هل تعرف شيئا عن مختصر خليل المالكي

28-10-2020 6220 مشاهدة

بسم الله الرحمن الرحيم

مختصر ما قيل في وعن مختصر خليل –

لجامعه محمد جلال بن المجتبى الشنقيطي 
 

جمعت وكتبت هذه الحروف لما رأيت الاسئلة تكثر عن شروح مختصر خليل 
تأليفه:
المختصر هو آخر مؤلفات الشيخ خليل، مكث في تحريره أزيد من عشرين سنة، وهي فترة زمنية عادة ما تُخصص للمطولات من أمهات الكتب، وبقاء المؤلف مدة مثل هذه، دليل على شدّة حرصه وتوخيه الدقة العلمية في جمع أحكامه وتنظيمها، ولذا جاء مقتضبا في ألفاظه، دقيقا في مصطلاحاته، جامعا لمعظم أمّهات مسائل الفقه المالكي.
أولا: في وصف المختصر:
ازدادت شهرة خليل داخل المذهب وخارجه، عند ظهور مختصره الفقهي الذي لخّص فيه جامع الأمهات لابن الحاجب، وأتى فيه بالعجب من حيث الإيجاز، والمقدرة الذهنية على استيعاب المسائل وحصرها في ألفاظ جزلة جمع فيها شتات الفروع الكثيرة المتنوعة، وأوضح فيها المشهور المعمول به مجردا عن الخلاف.
ثناء العلماء عليه:
أثنى العلماء على مختصره فأطنبوا في مدحه وذِكرِ أوصافه،
فقال الشيخ ابن غازي فيه في مقدمة شرحه: ((…إنّ مختصر الشيخ العلامة خليل بن إسحاق من أفضل نفائس الأعلاق، وأحق ما رمق بالأحداق، وصُرفت له همم الحذّاق…)).
وقال الحطاب: ((مختصر الشيخ العلامة ولي الله خليل بن إسحاق الذي أوضح به المسالك إذ هو كتاب صغر حجمه وكثر علمه وجمع فأوعى وفاق أضرابه جنسا ونوعا واختص بتبيين ما به الفتوى وما هو الأرجح والأقوى لم تسمح قريحة بمثله ولم ينسج على منواله إلاّ أنّه لفرط في الإيجاز كاد يعد من جملة الألغاز)).
قال في كفاية المحتاج: ((وقد عكف الناس على مختصره وتوضيحه شرقاً وغرباً حتى اقتصروا في بلاد المغرب كفاس ومراكش في هذا الوقت على المختصر فقط، فصار قصاراهم مع الرسالة).
قال أحمدو بابا التنبكتي في نيل الابتهاج: ولقد وضع الله تعالى القبول على مختصر وتوضيحه من زمنه إلى الآن، فعكف الناس عليه شرقا وغربا حتى لقد آل الحال في هذه الأزمنة المتأخرة إلى الاقتصار على المختصر في هذه البلاد المغربية مراكش وفاس وغيرهما
وقال ابن القيم: لم تزل ألطاف الله بالمالكية تتوالى حتى أخرج لهم شابا جمع لهم مذهبهم في أوراق يتأبطها الرجل ويخرج، يتأبطها الرجل أي يجعلها تحت إبطه ويخرج، وهو عمدة المذهب اليوم، يحفظه الناس كما يحفظون القرآن، خدم بأنواع الخدمة
قال فيه بعضهم:
ياقارئا مختصر الخليل***لقد حويت الفقه يا خليلي
حصله نصا واصرف الهمة له***فقد حوى مائة ألف مسألة
نصا ومثلها من المفهوم***فإن شككت اعدده في المرسوم.
قال فيه العلامة الفصيح البليغ وحيد زمانه الشيخ محمد الفارضي الحنبلي من نظمه في مدح المختصر:
أطلاب علم الفقه مختصر الرضى خليل لكم فيه الحياة فعيشوا
ولله بيت ضمنوه مديحه به يهتدي من في الأنام يطيش
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها خليل بن إسحاق الإمام يعيش.


