نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس

27-10-2020 1233 مشاهدة

 

 
 

افتراضي بسم الله الرحمن الرحيم 


الصحة والفراغ ولا عيش إلا عيش الآخرة


 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَنِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ».
قَالَ عَبَّاسٌ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ.
الشرح:
قال ابن بطال: "معنى الحديث أن المرء لا يكون فارغاً حتى يكون مكفياً صحيح البدن فمن حصل له ذلك فليحرص على أن لا يغبن بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه ومن شكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه فمن فرط في ذلك فهو المغبون". 
وأشار بقوله: «كثير من الناس» إلى أن الذي يوفق لذلك قليل.
وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون لان الفراغ يعقبه الشغل والصحة يعقبها السقم ولو لم يكن إلا الهرم.
وقوله في الحديث: «مغبون فيهما كثير من الناس»: كقوله تعالى]وقليل من عبادي الشكور[ فالكثير في الحديث في مقابلة القليل في الآية.
قال ابن كثير رحمه الله: "ومعنى هذا: أنهم مقصرون في شكر هاتين النعمتين، لا يقومون بواجبهما، ومن لا يقوم بحق ما وجب عليه، فهو مغبون". (تفسير ابن كثير8/478).
وقال القاضي أبو بكر ابن العربي: " أول نعمة الله على العبد هي: الإيمان، فإنها نعمة مطلقة.
وأما الحياة والصحة فإنهما نعمة دنيوية ولا تكون نعمة حقيقة إلا إذا صاحبت الإيمان وحينئذ يغبن فيها كثير من الناس أي يذهب ربحهم أو ينقص فمن استرسل مع نفسه الإمارة بالسوء الخالدة إلى الراحة فترك المحافظة على الحدود والمواظبة على الطاعة فقد غبن، وكذلك إذا كان فارغاً فإن المشغول قد يكون له معذرة بخلاف الفارغ فإنه يرتفع عنه المعذرة وتقوم عليه الحجة".

النصوص المؤيدة لذلك:
]أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ[(سورة التكاثر)
وعن أبي عسيب رضي الله عنه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم  ليلاً فمر بي فدعاني فخرجت إليه ثم مر بأبي بكر رحمه الله فدعاه فخرج إليه ثم مرَّ بعمر رحمه الله فدعاه فخرج إليه فانطلق حتى دخل حائطاً لبعض الأنصار فقال لصاحب الحائط أطعمنا فجاء بعِذق فوضعه فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم دعا بماء بارد فشرب فقال:
«لتسألن عن هذا يوم القيامة» قال فأخذ عمر رحمه الله العذق فضرب به الأرضَ حتى تناثرَ البسرُ قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا رسول الله! "إنا لمسؤولون عن هذا يوم القيامة" قال
«نعم إلا من ثلاث: خِرقةٍ كَفَّ بها عورتَهُ، أو كِسْرةٍ سدَّ بها جوعَتَهُ أو جُحرٍ يدخل فيه من الحرِّ والقُرِّ». [(حسن)رواه أحمد ورواته ثقات وهو في "صحيح الترغيب" (3221)]
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله، عز وجل – يوم القيامة-: يا بن آدم، حملتك على الخيل والإبل، وزوجتك النساء، وجعلتك تَرْبَع (أي: تأخذ رُبع الغنيمة) وتَرْأَس، فأين شكر ذلك؟!» [(صحيح الإسناد) رواه أحمد (2/492)].
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: "أَكْثَرُ النَّاسِ حِسَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّحِيحُ الْفَارِغُ". (اقتضاء العلم العمل/رقم175).
6413 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«اللَّهُمَّ لا عَيْشَ إِلا عَيْشُ الآخِرَهْ فَأَصْلِحْ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ».
6414 – حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَنْدَقِ وَهُوَ يَحْفِرُ وَنَحْنُ نَنْقُلُ التُّرَابَ وَيَمُرُّ بِنَا فَقَالَ:
«اللَّهُمَّ لا عَيْشَ إِلا عَيْشُ الآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ»، تَابَعَهُ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ.

الشرح:
وورد في "مناقب الأنصار" عن أنس وزيادة من زاد فيه: أن ذلك كان يوم الخندق فطابق حديث سهل بن سعد المذكور في الذي بعده وزيادة من زاد فيه: «أنهم كانوا يقولون: نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبداً فأجابهم بذلك.
وتقدم في غزوة الخندق عنه بأتم من ذلك كله، وفيه من طريق حميد عن أنس: أن ذلك كان في غداة باردة ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال ذلك.

النصوص المؤيدة لذلك:
قوله تعالى]وإن الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون[(العنكبوت/)، وقوله تعالى]بل تؤثرون الحياةَ الدنيا والآخرة خير وأبقى[(الأعلى/)، قوله تعالى]إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ[، قال مجاهد: أي: جعلناهم يعملون للآخرة ليس لهم هَمّ غيرها. وكذا قال السدي: ذكرهم للآخرة وعملهم لها، وقال مالك بن دينار: نزع الله من قلوبهم حب الدنيا وذكرها وأخلصهم بحب الآخرة وذكرها.

فوائده:
1- فيه تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ، بصحبته لأصحابه وحفره بنفسه في الخندق، مع شدة جوعه.
2- فيه قوته  صلى الله عليه وسلم وإعانته لأصحابه، وقيامه بالمهام الصعبة، وتحمله معهم الشدائد والجوع في سبيل الله.
3- فيه ما ينبغي أن يكون عليه العالم مع طلبه من القدوة الحسنة.
4- زهد النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا وما كان يلقاه من شظف العيش، وضيقه، ولو شاء لأجريت له الأنهار.
5- فيه الحث على الزهد في الدنيا، والتقليل من شأنها قولاً وفعلاً.
6- بيان أن العيش الحقيقي هو عيش الآخرة، وأنه لا ينبغي أن يتعلق أحد إلا بها وبأسبابها.
7- ملازمة الصالحين والعلماء.
8- فيه أن من فوائد ملازمة العلماء وأهل الصلاح أنه ينال العبد منهم دعوة صالحة قد تكون سبباً في سعادته في الدنيا والآخرة.
9- أنه ينبغي للعالم أن يدعو لأصحابه وطلابه إقتداء به

 

 

تعليقات المستخدمين

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يمكنك قراءة

  • 07 محرم 1443 هـ
    حرمة سماع الباطل عموما والغناء على وجه الخصوص

    حرمة سماع الباطل عموما والغناء على وجه الخصوص

  • 13 ربيع الثاني 1444 هـ
    🔴 الحالة الاجتماعيـة والسياسيـة والدينية قبل بعثة النبي ﷺ

    🔴 الحالة الاجتماعيـة والسياسيـة والدينية قبل بعثة النبي ﷺ

  • 11 ربيع الأول 1442 هـ
    الشوق إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم ، وقفات مع…

    الشوق إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم ، وقفات مع بعض المحبين