هل القبض هو مذهب مالك أم السدل ومعنى السدل ” تحقيق يبحث في أوراق المالكية حول أرجحية القبض

08-05-2022 3605 مشاهدة

#سلسلة_نور_ الحق_(المسألة الثانية  ).

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله الذي أرسل نبيه بالهدى فقبض عليه أصحابه فتجنبوا الردى ، والصلاة والسلام على من وضع الله به الباطل ورفع الحق فهدى ، وعلى آله وصحبه أولى النهى ومن تبعهم من أئمة الجود والندى .

وبعد فيقول العبد الفقير إلى مولاه الغني به عن من سواه أبوسليمان مختار العربي مؤمن الجزائري ثم الشنقيطي هذه رسالة صغيرة الحجم ، أردت منها بيان أن القبض هو سنة الهادي صلى الله عليه وسلم ، والتي كان عليها الصحابة والتابعون، والتزم بها إمام دار الهجرة واصحابه المدنيون ، بل وكثير من المصريين وأئمة المالكية في الغرب الإسلامي ، بخلاف من ذهب مذهب ابن القاسم في روايته السدل ، ولم يكن لهم في ذلك اثر صحيح أوسقيم ،  وقد بينا فيها سنية القبض ، وتحقيق قول أئمة المالكية في أفضلية القبض أو سنيته ، والرد على من زعم أن السدل سنة ، وأن القبض ليس بذاك.

وسوف اسوق في ذلك جملة  مختصرة من أحاديث القبض ، أو وضع اليدين إحداهما على الأخرى، وما أريد التطويل حتى يتنسى لطلبة العلم والمهتمين بالسنة تصور المسألة وأخذ من شاء بها ، دون القول بإبطال صلاة من سدل ، لأن القبض ليس ركنا من أركان الصلاة تقوم حوله معركة تفرق بين الوالد وولده ، والشيخ وتلميذه ، والأخ وأخيه ، وإنما هي مسألة تعصبَ لنقيض كل منهما  فئام جمدوا على بعض قول الفقهاء دون تمحيص الحق في ذلك، أو طائفة جعلوا القبض فريضة يقوم عليها البراء والولاء وما ذلك إلا من عدم فهم أصول الشريعة ومقاصدها ،   والله المستعان  .

 القبض في الكتاب والسنة :

أحاديث في القبض :

معنى السدل :

أقوال أهل العلم في المسألة:

تبويب أئمة الصحاح والسنن وغيرهم للقبض :

القبض بين المدونة والموطأ :

تأويل تصريح المدونة بكراهة الوضع :

فحول المالكية القائلين بالقبض والراوين عن مالك  :

شراح خليل وإنصافهم أن القبض فضيلة أوسنة :

الفرق بين الكراهة الشّرعية و الإرشادية المذهبيّة

نظم في نصرة القبض :دع الإكثار ويحك والتمادي

أهم المصنفات في القبض

 

فأقول مستعينا بالله :

أولا : القبض في الكتاب والسنة :

أما في الكتاب فقد قال الله تعالى : ((وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا))[ ( الحشر:  7).

قال تعالى : (( لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر )) [الأحزاب : 21  ] .

وقال تعالى : (( فصل لربك وانحر )) [ ففي مصنف عبدالرزاق  عَنْ وَكِيعٍ , عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ , عَنْ عَاصِمٍ الْجَحْدَرِيِّ , عَنْ عُقْبَةَ بْنِ ظُهَيْرٍ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:  ) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [ [الكوثر: 2] قَالَ: «هُوَ وَضْعُ الْيَمِينِ , عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ»[1].

قلت :

وهذا  أحد الأقوال في  تفسير هذه الآية المباركة ، حيث فسر علي رضي الله عنه  النحر بوضع اليدين على النحر (الصدر في الصلاة ).

قال شيخ المفسرين الإمام الطبري رحمه الله :

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عاصم الجحدري، عن عقبة بن ظبيان عن أبيه، عن علي رضى الله عنه (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال: وضع اليد على اليد في الصلاة.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن حماد بن سلمة، عن عاصم الجحدري، عن عقبة بن ظهير، عن أبيه، عن علي رضى الله عنه (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال: وضع يده اليمنى على وسط ساعده اليسرى، ثم وضعهما على صدره.

قال: ثنا مهران، عن حماد بن سلمة، عن عاصم الأحول، عن الشعبي مثله.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن يزيد بن أبي زياد، عن عاصم الجحدري، عن عقبة بن ظهير، عن علي رضى الله عنه: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال: وضع اليمين على الشمال في الصلاة.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، يقال: ثنا عوف، عن أبي القُموص، في قوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال: وضع اليد على اليد في الصلاة.

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا أبو صالح الخراساني، قال: ثنا حماد، عن عاصم الجحدري، عن أبيه، عن عقبة بن ظبيان، أن علي بن أبي طالب رضى الله عنه قال في قول الله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) قال: وضع يده اليمنى على وسط ساعده الأيسر، ثم وضعهما على صدره.

وقال آخرون: بل عُنِيَ بقوله (فَصَلِّ لِرَبِّكَ) : الصلاة المكتوبة، وبقوله (وَانْحَرْ) أن يرفع يديه إلى النحر عند افتتاح الصلاة والدخول فيها.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) الصلاة، وانحر: برفع يديه أول ما يكبر في الافتتاح ” انتهى [2].