قال بدر الدين القرافي: ولقد عمَّ النفع بهذا المختصر إجابة لما سأل الله فيه بقوله في ديباجته “أي خليل” , والله أسأل أن ينفع به من كتبه أو أقرأه أو حصله أو سعى في شيء منه.
قال ابن فرحون ” وله مختصر في المذهب بين فيه المشهور مجردا من الخلاف، فيه فروع كثيرة جدا مع الإيجاز البليغ، أقبل عليه الطلبة ودرسوه وكانت مقاصده جميلة.


أبواب المختصر وفصوله.
رتب خليل كتابه على أربعة وستين بابا وفق الترتيب الذي سار عليه صاحب المدونة، ومشى فيه وفق منهج ابن الحاجب في كتابه جامع الأمهات، الذي سلك فيه طريقة كتاب الحاوي عند الشافعية.
ووصل في تبيضه إلى باب النكاح إلا أنّ المنية عاجلته فلم يتمكن من إكماله، فترك باقيه مسودة قام بجمعها تلامذته، وألّف تلميذه وصهره بهرام باب المقاصة التي أغفله المؤلف، وأكمل تلميذه الأفقهسي جملة يسيرة منه ترك خليل لها بياضا.
عدد مسائل التي وقعت في المختصر:
جاء خليل بن إسحاق بن موسى الجندي المالكي فألف مختصره الجامع الذي وفق فيه لنوع من الاختصار عجيب، جمع فيه كل هذه الكتب السابقة تقريبا، فيه مائة وعشرون ألف مسألة فقهية.
المدونة: عرض عليه الكتاب فأعجب به، فسأله أن يعيره إياه ليكتبه فقال: لا سبيل إلى ذلك، ففاوضه حتى قبل أن يعيره إياه في ليلة واحدة، فوزعه سحنون في تلك الليلة على طلابه فكتبوه جميعا فأصبح مكتوبا عندهم في الأوراق، وذهب أسد بن الفرات إلى صقلية وافتتحها وكان قائد الجيش وقاضيه وهو الذي فتح صقلية، فذهب سحنون إلى ابن القاسم فعرض عليه المدونة ورتبها سحنون على أبواب الفقه، لكنه في ترتيبه اعتمد ترتيبا غير الترتيب المعهود، فكان يجعل للباب الواحد إذا كان كثير الأحكام أبوابا مختلفة بنفس العنوان، باب البيع الأول باب البيع الثاني وهكذا بالأرقام، وزاد فيها على الشرط الذي شرطه أسد فأضاف إليها كثيرا من المسائل من عنده، ثم كان يسأل ابن القاسم هل سمع فيها عن مالك شيئا فإن لم يسمع قال: هل روي لك عنه شيء من غير سماعك، ثم يسأله عن رأيه هو، ويضيف إليها الأدلة من مروياته عن ابن القاسم أو غيره، فقد عرضها على ابن وهب فروى عنه كثيرا من الأدلة وأضافها، وعرضها على أشهب وروى عنه كثيرا من الأدلة وأضافها، وعرضها على غيرهما من تلامذة مالك، فكانت جمعا لأقوال هؤلاء التلامذة ورواياتهم عن مالك، فبلغ مجموع ما فيها من المسائل أربعين ألف مسالة، ومعها أربعون ألف دليل، وهذه الأدلة قليل منها طبعا الأحاديث المرفوعة، بعضها آيات قرآنية، وفيها أربعة آلاف حديث مرفوع، وفيها ستة وثلاثون ألف أثر من الآثار، وفيها بيت واحد من الشعر، بيت واحد من الشعر هو قول حسان بن ثابت رضي الله عنه:
وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير [الددو الشنقيطي]
المدونة الكبرى: فيها من أحاديث الرسول صلى الله عليه و آله و سلم 4000 حديث. و من الآثار36000 أثر. و من المسائل 40000 مسألة.
الرسالة لابن أبي زيد القيرواني:


من المسائل 4000 مسألة. و من الأحاديث4000 حديث.(قلت أي مختار بن العربي مومن غير صحيح ) .


تهذيب البرادعي: المسائل:36000 مسألة متقنة الترتيب و التبويب.

مختصر ابن الحاجب: المسائل: 40000 مسألة و منهم من قال 96000 مسألة.


