هل يجوز أكل لحم الكلاب عند المالكية ؟

08-02-2021 20059 مشاهدة

في حكم أكل الكلاب البريّة والبحرية وتحقيق المذهب الحقّ في حرمتها عند المالكيّة

الكلب [1]:

حيوان معروف،  والجمع أكلب وكلاب وكليب، مثل أعبد وعباد وعبيد وهو جمع عزيز. والأكالب جمع أكلب قال ابن سيده: وقد قالوا في جمع كلب كلابات[2].

والكلب حيوان شديد الرياضة، كثير الوفاء[3]، وهو لا سبع ولا بهيمة، حتى كأنه من الخلق المركب لأنه لو تم له طباع السبعية ما ألف الناس، ولو تم له طباع البهيمية ما أكل لحم الحيوان.

وهو نوعان: أهلي وسلوقي نسبة إلى سلوق، وهي مدينة باليمن تنسب إليها الكلاب السلوقية، وكلا النوعين في الطبع سواء، وفي طبعه الاحتلام، وفي الكلب من اقتفاء الأثر، وشم الرائحة ما ليس لغيره من الحيوانات، والجيفة أحب إليه من اللحم الغريض. ويأكل العذرة ويرجع في قيئه، وبينه وبين الضبع عداوة شديدة وذلك أنه إذا كان في مكان عال أو موضع مرتفع، ووطئت الضبع ظله في القمر رمى بنفسه عليها مخذولا، فتأخذه فتأكله،  ومن طبعه أن يحرس ربه ويحمي حرمه شاهدا وغائبا، ذاكرا وغافلا، نائما ويقظان، وهو أيقظ الحيوان عينا في وقت حاجته إلى النوم، وإنما غالب نومه نهارا عند الاستغناء عن الحراسة، وهو في نومه، أسمع من فرس، وأحذر من عقعق، وإذا نام كسر أجفان عينيه ولا يطبقها، وذلك لخفة نومه، وسبب خفته أن دماغه بارد بالنسبة إلى دماغ الإنسان، ومن عجيب طباعه أنه يكرم الجلة من الناس وأهل الوجاهة، ولا ينبح أحدا منهم، وربما حاد عن طريقه وينبح الأسود من الناس والدنس الثياب والضعيف الحال.

ومن طباعه البصبصة والترضي والتودد والتألف، بحيث إذا دعي بعد الضرب والطرد رجع، وإذا لاعبه ربه عضه العض الذي لا يؤلم، وأضراسه لو أنشبها في الحجر لنشبت، ويقبل التأديب والتلقين والتعليم،

وأمّا السّلوقيّ فمن طباعه أنّه إذا عاين الظّباء قريبة منه أو بعيدة عرف المقبلَ من المدبر، ومشي الذكرَ من مشي الأنثى[4].

بل يفرق بين الرفاه والفقر فيتودد للأول ويتحرش بالثاني حتى قال القائل :

حتى الكلاب إذا رأت رجل الغنى    حنت إليه وحركت أذنابها

وإذا رأت فقيرا ماشــــــــــــــــــيا    نبحت عليه وكشرت أنيابها

 

حكم أكل الكلاب عند المالكية[5] :

لايجوز  أكل لحوم الكلاب عند عامة العلماء بمن فيهم فقهاء المذهب المالكي على ما صحّحه محققوه ففي حاشية الدسوقي على الشرح الكبير على مختصر خليل :” الَّذِي حَصَّلَهُ الحطاب فِي الْكَلْبِ قَوْلَانِ: الْحُرْمَةُ, وَالْكَرَاهَةُ, وَصَحَّحَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ التَّحْرِيمَ[6]، قَالَ الحطاب: وَلَمْ أَرَ فِي الْمَذْهَبِ مَنْ نَقَلَ إبَاحَةَ أَكْلِ الْكِلَابِ. انتهى  .

“وقال ابن حبيب لم يختلف المدنيون في تحريم السّباع العادية الأسد والفهد والكلب، [7] فأما غير العادية كالذئب والثعلب والضبع والهرّ والوحش والإنسي يكره أكلها من غير تحريم”.

وفي أضواء البيان للشيخ محمد الأمين الشنقيطي: وَمِنْ ذَلِكَ الْكَلْبُ: فَإِنَّ أَكْلَهُ حَرَامٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَعَنْ مَالِكٍ قَوْلٌ ضَعِيفٌ جِدًّا بِالْكَرَاهَةِ.

