشهوات المحرمة ويتحولون إلى عبيد لها تأمرهم فيطيعون، وتنهاهم فيخضعون، وإذا رأى الواحد هذه المرأة التي هام بها وأحبها يفعل مثلما فعل ذلك الذي أحب عزة فقال فيها شركاً وكفراً:

لو يسمعون كما سمعت حديثها … خروا لعزة ركعاً وسجوداً

نعوذ بالله من الخذلان! .  قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: 165]، ولهذا لا يكون عشق الصور إلا من ضعف محبة الله وضعف الإيمان بالله»كما قال ابن تيمية 

قال ابن القيم رحمه الله في حال هؤلاء:

 فلو خُيِّر بين رضاه -رضا المعشوق- ورضا الله لاختار رضا المعشوق على رضا ربه، ولقاء معشوقه أحب إليه من لقاء ربه، وتمنيه لقربه أعظم من تمنيه لقرب ربه، يسخط ربه بمرضاة معشوقه، ويقدم مصالح معشوقه وحوائجه على طاعة ربه.. يجود لمعشوقه بكل نفيسة ونفيس، ويجعل لربه من ماله إن جعل له كل رذيلة وخسيس، فلمعشوقه لبه وقلبه وهمه ووقته، وخالص ماله، وربه على الفضلة إذا زاد شيء. قد اتخذه وراءه ظهرياً، وصار لذكره نسياً.. إن قام في الصلاة فلسانه يناجيه وقلبه يناجي معشوقه، ووجه بدنه إلى القبلة ووجه قلبه إلى المعشوق، ينفر من خدمة ربه حتى كأنه واقف في الصلاة على الجمر من ثقلها عليه، فإذا جاءت خدمة المعشوق أقبل عليها بقلبه وبدنه وفرح بها، خفيفةً لا يستثقلها ولا يستطيلها، ولو نظرت في أشعار العاشقين والعاشقات وما يغني به المغنون والمغنيات لترى الأدلة على ذلك، اقرأ ما يكتبه هؤلاء من الأبيات والعبارات، وتأمل واعتبر بما يصنع الشيطان في أهل العشق والشهوة المحرمة.. هل يستحق هذا الهوى والغرام أن تختصر فيه الحياة كلها؟

 

مواجهة دعاة الرذيلة والفسوق :

يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله تعالى «نحن نعلم أن بعض الناس يعيش أغلب أوقاته في شبكة (المجاري).

ويبدو أن بعض الأدباء أَلِف الحياة في مجاري المجتمع ومساربه السفلى، والمدهش أنه يريد جرّ الآخرين إلى مستواه الخُلقي، أو أنه يريد نقل روائحه المنتنة إلى ظاهر الحياة محاولاً طمس ما نبت فوقها من حدائق وما فاح في جوها من عطور. كذلك يصنع كتّاب الجنس في بلادنا، وفي أكثر أقطار الدنيا»(4).

ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية إذ يقول: «فهكذا أهل الشهوات الفاسدة، وإن أضرمت قلوبهم نارُ الشهوة ليس رحمتهم والرأفة بهم تمكينهم من ذلك، أو ترك عذابهم، فإن ذلك يزيد بلاءهم وعذابهم، والحرارة التي في قلوبهم مثل حرارة المحموم، متى مُكِّن المحموم مما يضره ازداد مرضه، أو انتقل إلى مرض شرٍّ منه.

فهذه حال أهل الشهوات، بل تُدفع تلك الشهوة الحلوة بضدها، والمنع من موجباتها، ومقابلتها بالضدّ من العذاب المؤلم الذي يخرج المحبة من القلب »(5).

وقال أيضاً: «ولا ريب أنّ محبّة الفواحش مرض في القلب، فإنّ الشهوة توجب السّكر، كما قال تعالى عن قوم لوط:  ] لَعَمْرُكَ إنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [  [الحجر: 72]. وقـد نـهانـا الله ـ عز وجل ـ أن تأخذنا بالزناة رأفة، بل نقيم عليهم الحدّ، فكيف بما هو دون ذلك من: هجر، وأدب باطن، ونهي، وتوبيخ وغير ذلك؟ بل ينبغي شنآن الفاسقين وقليهم على ما يتمتع به الإنسان من أنواع الزنى»(6).

