في الحضرة الصوفية

28-10-2020 2777 مشاهدة

 

د.خلدون بن مكي الحسني


الحمد لله ربّ العالمين، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد بعث الله تعالى سيدنا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بدين الحق ليظهره على الدين كله، وأيّده بالقرآن وآتاه الحكمة، وقد سنَّ لنا سنن الهدى والنور، فمن لزمها فقد اهتدى، ومن تنكب عنها فقد ضل؛ ومن هذه السنن تعاليم الذكر وآدابه، وقد استفاض علماء الإسلام بتبيينها والحض على العمل بها، إلاّ أنّ بعض الناس زًيّن لهم مخالفة سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وظنوا أنهم على خير، فكان أن انزلقوا في بنيات الطريق، وضلّوا عن الصراط المستقيم، وذلك أنهم اخترعوا لأنفسهم طرقاً جديدة للذكر شابهوا فيها طرق أصحاب العجل.
وصفة ذكرهم أنهم يجتمعون في المساجد أو البيوت فيتحلقون ويأخذون بإنشاد القصائد الدينية فينغّمونها ويغنونها مع الضرب بالدفوف والمزاهر والطبول والمزامير؛ كل طريقة صوفية لها أدواتها؛ ثمّ يتأوّهون بآهات أهل الملاهي ويزعمون أنها لفظ الجلالة (الله) لأصحاب الأحوال تعالى الله عما يقولون.
وبعد أن يستحكم الطرب في القلوب يأخذون بالرقص والقفز والدوران والتمايل كالسكارى تماماً، ويزعمون أن هذا من أحوال الذكر؛ وكذبوا؛ فما كان من علماء الإسلام الفقهاء الذين هم حماة الشريعة إلاّ أن تصدوا لهذه البدعة الشنيعة، وانبروا لتبيين انحرافها عن طريقة الإسلام بالكليّة.
ولذلك أنا أنتقي لإخواني المسلمين الراغبين بمعرفة الحق المبين بعض فتاوى أولئك الأئمة الأعلام، وهي تشمل فتاوى أئمة المذاهب الأربعة وختمتها ببعض أقوال أهل التصوف القدامى، وأسأل الله تعالى أن ينفع بها، ويشرح صدور المتلبسين بهذه البدعة لتركها والعمل بسنّة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
أولاً، المذهب الحنفي :
ـ قال البزازي الحنفي في الفتاوى البزازية 4/349 الطبعة الثالثة التركيّة:
((….و غرضُه استماع الدف و المزمار واللعب بالرقص الذي أحدثه أولاً السامري حين أخرج لهم عجلاً جسداً له خوار، وقد نقلَ صاحبُ الهداية (المرغيناني) فيها: أنّ المغنّي للناس، إنما لا يَقْبَل شهادَتَه؛ لأنّه يجمَعُهم على كبيرة، والقرطبي: على أنّ هذا الغناء وضرب القضيب والرقص حرام بالإجماع عند مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد. ذكر ذلك في مواضعَ من كتابه.
وسيّد الطائفة الشيخ أحمد اليَسوي صرّحَ بحرمته، ورأيتُ فتوى شيخ الإسلام جلال الملّة والدين (الكرماني) أنّ مُستَحلّ هذا الرقص كافرٌ، ولما عُلِمَ أنّ حرمَتَهُ بالإجماع لزم أن يكفِّر مُسْتَحِلَّه. وللشيخ الزمخشري في " كشافه " كلماتٌ فيهم، تقوم بها عليهم الطّامة، ولصاحب " النهاية " و الإمام المحبوبي أيضاً كلام أشدّ من ذلك. انتهى
ـ وقال في "شرح الكنز للنسفي":
