هل تعرف معنى الحياء ؟

28-10-2020 1487 مشاهدة

المحافظة على الأخلاق الإسلامية :

 

 

بقلم : أبي سليمان مختار بن العربي مومن الجزائري

 

الحـياء :

 

 الحياء  في اللغة : تغير وانكسار يعترى الإنسان من خوف ما يعاب به وقد يطلق على مجرد ترك الشيء بسبب والترك إنما هو من لوازمه .

              وفي الشرع : خلق يبعث على اجتناب القبيح،  ويمنع من التقصير في حق ذي الحق" [1].

 

"الحياء دليل الدين الصحيح ، وشاهد الفضل الصريح ، وسمة الصلاح الشامل ، وعنوان الخير الكامل ، لايأتي إلا بما يصلح ويجمل ، ولايقضي إلا بما يحسن وينبل ، نظم قلائد المحاسن ونسق ،وجمع من خصال البر ما افترق ،إن نطق صاحبه صدق ، وإن وعد حقق ، فلا تلقاه إلا محمود المشاهد ،ولاتراه إلا موفق المحامد"[2] ، وهو كلّه خير [3] كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم   ، يبعث على فعل كل مليح وترك كل قبيح، فهو من صفات النفس المحمودة.. وهو رأس مكارم الأخلاق، وزينة الإيمان، وشعار الإسلام؛ كما في الحديث: "إنّ لكل دين خُلقًا، وخُلُقُ الإسلام الحياء"[4]. و الواجب على العاقل لزوم الحياء لأنّه أصل العقل وبذر الخير ، وتركه أصل الجهل وبذر الشّرّ والحياء يدلّ على العقل كما أنّ عدمه دال على الجهل ، ومن لم ينصف الناس منه حياؤه لم ينصفه منهم قَحَتُهُ[5] ، وقد جاء عن المعصوم صلى الله عليه وسلم  وقد كان أشد حياء من العذراء في خدرها : « إنّ مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت » ،  وأجمل مايكون الحياء في المرأة العذراء ،فبه تحفظ شرفها ،وتعلي خسيستها ، وتصون عرضها ،وتسمو فوق السحاب طاهرة الذيل ، حسنة الذكر الجميل،  وبه وصف الله ابنة شعيب عليه السلام فقال : ] فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ [ [القصص 25]

عن أبي إسحاق، عن عمر بن ميمون قال: قال عمر رضي الله عنه  : جاءت تمشي على استحياء، قائلة بثوبها على وجهها، ليست بسلفع خَرَّاجة ولاجة[6].

ولقد أحسن من قال :

 

إذا لم تخش عاقبةَ اللّيالي
فلا والله ما في العيش خير
 يعيش المرء ما استحــيا بخـير

 

ولم تستح فاصنع ما تشاء
ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
ويبقى العود ما بقـــي اللِّحــاء

 

فالحياء دليل على الخير، وهو المخُبْر عن السلامة، والمجير من الذم.

قال وهب بن منبه: الإيمان عريان، ولباسه التقوى، وماله الفقه ، وزينته الحياء [7].

وقيل أيضًا: من كساه الحياءُ ثوبه لم ير الناس عيبه[8].

حياؤك فاحفظه عليك فإنـما     يدلُّ على فضل الكريم حياؤه

إذا قلَّ ماء الوجه قلَّ حيـاؤه     ولا خير في وجهٍ إذا قلَّ ماؤه

ونظرًا لما للحياء من مزايا وفضائل؛ فقد أمر الشّرع بالتّخلق به وحثّ عليه، بل جعله من الإيمان، ففي الصحيحين: أنّ رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال: "الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلاّ الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" رواه الشيخان [9].

وعن ابن عمررضي الله عنه  عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم  أنه قال : « الحياء والإيمان قُرِنَا جميعًا، فإذا رفع أحدُهما رُفع الآخر » [10].

والسِّر في كون الحياء من الإيمان: أنّ كلاًّ منهما داعٍ إلى الخير مقرّب منه، صارف عن الشّرّ مبعدٌ عنه، وصدق القائل:

وربَّ قبيحةٍ ما حال بيني    وبين ركوبها إلاّ الحياءُ

ليس من الحياء:

إنّ بعض الناس يمتنع عن بعض الخير، وعن قول الحقّ وعن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر بزعم الحياء، وهذا ولا شك فهمٌ مغلوط لمعنى الحياء؛ فخير البشر محمد e  كان أشدّ الناس حياءً، بل أشدّ حياءً من العذراء في خِدرها ، ولم يمنعه حياؤه عن قول الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل والغضب لله إذا انتهكت محارمه.