المختصر الصغير و الكبير لمحمد بن عبد الحكم: المسائل: 20000 مسألة و تزيد.
التفريع لابن الجلاب: المسائل: 18.000 مسألة عن مالك سوى أصحابه.
مختصر خليل: المسائل:100.000 مسألة بالمنطوق و مثلها بالمفهوم، و من هنا يظهر مجانبة الصواب لقول من قال أن مختصر خليل مختصر من مختصر ابن الحاجب. كما حدثني بذلك شيخي الحسن الكتاني المالكي-فرج الله عنه-. [مستفاد من مصادر الفقه المالكي للشيخ أبي عاصم بشير ضيف الجزائري-حفظه الله]
ياقارئا مختصر الخليل***لقد حويت الفقه يا خليلي
حصله نصا واصرف الهمة له***فقد حوى مائة ألف مسألة
نصا ومثلها من المفهوم***فإن شككت اعدده في المرسوم.
وقال بعضهم:
يحتوي مختصر خليل على أربعمائة ألف مسألة فقهية موزعة على 60 بابا، وبضعا وستين فصلا حسب اختلاف النسخ. [توجد هذه العبارة في عدد من المؤلفات]
مختصر خليل عند المالكية فيه غاية الصعوبة، شبيه بالألغاز حتى قال بعضهم: أنه يشتمل على مائة ألف مسألة على صغر حجمه، هذا الكلام مبالغ فيه، وتعرضنا له مراراً؛ لكن يبقى أن الكتاب متين، وعناية المالكية به عناية لا نظير لها، وليس من العبث عنايتهم به، إنما أدركوا أن طالب العلم يتربى بهذه الطريقة، والأمثلة على ذلك علماءنا وشيوخنا ومن تقدم من شوخنا، تربوا على هذه الكتب؛ لكن هات من الطلاب الذين تربوا على المذكرات أو كتب معاصرين كتبت بلهجة العصر، هذه لا تحتاج ولا إلى شيوخ، هذه الكتب لا تحتاج ولا إلى شيوخ، بالإمكان أن يقرأها الطالب بنفسه الذي يحسن القراءة والكتابة.
لكن كيف يتربى طالب العلم بحيث إذا انفرد في بلد من البلدان لا يوجد غيره، كيف يفهم كلام أهل العلم في الكتب الأخرى؟ لكن إذا طلب العلم على الجادة وحفظ المتون، في كل علم متن، وقرأه على الشيوخ وشرحوه له وراجع الشروح والحواشي، ثم بعد ذلك يقرأ ما شاء من الكتب، يقرأ ما شاء من الكتب، فليس من العبث، والتهوين من شأن المتون لا شك أنه قطع لطريق الطلب،، بسطنا هذا في مناسبات كثيرة، وبسطه أكثر من هذا لا يحتمل، وإلا ففي النفس أشياء، هناك دعوات تدعو إلى هجر الطريقة المألوفة والمعروفة عند أهل العلم التي تربى عليها أهل العلم، أهل العلم والعمل؛ لكن لا شك أن هذا قطع لطريق الطلب. [الشيخ الخضير السعودي:]
والأقرب هنا كلام المالكية الذين حفظوا مسائله لا قول غيرهم


هل استوعب خليل في مختصره جميع أمهات الاحكام؟
لا يمكن الإدعاء أنّ مختصر خليل استوعب في مضمونه جميع المسائل الفقهية، حتى أنه رحمه الله لم يدّع ذلك، إذقال في مقدمته: 
((فقد سألني جماعة أبان الله لي ولهم معالم التحقيق، وسلك بنا وبهم أنفع طريق، مختصرا على مذهب الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى))، فأشار رحمه الله أنه وضع مختصرا فقهيا لم يقصد منه استيعاب جميع المسائل الفقهية، 
ولذا تعقّبه الشُّراح بالنقد أو بالتكميل أحيانا، أو بتصحيح بعض المسائل التي لم يحسن ضبطها، أو الأقوال الضعيفة التي ساقها وفيها مخالفة للمشهور، أو الآراء التي قلّد فيها المذهب الشافعي.
وقد ألّف الشيخ طالبن الأوراني ملحقا على مختصر خليل تتبع فيه أقواله الضعيفة، سمّاه (فتح الرّبّ اللطيف في تخريج بعض ما في المختصر من الضعيف)،كما أنّ الشيخ الحطاب أثناء شرحه لباب الحج من المختصر خالف خليلا في مسائل عدّة، رأى أنّه ابتعد فيها عن مشهور المذهب، وقد قيّد تتبّاعته في كتاب سماه (هداية الناسك المحتاج لبيان فعل المعتمر والحاج)، والشيخ الدردير حرّر المختصر وانتقى من مسائله ما يوافق المذهب، وأبدل الأقوال الغير المعتمدة المذكورة فيه بأقوال معتمدة في المذهبفي كتابه (أقرب المسالك إلى مذهب مالك)، ولذا نصّ صاحب عون المحتسب أنه: ((لا يجوز الاعتماد على مختصر خليل، فكم فيه من عموم مخصص ومطلق مقيد في غيره، ومن أنكر هذا فهو جاهل أو مكابر)).