بعد ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلُّ لَعِبِ ابن آدم حرامٌ إلا ثلاثة: ملاعبة الرجل أهله، وتأديبه لفَرَسه، ومُناضَلَته لقوسه) وهذا نصٌّ صريحٌ في تحريم الرقص الذي يسمّيه المتصوفة الوقت وسماع الطيب، وإنّما هو سماعٌ فيه أنواعُ الفسق وأنواعُ العذاب في الآخرة. انتهى
ـ وفي حاشية الطحاوي على المراقي 2/311:
(وأما الرقص والتصفيق والصريخ وضرب الأوتار والصنج والبوق الذي يفعله بعض من يدعي التصوف فإنه حرام بالإجماع؛ لأنها زيُّ الكفار) انتهى.
ـ وقال في "اليتيمة ":
سُئل الحلواني عمَّن سَمّوا أنفسهم الصوفيّة، واختصّوا بنوع لِبْسةٍ، واشتغلوا باللهو والرقص، وادّعوا لأنفسهم المنزلَةَ، فقال: افْتَرَوا على الله كذباً أم بهم جِنَّةٌ ؟!.
ـ وفي " تحفة الملوك " 1/284 تحت عنوان ( تصرفات الصوفية ).
ويجبُ منعُ الصوفية الذين يدَّعون الوَجْدَ والمحبَّة عن رفع الصوت وتمزيق الثياب عند سماع الغناء؛ لأن ذلك حرامٌ عند سماع القرآن فكيف عند سماع الغناء الذي هو حرام خصوصاً في هذا الزمان. انتهى
ثانياً، المذهب الشافعي:
ـ قال الإمام الشافعي رحمه الله:
((تركت بالعراق شيئاً يقال له: (التغبير)([1])، أحدثه الزنادقة ليصدُّوا الناس عن القرآن )).
روى ذلك أبو نعيم في الحلية (9/146) والزبيدي في شرح إحياء علوم الدين 6/458 والخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص36، وابن الجوزي (244-249)
ـ وقال سلطان العلماء العز بن عبد السلام في كتابه " قواعد الأحكام في مصالح الأنام " 2 / 186:
" وأما الرقص و التصفيق فَخِفَّةٌ ورعونة، مُشْبِهَةٌ لرعونة الإناث، لا يفعلها إلا راعن أو متصنع كذّاب، كيف يتأتى الرقص المتَّزن بأوزان الغناء، ممن طاش لُبُّه وذهب قلبه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (خير الناس قرني، ثمّ الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) متفق عليه. ولم يكن واحد من هؤلاء الذين يقلّدونهم يفعل شيئاً من ذلك. انتهى كلام الشيخ.
ـ وقال أيضاً في كتابه (قواعد الأحكام):
" الرقص لا يتعاطاه إلا ناقص العقل، ولا يصلُح إلا للنساء " انتهى ص 679 بتحقيق الشيخ عبد الغني الدقر.
ـ وقال الشربيني الشافعي في مغني المحتاج ج4 صـ426:
قال السبكي وهو من كبار الأئمّة الشافعية: السماعُ على الصورة المعهودة منكرٌ وضلالة وهو من أفعال الجهلة والشياطين، ومَنْ زعم أن ذلك قُربة فقد كذب وافترى على الله، ومن قال: إنه يزيد في الذوق فهو جاهل أو شيطان، ومن نسبَ السماع إلى رسول الله يُؤدَّب أدباً شديداً ويدخل في زمرة الكاذبين عليه صلى الله عليه وسلم، ومن كذب عليه متعمداً فليتبوأ مقعده من النار، وليس هذا طريقة أولياء الله تعالى وحزبه وأتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل طريقة أهل اللهو واللعب والباطل وينكر على هذا باللسان واليد والقلب. انتهى.
وذَكَرَه أيضاً الدَّمِيري الشافعي في " شرح المنهاج ".
ـ وقال الإمام شرف الدين إسماعيل بن المقري اليمني الشافعي صاحب " روض الطالب " و " إرشاد الحاوي " في الفقه الشافعي، في قصيدته في ذمّ الرقص:
 

