علماء شنقيط (موريتانيا ) يحرمون إعانة الصليبين في الحرب على شمال مالي
28-10-2020 1843 مشاهدةعلماء موريتانيا يفتون بحرمة المشاركة في الحرب المالية
افتى 39 فقيها وعالم دين في موريتانيا بحرمة المشاركة في الحرب التي تشنها فرنسا ضد المسلمين في مالي واعتبروا ذلك ناقضا من نواقض الاسلام واعتبر العلماء في بيان اصدروه بانه يجب على المسلمين عموما وخصوصاً في هذه البلاد أن يصطفوا دروعاً دون إخوانهم، وألا يصل إليهم العدوُّ من جهتهم فضلاً عن أن يخذلوهم بإعانة العدوِّ عليهم.
واعتبر البيان الاستجابة لما يطلبه اليوم أعداء الدين من النصرة والتأييد في هذه الحرب امرا غير جائزا باي حال له لأن نصرة الكفار ضد المسلمين من أعظم أنواع الولاء للكفر وأهله. حسب البيان الذي جاء فيه ايضا ما نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
بيان حول حقيقة الحرب على المسلمين في شمال مالي
الحمد لله الذي حرم الظلم والعدوان، وأوجب العدل والتناصر بين الإخوان، فوسعت رحمته الأكوان، والصلاة والسلام على خير من عاف الضيم والهوان، وعلى آله وأصحابه خيرة الأعوان، ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الْمَلَوَان؛ أما بعد:
فيقول الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحُجُرات: 10].. ويقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "اَلْمُسْلِمُ أَخُو اَلْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ[1]…
إنه نظراً للحرب التي كشف عنها أعداء الدين أستارهم، وأنشبوا أظفارهم، والتي يستهدفون من خلالها احتلال شمال مالي المجاورة يجب على المسلمين – خصوصا في بلادنا – معرفة واجباتهم وتحمل مسؤولياتهم تجاه تلك الأرض وساكنيها.
إن هذه الحرب المنتظرة ليست سوى امتدادٍ لمسلسل الحملات الاستعمارية التي طالت الكثير من بلاد المسلمين، فزرعت في فلسطين خراباً ودماراً حصد المقدسات والحرمات، وجرحت أفغانستان جرحاً لا يزال ينزف، وخلفت في العراق لوعة ودموعاً لا تجف، وأشعلت في السودان والصومال حرباً ما زال يذكو وقودها، وجعلت من بلاد المسلمين روافد للدموع ومنابت للأحزان.
وهاهم أعداء الدين اليوم يشدون رحالهم لغزو هذه المنطقة، وفرض النظام العالمي الجديد فيها، وصدق الله:( وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ) [البقرة:217]..
إن ساكني هذه المنطقة مسلمون، وقد قال صلى الله عليه وسلم : انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا[2]… ، وقال صلى الله عليه وسلم : المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يُسْلِمُهُ. مَنْ كَانَ في حَاجَة أخِيه، كَانَ اللهُ في حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كرَبِ يَومِ القِيَامَةِ[3]…
قال ابن حزم رحمه الله بعد ذكر جملة من هذه الأحاديث ( فهذا أمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يسلم المرء أخاه المسلم لظلم ظالم، وأن يأخذ فوق يد كل ظالم، وأن ينصر كل مظلوم )[4] اهـ. فتجب إذا نصرة هؤلاء المسلمين بكل الوسائل المتاحة ولا يجوز التقاعس عنها أو التقصير فيها بحال، ذلك لأن الإسلام أعطى تصوراً جديداً للوشائج والروابط التي تربط بين الناس، فالمسلمون كالجسد الواحد، وكالبنيان المرصوص، وهم يد على من سواهم، لأن رابطتهم الإيمانية أقوى الروابط، ولا عبرة بعدها باختلاف لون أو عرق أو بلاد.
إن ما يطلبه اليوم أعداء الدين من النصرة والتأييد في هذه الحرب لا تجوز الاستجابة له بحال، لأن نصرة الكفار ضد المسلمين من أعظم أنواع الولاء للكفر وأهله، وهي من نواقض الإسلام الواضحة وضوح شمس الضحى. يقول سبحانه:(لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ)[آل عمران:28]. يقول الطبري رحمه الله: ( لا تتخذوا أيها المؤمنون الكفار ظهوراً وأنصاراً توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلونهم على عوراتهم، فإنه من يفعل ذلك فليس من الله في شيء، يعني فقد برئ من الله، وبرئ الله منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر[5]…) اهـ. وقال سبحانه: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ) [القصص:17]، قال القرطبي ( أي: عونا للكافرين[6]..). وفي تفسير القرطبي ما نصه: ( قال أشهب عن مالك: لا تجالسِ القدرية وعادهم في الله، لقوله تعالى:(لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) [المجادلة:22]. قلت – يعني القرطبي-: وفي معنى أهل القدر جميع أهل الظلم والعدوان[7]..) اهـ. وأي ظلم وعدوان أعظم مما تقوم به أمريكا وفرنسا وحلفاؤهما من نشر الكفر ومحاربة الإسلام والمسلمين، واحتلال بلدانهم وتدنيس شعائرهم، ونهب ثرواتهم.