مزايا مختصر خليل
1 – أنّه احتوى على المتفق عليه بين علماء المذهب، فالطابع الغالب على منهج خليل في تحرير المسائل، هو الاعتماد على مشهور المذهب وتقديمه على غيره والاقتصار على به الفتوى فقط، وطرح كلّفة ما عداه على القارئ للبحث والتحرير.
فإذا تساوت الأقوال عنده في الدرجة، فإنّه يكتفي بالإشارة إلى الخلاف الحاصل ثم يبيّن موقف العلماء الذين أعتمدهم ومال إلى ترجيحهم.
2 – توسعه في المصادر التي اعتمدها، وإن كان الغالب فيها المدونة والتهذيب.
3 – احتوى مسائل وفروع فقهية كثيرة، وصل عددها نحو مائة ألف مسألة مأخوذة من منطوق كلامه، ومثلها من مفهومه، هذا من باب التقريب وإلاّ فالعدد أكثر من ذلك.
4 – دقته في استعمال اللّغة، واختيار الألفاظ، وحسن توظيف الروابط وترتيبها، وهذا استدعى من الشرّاح الاعتناء بالإقراء، وحسن الأداء باعتباره سبيل لفهم عباراته.
5 – القدرة على جمع النظائر الفقهية.
6 – حسن الترتيب بين المسائل مع اختيار التقييدات المناسبة.
أسلوب خليل وقواعده في المختصر.
لخصّ ابن غازي والحطّاب أسلوب خليل وقواعده التي انتهجها في كتابه نوجزها في النقاط التالية:
1 – عدم التمثيل للمسائل إلاّ لنكتة غايته رفع الإبهام، أو تحذي أو إشارة لخلاف في المسألة أو تعيين لمشهور، أو تنبيه بالأدنى للأعلى أو عكسه.
2 – أنه إذا جمع نظائر وكان في بعضها تفصيل أقره وقيده بأحد طرفي التفصيل، ثم يتخلص منه لطرفه الآخر مع ما يناسبه من الفروع.
3 – إذا جمع مسائل مشتركة في الحكم والشرط نسقها بالواو، فإذا جاء بعدها بقيد علمنا أنه منطبق على الجميع، وإن كان القيد مختصا ببعضها أدخل عليه كاف التشبيه، فإذا جاء بقيد علمنا أنّه لما بعد الكاف.
4 – قد يذكر المسألة في غير فصلها، ليجعلها مع نظرائها، كقوله في فصل السهو: (وتمادى المأموم وإن لم يقدر على الترك كتكبيره للركوع بلا نية إحرام، وذكر فائتة)، ليجمع بين النظائر المسماة بمساجين الإمام، وإن كان قد ذكر كلا من المسألتين في بابهما.
5 – قد يذكر المسألة مفصلة في بابها ثم يذكرها مع نظرائها مجملة اعتمادا على ما فصله. كقوله في فصل الخيار (وبشرط نقد كغائب)، فإنه قد قدم حكم النقد في الغائب مفصلا، ثم ذكره هنا مجملا.
6 – قد يذكر في النظائر ما هو خلاف المشهور.
7 – من قواعده استعمال لفظ الندب في الاستحباب، وإن كان في اصطلاح أهل الأصول شامل للسنة والمستحب والنافلة.
سادسا: مصادر خليل في مختصره.
تعددت مصادر خليل في كتابه، فلم يعتمد على مصدر واحد، بل استقى مادة تأليفه من أمهات كتب المالكية،
كالمدونة
والتهذيب
والنوادر والزيادات
وعقد الجواهر
والتلقين
وغيرها، ويمكن اعتبار هذه الاربعة
التبصرة للخمي
الجامع لابن يونس
المقدمات لابن رشد و البيان والتحصيل له
شرح التلقين للمازري
وقد حاول الشيخ المواق في شرحه على المختصر استجلاء النصوص التي اتكأ خليل عليها، فكانت شاهدة على صحة نقوله ووفرتها.
أما أهمها فهي التي أشار إليها في مقدمته حيث قال: (( .. مشيرا بفيها للمدونة، وبأول إلى اختلاف شارحيها في فهمها وبالاختيار للّخمي لكن إن كان بصيغة الفعل فذلك لاختياره هو في نفسه، وبالاسم فذلك لاختياره من الخلاف، وبالترجيح لابن يونس كذلك، وبالظهور لابن رشد كذلك، وبالقول للمازري كذلك)).
1: المدونة:
وهي أهم مصنف بعد الموطأ، إذ تعد الأصل الثاني المعتمد في معرفة الفقه المالكي، ومرجع جميع الفقهاء في نقل أقوال مالك وابن القاسم قديما وحديثا.