قالوا: رَقصْنا كما الأُحْبوشُ قد رقصوا بمسجد المصطفى، قُلنا: بلا كَذِبِ
الحُبْشُ ما رقصوا، لـكنهم لَعِبـوا مِنْ آلـة الحَرْبِ بالآلات واليَلَبِ
وذلـك اللـعبُ منـدوبٌ تَعلُّمُه في الشرع للحرب تدريباً لكلّ غبي([2])

ـ وقال الإمام البدر ابن جماعة الشافعي، في جواب فتوى رُفِعَت إليه في السماع:
هذه مسألة خلافيّة، فلنقتصر على حكاية المذاهب الأربعة: فأمّا أبو حنيفة رحمه الله فمذهبُه فيه أشدُّ المذاهب، وقوله فيه أغلظُ الأقوال، وقد صرَّح أصحابُه بأنّ استماعه فسقٌ، والتلذّذَ به كُفْرٌ، وليس بعد الكفر غاية.
وأمّا مالك رحمه الله فإنه لمّا سُئلَ عنه قال: إنّما يفعله عندنا الفسّاق، وفي كتُبِ أصحابه إذا اشترى جاريةً فوجدها مغنّية فله أن يردّها بالعيب.
وأمّا أحمد بن حنبل رحمه الله فإنّ ابنه عبد الله سأَلَهُ عنه فقال: يا بنيّ الغناءُ يُنبِتُ النفاقَ في القلب، ثم ذكَرَ قولَ مالك إنما يفعله عندنا الفساق.
وأمّا الشافعي رحمه الله فقد قال في كتاب القضاء: إن الغناء لهوٌ مكروه يُشبِه الباطل؛ وقال لأصحابه بمصر:خلَّفتُ ببغداد شيئاً أحدَثَتْهُ الزنادقة يُسمّونه (التغبير)، يصدّون به الناس عن القرآن.
فإن كان قوله في التّغْبير وهو عبارة عن شعرٍ مُزَهِّدٍ في الدنيا إذا غنّى المغني به ضَرَبَ الحاضرون بقُضُبٍ على نِطع أو مخدّة ضرْباً موافقاً للأوزان الشعريّة، فَلَيْتَ شِعْري ماذا يقول في السماع الواقع في زماننا ؟ فمن قال بإباحة هذا النوع فقد أحدَثَ في دين الله ما ليس منه. انتهى كلام ابن جماعة باختصار من اتحاف السادة المتّقين للزبيدي 6/458.
ثالثاً: المذهب المالكي:
– وقال أبو العبّاس القرطبي المحدّث صاحب " المفهم في شرح صحيح مسلم " عند كلامه على الغناء عند الصوفيّة:
.. وأمّا ما ابتدعته الصوفيّة في ذلك، فمِن قَبيل ما لا يُخْتَلفُ في تحريمه، لكنّ النفوس الشهوانيّة غلَبَت على كثيرٍ ممن يُنسَبُ إلى الخير، حتى لقد ظهَرَتْ من كثير منهم فَعَلاتُ المجانين والصبيان، حتى رَقَصوا بحركاتٍ متطابقة، وتقطيعاتٍ متلاحقة، وانتهى التَّواقُحُ بقومٍ منهم إلى أن جعلوها مِنْ بابِ القُرَب وصالحِ الأعمال، وأنَّ ذلك يُثمِرُ سَنِيَّ الأحوال، وهذا على التحقيق مِنْ آثار الزندقة، وقول أهل المَخْرَقَة، والله المُستعان " انتهى.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي عقِبَه: " وينبغي أن يُعْكَسَ مُرادهم، ويُقرأ: (يُثمرُ سيئ الأحوال عوض سنيَّ الأحوال ) انتهى انظر (فتح الباري 2/368).
– وجاء في المدخل لابن الحاج المالكي الصوفي 3/98:
( فصلٌ ) وأشدُّ من فعلهم السّماع كونُ بعضهم يتعاطونه في المساجد؛ وقد تقدّم توقير السلف رضي الله عنهم للمساجد؛ كيف لا يكون ذلك وقد كانوا يكرهون رفع الصوت فيه ذكراً كان أو غيره.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رفع الصوت بالقراءة فيه، وبعضُ هؤلاء يفعلون السماع على ما هو عليه اليوم في المساجد ويرقصون فيها وعلى حُصُرِ الوقف ! انتهى
– وقال القاضي أبو بكر الطرطوشي في كتابه المسمى " النهي عن الأغاني ":
