ياباغي الخير اقبل
27-10-2020 1107 مشاهدة
نداء الريان للصائمين في رمضان
مطوية
من إعداد :
أبي سليمان مختار بن العربي مومن
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على محمد وءاله وصحبه وبعد:
قال تعالى [ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ][البقرة :185].
رمضان شهر الخيرات والبركات ، شهر الهدى والبينات ، شهر الذكر والصيام والرحمات .هاهو هلال رمضان ، هل رأيته ، أخي الكريم ، أختي الفاضلة ؟ ، نعم رأيته بفضل الله تعالى ، قل : ((اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالأمْنِ والِإيْمَـانِ، وَالسَّلامَةِ وَالإِسْلامِ، وَالتَّوْفِيْقِ لِـمَـا تُحِبُّ رَبَّنَا وَتَرْضَى، رَبُّنَا ورَبُّكَ اللَّهُ ][الترمذي:3451 ] ، يارب اجعل هذا الشهر الكريم طلوعه علينا مقترناً بالأمن من الآفات والمصائب ، والثبات على الإيمان، والسلامة من آفات الدنيا والدين ،إنه رمضان..ذا الفضائل السامية ، والمكرمات الربانية المتنامية .
فضائل في الشهر المبارك:
من حكمة الله سبحانه أن فَاضَلَ بين خلقه زماناً ومكاناً، ففضَّل بعض الأمكنة على بعض، وفضل بعض الأزمنة على بعض، ففضل في الأزمنة شهر رمضان على سائر الشهور، فهو فيها كالشمس بين الكواكب، واختص هذا الشهر بفضائل عظيمة ومزايا كبيرة، فهو الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن، قال تعالى: [شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان][البقرة:185]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان][ أحمد:17109].
وهو الشهر الذي فرض الله صيامه، فقال سبحانه: [ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون][البقرة:183]،
وهو شهر التوبة والمغفرة، وتكفير الذنوب والسيئات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر][رواه مسلم: 574 ]، من صامه وقامه إيماناً بموعود الله، واحتساباً للأجر والثواب عند الله، غفر له ما تقدم من ذنبه، ففي “الصحيح” أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه][ البخاري :2014] ، وقال: [من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه][البخاري :37]، وقال أيضا: [من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه][ البخاري :2014].
. [ومن أدركه فلم يُغفر له فقد رغم أنفه وأبعده الله][ابن حبان : 409 ]، بذلك دعا عليه جبريل عليه السلام، وأمَّن على تلك الدعوة نبينا صلى الله عليه وسلم، فما ظنك بدعوة من أفضل ملائكة الله، يؤمّن عليها خير خلق الله.
وهو شهر العتق من النار، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قل : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: […وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة][ الترمذي:682] .
وفيه تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران، وتصفد الشياطين
وهو شهر الصبر، فإن الصبر لا يتجلى في شيء من العبادات كما يتجلى في الصوم، وهو شهر الدعاء، وهو شهر الجود والإحسان؛ ولذا كان صلى الله عليه وسلم -كما ثبت في الصحيح- أجود ما يكون في شهر رمضان.
وهو شهر فيه ليلة القدر، التي جعل الله العمل فيها خيراً من العمل في ألف شهر،
فانظر -يا رعاك الله- إلى هذه الفضائل الجمّة، والمزايا العظيمة في هذا الشهر المبارك ، فحري بك -أخي المسلم- أن تعرف له حقه, وأن تقدره حق قدره، وأن تغتنم أيامه ولياليه، عسى أن تفوز برضوان الله، فيغفر الله لك ذنبك وييسر لك أمرك، ويكتب لك السعادة في الدنيا والآخرة، جعلنا الله وإياكم ممن يقومون بحق رمضان خير قيام.
أصناف النّاس في رمضان :
كثير من الناس لا يفهمون من معنى الشهر المبارك إلاّ تجهيز المآكل والمشارب، وتحضير المطاعم والمناعم وإعداد لوازم السّحور والإفطار، وما يقوي شهية الطعام ويوفر راحة المنام، لأن رمضان كريم كما يقال وهذا شأن الكرام.
أما قوم آخرون فشهر رمضان عندهم شهر الراحة من عناء الأعمال واللهو والتسلية في لياليه الطوال، وتقسيم الأوقات علي الزيارات والسهرات، فهم في ليلهم بين لهو وسمر وقتل للوقت على مقاعد المقاهي والبارات، وتنقل بين دور الملاهي والصالات، وفي نهارهم يَغُطُّون في نومهم، ويتكاسلون في عملهم.هذان الصنفان خسروا شهر رمضان وخسرهم، وهجروه وهجرهم، وهو حجة عليهم بين يدي ربهم وشهيد على تقصيرهم وسوء تقديرهم.