تنسب المدونة إلى الإمام مالك، فيقال: مدونة الإمام مالك، باعتبار أنّ أغلب الأقوال الواردة فيها هي أقوال الإمام، وقد تنسب إلى ابن القاسم، باعتبار أنّه ناقل لكلام مالك وآرائه، ويسميها البعض (مدونة سحنون الكبرى)، و (المدونة الكبرى) و (المختلطة)، و (الأم).
وأصل المدونة هي مسائل أسد بن الفرات التي تدارسها في العراق مع محمد بن الحسن صاحب الإمام أبي حنيفة، ثمّ ردها إلى الفقه المالكي بمساعدة ابن القاسم، وقد أخذها عنه سحنون وراجعها على ابن القاسم، وقام بتبويبها وتهذيبها وأضاف إليها الكثير من الأحاديث والآثار، قال الحطاب: ((وألحق فيها من خلاف أصحاب مالك ما اختاره، فعل ذلك بكتب منها، وبقيت منها كتب على حالها مختلطة، مات قبل أن ينظر فيها، ولأجل ذلك تمسى المدونة والمختلطة)).
اهتم علماء المالكية بالمدونة، فوضعوا لها شروحا كثيرة كما قام البعض باختصارها.
وكان من أهم مختصراتها وأكثرها شيوعا هو كتاب (التهذيب) لخلف أبي القاسم محمد البراذعي أحد حفّاظ المذهب، ألّفه في القرن الرابع الهجري ويعرف الكتاب بالتهذيب، وذكره صاحب الديباج باسم (التهذيب في اختصار المدونة).
رتّب البراذعي كتابه على تنسيق المدونة، واتّبع أسلوب أبي زيد القيرواني في رسالته، وقد مشى خليل على نفس الترتيب باعتبار مختصره آخر حلقة من مجموع مختصرات بدأت بكتاب التهذيب.
اشتهر التهذيب بين الناس وصار معتمدهم في التدريس والفتوى، حتى أصبح يطلق عليه لفظ (المدونة)، قال القاضي عياض: ((ظهرت بركة هذا الكتاب على طلبة الفقه، وتيمنوا بدرسه وحفظه، وعليه معول أكثرهم بالمغرب والأندلس)).
2: كتاب التبصرة.
للإمام أبي الحسن على بن محمد القيرواني (ت488هـ)
من أهم الشروح التي وضعت على المدونة، وهو عبارة عن تعليق كبير شرح به اللّخمي المدونة وضمّ فيه تقييدات كثيرة، وآراء فقهية خرج بها عن المذهب، ومجمل القول في التبصرة نجمله في النقاط التالية:
-أن اللّخمي اشتهر بخروجه عن المذهب في بعض المسائل، قال صاحب نيل الابتهاج في سياق ترجمته للّخمي: ((مغري بتخريج الخلاف في المذهب واستقراء الأقوال، وربما تبع نظره فخالف المذهب فيما ترج عنده فخرجت اختياراته في الكثير عن قواعد المذهب))، قال الهلالي ناقلا عن عياض في المدارك: ((وللّخمي اختيارات خرج بكثير منها عن المذهب))، بل ذهب بعضهم إلى القول بأنّ اللّخمي مزق المذهب بسب هذه الاختيارات.
– أنّ التبصرة لم تصحح عليه، وقد أشار الونشريسي في المعيار نقلا عن أبي عبد الله المقري: ((أن أهل المئة السادسة وصدر السابعة كانوا لا يسوغون الفتوى من تبصرته، لكونه لم تصحح عليه ولم تأخذ منه)).
غير أن هذا الانتقاد مع مطلع القرن الثامن وما بعده، صار محلّ رد ورفض من كثير من العلماء، فابن عرفة وخليل وابن الحاجب وغيرهم اعتمدوا على التبصرة في الفتوى، بل نجد ابن الحاجب نقل في كتابه (جامع الأمّهات) ما يقرب من تسعة وأربعين تخريجا فقهيا للّخمي.
فقواعد المذهب لا تحجر على الفقيه الذي يمتلك وسائل الاجتهاد أن يجتهد وينتقي من المسائل، ولو أدى به ذلك إلى الخروج عن قواعد المذهب، أضف إلى ذلك أنّ معظم اختيارات اللّخمي تتبعها بعض العلماء، وخاصّة ابن بشير في كتابه التنبيه والتوجيه، إذ بنى تأليفه هذا على مراجعة آراء اللّخمي، والشيخ خليل في كتابه التوضيح وكتابه المناسك لا يذكر – في الغالب – نصّ اللّخمي إلاّ وعقّب عليه بآراء ابن بشير.


