هل يجوز إضافة لفظ سيّدنا في الصّلاة الإبراهيمية
27-10-2020 1939 مشاهدةبسم الله الرحمن الرحيم مبحث من كتابي البدر التام في فضل الإمامة وأحكام الإمام
هل يجوز إضافة لفظ سيّدنا في الصّلاة الإبراهيمية ؟:
إنّ سيّدنا محمّدا صلّى الله عليه وسلّم هو سيد الخلق أجمعين، وخليل ربّ العالمين، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، نبيّ الرّحمة، ورسول الهداية، ذو الخلق العظيم، والشّرف الكريم، عبد الله ورسوله، أمرنا الله باتّباعه، ونهانا عن مخالفة أمره، وكان ما شرعه لنا من ألفاظ الصلاة والسلام عليه ينبغي الالتزام بها وعدم النقصان ما استطاع العبد إلى ذلك سبيلا فذلك هو عين الاتباع .
وإنّ ممّا كثر حوله الكلام، لاسيما عند كثير من العوامّ المنتسبين للعلم دون بحث وتحقيق وإنّما قيل وقال، وكيل للاتهام بزعم أنّ التّاركين للفظة (سيّدنا )في الصّلاة الإبراهيمة إنّما هم قوم لئام لايحبّونه عليه الصّلاة والسّلام .
وهذه دعوى لابيّنة عليها، ولادليل عليها من سنّة ولاكتاب، وإنّما استحسنها من استحسنها من بعض العلماء من باب الأدب، وهل هناك أدب أعلى وأتمّ من متابعته عليه الصّلاة والسلام وعدم المزايدة عليه، ولذلك ينبغي أن نقف جميعا عند النصوص الواردة عنه صلى الله عليه وسلم، لأنَّ وجود مقتضى الفعل فى زمانه صلّى الله عليه وسلّم وعدم الفعل منه مع عدم المانع من الفعل يوجب أنّه إذا فعلنا ذلك الفعل يكون بدعة كما قرّره شيخ الاسلام ابن تيمية، ولاسيما في العبادات المخصوصة، والاقتصار على الوارد منها عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في ذلك واجب .
قال النّووي رحمه الله تعالى :-عند شرح حديث البراء بن عازب [1]لما علّمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعاء النّوم فأبدل لفظ النّبيّ بالرّسول – واختلف العلماء في سبب إنكاره صلّى الله عليه وسلّم وردّه اللّفظ ، فقيل: إنّما ردّه لأنّ قوله: آمنت برسولك يحتمل غير النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من حيث اللّفظ، واختار المازري وغيره أنّ سبب الإنكار أنّ هذا ذكر ودعاء فينبغي فيه الاقتصار على اللّفظ الوارد بحروفه، وقد يتعلّق الجزاء بتلك الحروف، ولعلّه أوحي إليه صلّى الله عليه وسلّم بهذه الكلمات فيتعيّن أداؤها بحروفها وهذا القول حسن “[2].
قلت : وهذا وارد في الصّلاة الإبراهيمية، ألاترى أنّ حديث :أبي مسعودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: أَمَرَنَا اللهُ تَعَالَى أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم ، حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم : « قُولُوا اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ»[3] .
أمّا خارج العبادات فإنّ من يطلق السّيادة له صلّى الله عليه وسلّم إنّما يخبر بحقّ وصدق، لا يماري في ذلك مسلم، وهو ثابت عنه صلّى الله عليه وسلّم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَومَ القِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَن يَنشَقُّ عَنهُ القَبرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ »[4] .
وإذا كان صلّى الله عليه وسلّم قد قال عن الحسن بن علي رضي الله عنه:«إِنَّ ابنِي هَذَا سَيِّدٌ»[5]، وقال للأنصار لما جاء سعد بن معاذ : « قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُم »[6] .
بل قد أطلق الصّحابة رضوان الله عليهم السّيادة لبعضهم، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ” أَبُو بَكرٍ سَيِّدُنَا وَأَعتَقَ سَيِّدَنَا : يعني بلال بن رباح “[7].
فكيف لا يقال بعد ذلك عن أشرف الخلق نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم إنّه ( سيّدنا ) ؟!