.. وبلغنا أنّ طائفة من إخواننا المسلمين؛ وفّقنا الله وإيّاهم؛ قد استزلّهم الشيطان واستهوى عقولهم في حبِّ الأغاني وسماع الطقطقة، واعتَقَدَتْه مِنَ الدِّين الذي يُقرّبهم من الله تعالى، وجاهرَت به جماعة المسلمين، وشاقّت به سبيل المؤمنين وخالفت العلماء والفقهاء وحمَلَةَ الدين: (( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ))[النساء:115] وقد سُئلَ مالك رحمه الله عمّا رخّص فيه أهلُ المدينة منَ الغناء.
فقال: إنّما يفعله عندنا الفسّاق، ونهى عن الغناء واستماعه. وأمّا أبو حنيفة رحمه الله فإنه يكره الغناء ويجعله من الذنوب، وكلّ ذلك مذهب أهل الكوفة سفيان وحمّاد وإبراهيم والشعبي لا اختلاف بينهم في ذلك، و لا نعلم أيضاً بين أهل البصرة خلافاً في كراهيّة ذلك والمنع منه.
وأمّا الشافعي رحمه الله فقال في كتاب القضاء: إنّ الغناء لهوٌ مكروه ويشبه الباطل والمحال.
وكان الشافعي يكره الطقطقة بالقضيب ويقول: وضعته الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن القرآن.
وهذه الطائفة -يعني الصوفية- مخالفة لجماعة المسلمين؛ لأنهم جعلوا الغناء ديناً ورأت إعلانه في المساجد والجوامع. انتهى المدخل 3/101
ـ وقد ذُكِرَ أنّ بعض الناس عمَلَ فتوى وكان ذلك في سنة (661 هجرية) ومشى بها على علماء المذاهب الأربعة:
ولفظها: ما تقول السادة الفقهاء أئمة الدين وعلماء المسلمين وفّقهم الله لطاعته وأعانهم على مرضاته، في جماعة من المسلمين وردوا إلى بلدٍ فقصدوا إلى المسجد وشَرَعوا يصفّقون ويُغنّون ويرقصون تارةً بالكفّ، وتارةً بالدّفوف والشبابة، فهل يجوز ذلك في المسجد شرعاً أفتونا مأجورين يرحمكم الله تعالى؟
فقالت الشافعيّة: السماع مكروه يشبه الباطل مَنْ قال به تُرَدُّ شهادته والله أعلم.
وقال المالكيّة: يجبُ على ولاة الأمور زجرهم وردعهم وإخراجهم من المساجد حتى يتوبوا ويرجعوا، والله أعلم.
وقالت الحنابلة: فاعلُ ذلك لا يُصلّى خلفه ولا تُقبل شهادته ولا يُقبل حكمه وإنْ كان حاكماً، وإنْ عُقِدَ النكاح على يده فهو فاسد، والله أعلم.
وقالت الحنفيّة: الحُصُرُ التي يُرقص عليها لا يُصلّى عليها حتى تُغسل، والأرضُ التي يُرقصُ عليها لا يُصلّى عليها حتى يحفر ترابها ويُرمى، والله أعلم. انتهى المدخل 3/99 .
ـ قال مالك في المدوّنة: " وأكره الإجارة على تعليم الشعر والنوح وعلى كتابة ذلك ".
قال عياض: معناه نوحُ المُتَصوِّفة وإنشادهم على طريق النوح والبكاء، فمن اعتقد في ذلك أنّه قُرْبة لله تعالى فهو ضالٌ مُضِلّ، وَلا يعْلَمُ المسكين أنّ الجنّة حُفّت بالمكاره، وأنّ النار حُفّت بالشهوات، والله تعالى لم يَبعَث أحداً منَ الأنبياء باللهو والرّاحة والغِناء، وإنّما بُعِثوا بالبِرِّ والتقوى وما يُخالف الهوى. قال تعالى: (( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ))[النازعات:40]. فالباطل خفيفٌ على النفوس، ولذلك خفّ في الميزان، والحقُّ ثقيلٌ، ولذلك ثَقُلَ في الميزان، قال تعالى: (( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ))[المزمل:5]
وكتب عبد العزيز بن محمد القيرواني حامداً الله ومصلياً على نبيّه المصطفى. انتهى .
ـ وجاء في المنظومة الطويلة البديعة للعلاّمة عبد الرحمن بن سعيد الأخضري المغربي (وكان شاذلياً) رحمه الله، هذه الأبيات التي يصفُ فيها الصوفية وغناءهم ورقصهم:
 

