لوعة الفراق … ورحيل سماحة والدنا الكبير وشيخنا الجليل العلامة محمد محفوظ بن المختار فال
17-05-2021 1325 مشاهدةالمصاب الجلل… ولوعة الفراق
إنا لله وإنا إليه راجعون ، إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده لأجل مسمى ، فاللهم ارزقنا الاحتساب والصبر على أكبر مصاب في حياتنا ، وهو فقد شيخنا ووالدنا ومربينا وصاحب النعم الكثيرة علينا ، فأنا أحد أولاده وإن لم يلدني ، وأنا أحد طلابه وإن كنت الأخير فيهم ، وأنا أحد محبيه ولست أفضلهم ، وأنا أحب الوفاء لشيوخي وإن كنت مقصرا فيه ، فكم من شيء بدا أني ضيعته وقد كان لي متسع في مزيد من القرب من شيخي ، اللهم إنك تعلم أنني كُلِمت بوفاته فلاتحرمه الرضا والفراديس العلا، اللهم إنني فقدت سندا لي في حياتي وفي توجيهي فسددني ووجهني ، اللهم إني قد أغلق دوني باب دعائه واتصاله والسؤال عني وعن أهلي وأولادي فحرمت منه ، فلاتحرمه عفوك وكرمك ، اللهم إنه قد رحل عني أعز إنسان بعد رسولك صلى الله عليه وسلم ووالدي فلاتحرمنا اللقاء بهم في جنة الخلد عند أول خروج الروح .
لقد كان شيخي ووالدي وصهري وناصحي وعيبتي ، شيخي محمد محفوظ بن المختار فال ، عرفته سنة 1990 بمسجد دار الحديث وسط نواكشوك يدرس الطلاب بعد العصر إلى هزيع الليل ، لايمل ، ولايكل ،ولايرد طالب علم في أي فن ، شاب متوقد وقتها وسيم المحيا ، منور الجبين ، يفتر فمه حين يبتسم عن مثل الجمان واللؤلؤ ، يدرس في إخبات وخشوع كأنه في محراب ، بلى إنه محراب العلم ، يتزاحم بين يديه الطلاب ، وعشاؤه يطبخ خلفهم في قدر متواضع ، جئته وقتها وليس له إلا غرفة صغيرة يدرس فيها طلابه ، ويبيت فيها إخوته ، يجلس على سرير متواضع تجلس معه السعادة والتوق إلى أن يصير طلابه سفراء الوحي في كل بلاد ، لايطلب منهم درهما ولادينارا ، بل سألته مرة قلت له شيخي الحبيب هل تعرف أسماء طلابك ؟ ، فقال لي وما شغلي بمعرفة أسمائهم ، إنهم يريدون العلم وأنا أبتغي الأجر والله يعلم كل واحد منهم وحاله وسريرته ، لم يكن له همّ سوى تعليم العلم آخر النهار ، أو تحصيل الرزق الحلال صدر النهار على سمت العلماء الأوائل الذي كانوا يعيشون من كدح الجبين ، لايلتفت إلى راتب دولة ، ولو شاء لكان إمام الدولة ، وقد عرضت عليه المناصب فأعرض عنها ، وكم ألحوا عليه أن يلقي الدروس في الإذاعة والتلفزة فأبى إباء منقطع النظير ، بل لم يكن يلتفت إلى بهرج الدنيا ولايهمه ما أقبل منها وما أدبر .
كان عيشه عيش الأنبياء ، وسمته سمت الأولياء ، والله لم يكن غالبا لايفترش إلا بطانة من جلد ويتوسد مخدة من جلد يضع عليه عمامته ، وكأنه مستوفز خشية أن يدركه الموت وقد غطس في الدنيا ، كنت أتعجب عندما أراه يأكل الخبز اليابس ويتحساه بالشاي وهو عنده من التجارة مايجعله يعيش عيشة الأثرياء ، هيهات كأن يوفرها للآخرة ، فها أنت قد وجدتها إن شاء الله كاملة موفورة .
آه ياشيخي أكتب هذه الكلمات وفؤادي يحترق لفراقك وعيني تهراق الدموع ليتني كنت هناك فأوسدك على صدري واشم رائحتك الزكية واسمع آخر كلامك وأنت تشهد لله بالوحدانية .
لقد كلمتك قبل فراقك باثنتين وسبعين ساعة ، وأصررت أن أرى وجهك المنير عبر الشاشة الصغيرة فغسلت قلبي برؤياك وكأنّني كنت أطلب إلقاء آخر نظرة عليك وماشعرت ،، ليتني أطلت ساعات وساعات بلقائك .
لقد كانت مُنيتك أن تجد وقفا لطلاب المعهد قبل أن ترحل فأرجو أن يكون الله قد حقق مرادك قبل رحيلك بأيام قليلة ، مع أنك سعيت له أمدا بعيدا ، لترحل قرير العين على طلابك بعد وفاتك ، ما أعظمك ، من سيخلفني فيك بعد الرحيل ، ومن يسد ثغرتك ، هيهات .
لقد تركتنا أيتاما ، فما شعرت بلوعة الفراق يوما كشعوري بفراقك وأنا بعيد عنك ، إن شنقيط جميعها تبكيك وإن طلابك في مشارق الأرض ومغاربها تنعاك ، لقد صدق أنس رضي الله عنه حينما قال لقد أظلمت علي المدينة يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ،وأنا والله قد أظلمت علي الدنيا كما أظلمت على كثير من إخواني من طلبة العلم المحبين المخلصين ،وشعرت أن شنقيط كلها قد رحلت ومابقي منها حجر على الأرض .
ماذا أقول : أقول : إن العين لتدمع وإنّ القلب ليحزن ولانقول إلاّ مايرضي ربّنا سبحانه .
فاللهم يامن هو بالجود موصوف ، وبالكرم معروف أكرم شيخنا محمدا واجعله رفيق سيدنا وشفيعنا محمدا ، واجمعنا بهم في الفراديس العالية .
يجري القضاء وفيه الخير نافلة … لمؤمن واثق بالله لا لاهي
إن جاءه فرحٌ أو نابه ترحٌ … في الحالتين يقول الحمد لله.
وكتب المكلوم بفقد سيده وشيخه ووالده : أبو سليمان مختار بن العربي مومن
اليوم الثالث من عيد الفطر 1442 بالدوحة – قطر
ما أبعد المسافة بين قطر وقبر الحبيب