وقال السيوطي في الدر المنثور : ” أخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فصل لِرَبِّك وانحر} قَالَ: وضع يَده الْيُمْنَى على وسط ساعده الْيُسْرَى ثمَّ وَضعهَا على صَدره فِي الصَّلَاة

وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن شاهين فِي السّنة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {فصل لِرَبِّك وانحر} قَالَ: وضع الْيُمْنَى على الشمَال عِنْد التَّحَرُّم فِي الصَّلَاة . اهـ [3].

ومن المالكية الذين نقلوا هذا القول وجعلوه من دلائل القبض ابن رشد في البيان والتحصيل (1/395 ) والقاضي عياض في الإكمال (2/291)،

قال الكتاني : وفي مختصر ابن عرفة على نقل المواق في شرح المختصر ، ومثله في حواشي التاودي على الصحيح قال ابن العربي :

ابن العربي: كره مالك وضع اليد على الأخرى في الصلاة وقال: إنه ما سمع بشيء في قوله – سبحانه -: ((فصل لربك وانحر  ))  [الكوثر: 2] قال ابن العربي: وقد سمعنا وروينا محاسن، والصحيح أن ذلك يفعل في الفريضة.

وفي رواية أشهب عن مالك: إن وضع اليد على الأخرى مستحب في الفريضة والنافلة.

ابن رشد: وهذا هو الأظهر؛ لأن الناس كانوا يأمرون به في الزمان الأول” [4].

وممن فسر النحر بالقبض من الصحابة :

سيدنا علي رضي الله عنه .

وابن عباس رضي الله عنه

كما تقدم .

أحاديث في القبض :

لقد بلغت أحاديث القبض مبلغ التواتر ، وإذا بلغ الخبر مبلغ التواتر فليحذر رادّه  على نفسه من الخطر في دينه ، قال الإمام شهاب الدين القاشاني المدني في منظومته الكلامية :

والراد إذ تواتر الحديث      بدعتُه وطبعُه خبيث

فهو كردّ محكم التنزيل       وردّه كفر لدى العليم

وفي مبحث المتواتر من بعض حواشي توضيح النخبة :” نقلا عن الفتاوى الظهيرية : إن الأخبار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  على ثلاث مراتب : متواتر ، فمن أنكره كفر ، ومشهور ، فمن كفر عند الكل إلا عند عيسى بن أبان ،فإنه يضلل ولايكفر ، وهو الصحيح ، وخبر الواحد لايكفر جاحده ، غير أنه ياثم بترك التثبت ، ومن سمع حديثا فقال : سمعناه كثيرا ، بطريق الاستخفاف كفر والعياذ بالله تعالى ” اهـ .[5]

“بل إن الإمام الترمذي نسب في جامعه فعل القبض والإفتاء به للصحابة والتابعين لم يستثن منهم أحدا [6].

أولّها: قال مالك في الموطأ (1\455) والبخاري في الصحيح (740)عن سهل بن سعد رضي الله عنه  قال: « كان النّاس يؤمرون أن يضع الرّجل اليد اليمنى على ذراعه  اليسرى في الصّلاة  »  .  قال أبو حازم سلمة بن دينار المدني لا أعلم إلاّ أنّه ينمي ذلك ،قال الزّرقاني :أي يرفعه إلى النّبيّ e .

وهو مصطلح معروف عند أهل الحديث ولك أن تنظر المرفوع في كتب المصطلح[7].

الثّاني :عن وائل بن حجر رضي الله عنه  أنّه  «رأى النّبيّ  صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رفع يديه حين دخل في الصّلاة ،كبّر حيال أذنيه، ثمّ التحف بثوبه، ثمّ وضع يده اليمنى على اليسرى ..الحديث »  رواه  مسلم(894)،وروى ابن خزيمة في صحيحه(479) عن وائل بن حجر رضي الله عنه

قال : «  صليت مع النبي e ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره  »   .

الثالث :عن هلْب الطَّائي رضي الله عنه  قال«  كان رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم  يؤمُّنا فيأخذ شماله بيمينه  »  رواه الترمذي (252 ) وقال حديث حسن ، وابن ماجة (809) .

الرابع : عن ابن مسعود أنه : كان يصلي فوضع يده اليسرى على اليمنى ، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على اليسرى » رواه أبوداود ( 755) تحقيق محمد عوامة . والنسائي ( 2/126).

الخامس : عن قبيصة بن هُلب عن أبيه رضي الله عنه  قال: «  رأيت رسول الله  صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينصرف عن يمينه وعن يساره, ورأيته يضع يده على صدره » أخرجه أحمد في مسنده(5/226)(20961) واللفظ له ،والترمذي (252) وقال: والعمل على هذا عند أهل العلم من الصّحابة والتّابعين ومن بعدهم ..). ورواه ابن ماجة (809)،وحسّنه الترمذي ،وأقرّه النووي في المجموع وحسّنه لشواهده[8] .

  وقد أورد العلامة الكتاني في البحر المتلاطم كثيرا من الأحاديث فانظرها[9] ، وقد وردت سنية القبض قولا وفعلا بلغت حد التواتر .

وأرد الحافظ ابن القيم القبض في الزاد، ولم يورد حديثا واحدا في سيرته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم في السدل ، وكذا الحافظ شمس الدين الشامي في سبل الرشاد والذي جمعه من ألف كتاب ولم يوجد رائحة للسدل في ذلك ، قال الشعراني :وهي أجمع كتاب في السير في ما أظن “[10].

قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى  :لم تختلف الآثار عن النّبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم في هذا الباب ، ولاأعلم عن أحد من الصّحابة في ذلك خلافا إلاّشيء روي عن ابن الزّبير أنّه كان يرسل يديه إذا صلّى ،وقد روي عنه خلافه ممّا قدّمنا ذكره عنه، وذلك قوله  :وضع اليمين على الشّمال من السّنّة، وعلى هذا جمهور التّابعين ،وأكثر فقهاء المسلمين من أهل الرّأي والأثر ..اهـ ) [11].