كما لم يمنع الحياء من طلب العلم والسؤال عن مسائل الدين، كما رأينا أم سليم الأنصارية رضي الله عنها تسأل رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ، فقالت : يا رسول الله! إن الله لايستحيي من الحق، فهل على المرأة غسلٌ إذا احتلمت؟

لم يمنعها الحياء من السؤال، ولم يمنع الحياءُ الرسول صلى الله عليه وسلم   من البيان؛ فقال: "نعم، إذا رأت الماء"[11].

 أنواع الحياء:

قسم بعضهم الحياء إلى أنواع، ومنها:

1-   الحياء من الله .

2-   الحياء من الملائكة.

3-   الحياء من الناس.

4-   الحياء من النفس.

أولاً: الحياء من الله:هو شعار الأتقياء ومفزع الأولياء ، فحين يستقرّ في نفس العبد أنّ الله يراه، وأنه سبحانه معه في كل حين، فإنه يستحي من الله أن يراه مقصرًا في فريضة، أو مرتكبًا لمعصية ، وقد قال النبي  صلى الله عليه وسلم لأصحابه: « استحيوا من الله حق الحياء. فقالوا: يا رسول الله! إنا نستحي. قال: ليس ذاكم، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء"[12].

خلا رجل بامرأة فأرادها على الفاحشة، فقال لها: ما ترانا إلاّ الكواكب. قالت: فأين مُكوكبها؟ [13](تعني أين خالقها).

ولله در القائل:

وإذا خـلـوت بريبة فـي ظلمة      والنفس داعية إلى الطغـيان

فاستحي من نظر الإله وقـل لها      إنّ الذي خلق الظلام يـراني

ثانيًا: الحياء من الملائكة:

قال تعالى : ] وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [  [الانفطار:10- 12].وقال بعض الصحابة: إن معكم مَن لا يفارقكم، فاستحيوا منهم، وأكرموهم[14].

وقد نبّه سبحانه على هذا المعنى قال ابن القيم رحمه الله:[ أي استحيوا من هؤلاء الحافظين الكرام، وأكرموهم، وأجلُّوهم أن يروا منكم ما تستحيون أن يراكم عليه مَنْ هو مثلكم، والملائكة تتأذّى مما يتأذّى منه بنو آدم، فإذا كان ابن آدم يتأذى ممن يفجر ويعصي بين يديه، وإن كان قد يعمل مثل عمله،فما الظن بإيذاء الملائكة الكرام الكاتبين؟!][15].

وكان أحدهم إذا خلا يقول: أهلاً بملائكة ربي.. لا أعدمكم اليوم خيرًا، خذوا على بركة الله.. ثم يذكر الله.

ثالثًا: الحياء من الناس:

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: لا خير فيمن لا يستحي من الناس[16].

وقال مجاهد: لو أنّ المسلم لم يصب من أخيه إلا أنّ حياءه منه يمنعه من المعاصي لكفاه.[17]

والحياء من الناس راجع إلى الحياء من الله تعالى  وقد قرنه النبي e به فقال لرجل لما طلب من النبي صلى الله عليه وسلم  أن يوصيه فقال : « أوصيك أن تستحيي من الله عز وجل كما تستحيي من الرّجل الصالح من قومك » [18].

رابعًا: الاستحياء من النفس:

من استحيا من الناس ولم يستحِ من نفسه، فنفسه أخس عنده من غيره، فحق الإنسان إذا همَّ بقبيح أن يتصوّر أحدًا من نفسه كأنّه يراه، ويكون هذا الحياء بالعفّة وصيانة الخلوات وحُسن السريرة.

فإذا كبرت عند العبد نفسه فسيكون استحياؤه منها أعظم من استحيائه من غيره.

قال بعض السلف: من عمل في السّرّ عملاً يستحيي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر.

