هل يجوز الجمع بين صلاتي الجمعة والعصر للمسافر أو في المطر
28-10-2020 1945 مشاهدة
بسم الله الرحمن الرحيم
مبحث الجمع بين صلاتي الجمعة والعصر
من إعداد أبي سليمان مختار بن العربي مومن الجزائري ثم الشنقيطي
لقدجاء الشّرع المطهر بالترخيص في الجمع بين صلاتي الظهرين والعشائين في السّفر ، حيث ثبت فعله عن النبي e ثبوتا لاريب فيه ،وقد أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي عَرَفَاتٍ جَمْعَ تَقْدِيمٍ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ جَمْعَ تَأْخِيرٍ فِي مُزْدَلِفَةَ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ لِلْحَاجِّ [1] ، وذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ [2]إِلَى جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ ، أَوْ جَمْعَ تَأْخِيرٍ بِسَبَبِ السَّفَرِ الطَّوِيل الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الرُّبَاعِيَّةُ مَا لَمْ يَكُنْ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ ، وأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلاَ يُشْتَرَطُ لِلْجَمْعِ فِي السَّفَرِ عِنْدَهُمْ طُول مَسَافَةِ السَّفَرِ أَوْ قِصَرُهَا ، فَإِذَا نَوَى الإِْقَامَةَ فِي أَثْنَاءِ إِحْدَى الصَّلاَتَيْنِ عِنْدَ التَّقْدِيمِ بَطَل الْجَمْعُ . وَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ إِقَامَةُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِبُطْلاَنِ الْجَمْعِ[3] .
وأمّا المطر فلم يثبت عن النّبيّ e أنّه جمع في المطر مع كثرة وجود سبب الجمع لذلك في وقته ، إلاّ أنّه قد ثبت جمعه في الحضر من غير سفر ولامرض ولامطر ، والسبب في ذلك أفصح عنه ابن عباس t وهو راوي حديث الجمع بين الصلاتين في الحضر لمّا سئل لم فعل ذلك ؟ قال : أراد أن لا يحرج أحدا من أمّته "[4].
ومذاهب علماء الأمصار في الجمع في المطر نلخصها في الآتي :
عدم جواز جمع بين الصلاتين مطلقا إلاّ يوم عرفة ،وليلة مزدلفة بها عند الحنفية [5] ،وجوّزوا الجمع الصّوري وهو صلاة الظهر آخِر وقتها والعصر في أوّل وقتها ،وهكذا المغرب والعشاء [6].
وعند المالكية يجوز التّقديم في المطر لمن يصلّي المغرب والعشاء دون غيرهما [7].
وعند الشّافعية جواز الجمع بين الصلاتين؛ سواء بين الظّهر والعصر أو المغرب والعشاء[8].
وعند الحنابلة روايتان: إحداهما: لا يجوز إلاّ بين المغرب والعشاء.
وحكى ابن قدامة أنّ أحمد سئل عن الجمع بين الظّهر والعصر في المطر ، قال : لا، ما سمعت [9].
وقال أبو الحسن التميمي : فيه قولان: أحدهما: أنّه لا بأس به وهو قول أبي الخطاب اهـ محل الشاهد من قوله [10].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : يجوز الجمع بين صلاة المغرب والعشاء ، وبين الظهر والعصر عند كثير من العلماء للسفر والمرض ونحو ذلك من الأعذار[11].
ولماّ كان المسافر قد يصلّي الجمعة مع الإمام وهي فرض مستقلّ أو بدل على الخلاف المعروف في مبحثها ، فإنّه قد يحتاج إلى جمع العصر معها بعد سلام الإمام ، وكذلك المقيمون مع إمامهم حال المطر الشّديد ، أو الوحل الذي يشقّ معه الرّجوع إلى العصر[12] ، فقد اختلف العلماء في جمع الجمعة والعصر تقديما ، وبعضهم قال بجواز ذلك تأخيرا ، وخلافهم هذا مبني على خلافهم في الجمع في المطر أيضا ، وحاصل الأقوال في ذلك أنها على قولين :
القول الأول: وهو الجواز : وبه قال الشّافعية كما قال النّووي رحمه الله: (يجوز الجمع بين الجمعة والعصر في المطر، فإن قدّم العصر إلى الجمعة اشترط وجود المطر في افتتاح الصلاتين وفى السلام في الجمعة كما في غيرها ، قال صاحب البيان[13]: ولا يشترط وجوده في الخطبتين لأنّهما ليسا بصلاة بل شرط من شروط الجمعة ، فلم يشترط المطر فيهما كما لا يشترط في الطهارة ، قال الرّافعي[14]: وقد ينازع في هذا ذهابا إلى أنّ الخطبتين بدل الرّكعتين، قال صاحب البيان وآخرون : فإن أراد تأخير الجمعة إلى وقت العصر جاز إن جوّزنا تأخير الظّهر إلى العصر فيخطب في وقت العصر ثمّ يصلّي الجمعة ثمّ العصر ، ولا يشترط وجود المطر وقت العصر كما سبق واستدلّوا بأنّ كلّ وقت جاز فيه فعل الظهر أداءً، جاز فعل الجمعة وخطبتيها [15].
قال ابن حجر الهيتمي : المعتمد كما قال جمع متأخرون أنه يجوز جمع الجمعة والعصر تقديما لاتأخيرا ، سواء قلنا إنها ظهر مقصورة ،أو صلاة على حالها ،وهو الأصح اهـ[16] .