ويـقـول ابن القـيم ـ رحمه الله ـ في هذا الشّأن: «نهى الله ـ سبحانه ـ عباده أن تأخذهم بالزّناة رأفة في دينه بحيث تمنعهم من إقامة الحدّ عليهم، فإنه سبحانه من رأفته بهم ورحمته بهم شرع هذه العقوبة، فهو أرحم لهم منكم بهم، ولم تمنعه رحمته من أمره بهذه العقوبة، فلا يمنعكم أنتم ما يقوم بقلوبكم من الرأفة من إقامة أمره…»(7).

فلا بدّ من بذل الجهد في توعية أهل الإسلام بمفاسد الفواحش، وسبل السلامة والوقاية من الفواحش وأسبابها، ومن أهم ذلك: إحياء واعظ الله تعالى في قلب كل امرئ مسلم، وتحريك بواعث الخوف والخشية من الله جلّ جلاله، وبيان ما يعقب هذه الفواحش واللذات العاجلة من الأنكاد والحسرات والأوجاع والنّكال في الدنيا والآخرة.

مآرب كانت في الشباب لأهلها    عِِذَاباً، فصارت في المشيب عَذاباً

 لا يُكتفى بالتوعية والتوجيه ويهمل جانب الأخذ على أيدي هؤلاء الشبيبة، وحجب منافذ الغواية عنهم، وكفّ وسدّ الوسائل المفضية إلى الرذيلة، فإن لتلك الشهوات سكراً وخمراً، فإذا استحوذت الفواحش على المرء، صار القلب متيماً مستعبداً للملذات.

وقد أشار ابن القيم إلى ذلك السكر فقال: «ومن أسباب السكر: حبّ الصور؛ فإذا استحكم الحبّ وقوي أسكر المحبّ، وأشعارهم بذلك مشهورة كثيرة، ولا سيما إذا اتصل الجماع بذلك الحبّ، فإن صاحبَه ينقص تمييزه أو يعدم في تلك الحالة بحيث لا يميّز، فإن انضاف إلى ذلك السكر سُكر الشراب بحيث يجتمع عليه سُكر الهوى، وسُكر الخمر، وسكر لذّة الجماع، فذلك غاية السكر…»(1).

سُكران: سكر هوى وسكر مُدامة    ومتى إفاقة من به سكران؟

والمقصود أن حبّ الشهوات إذا استحكم على الأشخاص، فقد لا يجدي التوعية والتوجيه في حق من غاب عقله، وأُشرب حبّ شهوته، فعندئذ يحتاج إلى الزجر والأخذ على أيدي أولئك الأشخاص، وأَطْرِهم على الاستقامة أطراً، لا سيما لمن كان لهم ولاية أو سلطة، فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

بل قد ينتهي النظر والمباشرة بالرجل إلى الشرك، وقرر ابن القيم ذلك قائلاً: «إن التوحيد واتباع الهوى متضـادّان، فـإن الهـوى صـنم، ولكل عبد صنم في قلبه بحسب هـواه، وإنمـا بعث الله رسله بكسر الأصنام وعبادته وحده لا شريك له، وليس مراد الله ـ سبحانه ـ كسر الأصنام المجسّدة وترك الأصنام التي في القلب، بل المراد كسرها من القلب أولاً. وتأمّل قول الخليل – صلى الله عليه وسلم –  لقومه: {إذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52]، كيف تجده مطابقاً للتماثيل التي يهواها القلب ويعكف عليها ويعبدها من دون الله؟»(3).

 

عقوبة أهل الشهوات :

]  إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ  [  [ النور19] .

1- نزع الإيمان واليقين : قال – e  – : «إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان فوق رأسه كالظلة، فإذا خرج من ذلك العمل عاد إليه الإيمان»(3)، فإذا كان هذا حال الزاني، فكيف بما هو أشنع من ذلك؟

تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها … من الحرام ويبقى الوزر والعار

تبقى عواقب سوء في مغبتها … لا خير في لذة من بعدها النار

سوء الخاتمة من عقوبات الشهوة المحرمة:

من عقوبة الشهوات المحرمة: سوء الخاتمة، قال صلى الله عليه وسلم: (فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها).