3: كتاب الجامع.
لأبي بكر محمد بن عبد الله بن يونس التميمي الصقلي (514هـ) وهو تلميذ الشيخ اللّخمى، قالالحطاب في وصف كتابه: ((وألف كتابا جامعا لمسائل المدونة وأضاف إليها غيرها من النوادر وغير ذلك وعليه اعتمد طلبة العلم للمذاكرة)).


4: شرح التلقين.
لأبي عبد الله محمد بن علي التميمي المعروف بالإمام (ت 536هـ)
شرح به كتاب التلقين للقاضي عبد الوهاب، وطريقته في الشرح أن يسوق كلام القاضي ثمّ يُعقب عليه بأسئلة يجيب عليها بإسهاب، وقد طبع شرحه مؤخرا بمطبعة دار الغرب الإسلامي ببيروت.


5: مؤلفات ابن رشد القرطبي (ت455هـ)

فقد أخذ خليل من مؤلفات ابن رشد المعروفة وهي:
– البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعليل، ضمنه المستخرجة من الأسمعية المعروف بالعتبية لمحمد بن عتب القرطبي (ت255هـ)، والكتاب طبع عدة مرات بدار الغرب الإسلامي بتحقيق محمد حجي.
-كتاب المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الأحكام، طبع عدة مرات، بتحقيق سعد أحمد عراب.
– كتاب الفتاوى، وهو من جمع تلميذه أبي الحسن محمد بن أبي الحسن، طبعته دار الغرب الإسلامي سنة 1987م بتحقيق د: المختار بن الطاهر التليلي.


سبب اعتماد خليل على هؤلاء الأربعة:
خصّ خليل هؤلاء الأربعة لأسباب لخصّها الشيخ ابن غازي في كتابه شفاء الغليل فقال: ((وخصّهم بالتّعيين لكثرة تصرفهم في الاختيار.
بدأ باللّخمي؛ لأنه أجرؤهم ولذا خصه بمادة الاختيار على ذلك.
وخصّ ابن يونس بالترجيح؛ لأنّ أكثر اجتهاده في الميل مع بعض أقوال من سبقه وما يختاره لنفسه قليل. وخصّ ابن رشد بالظهور لاعتماده كثيرا على ظاهر الروايات، فيقول يأتي على رواية كذا وكذا وظاهر ما في سماع كذا وكذا.
وخصّ المازري بالقول؛ لأنه لما قويت عارضته في العلوم وتصرف فيها تصرف المجتهدين كان صاحب قول يعتمد عليه)).


