السحر والإيمان لا يجتمعان في قلب مؤمن بالله واليوم الآخر
09-12-2020 1357 مشاهدةروى الحاكم في المستدرك، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، قالت:
قدمت امرأة من أهل دومة الجندل علي تبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد موته بيسير، تسأله عن شيء دخلت فيه، من أمر السحر لم تعلم به، قالت: فرأيتها تبكي حين لم تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إني لأرحمها من كثرة بكائها، وهي تقول: إني أخاف أن أكون قد هلكت، فسألتها عن قصتها، فقالت: كان لي زوج قد غاب عني، فدخلت علي عجوز فشكوت لها حالي، فقالت: إن فعلت ما آمرك به فإنه يأتيك بعلك! فقلت: إني أفعل. فلما كان الليل جاءتني بكلبين أسودين، فركبت أحدهما، وتركت الآخر، فلم يكن بأسرع حتى وقفنا ببابل، فإذا أنا برجلين معلقين بأرجلهما، فقالا: ما حاجتك؟ وما جاء بك؟ فقلت: أتعلم السحر؟ فقالا: إنما نحن فتنة فلا تكفري! وارجعي. فأبيت وقلت: لا أرجع. قالا: فاذهبي إلى التنور فبولي فيه، فذهبت إليه فاقشعر جلدي ففزعت منه، ولم أفعل فرجعت إليهما، فقالا لي: فعلت؟ قلت: نعم. قالا: هل رأيت شيئا؟ قلت: لم أر شيئا. فقالا: لم تفعلي. ارجعي إلى بلادك لا تكفري، فأبيت فقالا: اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه فذهبت إليه فاقعشر جلدي وخفت ثم رجعت إليهما فقالا لي: ما رأيت؟ إلى أن قالت: فذهبت في الثالثة فبلت فيه فرأيت فارسا مقنعا بالحديد، خرج مني حتى ذهب في السماء، فأتيتهما فأخبرتهما فقالا: صدقت، ذاك إيمانك خرج منك، اذهبي.
فقلت للمرأة: والله ما علمت شيئا، ولا قالا لي شيئا! فقالت لي: بلى لن تريدي شيئا إلا كان. خذي هذا القمح فابذريه، فأخذته فبذرته. وقلت له: اطلع فطلع ثم قلت استحصد فاستحصد، ثم قلت: انطحن فانطحن، ثم قلت: انخبز فانخبز. فلما رأيت أني لا أقول شيئا إلا كان سقط في يدي فندمت، والله يا أم المؤمنين ما فعلت قط ولا أفعله أبدا. فسألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما دروا ما يقولون لها، وكلهم هاب أن يفتيها بما لا يعلم إلا أنهم قالوا لها: لو كان أبواك حيين أو أحدهما لكانا يكفيانك. ثم قال الحاكم: صحيح انتهى.
قال هشام بن عروة، وهو راوي الحديث، عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها، أنهم كانوا أي الصحابة رضي الله عنهم أهل ورع وخشية لله، وبعد من التكلف والجراءة على الله، فلذلك أمسكوا عن الفتيا لها ولو جاءتنا اليوم لوجدت الأمر بخلاف ذلك. قال بعض الحنابلة:
قلت: فقد بان بهذا أن السحر والإيمان لا يجتمعان في قلب، ولا يصير ساحرا وفي قلبه إيمان، فاعتبر بحال هذه المرأة المسكينة كيف ألقاها الشيطان والهوى والنفس الأمارة بالسوء، في ورطة هلكة لا تجبر مصيبتها، وهذا دأب المعاصي تنكس الرؤوس وتوجب الحبوس، وتضاعف البؤس، ولقد أحسن القائل حيث قال:
إذا ما دعتك النفس يوما لحاجة … وكان عليها للخلاف طريق
فخالف هواها ما استطعت فإنما … هواها عدو والخلاف صديق