كان السلف يخشون سوء الخاتمة، بكى سفيان الثوري ليلةً إلى الصباح، فقيل له: أكل هذا خوفاً من الذنوب؟ قال: [الذنوب أهون! إنما أبكي خوفاً من الخاتمة]..

إن التعلق بالشهوات واستيلاؤها على القلب من أكبر أسباب سوء الخاتمة؛ فإن هذه الأشياء التي تشغل بال الإنسان من الحرام، وانشغاله بها وانهماكه، إذا نزل به الموت سيطفو على السطح، وسيظهر على لسانه، وحين تخونه قواه وتخور يطفو ما كان مخبأً من هذه الشهوات المحرمة.

 يروى أن رجلاً عشق فتى واشتدّ كلفه به، وتمكّن حبّه من قلبه حتى مرض ولازم الفراش بسببه، حتى أوشك على الهلاك، وأراد أن يراه فلم يستطع، فأُسْقِطَ في يده وانتكس، وبدت عليه علامات الموت، فجعل يقول والموت نازل به:

أسلم يا راحة العليل ويا …   شفاء المدنفِ النحيل

رضاك أشهى إلى فؤادي … من رحمة الخالق الجليل

 

فقيل له: يا فلان! اتق الله. قال: قد كان. فما أن جاوز باب داره حتى سمعوا صيحة الموت.

 

وآخر كان واقفاً بإزاء داره، فمرت به فتاة لها منظر جميل، فقالت: أين الطريق إلى حمام منجاب؟ وكانوا من قديم يغتسلون في الحمامات العامة، فأغواه الشيطان فقال: هذا حمام منجاب، وأشار إلى باب داره، فدخلت المسكينة وهي لا تدري ما الأمر، فأغلق الباب فأسقط في يدها، لكنها كانت ذكية، فأظهرت البشر والسرور، وقالت: يصلح أن يكون معنا ما يطيب عيشنا من طعام، فخرج وترك الدار ولم يغلقها فهربت بذكائها وحسن تدبيرها، وهكذا الفتاة لو تآمروا عليها فهي صالحة وإيمانها يدفعها للنجاة، فلما رجع ووجدها قد هربت هام وأكثر الذكر لها، وجعل يمشي في الطريق كالمجنون، ويقول:

يا رب قائلة يوماً وقد تعبت … أين الطريق إلى حمام منجاب

فبينما هو يوماً على ذلك إذ سمع صوتاً يقول له:

هلا جعلت سريعاً إذ ظفرت بها     حرزاً على الدار أو قفلاً على الباب

فازداد هيامه حتى حضرته الوفاة، فكان آخر كلامه من الدنيا:

يا رب قائلة يوماً وقد تعبت … أين الطريق إلى حمام منجاب

ولم ينطق بالشهادة، حمانا … الله من مثل هذا المصير!

 

الشهوات بريد الكفر :

قد يتساهل البعض في شأن هذه الفواحش بدعوى أنها من مطلق المعاصي، وأن أصحابها تحت مشيئة الله تعالى، وقد غاب عن هؤلاء التلازم بين الظاهر والباطن، وخطورة الذنوب، وأنها قد تفضي بصاحبها إلى الانسلاخ من ملة الإسلام، خصوصاً وأن مدمني الشهوات قد لا يستطيعون تركها، إذ أسرتهم تلك الشهوات، فظلوا عليها عاكفين مصرّين.

وقـد عـقد الإمـام البخاري ـ رحمه الله ـ هذا الباب في كتـاب الإيمـان فـقـال: «بـاب خـوف المؤمـن أن يحبط عمله وهو لا يشعر».

وقـال البخـاري ـ رحـمه الله ـ فــي نهــاية هذا الباب: «… وما يحذر من الإصرار على النفاق والعصيان من غير توبة؛ لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135]»(4).

ثم قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «مراده [أي: البخاري] أن الإصرار على المعاصي وشعب النفاق من غير توبة، يُخشى منها أن يعاقب صاحبها بسلب الإيمان بالكلية، وبالوصول إلى النفاق الخالص وإلى سوء الخاتمة نعوذ بالله من ذلك، كما يقال: إن المعاصي بريد الكفر»(5).

