كونوا معَ الصّادقين
12-02-2021 1429 مشاهدةلا تأتي أهمّية القدوة من كونها النبراس الذي يضيء لنا في عتمات الضياع فحسب، بل تمتاز بأنها تعلّمنا كيف تنيرُ حياتنا بعمل القلب الحقيقيّ الذي ينعكس نوره على سلوك الجوارح.
يركن المرء إلى القصص ليستلهم منها الدروس والعِبر، فيتعلمها ثُمّ يحيلها إلى عملٍ، وربما تلهمنا قصص الناجحين كيفية الخروج من الصعوبات بأحسن مِمّا كنا عليه.
مع كعب بن مالك رضي الله عنه
لا تنطلق هذه الكلمات من قصص أحد الناجحين المُعاصرين، وإنّما يغوص بنا مئات السنين إلى الوراء حيثُ العُظماء الذين ربّاهُم خيرُ الخلق بتعاليم الوحي الإلهي العليم بالنفس البشريّة.
يروي لنا كعب بن مالك حكايته، بدءًا من مبايعته في العقبة واشتراكه في معارك النبي صلى الله عليه وسلم، وصولا إلى تخلفه عن غزوة تبوك.
وهنا نقف قليلاً، فنستحضر مشهداً لإنسانٍ مسلم قد أذنَب ذنباً في حق الله وفي حق نفسه، فنراه في تلك اللحظة يبدأُ جَلداً بهذه النفس مُتناسياً أنّها تُصيب و تُخطئ، و أنّه إن أخطأَ اليوم فقد أصابَ قبله و يستطيع أن يرجع عن ذنبه طالما أنّه حيّ، فكثيرٌ منا حينما يُذنب يبدأُ بمحاسبة نفسه حساباً غير مُنصف، مما يجعله يغرس قدميه أكثر في وحل الذنب، فالندم مطلوبٌ، وكذلك محاسبة النفس مطلوبةٌ، إلا أن جلدها وتناسي ما فعلت من خير لا يُصلحها بل قد يزيد الأمر سوءًا.
يقول كعب: “وأَقُولُ في نَفْسى: أَنا قَادِرٌ علَى ذلِكَ إِذا أَرَدْتُ، فلمْ يَزلْ يَتَمادى بي حتَّى اسْتمَرَّ بالنَّاسِ الْجِدُّ، فأَصْبَحَ رسولُ الله ﷺ غَادياً والْمُسْلِمُونَ معَهُ، وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جِهَازي شيْئاً، ثُمَّ غَدَوْتُ فَرَجَعْتُ وَلَم أَقْض شَيْئاً، فَلَمْ يزَلْ يَتَمادَى بِي حَتَّى أَسْرعُوا وتَفَارَط الْغَزْوُ، فَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِل فأَدْركَهُمْ، فَيَاليْتَني فَعلْتُ، ثُمَّ لَمْ يُقَدَّرْ ذلِكَ لي”.
ألا تشعر أيها القارئ ههنا بالصدق الشديد مع النَفس، كأنّنا نرى إنساناً يحمل همةً للذهاب إلى الغزو، ثُمّ يؤجّل، تُحدثه نفسه أن يذهب مِراراً، ثُمّ يتراجع، يصدق في نيّته، ولكنّهُ في ذات الوقت لم يشرع بالعمل وِفقاً لما نَوى.
ساعةُ الصدق
جاء المتخلفون إلى الرسول -عليه الصلاة و السلام- يعتذرون إليه، وهنا يُكمل كعباّ حديثه فيقول: “فَلَمَّا قِيلَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قدْ أَظِلَّ قَادِمَاً زاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ حَتَّى عَرَفتُ أَنِّي لم أَنج مِنْهُ بِشَيءٍ أَبَداً ذَلك جَاءَهُ الْمُخلَّفُونَ يعْتذرُون إِليْه وَيَحْلفُون لَهُ، وَكَانُوا بِضْعاً وثمَانين رَجُلا فَقَبِلَ منْهُمْ عَلانيَتهُمْ وَبَايَعَهُمْ وَاسْتغفَر لهُمْ وَوَكلَ سَرَائرَهُمْ إِلى الله تعَالى. حتَّى جئْتُ، فلمَّا سَلَمْتُ تبسَّم تبَسُّم الْمُغْضب ثمَّ قَالَ: تَعَالَ فجئتُ أَمْشي حَتى جَلَسْتُ بيْن يَدَيْهِ، فقالَ لِي: مَا خَلَّفَكَ؟ أَلَمْ تكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَك، قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله إِنِّي واللَّه لَوْ جلسْتُ عنْد غيْركَ منْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَني سَأَخْرُج منْ سَخَطه بعُذْرٍ، لقدْ أُعْطيتُ جَدَلا، وَلَكنَّني وَاللَّه لقدْ عَلمْتُ لَئن حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذبٍ ترْضى به عنِّي لَيُوشكَنَّ اللَّهُ يُسْخطك عليَّ، وإنْ حَدَّثْتُكَ حَديث صدْقٍ تجدُ علَيَّ فِيهِ إِنِّي لأَرْجُو فِيه عُقْبَى الله، واللَّه ما كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ، واللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلا أَيْسر مِنِّي حِينَ تَخلفْتُ عَنك.