والرقصُ والصراخ والتصفيق عمداً بذكر الله لا يليق
وإنما المطلوبُ في الأذكارِ الذكرُ بالخُشوع والوقارِ
فقد رأينا فرقةً إنْ ذَكَروا تَبَدَّعوا وربّما قد كفروا
وفعلوا في الذكر فعلاً منكراً صعباً فجاهدهم جهاداً أكبرا
خلّوا من اسم الله حرف الهاء فألحدوا في أعظم الأسماء
لقد أتوا والله شيئاً إدّاً تخر منه الشامخات هداً
والألف المحذوف قبل الهاء قد أسقطوه وهو ذو إخفاء
وزعموا أن لهم أحوالاً وأنهم قد بلغوا الكمالا
والقوم لا يدرون ما الأحوال فكونها لمثلهم محال
حاشا بساط القدس والكمال تطؤه حوافر الجهال
والجاهلون كالحمير الموكفة والعارفون سادة مشرفة
وقال بعض السادة المتبعة في رجز يهجو به المبتدعة
ويذكرون الله بالتَّغْبِير ويشْطَحون الشَّطح كالحمير
وينبحون النبح كالكلاب طَريقُهم ليست على الصَّواب
وليس فيهم من فتى مطيع فلعنة الله على الجميعليه الصلاة والسلام
قد ادَّعوا مراتباً جليلة والشرع قد تجنَّبوا سبيله
قد نبذوا شرعة الرسولِ والقوم قد حادوا عن السبيلِ
لم يدخلوا دائرة الحقيقة كلا ولا دائرة الطريقة
لم يقتدوا بسيد الأنام فخرجوا عن ملَّة الإسلام
لم يدخلوا دائرة الشريعة وأولعوا ببدعٍ شنيعة
لم يعملوا بمقتضى الكتاب وسنَّةِ الهادي إلى الصَّواب
قد مَلَكَت قلوبَهم أوهام فالقوم إبليس لهم إمام