وساق ابن رجب ـ رحمه الله ـ آثاراً كثيرة عن السلف في حبوط بعض الأعمال بالكبائر، ومن ذلك ما قاله الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله «ما يؤمن أحدكم أن ينظر النظرة فيحبط عمله»(6).

< إن الاشـتغال بمعـالي الأمـور، والابتـعاد عـن سفـسافها، والطمـوح بعـزم وجـدّ إلى المقـامات السنـية من العلم النافع، والعـمل الصـالح، والدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله… إن ذلك لهو أعظم سبيل في مجانبة الأهواء والشـهوات، فالإنسـان «لم يخلق للهوى، وإنما هُيِّأ لأمر عظيم لا يناله إلا بمعصيته للهوى كما قيل:

قد هيأوك لأمر لو فطنِت له  فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

وكما قال بعض السلف: القلوب جوّالة، فمنها ما يجول حول العرش، ومنها ما يجول حول الحش»(7).

 قواعد تربوية :

قواعد الصراع مع الشهوات، كيف نتغلب وكيف نفوز:

القاعدة الأولى: مراقبة الله تعالى: قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ [يوسف:23].. إني أخاف الله.

وإذا خلوت بريبة في ظلمة … … والنفس داعية إلى العصيان

فاستحي من نظر الإله وقل … … لها إن الذي خلق الظلام يراني

أيها المسلم:

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا … تقل خلوت ولكن قل علي رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة … … ولا أن ما تخفي عليه يغيب

القاعدة الثانية: احذر خائنة الأعين: قال تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19] قال ابن عباس : [هو الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم وفيهم المرأة الحسناء أو تمر به، فإذا غفلوا لحظ إليها، وإذا فطنوا غض بصره عنها، فإذا غفلوا لحظ فإذا فطنوا غض… وهكذا]. قال سفيان الثوري : [الرجل يكون في المجلس في القوم يسترق النظر إلى المرأة تمر بهم، فإذا رأوه ينظر إليها اتقاهم فلم ينظر، وإن غفلوا نظر.. هذه خائنة الأعين].

القاعدة الثالثة: مدافعة الخواطر السيئة

القاعدة الرابعة: الزواج

القاعدة الخامسة: الصوم

القاعدة السادسة : الدعاء

القاعدة السابعة : الصحبة الصالحة .

نماذج مشرقة من قصص الأولين في الصبر على الشهوة:

قال الله تعالى عن يوسف عليه السلام: وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [يوسف:23] عندما كان صادقاً أراه الله البرهان، : كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ [يوسف:24]

والثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة مثال آخر، ذاك الذي هرب من الحرام لكلمة "اتق الله".

 جريج العابد وقصته مع  الزانية المومسة .

 