قال الكتاني ” ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غير القبض، وروى ابن القاسم عنه الإرسال، وصار إليه أكثر أصحابه، وحجتهم :ما أخرجه أبوداود في سننه عن ابن جريج ، قال أكثر ما رأيت عطاء يصلي سادلا .

قال ابوداود : روى غيره عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي  صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة ، قال أبوداود :هذا يضعف ذلك الخبر[12] ،فبان ضعف ما اعتمده ابن القاسم ، وعنه التفرقة بين الفريضة والنافلة “[13].

قال جامع هذه الورقات: بيان إشكال وقع فيه كثير ممن استدل بأثر عطاء أنه كان يسدل في الصلاة، والصحيح أنّ المراد بالسّدل هو سدل الثياب وإرخاؤها في الصلاة لا سدل اليدين الذي حوله محاولة التمسك بأي أثر  ويدل ماسيأتي، وقبل ذلك نعرف  معنى السدل الذي ورد النهي عنه في حديث أبي هريرة ؟.

السدل هو: أن يلبس الثوب ويرسله حتى يصل إلى الأرض، أي كالذي يلبس العباءة اليوم ويرخي طرفيها فتصل الأرض، فعلى هذا التفسير يدخل في النهي عن الإسبال.

وقال بعضهم، هو أن يرسل طرفي الثوب ولا يضمهما، فتنكشف عورته، أي كالذي يلبس عباءة وليس تحتها شيء ويرخي طرفيها ولا يضمهما إلى بعضهما، فعلى هذا يكون النهي لستر العورة، وقيل غير ذلك.

أقوال أهل العلم في المسألة:

ذكر ابن المنذر السدل في الصلاة، وذكر ثلاثة أقوال لأهل العلم فيه، من يقول بالكراهة، ومن يرخص فيه، ومن يفصل، ومما قاله: “ورخصت طائفة في السدل في الصلاة، وممن روي عنه أنه فعل ذلك: جابر بن عبد الله، وابن عمر”. وقال: “وكان عطاء، ومكحول، والزهري يفعلون ذلك، وكان الحسن وابن سيرين يسدلان على قميصهما، وحكي عن مالك أنه قال: ” لا بأس بالسدل، قال مالك: «رأيت عبد الله بن الحسن يسدل»”.

وقال: “حديث السدل في الصلاة معروف من حديث عسل بن سفيان حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: ثنا حجاج قال: ثنا حماد، عن عسل بن سفيان، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة، قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السدل في الصلاة».
قال أبو بكر -أي ابن المنذر-: أما حديث عسل فغير ثابت، كان يحيى بن معين يضعف حديثه، وقال محمد بن إسماعيل: عسل يقال له: أبو قرة عنده مناكير، وأما حديث ابن المبارك، عن الحسن بن ذكوان، فقد دفعه بعض أصحابنا، وضعف الحسن بن ذكوان، وغير جائز إذا كان الحديث هكذا أن يحظر السدل على المصلي وعلى غير المصلي”[14].

وذكر ابن رجب الحنبلي حديث ابن عمر، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: أو قال عمر -: “إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما، فإن لم يكن إلا ثوب فليتزر، ولا يشتمل اشتمال اليهود”.
وقال: وإن صح حديث ابن عمر فهو محمول على ما إذا لم يرده على عطفيه، فإن ذلك هو السدل المكروه، وبذلك فسر السدل الإمام أحمد وأبو عبيد وغيرهما من الأئمة.
وممن كره السدل في الصلاة: علي، وابن مسعود، قال أحمد: صح عن علي أنه كرهه، وجعله من فعل اليهود، واختلفوا فيه عن ابن عمر.
وفي كراهته أحاديث مرفوعة في أسانيدها مقال.
وعن أحمد، أنه لا يكره، إلا إذا لم يكن تحته قميص.
وكان الحسن وابن سيرين يسدلان على قميصهما، ورخص النخعي في السدل على القميص، وكرهه على الإزار، وحكي نحوه عن أحمد.
وفسر آخرون السدل بما ذكرنا، وزادوا: أن يكون مسبلاً تحت الكعبين، وهذا هو المروي عن الشافعي، وهو الذي ذكره أكثر أصحابه، وبعض أصحابنا، وقاله الخطابي وغيره، وجعلوا حكمه حكم إسبال الإزار تحت الكعبين: إن كان خيلاء حرم ذلك، وإن لم يكن خيلاء ففيه الاختلاف المشهور.
والصحيح: أن ذلك ليس بشرط في السدل، وأن الاختلاف في كراهة السدل إذا لم يعطف أحد طرفي ثوبه على الآخر وإن لم يكن مسبلاً. والله أعلم.
قال يزيد بن أبي حكيم: رأيت سفيان الثوري يصلي مرخياً رداءه في الأرض، قد اشتمله وكشف عن بطنه وصدره، غير أنه زر طرفي الثوب، ممسكاً عليها عند موضع الأزرة، فسأله: أسدل هذا؟ قال: لا، حتى يرخيه ولا يمسكه.
وكذلك روي إسحاق بن منصور، أنه رأى أحمد يصلي سادلاً، وطرفا ثوبه بيده، فإذا قام من الركوع خلى عنهما.انتهى [15]

فتبين مما ذكرنا ان هذا ليس هو السدل الذي استدل به من استدل على جوازه في الصلاة .