وقوم ءاخرون صلّوا وصاموا، وتعبدوا وقاموا، وهم لا يعلمون من ذلك إلاّ أنّهم أُمِرُوا فامتثلوا، وتعوّدوا فعملوا، يرجون رحمة الله، يخافون عذابه، وأولئك لهم ثواب صيامهم وأجر قيامهم، وجزاء أعمالهم إن شاء الله تعالي، والحسنة بعشر أمثالها والله يضاعف لمن يشاء، وبقي بعد كلّ أولئك جماعة آخرون أدّوا ما أمرهم الله به من صلاة وصيام وتلاوة وقيام ومسارعة إلى الخيرات وإحسان وصدقات، ولكنهم لم يقفوا عند ظواهر الأعمال بل فهموا عن الله فيها، وعرفوا ما يراد بهم منها، ونفذت بصائرهم إلى لباب أسرارها، فعرفوا لرمضان معنى لم يعرفه غيرهم، وفازوا بربح لم يفز به سواهم، واكتسبوا منه تزكية النفوس وتصفية الأرواح.. وأولئك خلاصة المؤمنين وصفوة العارفين.
إصلاحات رمضانية :
أيها الشهر ربي وربك الله هو الذي أوجدنا وإيّاه ، وقضاؤه ماض فينا ، وأمره واجب علينا، أيها المسلم، اغتنم رمضان، ففي رمضان مدرسة لإصلاح القلوب ، فسارع لإصلاح العطب ليأتي قلبك يوم القيامة سليما معافى ،[يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ] (الشعراء : 88-89).
فرمضان فرصة للتوبة والانتصار على النّفس الأمّارة بالسّوء ، فَهَيِّء سلاحَ التّقوى لخوض المعركة معها وستهزمها بعون الله تعالى ، بشرط الصدق والإخلاص لله .
في رمضان تحرّر نفسك من الشهوات فتُعْتِقَهَا من النار، قال المُنَاِوي : وإنما شرع الصوم كسرا لشهوات النفوس، وقطعا لأسباب الاسترقاق والتعبد للأشياء، فإنّهم لو داموا على أغراضهم لاستعبدتهم الأشياء، وقطعتهم عن الله، والصوم يقطع أسباب التعبد لغيره، ويورث الحرية من الرّق للمشتبهات، لأن المراد من الحرية أن يملك الأشياءَ ولا تملكه، لأنّه خليفة الله في ملكه، فإذا ملكته فقد قلَبَ الحكمة، وصيّر الفاضل مفضولا والأعلى أسفل “.
في رمضان اغسل أحقادك ، ونقّ فؤادك، وأصلح ما بينك وبين خالقك يصلح الله ما بينك وبين الخلق، فإنّ من شؤم المعاصي الحرمان من المغفرة والنجاة يوم القيامة ، ومن شؤم المشاحنات أن لا يرفع للعبد عمل صالح ، بل تكون سببا في منع الخير فقد اختصم رجلان ليلةً كان يريد النّبي صلى الله عليه وسلم بتبشير الصحابة بليلة القدر فرفعت لأجل خصومتهما .
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «إِنِّي أُرِيتُ هذِهِ اللَّيْلَةَ فِي رَمَضَانَ. حَتَّى تَلاَحَى رَجُلاَنِ، فَرُفِعَتْ . فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ، وَالسَّابِعَةِ، وَالْخَامِسَةِ»[ الموطأ:333].
في رمضان فرصة لتنويع التجارة مع الله ،[إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ] [فاطر : 29-30]
في رمضان حاول أن تزرع كلّ مساحة سوداء مظلمة في جنبات نفسك ، بأخرى خضراء وارفة الإيمان والأمن كيوم دعائك بقدوم الشهر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان ، والسّلامة والإسلام .
أخي الصائم قف وحاسب نفسك في رمضان وغيره ، ولكن كلّما كان الزمان أو المكان عظيما كان حريا بك أن تحاسب النّفس وتقف معها، لئلا تفوتك أسواق الخير، فماهو جدولك في رمضان :
هل عزمت على التوبة الصادقة ؟ فتب الآن ، وأقلع عن كل عادة سيئة ، فإنها والله فرصتك ، فتش في جنبات نفسك عما تحمله من سيّء فاطرحه ، ومن خير وهو فيك كثير فنمِّه وكَثِّرْهُ .
كثير من الناس تستوي عندهم الشهور فلا يميّزونما بين طيّاتها من خير تحمله ، ومن نفحات مبثوثة يغتنمها .
اجعل لك جدولا في قلبك قبل أن تسطره على الورق ، تحمل فيه نفسك على إتمامه والعمل به ، من حفظ قرءان، وختمه مرّات في هذا الشهر الكريم .
تصدق على من حولك من الفقراء والمساكين ، فخير البر في رمضان إطعام الطعام ، فإنه المنجي من العقبات الصعبة يوم القيامة ” [فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)] [البلد].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من فطّر صائما كان له مثل أجر من عمله من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئا” (رواه الترمذي: 807).
سارع أخي الحبيب ودع التسويف والتأجيل فعمرك ساعات محدودة وأنفاس غير ممدودة ، والموت ياتي بغتة والقبر صندوق العمل . أعتقنا الله وإياكم ومن نحب من نار تلظى . ءامين .