قَالَ: فقالَ رسولُ الله ﷺ: أَمَّا هذَا فقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضيَ اللَّهُ فيكَ”
يقف المخلّفون أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون عن تخلّفهم، فيقبل علانيته ويوّكلُ سريرته إلى الله، فلا يُعاتب، فالعتابُ لم يكُن إلا من نصيب من لم يعتد الرسول هذا الأمر منه، وها هو كعبٌ يجلس بين يدي رسول الله، يرى النبي يتبسم تبسّم المُغضب له ويُعاتبه، فتضطرم نيران الندم في قلب كعب، فهو ليس كغيره مِمّن تخلفوا.
في تلك اللحظات الصعبة، بعدما رأى كعب قبول الرسول اعتذار وحُجج المُخلفين، يظهر معدنه الأصيل، وقد عهدناه صادقاً مع نفسه في بداية الحديث ومن يصدُقُ مع نفسه لابُدّ أن يصدق مع غيره، فها هو يعترف بأن لا حُجةَ له أبداً، ولأن الله أراد لقصتهِ أن تحيا، أنزلها في وحيٍ محفوظ، تُرددَ على ألسنة البشر إلى يومنا هذا.
يقول له الرسول: فقُم حتى يقضيَ اللهُ فيك، فيتبعه رجالٌ من بني سلمة يقولون له: “واللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ أَذنْبتَ ذَنْباً قبْل هذَا، لقَدْ عَجَزتَ في أنْ لا تَكُون اعتذَرْت إِلَى رَسُول الله ﷺ بمَا اعْتَذَرَ إِلَيهِ الْمُخَلَّفُون فقَدْ كَانَ كافِيَكَ ذنْبكَ اسْتِغفارُ رَسُول الله ﷺ لَك. قَالَ: فَوالله ما زَالُوا يُؤنِّبُوننِي حتَّى أَرَدْت أَنْ أَرْجِعَ إِلى رسولِ الله ﷺ فأَكْذِب نفسْي، ثُمَّ قُلتُ لهُم: هَلْ لَقِيَ هَذا معِي مِنْ أَحدٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ لقِيَهُ مَعَكَ رَجُلان قَالا مِثْلَ مَا قُلْتَ، وَقيلَ لَهمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لكَ، قَال قُلْتُ: مَن هُمَا؟ قالُوا: مُرارةُ بْنُ الرَّبِيع الْعَمْرِيُّ، وهِلال ابْن أُميَّةَ الْوَاقِفِيُّ؟ قَالَ: فَذكَروا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْن قدْ شَهِدا بدْراً فِيهِمَا أُسْوَةٌ. قَالَ: فَمَضيْت حِينَ ذَكَروهُمَا لِي”
حتى ضاقت عليهم الأرض
هُنا يبدأُ البلاءُ الكبير، وتتوالى الدروس واحداً تلوَ الآخَر، وتنقل إلينا مشاهدها مُستشعرين عِظمَ تربية سيدنا محمدٍ -عليه الصلاة و السلام- لنفوسِ أصحابه.