 

 

تبويب أئمة الصحاح والسنن وغيرهم للقبض :

لقد بوّب جلّ أئمّة الحديث للقبض ولم يلف باب لهم في السدل :

البخاري : بَابُ وَضْعِ اليُمْنَى عَلَى اليُسْرَى فِي الصَّلاَةِ

مسلم : كتاب الصلاة باب وضع اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام .

الترمذي : بَابُ مَا جَاءَ فِي وَضْعِ اليَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ فِي الصَّلَاةِ.

ابوداود: باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة.

النسائي : وَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ فِي الصَّلَاةِ.

ابن ماجة : بَابُ وَضْعِ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ فِي الصَّلَاةِ

الموطأ  من رواية محمد بن الحسن الشيباني : بَابُ: وَضْعِ الْيَمِينِ عَلَى الْيَسَارِ فِي الصَّلاةِ.

ابن أبي شيبة : وضع اليمين على الشمال .

صحيح ابن خزيمة : باب وضع اليمين على الشمال في الصلاة قبل افتتاح القراءة  .

صحيح ابن حبان : ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَمَّا يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْءِ مِنْ وَضْعِ الْيَمِينِ عَلَى الْيَسَارِ فِي صَلَاتِهِ.

وغيرهم كثير .

القبض بين المدونة والموطأ :

لقد ورد القبض في الموطإ ، وكراهية وضع اليدين في المدونة من رواية ابن القاسم دون غيره ، فاختلفا على مالك ، فأيّهما يقدم عند الاختلاف الموطأ أم المدونة ؟؟، ومن المعلوم أن رواية ابن القاسم للموطإ روى فيها القبض عن مالك رحمهم الله جميعا .

ولاشك أن تقديم الموطإ على المدونة عند الاختلاف والتعارض متفق عليه ، إذ يقدم كلام مالك في الموطإ على  مانقل عنه في المدونة ـ، وهو  مانص عليه الباجي ، وابن يونس ، وابن رشد ، وابن عبدالبر ، وابن العربي ، وابي محمد صالح ، وأبي الحسن الصغير ، ويوسف بن عمر ، والحطاب ، والشبرخيتي ،والونشريسي ، والزياتي ، والهلالي ، والرهوني ، وابن الحاج[16] . والذي في الموطإ القبض .

 وفي المدونة “قال: وقال مالك: في وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة؟ قال: لا أعرف ذلك في الفريضة وكان يكرهه ولكن في النوافل إذا طال القيام فلا بأس بذلك يعين به نفسه،

 قال سحنون عن ابن وهب عن سفيان الثوري عن غير واحد من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، أنهم رأوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – واضعا يده اليمنى على اليسرى في الصلاة” [17].

قال ابن العربي : إذا وجد قول الموطأ والمدونة يقدم مافي الموطأ على مافي المدونة لأن الموطأ قرئ عليه إلى أن مات ، بخلاف المدونة ، لأنها سماع أصحابه منه “[18].

ومنهم ابن رشد حيث قال في المقدمات : ” ورحل سحنون أيضا إلى ابن القاسم فكان مما قرأ عليه مسائل المدونة والمختلطة ودونها فحصلت أصل علم المالكيين، وهي مقدمة على غيرها من الدواوين بعد موطأ مالك – رَحِمَهُ اللَّهُ -. ويروى أنه ما بعد كتاب الله كتاب أصح من موطأ مالك – رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولا بعد الموطأ ديوان في الفقه أفيد من المدونة” [19].

تأويل تصريح المدونة بكراهة الوضع :

  • إن عبارة المدونة مصروفة عن ظاهرها، ومردودة إلى غيرها من الروايات عن مالك وهذا الذي ينبغي أن يفعله السادة المالكية لا أن يتعصبوا لرواية شاذة لابن القاسم تخالف روايته في الموطإ وسائر روايات أصحاب مالك ممن سنذكرهم بحول الله تعالى .

  • قال ابن غازي رحمه الله(في تكميل التقييد وتحليل التعقيد”  / :” قال القاضي أبومحمد :  ليس هذا من باب وضع اليمنى على اليسرى ، وإنما هو من باب الاعتماد .والذي قاله هو الصواب فإن وضع اليمنى على اليسرى إنما اختلف فيه هل هو من هيئات الصلاة أم لا ؟.

وليس فيه اعتماد فيفرق فيه بين النافلة والفريضة ، ووجه استحسانه : الحديث ، وأن فيه ضربا من الخشوع .

ووجه الرواية الثانية : أن هذا الوضع لم يمنعه مالك ،وإنما منع الوضع على سبيل الاعتماد ” [20].

قال اللخمي في التبصرة :”واختلف في وضع اليمنى على اليسرى إذا كان قائمًا، فقال مالك في المدونة: لا أعرف ذلك في الفريضة ولكن في النوافل، إذا طال القيام فلا بأس يُعِينُ بذلك نفسه[21] .

وقال في العتبية: لا أرى به بأسًا في المكتوبة والنافلة [22].

وهو أحسن؛ للثابت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في البخاري ومسلم في ذلك .

ولأنها وقفة الذليل والعبد لمولاه.

قال ابن حبيب: وليس لكونهما من الجسد حدٌّ . وقيل: يجعلهما حذو صدره لقوله الله -عز وجل-: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] أن يجعلهما حذو نحره. وقيل في كراهية ذلك؛ خيفة أن يظهر بجوارحه من الخشوع ما لم يضمره  بقلبه[23] ، وروي عن أبي هريرة أنه قال: أعوذ بالله من خشوع النفاق. قيل: وما خشوع النفاق ؟ قال: أن يُرى الجسد خاشعًا والقلب غير خاشع .

