سلسلة التوحيد عند المالكية (1)
30-12-2022 652 مشاهدة#سلسلة_التوحيد_عند_المالكية(1)
الحمد لله الذي تفرد بالجلال والعظمة والجمال
سبب الشرك
لما كان الشرك أمرا حادثا، وأن الأصل هو التوحيد، كما قال تعالى : (كان الناس أمة واحدة [البقرة : ۲۱۳]؛ كان لا بد لـه مـن اسـبـاب تـوصـل وتـؤدي إلـيـه ،كالصور وتعظيمها ، والبناء على القبور وتشييدها.
والإسلام جاء بـسد منافذ الشرك، وحسم أسبابه ، فقد حرم البناء على القبور، ونهى عن تشييدها ، واتخاذ الصور لأنها السبيل إلى الغلو في أصحابها، ومن ثم عبادتها كما وقع في الأمم السالفة .
وهذا الذي قرره أئمة المالكية في بيان أسباب الشرك ، مستدلين على ذلك بما جاء في قصة قوم نوح( 1)، وما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا لرسول اللہ ﷺ كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاویر ، فقال رسول الله ﷺ : إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور ، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة»(2″) .
وفي هذا يقول القاضي عياض- رحمه الله تعالى – عند حديث عائشة رضي الله عنها ـ … ولأن هذا كان الأصل في عبادة الأصنام فيما يذكر ، وكانوا قديما إذا مات فيهم نبي أو رجل صالح صوّروا صورته، وبنوا عليه مسجدا ليأنسوا برؤية صورته ، ويتّعظوا بمصيره، ويعبدوا الله عنده، فمضت على ذلك أزمان، وجاء بعدهم خلف رأوا أفعالهم وعباداتهم عند تلك الصور، ولم يفهموا أغراضهم ، وزيـّن لـهـم الشيطان أعمالهم وألقى إليهم أنهم كانوا يعبدونها ؛ فعبدوها».(3)
ونظيره ما ذكره القرطبي – رحمه الله تعالى -عند هذا الحديث ثم عقب بقوله : «فحذر النبي ﷺ عن مثل ذلك، وشدّد النّكير والوعيد على فعل ذلك، وسدّ الذرائع المؤدية إلى ذلك ، فقال : «اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، فلا تتخذوا القبور مساجد»(4)
، وقال : «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ،وقال : «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد»(5).
ولهذا بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر رسول الله ﷺ ، فأعلوا حيطان تربته، وسدوا المداخل إليها، وجعلوها محدقة بقبره، ثم خافوا أن يتخذ موضع قبره قبلة ، إذ كان مستقبل المصلين ، فتتصور الصلاة اليه بصورة العبادة ، فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين، وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلك من ناحية الشمال حتى لا يتمكن أحد من استقبال قبره، وهذا الذي فعله هو خليفة المسلمين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه حماية لجناب التوحيد (ولم يكن وهابيا)
ولهذا الذي ذكرناه كله قالت عائشة رضي الله عنها : ((ولولا ذلك لأبرز قبره. )) وبين أن النهي عن الصلاة إلى القبور ((لقطع الذريعة أن يعتقد الجهال في الصلاة إليها ـ أو عليها ـ الصلاة لها ، فيؤدي إلى عبادة من فيها ، كما كان السبب في عبادة الأصنام» (6) . فجعل السبب الذي أدى إلى وقوع الشرك الغلو في أولئك الرجال الصالحين حتى عيدوهم من دون الله .
وهو ما بينه ابن بطال رحمه الله بقوله : «لأنهم كانوا يعبدون تلك القبور ، ولذلك نهى أن يتخذ قيره مسجدا ، قطعا للذريعة في ذلك ؛ لئلا يعبد الجهال قبره»(7) .
وقد كان السبب في حدوث تلك العبادة اتخاذ القبور مساجد، وفعل التصاوير، وذلك لأن الغلو في القبور والـصـور يوصل إلى اتخاذها آلهة، كما بين ذلك ابن بطال رحمه الله فيما نقله عن المهلب رحمه الله بقوله : «إنما نهي عن ذلك ـ والله أعلم ـ قطعا للذريعة، ولقرب عبادة الأصنام ، واتخاذ القبور والصور آلهة»(8) .
‐————-
(1) كما في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما : «أن ودا وسوعا ويغوث ويعوق ونسرا كانت أسماء رجال صالحين من قوم نوح عليه السلام ، فلما هلكوا أوصى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا ، وسموها بأسمائهم ، ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت». (٦٦٧/٨) برقم (٤٩٢٠).
(۲) خرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد (۱/ ٥٢٣) برقم (٤٢٧)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور ةاتخاذ الصور فيها (1/374) رقم(528)
(3) إكمال المعلم (2/450)
(4) خرجه مـالـك فـي الـمـوطـأ، باب جامع الصلاة (156/1)، وعبدالرزاق في المصنف (١٥٨٧)، وابن عبدالبر في التمهيد (٤١/٥)، وقال: لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث، وهو حديث صحيح عند من قال بمراسيل الثقات وعند من قال بالمسند ، لإسناد عمر بن محمد له، وهو ممن تقبل زيادته .
(5) البخاري( 1330) من حديث عائشة رضي الله عنها .
(6) المفهـم (127-128)
(7) شرح البخاري (3/327).
يتبع بحول
ملاحظة : انا لست وهابيا والحمدلله أنا مسلم موحد قد اتبعت ملة إبراهيم حنيفا، واتخذت محمدا صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، عقيدتي عقيد سيدنا الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه ، وابن أبي زيد القيرواني ، وابن رشد ، وغيرهم من أئمة المالكية الكرام وكلهم كرام ) .
ولست كافرا لأنني أترحم على كل من مات من المسلمين الموحدين ، والحمدلله رب العالمين . فهمتم (🥲ا😎😎)
يمكن الاستزادة من كتاب (جهود المالكية في تقرير توحيد العبادة ).