اصطلاح خليل:
فيها: يقصد بها المدونة، وتارة يشير بها إلى التهذيب؛ لأنّه رحمه الله اعتمد على الأصل وعلى مختصره، قَالَ الْبِسَاطِيّ: ((والظّاهر أنَّه كان عِنده أجزاءٌ من الأُمِّ دون الكلِّ، ثم إنَّه رحمه اللَّهُ إنما يأتي بها غالبا لِكون ما فيهَا مُخَالِفًا لما رجحه ولِإِشْكَالِ ما فيها)).
أوّل: ويندرج في ذلك قوله ((تَأْوِيلانِ وَتَأْوِيلات))، فهو يشير بهالاختلاف شرّاح المدونة في فهمها، ((وقد يكون أحد التَّأْويلاتِ موافقا للْمَشْهُورِ فَيُقَدِّمُهُ المصَنِّفُ ثم يَعْطِفُ الثَّانِي عليه)).
الاختيار: يشير به إلى اختيارات الشيخ اللّخمي في كتابه التبصرة، إلاّ أنّه إذا أشار إليه بصيغة الاسم نحو المختار والاختيار، فإنما يقصد به اختيار اللّخمي من خلاف لمن تقدمه، وإذا أشار إليه بصيغة الفعل نحو: اختار واختير فلاختياره في نفسه.
الترجيح: مصطلح الترجيح يشير به لابن يونس، فإن ساقه بصيغة الاسم نحو: الأَرْجَحُ والمُرَجَّحُ، فلاختيار ابن يونس من خلاف سبقه، وإن أشار إليه بصيغة الفعل نحو: رجَّحَ فلاختياره هو في نفسه.
الظهور: أشار به لاستظهارات ابن رشد، فإذا أورده بصيغة الاسم نحو: الأَظهَرُ والظَّاهر، فلاختيار ابن رشد من خلاف تقدمه، وإن أشار إليه بصيغة الفعل نحو: ظَهَرَ فلاختياره في نفسه.
القول: أشار به للمازري فإذا ساقه بصيغة الاسم، فلاختياره من خلاف تقدمه نحو: القَولُ، وإن أورده بصيغة الفعل نحو: قال أو قيل فلاختياره هو في نفسه.
صُحح، واستُحسن: يشير به إلى غير الأربعة الذين ذكرهم، قال ابن غازي: ((والأقرب إلى الحقيقة أن التصحيح فيما يصححه الشيخ من كلام غيره، والاستحسان فيما يراه، مع احتمال الشمول فيهما)).
التردد: لفظ التردد أشار به لتردد الفقهاء المتأخرين؛ أي اختلاف طرقهم في العزو للمذهب، أو لعدم نص المتقدمين، وهو قليل في كلامه كما أشار إلى ذلك ابن غازي.
لو: يشير به إلى خلاف داخل المذهب.
خلاف: أشار به إلى اختلاف العلماء في تشهير الأقوال، فإذا ذكر قولين أو أقوالا ((فذلك لعدم اطلاعه في الفرع على أرجحية منصوصة)) كما ذكر، فإذا تساوى المشهرون في الرتبة فإنه يكتفي بذكر الأقوال المشهورة، ويأتي بعدها بلفظ خلاف، أمّا إذا اختلفوا في المرتبة فإنّه يقتصر على ما شهره أعلمهم.
الكلام على طبعات المختصر:
طبع المختصر منفردا عدة طبعات كما طبع كأصل مع عدة شروح، ولا نريد أن استقراء الطبعات الحديثة لأنها كثيرة، وإنما نشير إلى الطبعات الأولى اكتفاء بها ونذكر من بينها:
الطبعة التي اعتنى بها المستشرق الأستاذ ريشبه G. Richebe وفيها ترجمة للمؤلف نقلا عن نيل الابتهاج، وطبع بباريس 1848م مع ترجمة فرنسية باعتناء المستشرق سنيات Seignette .N. ثم طبع مرة ثانية بباريس بين سنة 1845م و1854م، ومعه ترجمة فرنسية للسيد بيرون Perron، ونشر بطلب من وزارة الحربية وبمساعدة منها، وطبع في الجزائر بين سنة 1889 و 1908م.
كما قام الأستاذ المستشرق: أ. فانيان (ت1931م) بوضع فهرسة لمحتوياته، وطبع مع ترجمة إيطالية وشروح في ميلان 1919م بعناية جويدي وسنتيليانا، وترجمة حديثة أعدّها بوسكيه بعنوان (خليل بن إسحاق: مختصر الفقه الإسلامي على مذهب الإمام مالك) سنة 1956م و1962م.
كما ظهرت طبعته العربية الأولى سنة 1293 هـ بمطبعة بولاق بمصر، واحتوت 312 صفحة. ونشر بفاس عدة طبعات منها طبعة سنة 1301هـ وطبعة سنة 1322هـ، ثم طبعة سنة 1304 بمطبعة عثمان عبد الرازق.