رابعاً: مذهب الحنابلة:
ـ جاء في كتاب المغني لابن قُدامة المقدسي الحنبلي ج14 / 159-160:
فصلٌ في الملاهي: وهي على ثلاثة أَضْرُبٍ؛ محرّم وضربٌ مباح وهو الدُّف فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف )) أخرجه مسلم.
وذكر أصحابنا وأصحاب الشافعي أنه مكروه في غير النكاح، لأنه يُروى عن عمر: ((أنه كان إذا سمع الدف بعث فنظر فإن كان في وليمة سكت وإن كان في غيرها عمد بالدِّرَّة ))([3]) .
وأمّا الضرب به أي: بالدف للرجال فمكروه على كل حال؛ لأنه إنما كان يَضْرِبُ به النساء والمخنثون المتشبهون بهن، ففي ضرب الرجال تشبه بالنساء وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء. انتهى
ـ وقد سُئل الإمام ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى:
ما تقول السادة الفقهاء أحسن الله توفيقهم فيمن يسمع الدف والشبابة والغناء ويتواجد، حتى إنه يرقص، هل يحل ذلك أم لا مع اعتقاده أنه محب لله، وأن سماعه وتواجده ورقصه في الله؟ وفي أي حال يحل الضرب بالدف هل هو مطلق، أو في حالة مخصوصة ؟. وهل يحل سماع الشعر بالألحان في الأماكن الشريفة، مثل المساجد وغيرها؟
فقال الإمام ابن قدامـة المقدسي رحمه الله: إن فاعل هذا مخطئ ساقط المروءة، والدائم على هذا الفعل مردود الشهادة في الشرع، غير مقبول القول، ومقتضى هذا أنه لا تقبل روايته لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شهادته برؤية هلال رمضان، ولا أخباره الدينية.
وأما اعتقاده محبة الله عز وجـل، فإنه يمكن أن يكون محباً لله سبحانه مطيعاً له في غير هذا، ويجوز أن يكون له معامـلة مع الله سبحـانه وأعمال صالحة في غير هذا المقام.
وأمّا هذا فمعصية ولعب، ذمّهُ الله تعالى ورسوله، وكرِهَهُ أهـلُ العلم، وسّموه: بدعة، ونهوا عن فعله، ولا يُتقرب إلى الله سبحانه بمعاصيه، ولا يُطـاع بارتكاب مناهيـه، ومن جعل وسيلته إلى الله سبحانه معصيته، كان حظه الطرد والإبعاد، ومن اتخذ اللهو واللعب ديناً، كان كمن سعى في الأرض فساداً، ومن طلب الوصول إلى الله سبحانه من غير طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته فهو بعيد من الوصول إلى المراد.
وقد روى أبو بكر الأثرم قال: سمعت أبا عبد الله – يعني: أحمد بن حنبل – يقول: " التغبير محـدث " ومـنه قـوم يغـبّرون بذكـر الله، أي: يهللون ويرددون الصوت بالقراءة ونحوها.
وقال أبو الحارث: سألت أبا عبد الله عن التغبير وقلت: إنه تَرِقُّ عليه القلوب. فقال: هو بدعــة. وروى غيره أنه كرهه ونهى عن إسماعه.
وقال الحسن بن عبد العزيز الجروي: سمعت الشافعي محمد بن إدريس يقول: " تركت بالعراق شيئاً يقال له: التغبير، أحدثته الزنادقة، يصدون الناس به عن القرآن ".
وقال يزيد بن هارون: " ما يُغَبِّر إلا فاسق، ومتى كان التغبــير ؟ ".
وقال عبد الله بن داود: " أرى أن يُضْرب صاحب التغبير ".
والتغبيرُ اسم لهذا السماع، وقد كرهه الأئمة كما ترى ولم ينضم إليه هـذه المكـروهات من الدفوف والشبابات، فكيف به إذا انضمت إليه واتخذوه ديناً ؟ فما أشبههم بالذين عابهم الله تعالى بقوله: وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية قيل المُكاء: التصفير، والتصدية: التصفيق. وقال الله سبحانه لنبيه: (( وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ))[الأنعام:70].
فأمـا تفصيل هذه المسموعات من الدف والشبابة وسماع كل واحد منهما منفرداً، فإن هذه جميعها من اللعب، فمن جعلـها دأبه أو اشتهر بفعلها أو استماعها أو قصدها في مواضعها أو قصد من أجلها فهو ساقط المروءة، ولا تقبل شهادته، ولا يعد من أهل العدالة، وكذلك الرقّاص.انتهى.
خامساً: أقوال أهل التصوف القدامى:
ـ وقال الجنيد رحمه الله:
" رأيتُ إبليس في النوم فقلتُ له: هل تظْفُر منْ أصحابنا بشيء أو تنال منهم نصيباً ؟
فقال إنه ليعسر عليَّ شأنهم ويعظم عليَّ أنْ أُصيبَ منهم شيئاً إلا في وقتين، وقتِ السماع، و عند النظر، فإني أنال منهم فتنة وأدخُلُ عليهم به ".
ـ وسُئل أبو علي الروذباري عن السماع، وكان من شيوخ الصوفيّة، فقال:
(ليتنا تخلّصنا منه رأساً برأس).
ـ وقال الجُنيد:
إذا رأيتَ المُريد يحبُّ السماع فاعلم أنّ فيه بقيّةً من البطالة.
ـ وقال أبو الحارث الأولاسي، وكان من الصوفية:
رأيتُ إبليس في المنام وكان على بعض السطوح في " أولاس" وعن يمينه جماعة وعن يساره جماعة وعليهم ثيابٌ نظيفة، فقال لطائفة منهم: قوموا وغنّوا فقاموا وغنّوا، فاستفزعني طيبه حتى هممتُ أن أطرحَ نفسي من السطح، ثمّ قال: ارقصوا فرقصوا بأطيبَ ما يكون، ثمّ قال: يا أبا الحارث ما أُصيبُ شيئاً أدخلُ به عليكم إلا هذا.
ـ وقال الجريري:
رأيتُ الجنيد رحمه الله في النوم فقلتُ كيف حالك يا أبا القاسم ؟ فقال: طاحت تلك الإشارات، وبادت تلك العبارات، وما نفعنا إلا تسبيحات كنّا نقولها بالغدوات. انتهى. المدخل لابن الحاج 3/ 109.
ـ فهذه فتاوى كبار العلماء من المذاهب الأربعة ومعها كلمات لبعض كبار رجالات التصوف وجميعهم متَّفِقُون على منع مجالس السماع ( الإنشاد )، وكذلك الرقص ( الحضرة ) وهي أشدُّ منعاً وبخاصّة في المساجد، وقد وصفوا ذلك بأنّه باطلٌ و مُنكر وضلال وتلاعبٌ بالدِّين وحكموا عليه بالحُرْمة، وحكموا على فاعل ذلك بأحكام منها فسْقُه وتبدِيعُه، وسقوط عدالته، ورفضُ شهادته، والنهي عن الصلاة خلفه، ثمّ أفتَوا بوجوب تدخُّل وليّ أمرِ المسلمين لمنع القائمين على هذه المجالس من فعلها وتأديبهم ومعاقبتهم، وكذلك وجوب الإنكار عليهم من أهل العلم. وصدق القائل:
 