وَلِتَحْرِيمِهِ أَدِلَّةٌ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا:  حديث النهي عن أكل كل ذي نابٍ مِنَ السِّبَاعِ; لِأَنَّ الْكَلْبَ سَبُعٌ ذُو نَابٍ، وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَوْ جَازَ أَكْلُهُ لَجَازَ بَيْعُهُ، وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ ثَمَنِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، مَقْرُونًا بِحُلْوَانِ الْكَاهِنِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – بِلَفْظِ: ” ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ”، الْحَدِيثَ، وَذَلِكَ نَصٌّ فِي التَّحْرِيمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: “وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ”{الأعراف:157}.

وكره عطاء أكل الكلب ، وسئل النبي r  عنه فقال: “طعمة جاهلية وقد أغنى الله عنها”[8] .

“وفي الجلاب: ولا تؤكل الكلاب.

قال الحطاب: ولم أر في المذهب من نقل إباحة أكل الكلب اهـ.

ولا يجوز للمفتي أن يفتي بأكل الكلاب اهـ.

قال الجزيري في الفقه على المذاهب الأربعة: “المالكية لهم في الكلب قولان: قول بالكراهة وقول بالتحريم. والثاني هو المشهور، ولم يقل بحلّ أكله أحد. وقالوا: يؤدّب من نسب حلّه إلى مالك اهـ.[9]

وقال النفراوي : وأما الكلب الإنسي فصحّح في الشامل كراهة أكله خلافا لمن قال بحرمته أو إباحته”.[10]

التحريم : وهو مذهب مالك في الموطإ وهو الرَّاجح للأدلة التي ساقها .

الكراهة : وهو لكثير من علماء المذهب .

وكما ذكرنا أنّه لم يثبت عن مالك جواز أكل لحم الكلاب ومع ذلك  فقد مشى بعض أئمّة الشّافعيّة على إلصاق تلك الفرية بمالك ، قال  الإمام الاقفهسي :

وليس عند مالكٍ يُعابُ      أن تؤكل الحيّاتُ والكلابُ [11]

فليت الشافعية يعتذرون عما قال قائلهم ، فنحن قلوبنا تسعهم بالحب ، والاختلاف لايفسد الود.

 

[1] – جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (35/21-22). يرى جمهور الفقهاء حرمة أكل لحم كل ذي ناب يفترس به، سواء أكانت أهلية كالكلب والسنور الأهلي، أم وحشية كالأسد والذئب.

استدلوا لذلك بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  « كل ذي ناب من السباع فأكله حرام »  .

[2] – قيل لأبي الدقيش الأعرابي: لم تسمون أبناءكم بشَرِّ الأسماء نحو كلب وذئب؟ وعبيدكم بأحسنها نحو مرزوق ورباح؟ ، فقال: إنما نُسَمِّي أبناءنا لأعدائنا وعبيدنا لأنفسنا. وكأنهم قصدوا بذلك التفاؤل بمكالبة العدد وقهره، والكلبة أنثى الكلاب، وجمعها كلبات ولا تكسر.

[3] – وقد ألف المرزباني كتابا سماه : فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب .

[4] -انظر حياة الحيوان الكبرى للدميري (2/380).

[5] – جمهور الفقهاء يحرمون أكل الكلب لأنه من السباع .الحنفية البناية شرح الهداية (11/ 541)، الشافعية كما في المجموع للنووي (9/8)، وروضة الطالبين 5 / 274، والحنابلة (كشاف القناع 4 / 306.).

[6] – حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2/117).

[7] – شرح الرسالة لزروق (2/1017).

[8] – أخرجه عبد الرزاق (8738) من حديث عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري، وأحمد: 3/ 353 من حديث جابر، والطبراني في الكبير: 23/ 36 (63) من حديث ميمونة بنت سعد. قال الهيثمي في “المجمع: 4/ 91 رواه أحمد ورجاله ثقات، وقال عن حديث الطبراني: 4/ 92، إسناده ضعيف، وفيه من لا يعرف”.

[9] – أسهل المدارك «شرح إرشاد السالك في مذهب إمام الأئمة مالك»(2/59) لأبي  بكر بن حسن بن عبد الله الكشناوي (المتوفى: 1397 هـ).

[10] – الفواكه الدواني (2/289)

 

[11] – منظومة مايحل ويحرم من الحيوان للامام الاقفهسي(33) تحقيق محمد خير رمضان يوسف /دار البشائر الإسلامية

نص الفتوى