يستكمل كعب فيقول: “وَنهَى رَسُول الله ﷺ عَنْ كَلامِنَا أَيُّهَا الثلاثَةُ مِن بَين من تَخَلَّف عَنهُ، قالَ: فاجْتَنبَنا النَّاس أَوْ قَالَ: تَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرت لِي في نَفْسي الأَرْضُ، فَمَا هيَ بالأَرْضِ الَّتي أَعْرِفُ، فَلَبثْنَا عَلَى ذَلكَ خمْسِينَ ليْلَةً. فأَمَّا صَاحبايَ فَاستَكَانَا وَقَعَدَا في بُيُوتهمَا يَبْكيَانِ وأَمَّا أَنَا فَكُنتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ، فَكُنتُ أَخْرُج فَأَشهَدُ الصَّلاة مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَطُوفُ في الأَسْوَاقِ وَلا يُكَلِّمُنِي أَحدٌ”
إن حصول الذنب لا يعني القعودَ عن العمل والاستغراق في الندم، لقد ضاقت الأرض بما رحبت على كعب، إلا أن ذلك لم يمنعه من شهود الصلاة مع المسلمين والطواف في الأسواق، والسعي في طلب الرزق، وإن كان يعلمُ بأنّ الله لم يقضي فيه أمراً بعد، إلا أنه مدركٌ أن لابُدّ من القيام، بل إن حُبّه يُظهرُ لرسول الله نَدمه، ويصف لنا هذا في بقوله:
“وآتِي رسولَ الله ﷺ فأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَهُو في مجْلِسِهِ بعدَ الصَّلاةِ، فَأَقُولُ في نفسِي: هَل حَرَّكَ شفتَيهِ بردِّ السَّلامِ أَم لاَ؟ ثُمَّ أُصلِّي قَريباً مِنهُ وأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقبَلتُ عَلَى صلاتِي نَظر إِلَيَّ، وإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي، حَتى إِذا طَال ذلكَ عَلَيَّ مِن جَفْوَةِ الْمُسْلمينَ مشَيْت حَتَّى تَسوَّرْت جدارَ حَائط أبي قَتَادَةَ وَهُوَا ابْن عَمِّي وأَحبُّ النَّاسَ إِلَيَّ، فَسلَّمْتُ عَلَيْهِ فَو اللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ، فَقُلْت لَه: يَا أَبَا قتادَة أَنْشُدكَ باللَّه هَلْ تَعْلَمُني أُحبُّ الله وَرَسُولَه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم؟ فَسَكَتَ، فَعُدت فَنَاشَدتُه فَسكَتَ، فَعُدْت فَنَاشَدْته فَقَالَ: اللهُ ورَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَفَاضَتْ عَيْنَايَ”
وبينما هو كذلك يُبتلى بابتلاءٍ جديد فيطلبهُ نبطيٌّ من نبط أهل الشام فيدفع له كتاباً من ملكِ غسان يقول فيه: “أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ قَدْ بلَغَنَا أَن صاحِبَكَ قدْ جَفاكَ، ولمْ يجْعلْك اللَّهُ بدَارِ هَوَانٍ وَلا مَضْيعَةٍ، فَالْحقْ بِنا نُوَاسِك، فَقلْت حِين قرأْتُهَا: وَهَذِهِ أَيْضاً مِنَ الْبَلاءِ فَيمَّمْتُ بِهَا التَّنُّور فَسَجرْتُهَا “
يظهر أمثال هذا الملك في لحظات ضعفنا، يعرِضُ علينا مالاً أو منصباً أو فِردوساً أرضياً يدّعيه و يُغرينا به في صورٍ كثيرة، فيأتي من منافذ وأبواب قد لا نتخيلُها، إلا أنه حتماً بلاء وامتحان، فإن كانَ القلبُ فارغاً سقطَ في الاختبار، و إن كان قلباً مُمتلئاً بمحبة الله و صادقاً اجتاز البلاءَ بقوّةٍ كما فعل كعب.
يؤمر المخلّفون الثلاثة باعتزال نسائهم، ومع اشتدادِ الأمرِ عليهم تضيق الأرضُ أكثر فأكثر، ويوقنون أن لا ملجأ من الله إلا إليه مع كُلِ بلاءٍ يُصيبهم، وتكملُ الليالي الخمسون و هم في حالهم هذا، يظهرُ النورُ فجأةً.