قال ابن القيم: ذكر أبو الفرج أن امرأةً جميلةً كانت في مكة وكان لها زوج، فنظرت يوماً إلى وجهها في المرآة، والمرآة والمرأة متصاحبتان، فقالت لزوجها هذه المغرورة: أترى أحداً يرى هذا الوجه ولا يفتتن به؟ قال: نعم. وهذه مصيبة! قالت: من؟ قال: عبيد بن عمير. قالت: فائذن لي فلأفتننه -الزوج الديوث- قال: قد أذنت لك. فأتته كالمستفتية، دخلت المسجد وهو في ناحية المسجد، ولما اقتربت منه ظنها تستفتي، فأسفرت عن وجه كفلقة القمر، فقال: يا أمة الله، استتري. قالت: قد افتتنت بك. قال: إني سائلك عن شيء، فإن أنت صدقتني نظرت في أمرك. قالت: لا تسألني عن شيء إلا صدقتك. قال: أخبريني لو أن ملك الموت أتاك ليقبض روحك، أكان يسرك أن أقضي لك هذه الحاجة؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت، قال: فلو دخلت قبرك وأُجلست للمساءلة، أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت، قال: فلو أن الناس أعطوا كتبهم ولا تدرين أتخذين كتابك بيمينك أم بشمالك، أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت، قال: فلو أردت الممر على الصراط ولا تدرين أتنجين أو لا تنجين، أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت، قال: فلو جيء بالميزان وجيء بك فلا تدرين أيخف ميزانك أم يثقل، أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا، قال: صدقت، قال: اتق الله فقد أنعم الله عليك وأحسن إليك. فرجعت إلى زوجها فقال: ما صنعت؟ قالت: أنت بطال ونحن بطالون. فأقبلت على الصلاة والصوم والعبادة فتفرغت للعبادة وانشغلت عن الزوج، فكان زوجها يقول: ما لي ولعبيد بن عمير أفسد علي امرأتي، كانت في كل ليلة عروساً فصيرها راهبة. أما عطاء بن يسار فقد خرج مع أخيه سليمان بن يسار ومع أصحابهما من المدينة، ونزلوا بالأبواء وضربوا الخيام، وكان هناك امرأة من الأعراب جميلة أرادت أن تفتن عطاء بن يسار الزاهد العابد، فدخلت عليه في خيمته لما ذهب أصحابه وبقي وحيداً، وكان في صلاة، فأوجز لأنه ظنها محتاجة، ثم قال: ألك حاجة؟ قالت: نعم. قال: ما هي. قالت: قم فأصب مني، وقد تقت ولا بعل لي. قال: إليك عني.. لا تحرقيني ونفسك بالنار. وجعل يبكي، وغشي عليه من البكاء، فرأت المرأة الرجل يبكي فتأثرت من هذا الذي وعظها وجلست تبكي، والرجل يبكي وهي تبكي، فجاء أخوه سليمان بن يسار فوجد الاثنين يبكيان ولا يدري ما القضية، فغلبته نفسه فتأثر وانخرط في البكاء، وجاء بقية أصحابهما، ودخلوا الخيمة، فرأوا عطاء يبكي، و سليمان يبكي، والمرأة تبكي، فتأثروا من المشهد، ولا يدرون ما القصة، فانخرطوا جميعاً في البكاء، وجلس الجميع يبكون ولا يدرون ما القضية..! إلى أن سكنوا وهدءوا فقامت المرأة وانسحبت، وقام أولئك وانسحبوا، وآوى كل إلى فراشه.. تهيب سليمان أن يسأل أخاه عطاء ما السبب، ومضت الأيام، وسافرا إلى مصر، فلما ناما ليلةً بمصر في غرفة واحدة استيقظ عطاء يبكي، فقام سليمان على بكاء أخيه، قال: ما يبكيك يا أخي؟ فاشتدّ بكاؤه، قال: ما يبكيك يا أخي؟ قال: رؤيا رأيتها الليلة. قال: وما هي؟ فأصرّ عليه حتى يخبره بها، فأخذ عليه عهداً من الله ألاّ يحدث بها في حياته، قال: رأيت يوسف النبي في النوم، فجعلت أنظر إليه، فلما رأيت حسنه بكيت -في المنام- فنظر إليّ وقال: ما يبكيك أيّها الرّجل؟ فقلت: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، ذكرتك وامرأة العزيز، وما ابتليت به من أمرها، وما لقيت من السجن، وفرقة يعقوب، فبكيت من ذلك، وجعلت أتعجب منه. فقال له في المنام: فهلا تعجبت من صاحب المرأة البدوية بالأبواء؟ -يقول له في المنام- فعرفت الذي أراد، فبكيت واستيقظت باكياً. وقصّ عليه قصة المرأة التي كانت بالأبواء؛ وحفظ سليمان السّر، ولما مات عطاء نشره، فكانت القصة مشهورة في المدينة .

 وكان سليمان بن يسار من أحسن الناس وجهاً، دخلت عليه امرأة بيته فسألته نفسه، فامتنع عليها، فقالت: إذاً أفضحك، فخرج هارباً عن منزله وترك المنزل لها.

وكان السّري بن دينار بمصر، وفيه امرأة جميلة تفتن الناس، فجاءته وكشفت نفسها له، فقال: ما لك؟ قالت: هل لك في فراش وطيء وعيش رخي. فأقبل عليها وهو يقول:

وكم ذي معاصٍ نال منهن لذة … ومات فخلاها وذاق الدواهيا

تصرم لذات المعاصي وتنقضي … وتبقى تباعات المعاصي كما هيا

فوا سوءتاه والله راء وسامع … لعبد بعين الله يغشى المعاصيا

 

صبرت عن اللذات لما تولت … وألزمت نفسي صبرها فاستمرت

وما المرء إلا حيث يجعل نفسه     فإن طمعت تاقت وإلا تسلت

 