ومن أجود طبعاته:
تحقيق الشيخ أحمد نصر شيخ المالكية بالديار المصرية طبعتها دار الفكر الطبعة الاخيرة 1401هـ الموافق 1981م
أما طبعة دار الفكر التي فيها كلام بين معكوفتين هكذا [ …. ] فقصدهم التوضيح لكنهم أفسدوه بها وكان الشيخ محمد سالم ولد عدود رحمه الله يتعجب منها ويقول فيها كلاما يشير إلى عدم رضاه عن تصرفهم هذا
وقد صدرت طبعة حديثة كتب عليها انها محققة على نسختين وأوراقها بيضاء لك مثقلة بالحواشي (التحقيقية)

اعتناء العلماء بمحتصر خليل.
حاز الاشتغال به جهد المدرسة المالكية من مطلع القرن التاسع إلى يومنا هذا، فاهتم العلماء بالمختصر شرحاً ونظماً،
إذ كُتب عليه الكثير، وتَعرّض للتعلقة عليه جمعٌ غفير، بحيث بلغت الكتابة عليه عدداً هائلاً تنوّعت بين الإيجاز والإطناب، حتى أنّ الشيخ محمد بن عثمان السوسي التونسي (ت 1900م) ألّف مؤلّفاً خاصّاً ضم فيه مَن كتب على المختصر سماه: (تراجم مختصر خليل)، فأورد نحو سبعين ترجمة، و?ن كان عدد الشروح والحواشي يفوق هذا العدد بثلاثة أضعاف أو أكثر.
وقد نظمه بعضهم كما فعل أحمد بن القاسم البوني القسنطيني، والشيخ حسن القماري، والشيخ محمد بن بادي، والشيخ عبد الرحمن الديسي .. وغيرهم، ومازالت الكتابة والشروح تُنسج حوله إلى يومنا هذا.
ويلاحظ أنه لا يوجد عالم من علماء المذهب بداية من منتصف القرن الثامن، إلاّ ورمى بسهمه شارحا للمختصر أو معلقا عليه، أو مقررا لمسائله، إعجابا به أو إثباتا لقدراته العلمية على فك رموزه وحلّ عويصه.
ظهرت أولى الشروح مطلع ا

تعليقات المستخدمين

Subscribe
نبّهني عن
guest

1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
محمد سامي لعمامرية
محمد سامي لعمامرية
3 سنوات

السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا شيخنا الفاضل
تمنيت لو ذكرتم النظم الذي يجلو الظما
الذي رام به نعش ذماء المحتضر مما خليل قد وعى في المختصر والذي يدعى بالتسهيل و التكميل لفقه متن سيدي خليل. للعلامة الشيخ سيدي محمد سالم بن محمد علي بن عبد الودود المكنى عدود
شرف لي والله ان اراسلكم سيدي و حبيبي شيخنا الفاضل العلامة المختار بن العربي مومن الجزائري ثم الشنقيطي

محبكم و مجلكم محمد سامي بن العيد لعمامرية العنابي الجزائري

يمكنك قراءة

  • 11 ربيع الأول 1442 هـ
    حكم استعمال المواد المضاف إليها مادة

    حكم استعمال المواد المضاف إليها مادة

  • 11 ربيع الأول 1442 هـ
    عبر وعظات من قصة الخليل عليه السلام

    عبر وعظات من قصة الخليل عليه السلام

  • 10 ربيع الأول 1442 هـ
    من روائع التفسير الثانية ( التسهيل )

    من روائع التفسير الثانية ( التسهيل )