ويكره أن يجعل يديه حينئذ في خصره، وفي البخاري النهي عن ذلك ” [24].

قال الكتاني : وأمهات فقه المذهب الربعة : كتاب المدونة والموازية والعتبية والواضحة ، … وأن الموازية والواضحة والعتبية قد اشتملت على القبض .

ففي الواضحة : الاستحباب .

وفي العتبية : الجواز والنص على عدم الكراهة .

وفي الموازية : النص على عدم الوجوب “، فبقي الاستحباب ، فاتفقت الأمهات مع الموطأ ، فـتأويل المدونة حتى تصيرمتفقة مع بقية الدواوين أولى واحسن … [25]

فحول المالكية القائلين بالقبض والراوين عن مالك  :

ابن القاسم في روايته للموطإ بخلاف روايته في المدونة والتي فيها الاحتمالات.

محمد بن الحسن الشيباني في روايته للموطإ .

و في العتبية: لا أرى به بأسًا في المكتوبة والنافلة [26].

مالك : مستحب وهو قوله في الواضحة ، وأفصح ابن رشد عن معنى الاستحباب المروي عن مالك في الواضحة أنه يكره ترك القبض في الفريضة والنافلة ، والقبض مروي عنه في العتبية .

رواية يحي بن يحي الليثي(1/221 )( المجلس العلمي الأعلى بالمغرب ).

رواية محمد بن الحسن الشيباني (ص104).

رواية أبي مصعب الزهري ( 1/164).

رواية سويد بن سعيد الحدثاني ( ص122).

مطرّف ، ابن الماجشون عنه في الواضحة [27].

عبدالله بن نافع المدني .

ابن عبدالحكم وهو من المصريين خالف ابن القاسم وقال بالوضع[28] .

ورواية اشهب عن مالك كما في البيان والتحصيل (18/71).

القاضي عبدالوهاب ( إنه هو المذهب ).

ابن عبدالبر في كتبه كالتمهيد(20/71-80)والكافي 01/206) وسوى بين الوضع والإرسال، والتقصي ( 339)والاستذكار(2/277-282) .

ابن العربي في كتبه .

ابوبكر الطرطوشي وكان أن يقتل بسبب القبض كما هو معلوم في كتاب العواصم لابن العربي .

اختيار اللخمي (هو الأحسن )في التبصرة كما تقدم …

وابن رشد (هو الأظهر )(من مستحبات الصلاة كما في المقدمات(1/164) ).

ابن رشد الحفيد في البداية (1/107).وهو الأولى بها .

القرافي وصدَّرَ به .

وابن جزي صدَّر به .

وعياض : هو مذهب الجمهور . وفي قواعده : من فضائل الصلاة “.

ابن العربي : هو الصحيح (القبس 1/343).

الأجهوري :”هو الأفضل”.

وغيرهم كثير من أصحاب مالك ومن بعدهم وقد ذكرهم ابن عزوز رحمهم الله في رسالته الماتعة في القبض  والتي سماها ” هيئة الناسك في أن القبض في الصلاة هو مذهب الإمام مالك”، لاسيما أساطنة المذهب وشيوخه المغاربة الذين كانوا يفتون بالقبض وبه يعملون ، .

شراح خليل وإنصافهم أن القبض فضيلة أوسنة :

لو أردنا أن ننقل النصوص لما وسعنا هذا المقال المختصر الذي أردنا أن نكشف فيه عن غطاء وضع على أعين كثير ممن تعصب لقول دون آخر وأراد أن يصحح صلاة من أسدل ويبطل صلاة من سواه أو العكس ، وإن كان هو المقدم أي القبض ، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق ، ومن الرسم مابين أثر الوشم ، والمنصف من وقف عند الحق ولم يتجاوزه فإن الكبر كما أخبر عنه سيد الخلق صلى الله عليه وسلم : ”  الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ » رواه مسلم ، قال فؤاد عبد الباقي في حاشيته على مسلم :

 [(بطر الحق) هو دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا (غمط الناس) معناه احتقارهم يقال في الفعل منه غمطه يغمطه وغمطه يغمطه].

واي كبر حينما تساق الأدلة المتواترة ولايزال المتعصب يجادل بالباطل ليدحض به الحق .

حاصل مافي شروح مختصر الشيخ خليل أن كراهة القبض مدارها على قصد الاعتماد فإن  انتفى القصد انتفت وبقي الندب .

” قال خليل في المختصر في باب مندوبات الصلاة :” وسدل يديه ، وَهَلْ يَجُوزُ الْقَبْضُ فِي النَّفْلِ أَوْ إنْ طُوِّلَ؟ وَهَلْ كَرَاهَتُهُ فِي الْفَرْضِ :

  • لِلِاعْتِمَادِ،

  • أَوْ خِيفَةَ اعْتِقَادِ وُجُوبِهِ

  • أَوْ إظْهَارَ خُشُوعٍ؟ تَأْوِيلَاتٌ”.

قال  الزرقاني في شرحه على خليل (1/215) : عند قول خليل تأويلات :

وفي القبض ثلاثة أقوال أخر غير الكراهة .