أبشِر بخيرِ يومٍ مرَّ عليك
يقول كعب: “ثُمَّ صَلَّيْتُ صَلاَةَ الْفَجْرِ صباحَ خمْسينَ لَيْلَةً عَلَى ظهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبينَا أَنَا جَالسٌ عَلَى الْحال الَّتي ذكَر اللَّهُ تعالَى مِنَّا، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِى وَضَاقَتْ عَليَّ الأَرضُ بمَا رَحُبَتْ، سَمعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أوفَى عَلَى سَلْعٍ يَقُولُ بأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ، فخرَرْتُ سَاجِداً، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ فَآذَنَ رسولُ الله ﷺ النَّاس بِتوْبَةِ الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا حِين صَلَّى صَلاة الْفجْرِ”
يُكمل كعب حديثه عن مشهد التوبة و القارئُ للحديث يفرحُ لفرحه و كأنّهُ بين الناسِ يُهنئ كعباً، و كأنّهُ في مجتمع الصحابة يفرح لما يستحقُ الفرحَ حقاً “وانْطَلَقتُ أَتَأَمَّمُ رسولَ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجاً فَوْجاً يُهَنِّئُونني بِالتَّوْبَةِ وَيَقُولُون لِي: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ الله عَلَيْكَ، حتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا رسولُ الله ﷺ جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ طلْحَةُ بْنُ عُبَيْد اللهِ رضي الله عنه يُهَرْوِل حَتَّى صَافَحَنِي وهَنَّأَنِي، واللَّه مَا قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهاجِرِينَ غَيْرُهُ، فَكَان كَعْبٌ لاَ يَنْساهَا لِطَلحَة”
لنقف عند هذه الجملة: “وكان كعبٌ لا ينساها لطلحة”، ففي مثل هذه المواقف أيضاً تظهرُ محبةُ الناس للشخص بأبسط الأفعال وقد يُفاجَأ الإنسان بوقوفِ أشخاصٍ معه يفرحون لفرحه و يُؤازرونه، فكأنّ طلحة كان يشعر بما شعر به كعب و كان يعدُّ الأيّام عدًّا معه، فمُصافحة طلحة لكعب قد تكون عملاً بسيطاً، إلّا أنّه ينبئ عن حُبٍ يكنه المسلم لأخيه، فكعبٌ لم ينسَ الموقف هذا، بل هو يتذكره و يرويه لنا واصفاً تأثيره فيه.
أمّا المشهد الأهم، فهو الذي كان كبعث الحياة في قلب شخص، وذلك حين تأكد كعب أنّ بشارته قد جاءت من الله:
“فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ الله ﷺ، قَالَ: وَهوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُور “أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ، مُذْ ولَدَتْكَ أُمُّكَ” فقُلْتُ: أمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُول اللَّهِ أَم مِنْ عِنْد الله؟ قَالَ: لاَ بَلْ مِنْ عِنْد الله، وكانَ رسولُ الله ﷺ إِذَا سُرَّ اسْتَنارَ وَجْهُهُ حتَّى كَأنَّ وجْهَهُ قِطْعَةُ قَمر، وكُنَّا نعْرِفُ ذلِكَ مِنْهُ”
وهنا، لا شيء يُقالُ أمامَ هذا المشهد العظيم.
وينتهي الحديث بقوله: “يَا رَسُولَ الله إِن الله تَعَالىَ إِنَّما أَنْجَانِي بالصِّدْقِ، وَإِنْ مِنْ تَوْبَتي أَن لا أُحدِّثَ إِلاَّ صِدْقاً ما بَقِيتُ، فو الله مَا علِمْتُ أَحَداً مِنَ المسلمِين أَبْلاْهُ اللَّهُ تَعَالَى في صدْق الْحَديث مُنذُ ذَكَرْتُ ذَلكَ لرِسُولِ الله ﷺ أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلاَنِي اللَّهُ تَعَالَى، وَاللَّهِ مَا تَعمّدْت كِذْبَةً مُنْذُ قُلْت ذَلِكَ لرَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى يَوْمِي هَذَا، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَحْفظني اللَّهُ تَعَالى فِيمَا بَقِي، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ حَتَّى بَلَغَ: إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ حَتَّى بَلَغَ: اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:117-119]
يا لعظم العمل القلبيّ الذي نزلت لأجله آياتٌ من الله، فالقصة بدأت بتخلّف كعب عن غزوة تبوك وانتهت برفعه إلى درجة الصادقين في آياتٍ تُتلى في قُرآنٍ قد تكفلَ اللهُ بحفظه تشهدُ على صدق هذا الصحابيّ، آياتٌ وأحاديثَ عظيمة نستلهم منها النجاح والفلاح الذي يبدأ في الدنيا ويستمر للدار الآخرة.
هذا الصدق يبدأ بأن نكون صادقين مع أنفسنا، مُنصفين بالتعامل معها، مدركين ضعفنا وبأنّ الضعف الذي نواريه ونخجل منه هو من يرفعنا إن فهمناه وأحسنّا التعامل معه، وأن نكونَ صادقين مع غيرنا وإن ظننا لوهلةٍ أنّ الكذب يُنجي وتوفرت أمامنا سُبُل الكذب، ونتعلم أنّ البلاء قد يدل على محبة الله لعبده فحاشاه تعالى أن يُعذّب عباده، إنّما يبتليهم ليُمحصهُم ويُطهر قلوبهم و يُخرجَ أفضل ما فيهم.
فلنلجأ لمداواة نفوسنا بالوحي.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) } يونس.