هل يجوز سفر المرأة وحدها في الطائرة

28-10-2020 2326 مشاهدة

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

من كتابي مسافرون عبر الخطوط أحكام وآداب ).

حكم سفر المرأة بالطائرة من غير محرم :

إنّ من الأمور التي كثرت الحاجة  ، وعمّت البلوى بها ، موضوع المحرم في السفر ، وذلك لتقدم وسهولة وسائل المواصلات وكثرة الأسفار ووفرة المطارات والمحطات والحافلات وقد لمسنا تساهل الكثيرين رجالاً ونساءً في مسألة المحرم في السفر فآلياً النساء غاديات رائحات من مطار لآخر ومن طائرة لأخرى بلا محارمهن بدعوى قرب المسافات وانتفاء الخلوات ، ولذلك ينبغي أن نقف أوّلا على  تحديد المحرم شرعا ؟ وهل  المرأة إذا سافرت بالطائرة يوما أو يومين أو ثلاثة ، تعد عاصية آثمة ،ام أن سفرها في حدود المباح  ؟

أولا : المحرم قال في النهاية :ذو المَحْرم : من لا يحل له نكاحها من الأقارب وكالأب والابن والأخ والعم ومن يجري مجراهم "[1].    
وقال ابنُ قُدامة : " المَحرمُ : زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح كأبيها وابنها وأخيها من نسب أو رضاع "[2].

ثانيا : لقد جاءت أحاديث مختلفة عن النبي e في النهي أن تسافر المرأة إلا مع ذي محرم منها :

حديث  أبي سعيد الخدري  t  قال : قال رسول الله e  :  «  لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً ، إلا ومعها أبوها ، أو ابنها ، أو زوجها، أو أخوها ، أو ذو محرم منها » مسلم[ 1339] .
وعن أبي هريرة t  عن النّبيّ e  قال :  «  لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر ميسرة يوم إلاّ مع ذي محرم  » البخاري و مسلم [ 1339] .      
قال الحافظ: " وقد عمل أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقييدات .. وقال ابن المنير : وقع الاختلاف في مواطن بحسب السائلين "[3].     
وقد نقل بعضُهم أنه لا خلاف بين أهل العلم في تحريم سفر المرأة بلا محرم إلا أنهم اختلفوا في سفرها للحج إذا أمنت الطريق ووجدت الرفقة من النساء المأمونات .
قال القاضي عياض : " اتفق العلماء على أنّه ليس لها أن تخرج غير الحجّ والعمرة ، إلاّ العجزة من دار الحرب فاتفقوا أنّ عليها أن تهاجر منها إلى دار الإسلام وإن لم يكن معها محرم "[4].     
وقال ابن حجر : " لم يختلفوا في أنّه ليس للمرأة السفر في غير الفرض إلا مع زوج أو محرم إلا كافرة أسلمت في دار الحرب أو أسيرة تخلّصت "[5]    ،وقد عدّ ابنُ حجر الهيثمي سفر المرأة وحدها بطريق تخاف فيه على بُضعها من الكبائر فقال :      
" الكبيرةُ المائة : سفرُ المرأة وحدها بطريق تخاف فيه على بضعها .. ثم قال : تنبيه : عدُّ هذا بالقيد الذي ذكرته ظاهر لعظيم المفسدة التي تترتب على ذلك غالباً ، وهي استيلاء الفجرة وفسوقهم بها فهو وسيلة إلى الزنا ، وللوسائل حكم المقاصد ، وأما الحُرمة فلا تتقيّد بذلك ، بل يحرم عليها السفر مع غير المحرم وإن قصر السفر ، وكان أمناً ، ولو لطاعة كنفل الحج أو العمرة ولو مع النساء من التنعيم ، وعلى هذا يحمل عدهم ذلك من الصغائر "[6].      
ورغم دعوى الاجماع إلا أنّ هناك خلافا ينبغي أن نقف عليه :

فقد ذهب أبو حنيفة وأحمد والشافعي وجماهير أصحابه إلى تحريم السفر بلا محرم في كل سفر مباح أو حجّ تطوع أو نحوهما إلا أنّ أبا حنيفة يشترط المحرم في السفر الطويل لا القصير ، وهو ما كان مسيرة ثلاثة أيام إلا أنّه قيده بالحاجة .
وعن أبي حنيفة وأبي يوسف كراهية خروجها وحدها مسيرة يوم واحد قال ابن عابدين : وينبغي أن يكون الفتوى عليه لفساد الزمان ويؤيده حديث الصحيحين :  «  لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها  » وفي لفظ مسلم  «  مسيرة ليلة »  وفي لفظ " يوم " [7]
وقال النووي: " قالوا – أي الشافعية – فإن كان الحجّ تطوعاً ، لم يجز أن تخرج فيه إلاّ مع محرم ، وكذا السفر المباح ، كسفر الزيارة والتجارة ، لا يجوز خروجها في شيء من ذلك إلاّ مع محرم أو زوج .
قال الشيخ أبو حامد – في تعليقه – لا يجوز لها الخروج في حجّ التّطوع إلاّ مع محرم ، نصّ عليه الشافعي في كتاب العِدَد من الأمّ ، فقال لا يجوز الخروج في حج التطوع إلا مع محرم ..
والصحيح من مذهب الشافعية أنّه لا يجوز للمرأة السفر لغير الحج الواجب إلا بمحرم كما قال النووي[8] .         