وأمّا حديث عبد الله بن الشِّخِّير أنه قال : « انطَلَقتُ فِي وَفدِ بَنِي عَامِرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فَقُلنَا : أَنتَ سَيِّدُنَا . فَقَالَ : السَّيِّدُ اللَّهُ . قُلنَا : وَأَفضَلُنَا فَضلًا، وَأَعظَمُنَا طَوْلًا ( أَي شَرَفًا وَغِنًى ) . فَقَالَ : قُولُوا بِقَولِكُم أَو بَعضِ قَولِكُم، وَلَا يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيطَانُ »[8] .
وذاك من تواضعه صلّى الله عليه وسلّم وإرادته إغلاق باب الإطراء الزائد خشية الولوج في باب الغلو والتنطع في حقه .
إذا فمسألة السيادة له صلّى الله عليه وسلّم لاينازع فيها إلاّ ضالّ، وأمّا العبادات كما أسلفنا فإنها مبنية على الالتزام والتوقيف، والأصل فيها الاقتصار على ما جاءت به السنة النبوية فيها، ومن ذلك ألفاظ الأذان والإقامة والصلاة الإبراهيمية بعد التشهد، فقد جاءت النصوص الكثيرة في بيانها، ولم ترد رواية واحدة مرفوعة أو موقوفة على الصحابي، أو حتى من قول التابعين، أنهم كانوا يزيدون في ألفاظها قولهم ( سيدنا محمد).
وقد سُئِل الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :“عن صفة الصّلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم في الصّلاة أو خارج الصّلاة، سواء قيل بوجوبها، أو بندبها : هل يشترط فيها أن يصفه صلّى الله عليه وسلّم بالسِّيادة، بأن يقول مثلاً : صلِّ على سيِّدنا محمدٍ، أو على سيّدِ الخلق، أو سيّد ولد آدم ؟ أو يقتصر على قوله : اللهم صلِّ على محمد ؟.
وأيهما أفضل:الإتيانُ بلفظ السيادة؛ لكونها صفةً ثابتةً له صلى الله عليه وسلم، أو عدمُ الإتيان لِعدم ورُود ذلك في الآثار ؟.
فأجاب رحمه الله :
” نعم اتِّباعُ الألفاظ المأثورة أرجح، ولا يقال : لعلَّه ترك ذلك تواضعاً منه صلّى الله عليه وسلّم كما لم يكن يقول عند ذكره : صلى الله عليه وسلم، وأمّتهُ مندوبة إلى أن تقول ذلك كلما ذُكر ؛ لأنَّا نقول : لو كان ذلك راجحاً لجاء عن الصحابة، ثم عن التابعين، ولم نقِفْ في شيءٍ من الآثار عن أحدٍ من الصحابة ولا التابعين أنه قال ذلك، مع كثرة ما ورد عنهم من ذلك، وهذا الإمامُ الشافعي أعلى الله درجته وهو من أكثر الناس تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم، قال في خطبة كتابه الذي هو عمدة أهل مذهبه : ” اللّهمّ صلِّ على محمّد، إلى آخر ما أدَّاه إليه اجتهاده وهو قوله : ” كلّما ذكره الذاكرون، وكلما غفل عن ذكره الغافلون “، وكأنه استنبط ذلك من الحديث الصحيح الذي فيه ( سبحان الله عدد خلقه )، وقد عقد القاضي عياض بابا في صفة الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم في كتاب “الشفاء”، ونقل فيه آثارا مرفوعة عن جماعة من الصحابة والتابعين، ليس في شيء منها عن أحد من الصحابة وغيرهم لفظ : ” سيدنا “،والغرض أن كل من ذكر المسألة من الفقهاء قاطبة، لم يقع في كلام أحد منهم:” سيدنا “، ولو كانت هذه الزيادة مندوبة ما خفيت عليهم كلّهم حتّى أغفلوها، والخير كله في الاتباع، والله أعلم ” اهـ[9] .
وإذا قالها المسلم في صلاته فإنّ صلاته لا تبطل بذلك، مع أنّ الواجب ألاَّ يأتي بأيّ زيادة على الصّيغ الواردة في أذكار الصّلاة كلّها .
وقد نقل صاحب “حاشية تحفة المحتاج” من كتب الشّافعية عن الطوسي من الشافعية بطلان صلاة من زاد لفظ ( سيّدنا )، ثم قال : وهذا غلط “، ونقل عن ظاهر المذهب اعتماد عدم استحباب الزّيادة [10] .