إنّ الحياء تمام الكرم، وموطن الرضا، وممهِّد الثناء[19]، ومُوفِّر العقل، ومُعَظِّمُ القدر:

إنّي لأستر ما ذو العقل ساتــره      من حاجةٍ وأُميتُ السّرَّ كتمانًا

وحاجةً دون أخرى قد سمحتُ بها      جعلتـها للتي أخفيتُ عنوانًا

      إنّي كأنّي أرى مَن لا حــياء له      ولا أمانة وسط القـوم عريانًا

أخي الحبيب أختي الكريمة لقد كان هذا خلق آبائنا وأمهاتنا ، فكانوا به في أعين الغير سادة ، وبه قدوة وقادة ،ووالله كانوا دواء لمرضى القلوب بأخلاقهم ، وأنس النفوس عند لقائهم يحسن فيهم قول الأول :

      لقاء الحَيِـيِّ حياة القلوب        وأنسُ النفوس وبرءُ الوجيب [20]

     إذا سمع الخيــرَ أصغى له        وإن قيل مالم يجب لا يُجيب

فياأيّها الأخ الفاضل وأيتها الأخت الفاضلة إن من أخذ بخلق الحياء فقد أخذ بجوامع الأخلاق ،وجمع أشتات الخير والصيانة ،وأحلها المرتبة العليا ،وحوى لها خير الآخرة والدنيا .رزقنا الله وإياكم كمال الحياء والخشية، وجعلنا ممَّن حسّن بالخلق الصالح  أوصافه ،وجمع من الحياء أصنافه ،بفضله وطَوله ،  وختم لنا ولكم بخير..



[1] -فتح الباري (1/52) .

[2] – الذخائر والأعلاق في آداب النفوس ومكارم الأخلاق لابي الحسن سلام بن عبدالله الباهلي الاشبيلي المتوفى سنة 544هـ . (413) .

[3] – كما في صحيح مسلم ( الحياء كله خير )(37).

[4] – أخرجه مالك في الموطأ (1610) مرسلا ،وابن ماجة (4181) وصححه الألباني في الصحيحة ( 940 )، الروض النضير ( 41 ).

[5] – القحة : من وقح والقحة والوقاحة بمعنى واحد  وهي  قلة الحياء ،انظر مختار الصحاح ، وانظر روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (48) .

[6] – قال ابن كثير : هذا إسناد صحيح تفسير ابن كثير (3/360).

[7] – ابن أبي شيبة (35235).

[8] – الآداب الشرعية (2/220).

[9] – و((البخاري)) 1/9(9) ((مسلم)) 1/46(61) .

[10] – أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1313) و قال الشيخ الألباني : صحيح، والحاكم في المستدرك (58 ) وقال : هذا حديث صحيح على شرطهما فقد احتجا برواته و لم يخرجاه بهذا اللفظ ، وقال الذهبي قي التلخيص : على شرطهما

[11] – مالك في الموطأ(116) والبخاري (282).ومسلم (738).

[12] -. أحمد 1/387, برقم (3671) ، كتاب الزهد ، باب ما ذكر عن نبيا محمد e ، و رواه الترمذي 4/637, برقم(2458), وابن أبي شيبة في مصنفه 7/77, برقم (34320) ، كتاب صفة القيامة والدقائق والورع.

[13] – إحياء علوم الدين للغزالي (4/397).

[14] – روي مرفوعا بأسانيد ضعيفة كما عند  البيهقي في " الشعب " ( 2/462/2 ) وغيره ، وقال الألباني : في الضعيفة (2300) ضعيف .

[15] – الجواب الكافي (75).

[16] – أدب الدنيا والدين (370) .

[17] – ابن أبي شيبة (35451 ) وحلية الأولياء (3/270).

[18] – رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق ( 309)، والبيهقي في الشعب (7738) ،والطبراني في المعجم الكبير (5539) وقال الهيثمي في المجمع : رجاله وثقوا على ضعف في بعضهم (10/284).

 

[19] – أي يكون سببا في ثناء الناس على العبد .

[20] – الوجيب : خفقان القلب ، أي أنس الخائف المضطرب قلبه .

 

تعليقات المستخدمين

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يمكنك قراءة

  • 01 ربيع الثاني 1444 هـ
    نعمة الزواج ومنكرات الأعراس

    نعمة الزواج ومنكرات الأعراس

  • 11 ربيع الأول 1442 هـ
    صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم التي ينبغي لكل…

    صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم التي ينبغي لكل مسلم أن يفعلها

  • 09 ربيع الثاني 1445 هـ
    يا الله لانملك إلا الدموع والدعاء

    يا الله لانملك إلا الدموع والدعاء