بين شاب صغير  وفتاة مثله:   
عن رجاء بن عمر النخعي ، قال : كان بالكوفة فتى جميل الوجه ، شديد التعبد والاجتهاد ، و كان أحد الزهاد ، فنزل في جوار قوم من النخع ، فنظر إلى جارية منهم جميلة، فهويها و هام بها عقله ، و نزل بها مثل الذي نزل به .
فأرسل يخطبها من أبيها ، فأخبره أبوها أنها مسماة لابن عم لها . واشتد عليهما ما يقاسيان من ألم الهوى ، فأرسلت إليه الجارية : قد بلغني شدّة محبّتك لي ، و قد اشتدّ بلائي بك لذلك ، مع و جدي بك . فإن شئت زرتكَ وإن شئت سهلت لك أن تأتيني إلى منزلي . فقال للرسول : لا واحدة من هاتين الخصلتين ، إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ، أخاف ناراً لا يخبو سعيرها و لا يخمد لهبها فلما انصرف الرسول إليها فأبلغها      ما قال ،  قالت: وأراه مع هذا زاهداً يخاف الله تعالى ؟ ! و الله ما أحد أحق بهذا من أحد ، و إن العباد فيه لمشتركون . ثم انخلعت من الدنيا ، و ألقت علائقها خلف ظهرها ، و لبست المسوح و جعلت تتعبد ، و هي مع ذلك تذوب و تنحل حباً للفتى و أسفاً عليه ، حتى ماتت شوقاً إليه . فكان الفتى يأتي قبرها . فرآها في منامه و كأنها في أحسن منظر ، فقال : كيف أنت ، و ما لقيت بعدي ؟ فقالت     :
نعم المحبة يا حبيبي حبكا       حب يقود إلى خير و إحسان      
فقال على ذلك : إلى ما صرت ؟ فقالت      :
إلى نعيم و عيش لازوال له    في جنة الخلد ملك ليس بالفاني
فقال لها : اذكريني هناك فإني لست أنساك .

فقالت : و لا أنا و الله لاأنساك ، و لقد سألتك ربي ، مولاي و مولاك ، فأعانني على ذلك بالاجتهاد .    
ثم ولت مدبرة فقلت لها : متى أراك ؟ قالت : ستأتينا عن قريب ، فلم يعش الفتى بعد الرؤيا إلا سبع ليال حتى مات ، رحمهما الله
(التوابين لأبن قدامه / مواقف إيمانية لأحمد فريد بتصريف).

 


 

 (1) في ظلال القرآن، (1/511)، باختصار.

(2) في ظلال القرآن، (2/632)، باختصار.

(3) روضة المحبين، ص (47).

(1) أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الحدود، حديث (12).

(2) الصواعق المرسلة (2/437).

(3) أخرجه أبو داود، كتاب السنة، حديث (4690)، والترمذي، كتاب الإيمان، حديث (2625).

(4) حصاد الغرور لمحمد الغزالي، ص (104).

(5) جامع الرسائل (قاعدة في المحبة)، (2/293، 393).

(6) مجموع الفتاوى (15/288، 289)، باختصار.

(7) الجواب الكافي (220).

(1) روضة المحبين (152)، وانظر: قاعدة في المحبة لابن تيمية (جامع الرسائل)، (2/244، 245).

(2) مجموع الفتاوى (15/292، 293)، باختصار.

(3) روضة المحبين، (483).

(4) انظر: فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن رجب (1/177).

(5) فتح الباري (1/181).

تعليقات المستخدمين

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يمكنك قراءة

  • 10 ربيع الأول 1442 هـ
    حكم من انتقص جنابَ النبي صلى الله عليه وسلم

    حكم من انتقص جنابَ النبي صلى الله عليه وسلم

  • 06 جمادى الآخرة 1444 هـ
    سلسلة التوحيد عند المالكية (1)

    سلسلة التوحيد عند المالكية (1)

  • 23 ربيع الثاني 1444 هـ
    شرح منظومة مجمل اعتقاد السلف | الدرس الخامس | الجزء…

    شرح منظومة مجمل اعتقاد السلف | الدرس الخامس | الجزء الثاني