أحدها: الاستحباب في الفرض والنفل وهو قول مالك في رواية مطرف وابن الماجشون عنه في الواضحة وقول المدنيين من أصحابنا واختاره غير واحد من المحققين منهم اللخمي وابن عبد البر وأبو بكر بن العربي وابن رشد وابن عبد السلام وعده ابن رشد في مقدماته من فضائل الصلاة وتبعه القاضي عياض في قواعده ونسبه في الإكمال إلى الجمهور وكذا نسبه لهم الحفيد ابن رشد وهو أيضًا قول الأئمة الثلاثة الشافعي وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم من أئمة المذاهب كما ذكره في الاستذكار…

الثاني من الأقوال الثلاثة إباحة القبض في الفرض والنفل معًا وهو قول مالك في سماع القرينين وقول أشهب

في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم القول الثالث منع القبض فيهما حكاه الباجي وتبعه ابن عرفة قال الشيخ مس وهو من الشذوذ بمكان ثم قال مس أيضًا وإذا تقرر الخلاف في أصل القبض كما ترى وجب الرجوع إلى الكتاب والسنة كما قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] وقد وجدنا سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد حكمت بمطلوبية القبض في الصلاة بشهادة ما في الموطأ والصحيحين وغيرهما من الأحاديث السالمة من الطعن فالواجب الانتهاء إليها والوقوف عندها والقول بمقتضاها اهـ[29].وسكت عنه البناني .

ومثله في شرح الخرشي :” وأما سبب كراهة القبض بأي صفة كانت في الفرض ففيه ثلاث تأويلات : قيل للاعتماد إذ هو شبيه بالمستند وهو للقاضي عبد الوهاب فلو فعله لا لذلك بل تسننا لم يكره وأخذ منه جوازه في النفل لجواز الاعتماد فيه من غير ضرورة “[30].

قال الدردير:” فلو فعله لا للاعتماد بل استنانا لم يكره وكذا إن لم يقصد شيئا فيما يظهر وهذا التعليل هو المعتمد”[31].

قال شيخنا بداه البصيري رحمه الله : وحاصل مافي شروح مختصر الشيخ خليل كشح الزرقاني والخرشي والدردير والمحشين مثلا أن كراهة القبض مدارها على الاعتماد فإذا انتفى القصد انتفت وبقي الندب “[32].

قال عليش:” والمعتمد، فلو فعله للاقتداء بالنبي – صلى الله عليه وسلم – أو لم يقصد شيئا فلا يكره. ويجوز في النفل مطلقا لجواز الاعتماد فيه بلا عذر”.[33]

وقال بهرام بعد ذكر التأويلات[34] :” وروى أشهب إباحة القبض والسدل في الفريضة والنافلة [35]، واستحسنه  اللخمي وابن رشد فيهما وقاله مالك [36].

وفي لوامع الدرر للمجلسي :” وفي القبض ثلاثة أقوال غير الكراهة، أحدها: يستحب في الفرض والنفل، وهو لمالك في رواية مطرف وابن الماجشون وقول المدنيين، واختاره غير واحد من المحققين منهم، اللخمي وابن عبد البر، وأبو بكر بن العربي، وابن رشد، وابن عبد السلام، وعده ابن رشد في مقدماته من فضائل الصلاة، وتبعه عياض في قواعده، ونسبه في الإكمال إلى الجمهور، ونسبه أيضًا الحفيد لهم، وهو أيضًا قول الأئمة الثلاثة الشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد وغيرهم، وكلام الموطإ يقتضي ندبه أيضًا. الثاني: أنه يباح في الفرض والنفل، الثالث: يمنع فيهما، وهو من الشذوذ بمكان، قال المسناوي: وإذا تقرر الخلاف في أصل القبض وجب الرجوع إلى الكتاب والسنة، كما قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}. وقد حكمت السنة بمطلوبيته في الصلاة بشهادة ما في الموطإ والصحيحين وغيرهما من الأحاديث السالمة من الطعن فالواجب الانتهاء إليها والوقوف عندها والعمل بمقتضاها. نقله العلامة بناني. وقال التتائي: لم يذكر المصنف من علل الكراهة كونه مخالفا لعمل أهل المدينة. انتهى[37].

قال الشيخ بداه :” وقد سلمه الشيخ الرهوني مع دقة انتقاده خلف البناني وكذلك الفقيه كنون ، ومثل ماللبناني للشيخ ابن الحاج الفاسي محشي ميارة ثم ختم البناني كلامه بذكر الدليل الحاسم لمادة الخلاف بما يفهم منه إلغاء القول بالسدل رأسا …”[38].

قال ابن الحاجب في جامع الأمهات :” وفي سدل يديه أو قبض اليمنى على الكوع تحت صدره ثالثها، فيها: لا بأس به في النافلة وكرهه في الفريضة، ورابعها: تأويله بالاعتماد، وخامسها: روى أشهب إباحتهما” .

قال خليل في التوضيح بعد ذكر الخلاف :” وقال بعضهم: إنما كرهه مخافة أن يعتقد وجوبه، وإلا فهو مستحب”[39]،فتقرر استحباب القبض لا السدل .

تنبيه :

 قول كثير من الشراح تبعا لخليل أن السدل مستحب هو نقيض المسألة لأن المستحب هو حكم شرعي يعضده نص قرآني أوحديث قولي أوسنة فعليه ، أما كونه اختيار عالم فلايصيّره مستحبا أبدا .

وكذلك قولهم القبض مكروه في النافلة فالكراهة حكم شرعي وليس ثمت نص ينص على كراهة القبض فتبقى الكراهة المذهبية التي صرفت كثيرا من الناس عن التمسك بهذه السنة المباركة ، وعلى الأقل من لم يفعلها لايكون عدوا لها .