أقوال المبيحين لها في الخروج بلا محرم بشروط :     
قال النووي : " قال الماوردي : ومن أصحابنا – أي الشافعية – من جوّز خروجها مع نساء ثقات كسفرها للحج الواجب ، قال : وهذا خلاف نص الشافعي :     
قال أبو حامد : ومن أصحابنا –أي الشافعية – من قال : لها الخروج بغير محرم ،في أي سفر كان واجباً أو غيره ..وهكذا ذكر المسألة البندنيجي وآخرون .
وقال بعض أصحابنا ، يجوز بغير نساء ولا امرأة إذا كان الطريق آمناً ، وبهذا قال الحسن البصري وداود "[9].  

وقال مالك : لا يجوز بامرأة ثقة ، وإنما يجوز بمحرم ، أو نسوة ثقات .
وقد أفتى بعض العلماء المعاصرين بجواز سفرها إذا كان بالطائرة والمسيرة أقل من يوم وليلة منهم الشيخ العلامة عبد الله بن جبرين كما في موقعه الرسمي فقد جاء فيه تحت رقم الفتوى (7286) في رده على سؤال مفاده : ما زالت مشكلة سفر المرأة بدون محرم مطروحة، فهناك بعض العلماء يفتون بجواز ذلك في الطائرة ومع جماعة من النسوة موثوقات، وهناك من يُحرم ذلك، فما الرأي الأصح في هذه المشكلة -بارك الله فيكم- ؟

وردت السُنة بنهي المرأة عن السفر بدون محرم، كقوله –e  « لا تُسافر المرأة مسيرة ثلاث ليال إلا مع ذي محرم » وفي رواية:  « مسيرة يومين » وفي لفظ: « مسيرة يوم إلا مع ذي محرم » ولا شك أن هذا يدل على التحريم، وذلك أن السفر يعرضها لركوب الأخطار، وسلوك الطرق البعيدة، التي قد يوجد بها من الفسقة، وقُطاع الطريق من يفجر بها طوعًا، أو كرهًا، وكان السفر ذلك الوقت بواسطة الرواحل من الإبل، والحُمر، والخيل، والسفن، وكلها تستغرق وقتًا طويلا، مما تبتعد به عن محارمها وأهلها، وتطول غيبتها، وتقع في أسباب الردى، فلا جرم ورد النهي عن سفرها، ولو لحج ونحوه، وورد أيضًا جواز ذلك للحاجة، فقد أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- عمرو بن أمية الضمري إلى الحبشة واستصحب أم حبيبة بعد أن عقد النبي –e – عليها في من الحبشة إلى المدينة بدون محرم، وكذا زينب بنت النبي –e – لما أطلق زوجها من الأسر يوم بدر واشترط عليه أن يرسلها إلى المدينة فجاء بها بعض الصحابة من مكة إلى المدينة مسيرة عشرة أيام بدون محرم للضرورة، ثم إن بعض العلماء كالمالكية أجازوا أن تحج المرأة مع نسوة ثقات، مع بُعد المسافة من المغرب وقُرى إفريقيا، الذي قد يستغرق شهرًا أو أكثر، حيث إن الحج فريضة، والسفر بلا محرم مظنة فعل الفاحشة، والظن قد يخف أو يزول مع النسوة الثقات، فلا يكون الظن مانعًا للفرض.

أما في هذه الأزمنة فقد تقاربت البلاد، ووجدت وسائل النقل المريحة التي تقطع المساحات في زمن قريب، فالذي أراه جواز سفر المرأة في الطائرة، لمدة نصف يوم أو ثلثيه، بحيث يوصلها المحرم الأول إلى المطار، ويتصل بالمحرم الثاني ليستقبلها في البلد الثاني، ولا خلوة في الطائرة، والمرأة كسائر الراكبات، وليس هناك مجال للخوف عليها، والاحتمالات التي تقدر نادرة الوجود، والأصل السلامة، وهذا يعم السفر للحج وغيره، وهذا ما ترجح عندي رفقًا بالمسلمين، وأستغفر الله من الخطأ والزلل، والله أعلم"[10].

ومنهم شيخنا العلامة محمد الحسن ولد الددو الشنقيطي فقد أفتى بجواز سفر المرأة في الطائرة واعتبر أن مايحدث للطائرات من الاختطاف أو العطل يدخل في حكم النادر الذي لا حكم له .



[1] -النهاية 🙁 1/377) .

[2] –  المغني 🙁 2/32)،و الفتح 🙁 9/ 332).

[3] – الفتح ( 4/ 75 )

[4] – الفتح الرباني  (ص 170).

[5] – الفتح(4/76).

[6] – [ الزواجر 1/ 150]

[7] – ينظر حاشية ابن عابدين  ( 2/ 465) .

[8] – .ينظر : المجموع ( 8/ 343 )

[9] – في المجموع (8/ 341).

[10] – الموقع الرسمي  للعلامة الشيخ عبد الله بن جبرين .

 

تعليقات المستخدمين

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يمكنك قراءة

  • 10 ربيع الأول 1442 هـ
    الزيارة بين النساء في ضوء الكتاب والسنة (الأولى )

    الزيارة بين النساء في ضوء الكتاب والسنة (الأولى )

  • 10 ربيع الأول 1442 هـ
    من روائع التفسير الثانية ( التسهيل )

    من روائع التفسير الثانية ( التسهيل )

  • 03 رمضان 1442 هـ
    حكمة الصوم في الإسلام *

    حكمة الصوم في الإسلام *