وفي أسنى المطالب ( فرع : يجمع العصر مع الجمعة في المطر ، وإن لم يكن ) موجودا ( حال الخطبة ) ؛ لأنّها ليست من الصلاة ، وقد علم مما مرّ أنه لا جمع بغير السفر والمطر ؛ كمرض وريح وظلمة وخوف ووحل ، وهو المشهور" [17].
القول الثاني : عدم جواز الجمع بين الجمعة والعصر
قال منصور البهوتي الحنبلي (ولا تجمع جمعة إلى عصر ولا غيرها؛ لعدم وروده)[18].
وقد أفتى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: (بأنّ جمع العصر إلى الجمعة لا يصح بحال) وتابعته اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة [19]،غير أنها زادت: (أنّ صلاة العصر ليست من جنس صلاة الجمعة).،وكذلك أفتى بذلك كلّ من الشيخ محمد صالح ابن عثيمين " [20] ، والشيخ عبد الكريم الخضير[21]، وذهب الشيخ محمد المختار الشنقيطي في شرح زاد المستقنع، إلى أنّ الأحوط عدم الجمع ، وأنّه لاينكر على من جمع بين الجمعة والعصر .
والصواب إن شاء الله هو ما اختاره الشافعية لوجود العلة المقتضية للجمع، ولا يلزم من عدم ذكر الجمعة في حديث ابن عباس t أنها غير داخلة، ولا يؤثر فيها على الصّحيح خلاف أهل العلم في كونها ظهرا مقصورة أو هي صلاة مستقلّة بذاتها ، والمعنى العام للجمع بين الصّلاتين هو وضع إحداهما في وقت الأخرى وهذا حاصل بالجمعة. ثمّ إنّ الذين لم يجوزوا الجمع بين الظهرين للمطر ، نلزمهم بوجود المشقة في الظّهرين كما هو الحاصل في العشاءين. وينتج عن هذا الإلزام ، إلحاق الجمعة بهما في الحكم ، والله أعلم.
وقد بحث المسألة أيضا الأستاذ .د. سعود بن عبدالله الفنيسان: وأورد أقوال الفريقين ثّم رجح جواز الجمع بين صلاتي الجمعة والعصر ،سواء في السفر والمطر ".[22].
وخلاصة المبحث :
أنه رفعا للحرج والمشقة ،وعملا بمبدإ التيسير المقرّر في جملة نصوص الشرع ،جواز الجمع بين الجمعة والعصر في المطر والسفر ، وأن خطيب الجمعة إن فعل ذلك وجمع فقد جمع رسول الله e في غير ماعذر تخفيفا على أمته ، فكيف إذا كان العذر قائما ، ومن لم يجمع بينهما فلا لوم عليه وقد فعل العزيمة وترك الترخص والله أعلم .
[1] – المبسوط (1/159) ، و المجموع (5/482) ، والمغني (2/271-273) . وانظر سبل السلام للصنعاني ( 2 / 200) .
[2] – – المغني(2/114) ، ونهاية المحتاج(2/273) ، و المجموع (5/482).
[3] – الدسوقي 1 / 368 – 369 ، والحطاب 2 / 156 . والذخيرة للقرافي (2/373-374).
[4] – عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ , e , بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ , وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ , فِى غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ مَطَرٍ.
قيل لابن عباس : وما أراد إلى ذلك ؟ قال : أَرَادَ أَنْ لاَ يُحْرِجَ أُمَّتَهُ" أخرجه مالك "الموطأ" 109، وأحمد 1/223(1953)و رواه مسلم (705).
[5] – المبسوط(4/14،15) .
[6] – مختصر الطحاوي(33،34) والقدوري(27) والهداية(1/143).
[7] – تنوير المقالة في حل ألفاظ الرسالة للتتائي (2/317) تحقيق /محمد عايش شبير/ ط/بدون .
[8] – المجموع مع المهذب(4/253-254) ط/ زكريا علي يوسف، 9مجلدات ، ،ومختصر المزني (25).ملحق بالام تصوير بيروت ، دار المعرفة .
[9] – المرجع السابق والصفحة .
[10] – المغني ( 2/117) دار الفكر – بيروت /الطبعة الأولى ، 1405.
[11] – المغني ( 3 / 132 ) .
[12] – المجموع(5/497) وهو المذهب كما قال النووي ؛. وفي المسألة خلاف ، وحكى إمام الحرمين قولا بعدم جواز الجمع بين الظهر والعصر كمذهب مالك .
[13] – البيان في مذهب الشافعي ليحي بن أبِي الخير بن سالم العمراني أبو حسين الشافعي اليمني (489 – 558) هـ.
[14] – الرافعي ( 557 – 623 هـ ) هو عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم ، الرافعي ، ابو القاسم ، انظر ترجمته: طبقات الشافعية
للسبكي 5/119 ، وفوات الوفيات 2/3 ].
[15] – المجموع للنووي (5/500).العلمية .
[16] – حاشية ابن حجر على الإيضاح في مناسك الحج والعمرة (73) ط/ المكتبة الإمدادية بمكة المكرمة .
[17] – (3/401).
[18] – شرح منتهى الإرادات المسمى دقائق أولي النهى لشرح المنتهى للبهوتي (1/309) ط/ عالم الكتب -بيروت .
[19] – فتاوى اللجنة الدائمة رقم (19887)
[20] – الشرح الممتع (4/46).وفي مجموع فتاوى ابن عثيمين" (15/371-375).
[21] – بلوغ المرام ـ كتاب الصلاة (33)الشيخ/ عبد الكريم الخضير .
[22] – موقع : الإسلام اليوم