قال شيخ مشايخنا العلّامة محمد بن البوصير الملقّب بـ “بدّاه  الشّنقيطي في كتابه الماتع الموسوم بـ ” أسنى المسالك في أنّ من عمل بالرّاجح ما خرج عن مذهب الإمام مالك[40]: فصل في الفرق بين الكراهة الشّرعية و الإرشادية المذهبيّة… ينبغي للمتديّن بدين الله تعالى أن يكون عارفا بالفرق بين الكراهة المذهبيّة الّتي لاثواب في تركها ولاقبح في فعلها وهي الإرشادية،  وبين الكراهة الشّرعية الدّاخلة في قسم القبيح شرعا حتىّ لايتجاسر على سنن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فيردّها بها اعتقادا أنّهما سواء اهـ [41]بتصرف .

قال في المراقي :

                 ماربُّنا لم يَنه عنه حسن     وغيره القبيح والمستهجن

قال العلامة محمد عبد الرحمن بن فتى الشنقيطي :
دع الإكثار ويحك والتمادي … بلا جدوى على الخبر المعادي
وخل سبيل أمر ليس يجدي … إذا نادى إلى العرض المنادي
فمهما رمت هذا السدل فاعلم … بأن السدل عم بذي البلاد
ومهما رمت سنة خير هادي … فإن القبض سنة خير هادي
ففعل القبض في الفرض اقتداء … بخير الخلق أقرب للرشاد
به ورد الكتاب لدى علي … وآثار تفوح بعرف جادي
ويفعله الإمام وإن تسلني … فإن على أبي عمر اعتمادي
رواه الحبر أشهب وابن وهب … وأعلام المدينة خير نادي
وأصحاب الإمام رووه كلا … سوى ابن القاسم الحبر الجوادي
وليس كلامه نصا فأنى … يكون السدل أقرب للسداد
وفي ما في الموطأ وهو نص … صريح ما يرد أخا العناد
وفي نص المدونة احتجاج … لأهل القبض دون السدل باد
وفي نص النوادر وابن رشد … حذامي القول أعلن بالمراد
وينمي لابن عبدوس وينمي … ليوسف ذي العلوم والاجتهاد
كذا اللخمي والإكمال أدنى … لدى فهم الذكي إلى مراد
كذا المواق وابن الحاج أيضا … أجادا الطعن في حجج المضاد
كذاك الجهبذ العدوي أيضا … بغير القبض ليس بذي اعتداد
كذاك الحبر الأجهوري أيضا … كفيل بالمراد لكل جاد
كذاك أبو علي وهو أيضا … بمجموع الأمير أخو اعتضاد
كذلكم الميسر والمحشي … أخو الفهم الصحيح والانتقاد
كذالك آخرون ذووا انتساب … لمذهب مالك نجم الدءاد
كذا باقي المذاهب فهي ألب … على السدل الضعيف لدى الجلاد
كذلك الأنبياء عليه طرا … من أولهم إلى خير العباد
كذلكم الملائكة وابن رشد … إذا ما عن معترض عتاد
وللحبر ابن عزوز عليه … من الأنقال ما يروي الصوادي
وما للسدل من أثر ضعيف … يكافح إن ألم به الأعاد
فأهل القبض أبهى الخلق نورا … وأقربهم إلى مجري الأياد
فما للسدل فضل بعد هذا … عليه سوى الشذوذ والانفراد
به ألقى الإله ولا أبالي … وإن سلقوا بألسنة حداد
وألغي ما سواه ولست أصغي … لمانع الاقتداء بخير هادي
وإن يكره فليس الكره إلا … لقاصد الاعتماد والاستناد
وما للرحمن جل له محب … إلى التصويب أقرب في اجتهاد
يحرك ساكني ويشد أزري … ويدفع ما تلجلج في فؤادي
وإن ينل المخالف منك يوما … وشدد في النكير للأعتياد
فذا فعل النبي فلا تدعه … لإرضاء الصديق ولا المعادي
فقد قلدت أهل العلم منا … مع المروي عن خير العباد
صلاة الله يتبعها سلام … على الهادي إلى طرق الرشاد.

وفي رجز الشيخ محمد سفر المدني المالكي رحمه الله:
والوضع للكف على الكف ورد … عن النبي الهاشمي فلا يرد
رواه مالك وأصحاب السنن … ومسلم مع البخاري فاعلمن
ومن يقل هو بدعة فقد كذب … دعه ولا تذهب لما له ذهب
وحيث ما وضعت تحت السرة … أو فوق أو في الصدر ليس يكره
لأنه جاءت به الرواية … وأخذت به ذوو الدراية
وصحح الحفاظ فوق الصدر … كما رواه وائل ابن حجر.

وللشيخ امربيه رب بن الشيخ ماء العينين رحمهما الله
لا يستوي المبطل والمحق … وفي نصوص القبض جاء الحق
وزهق الباطل إن الباطل … كان زهوقا فاترك الأباطـــــلا.

قال العلماء[42] والحكمة في القبض :أنّه على صفة السّائل الذّليل, وهو أمنع من العبث, وأقرب للخشوع ومن اللّطائف قول بعضهم :القلب موضع النيّة والعادة أنّ من احترز على حفظ شيء جعل يديه عليه.

أهم المصنفات في القبض :

  • رسالة للحافظ أبي بكر محمد بن الحسين الآجري المكي ت360ه.

  • هيئة الناسك في أن القبض في الصلاة هو مذهب الإمام مالك.

  • نور الأثمد في سنة وضع اليد على اليد في الصلاة رسالة الشيخ « أحمد بن مصطفى العلاوي المستغانمي الجزائري (1869م/1934م) » .