يا عُصْبَةً ما ضَرَّ أُمَّةَ أحمد وسعى على إفسادها إلا هِي
طَارٌ ومِزْمارٌ ونغْمَةُ شادِنٍ أرَأيتَ قَـطُّ عِبادَةً بملاهِي ؟!

ولله درُّ القائل:
 

أقالَ اللهُ صَفِّقْ لي وغَنِّي وقُلْ نُكْرَاً وسَمِّ الرَّقْصَ ذِكْراً ؟!

أسألُ الله تعالى أن يهدينا إلى صراطه المستقيم، ويُجنّبَنا الزلَلَ في الدِّين، ويرْزُقَنا الصدق في النُّصح والتَّبيين، والحمدُ لله ربِّ العالمين.

([1]) جاء في لسان العرب: قال الأَزهري: وقد سَمَّوْا ما يُطَرِّبون فيه من الشِّعْر في ذكر الله تَغْبيراً، كأَنهم إذا تنَاشَدُوهُ بالأَلحان طَرَّبوا فَرَقَّصوا وأَرْهَجوا فسُمّوا مُغَبِّرة لهذا المعنى، قال الأَزهري: وروينا عن الشافعي رضي الله عنه أَنه قال: أَرى الزَّنادِقة وَضَعوا هذا التَّغْبِير ليَصُدّوا عن ذكر الله وقراءة القرآن.

([2]) انظر رسالة الرّهص والوقص لمستحلّ الرقص ( حُكم الحضرة في الإسلام ) للعلاّمة إبراهيم بن محمد الحلبي الحنفي 956هـ صاحب كتاب (ملتقى الأبحر) ص42، واليَلَب: هو سيور تلبس بمنزلة الدرع، وهو من أسماء الترس.

([3]) رواه عبد الرزاق في المصنّف 11/5.        منقول عن أحد المنتديات

تعليقات المستخدمين

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يمكنك قراءة

  • 08 ربيع الثاني 1445 هـ
    دورية أشلاء لإنقاذ الأشلاء

    دورية أشلاء لإنقاذ الأشلاء

  • 10 ربيع الأول 1442 هـ
    أساليب الحفظ في شنقيط

    أساليب الحفظ في شنقيط

  • 07 محرم 1443 هـ
    موقف أهل السنة من أهل البدع

    موقف أهل السنة من أهل البدع