وذهب جماعة من أهل العلم وهو المعتمد عند الشّافعية إلى استحباب زيادة لفظ “سيّدنا” في الأذان والتشهد وغيرهما، قال الرملي في نهاية المحتاج: والأفضل الإتيان بلفظ السيادة -أي في التشهد في الصلاة- كما قاله ابن ظهيرة وصرح به جمع، وبه أفتى الشارح -المحلي- لأنّ فيه الإتيان بما أمرنا به وزيادة الإخبار بالواقع الذي هو أدب فهو أفضل من تركه وإن تردد في أفضليته الأسنوي، وأما حديث: لا تسيدوني في الصلاة. فباطل ولا أصل له كما قاله بعض متأخري الحفاظ، وقول الطوسي: إنها مبطلة غلط. انتهى[11]
وقال علي الشبراملسي في حاشيته على نهاية المحتاج: قوله لأن فيه….الخ يؤخذ من هذا سن الإتيان بلفظ السيادة في الأذان وهو ظاهر، لأن المقصود تعظيمه صلّى الله عليه وسلّم بوصف السيادة حيث ذكر، لا يقال: لم يرد وصفه بالسيادة في الأذان، لأنّا نقول كذلك هنا ، وإنّما طلب وصفه بها للتّشريف وهو يقتضي العموم في جميع المواضع التي يذكر فيها اسمه عليه الصلاة والسلام.
وصرح الحنفية باستحباب زيادة لفظ السيادة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، قال صاحب الدّرّ المختار: وندب السّيّادة لأنّ زيادة الإخبار بالواقع عين سلوك الأدب فهو أفضل من تركه.
قال ابن عابدين في حاشيته”: واعترض بأن هذا مخالف لمذهبنا لما مرّ من قول الإمام من أنه لوزاد في تشهده أو نقص فيه كان مكروهاً، قلت: فيه نظر، فإنّ الصّلاة زائدة على التشهد ليست منه، نعم ينبغي على هذا عدم ذكرها في “وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله” وأنّه يأتي بها مع إبراهيم عليه السلام”[12].
وقال فى مغنى المحتاج :”ظاهر إطلاقهم عدم استحباب زيادتها، وهذا أحقّ وأولى بالاعتماد لعدم ورودها فى أىّ صيغة للصّلاة على النّبّى وآله”.[13]
[1] – عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ¢ ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ، فَأَنْتَ عَلَى الفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ “. قَالَ: فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا بَلَغْتُ: اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، قُلْتُ: وَرَسُولِكَ، قَالَ: «لاَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ» البخاري (247).
[2] – شرح مسلم للنووي (17/ 33).
[3] -رواه مسلم 65 – (405).
[4] – رواه مسلم (2278).
[5] – رواه البخاري (2704)
[6] – رواه البخاري (3073) ومسلم (1768).
[7] – رواه البخاري (3754).
[8] – رواه أبو داود (4806) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
[9] – نقله السخاوي في ” القَولُ البَدِيعُ في الصَّلاةِ عَلَى الحَبِيبِ الشَّفِيعِ (107)/الناشر: دار الريان للتراث “، ونقله محمد بن محمد الغرابيلي (835هـ) وكان ملازما لابن حجر، كما في إحدى المخطوطات التي وقف عليها الشيخ الألباني بخطه، انظر “صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم” (172)، وانظر “معجم المناهي اللفظية” بكر أبو زيد (305).
[10] – حاشية تحفة المحتاج” (2/86) وانظر، أسنى المطالب لزكريا الأنصاري (4/166)، حاشية تحفة المحتاج (2/88)، ونيل الأوطار 2/337، والموسوعة الفقهية 11/346).
[11] – أسنى المطالب في شرح روض الطالب لزكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري(1/166)/الناشر: دار الكتاب الإسلامي/الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ.و تحفة المحتاج في شرح المنهاج لا بن حجر الهيتمي(2/86)/روجعت وصححت: على عدة نسخ بمعرفة لجنة من العلماء/الناشر: المكتبة التجارية الكبرى بمصر / لصاحبها مصطفى محمد/الطبعة: بدون طبعة/عام النشر: 1357 هـ – 1983 م.
[12] – حاشية ابن عابدين (1/ 514).
[13] – مغني المحتاج (1/ 383) .