  • نصرة القبض و الرد على من أنكر مشروعيته في صلاة الفرض المؤلف : محمد بن أحمد المسناوي المالكي.

  • رفع شأن المنصف السالك وقطع لسان المتعصب الهالك بإثبات سنية القبض في الصلاة على مذهب الإمام مالك للعلامة : أحمد بن محمد بن الصديق الحسني الغماري.

  • البحر المتلاطم الأمواج المذهب بما في سنة القبض من العناد و اللجاج لعبد الحي الكتاني ، وقد طبع محققا بقلم الأستاذ خالد السباعي ، ط/ دار الحديث الكتانية .

  • سنة القبض و الرفع في الصلاة  لمحمد الإطاري كما في (( معجم المؤلفين في القطر الشنقيطي )) ـ ص 105 ـ

وغيرها كثير ، ويبقى السجال إن لم يكن الإنصاف والاعتدال والرجوع إلى كتاب الله وسنة سيد الرجال .صلى الله عليه وسلم .

 

وكتب محتسبا ومختصرا للبيان : أبوسليمان مختار العربي مومن تاريخ 07شوال 1443 الموافق ل: 08/05/2022

____________________________________________________________________________

[1] -مصنف عبد الرزاق (3718 ).

[2] – جامع البيان في تأويل القرآن -(24/652) / لشيخ المفسرين :  محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ) / المحقق: أحمد محمد شاكر/  الناشر: مؤسسة الرسالة/ الطبعة: الأولى، 1420 هـ – 2000 م.

[3] -الدر المنثور للسيوطي (8/650-651) /الناشر: دار الفكر – بيروت

[4] – التاج والإكليل للمواق (2/241).

[5] – نقله الكتاني في البحر المتلاطم (1/520).

[6] – انظر كتاب الصلاة باب ما جاء في وضع اليمين على الشمال في الصلاة (1/292-293).

[7] –  قال السيوطي في ألفية الأثر:وليعط حكم الرفع في الصواب    نحو من السنة من صــحابي

                                            كذا أمرنا ،وكذا كنا نــــــرى      في عهده أو عن إضافة عرى

[8] –  انظر شرح مسلم للنووي (2/335) لأن فيه قبيصة وهو مقبول كما في التقريب .

[9] – البحر المتلاطم الأمواج المذهب لما في سنة القبض من العناد والحجاج ( 1/449) فمابعدها تحقيق خالد بن محمد السباعي /النتاشر /دار الحديث الكتانية /

[10] – انظر المرجع السابق (1/511).

[11] –  التمهيد (20\74).

[12] – أخرجه أبو داود(643)،والترمذي (378) وغيرهما.وانظر نصب الراية للزيلعي(2/96)،والأحكام الوسطى للإشبيلي(1/ 317).

[13] – الأوسط لابن المنذر(3/340) دار الفلاح .وانظر البحر المتلاطم للكتاني ( 1/513-514).

[14] – انتهى من الأوسط (5/ 37).

[15] – فتح الباري (2/ 358).

[16] – البحر المتلاطم ( 1/537).

[17] – المدونة ( 1/170)  الناشر: دار الكتب العلمية/ الطبعة: الأولى، 1415هـ – 1994م/ .

[18] – نقلها علي الصعيدي على حاشية الخرشي ( 4/173) .

[19] – المقدمات الممهدات(1/44) .

[20] – نقله البحر المتلاطم (1/531).

[21] – انظر: المدونة: 1/ 169.

[22] – انظر: المدونة: 1/ 196.

[23] – انظر: النوادر والزيادات: 1/ 236.

[24] – التبصرة لللخمي (1/297).

[25] – البحر المتلاطم ( 2/115).

[26] – انظر: المدونة: 1/ 196.

[27] – البيان والتحصيل لابن رشد0( 18/72).

[28] – نيل الأوطار للشوكاني 0 2/217).

[29] – انظر شرح الزرقاني على خليل ومعه حاشية البناني(1/379).

[30] – شرح الخرشي على خليل (1/287).

[31] – الشرح الكبير على خليل للدردير (1/250).

[32] أسنى المسالك في أن من عمل بالراجح ماخرج عن مذهب الإمام مالك(194).ط/نواكشوط.

[33] -منح الجليل على مختصر خليل (1/262).

[34] – تحبير المختصر لبهرام(1/305).

[35] – انظر: النوادر والزيادات: 1/ 182.

[36] – انظر: البيان والتحصيل: 1/ 395.

[37] -لوامع الدرر في هتك أستار المختصر (2/141).

[38] – أسنى المسالك(198).

[39] -التوضيح لخليل على جامع الأمهات (1/335).

[40] – وهو كتاب نفيس في بابه تطرق فيه شيخنا رحمه الله تعالى إلى المسائل التي ثبتت في السنة وقال بها بعض المالكية ولكن المشهور الذي ليس له إلا الكثرة أحيانا وقف ضدها أو ضد من عمل بها ، فبين الحق بنصوص القرءان والسنة وأقوال جهابذة المالكية رحمهم الله تعالى .

[41] –  أسنى المسالك ص(99).

[42] –  الفتح (2\262-263)والمنهاج للنووي (2\335).

تعليقات المستخدمين

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يمكنك قراءة

  • 10 ربيع الأول 1442 هـ
    ببساطة : كيف تغتسل

    ببساطة : كيف تغتسل

  • 11 ربيع الأول 1442 هـ
    كيف نواجه التشيع

    كيف نواجه التشيع

  • 13 رجب 1442 هـ
    علامات آخر الزمان من خلال الأحاديث النبوية

    علامات آخر الزمان من خلال الأحاديث النبوية