وإن ما هو واقع اليوم من التخلي عن المسلمين، والميل إلى أعداء الدين لدليل على ما وصلت إليه الأمة من برودة الدين ورقة الإيمان. وما أروع ما نقله ابن مفلح عن أبي الوفاء ابن عقيل: ( إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زِحامِهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبَّيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة[8]…) اهـ.
وقد أفتى علماء المسلمين في نوازل مشابهة بمقتضى ما ذكرناه. فقد سئلت لجنة الفتوى بالأزهر عن مساعدة اليهود وإعانتهم في تحقيق مآربهم في فلسطين، فأجابت اللجنة برئاسة الشيخ عبد المجيد سليم في 14 شعبان 1366 هـ إجابةً جاء فيها: ( فالرجل الذي يحسب نفسه من جماعة المسلمين إذا أعان أعداءهم في شيء من هذه الآثام المنكرة وساعد عليها مباشرة أو بواسطة لا يعدُّ من أهل الإيمان ولا ينتظم في سلكهم…).
وأفتى محمد رشيد رضا أثناء الاحتلال الفرنسي بحرمة التجنس وردّة المتجنس بالجنسية الفرنسية، وقال: ( بل هو بهذا التجنس راضٍ ببذل ماله ونفسه في قتال المسلمين إذا دعته دولته إلى ذلك وهي تدعوه عند الحاجة قطعاً[9]…) اهـ. فتراه علل فتواه في التجنس بما يترتب عليه من قتال المسلمين واستحلال حرماتهم.
وقال الشيخ محدث الديار المصرية أحمد شاكر في فتوى له طويلة تحت عنوان: (بيان إلى الأمة المصرية خاصة، وإلى الأمة العربية والإسلامية عامة) في بيان حكم التعاون مع الانجليز بأي نوع من أنواع التعاون، قلّ أو كثر فهو الردّة الجامحة والكفر البواح، لا يُقبل فيه اعتذار، ولا ينفع معه تأوُّل، ولا ينجِّي من حكمه عصبية حمقاء، ولا سياسة خرقاء[10]…) اهـ.
أما مع إعلان الحرب على الإرهاب، وغزو أفغانستان والعراق فقد انهمرت الفتاوى رغم الحرب على المناهج، والتضييق على العلماء، ونكتفي بذكر جزء من فتوى الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البرّاك بتاريخ: 20-07-1422 هـ حيث قال: (فإن مما لا شك فيه أن إعلان أمريكا الحرب على حكومة طالبان في أفغانستان، ظلم وعدوان وحرب صليبية على الإسلام كما ذكر عن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. وأن تخلي الدول في العالم الإسلامي عن نصرتهم في هذا الموقف الحرج مصيبة عظيمة، فكيف بمناصرة الكفار عليهم، فإن ذلك من تولي الكافرين، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة:51]، وقد عدَّ العلماء مظاهرة الكفار على المسلمين من نواقض الإسلام لهذه الآية) اهـ.
إنه في هذا الظرف الحاسم يجب على المسلمين عموما وخصوصاً في هذه البلاد أن يصطفوا دروعاً دون إخوانهم، وألا يصل إليهم العدوُّ من جهتهم فضلاً عن أن يخذلوهم بإعانة العدوِّ عليهم.
أما العلماء وهم أهل الهمة، وأصحاب الأدوار المهمة، فواجبهم أكبر، ووظائفهم أكثر، إذ لا يليق بمنزلتهم السامقة الخلود إلى الأرض والاستسلام للروح الانهزامية في هذا الوقت، بل يجب عليهم أخذ زمام المبادرة، ورفع معنويات الأمة، وإحياء جذوة الأخوة الإيمانية في قلوب أبنائها، وإشاعة عقيدة الولاء والبراء، وفضح مخططات الأعداء، وقول ما يمليه الإيمان ويقتضيه العلم من الحق ونصرة الشريعة، وأقل ذلك في هذا الظرف الحاسم إصدار الفتاوى والبيانات المناهضة لهذه الحرب المرتقبة، والوقوف إلى جانب المسلمين.
والحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين.
حرر بتاريخ: 25 ذو الحجة 1433 هـ، الموافق: 10-11-2012 م.
الموقعون
1. الشيخ العلامة محمد محفوظ التاكنيتي، (إما م مسجد السوق).
2. الشيخ العلامة محمد محمود بن أحمد يوره، (المفتي سابقا).
3. الشيخ محمد الأمين بن الحسن، (إمام جامع الشرفاء).
4. الشيخ محمد سالم ولد محمد الأمين المجلسي.
5. الشيخ محمد صالح بن العباس، (إمام).
6. الشيخ سيد محمد ولد أحمد فال، (إمام وشيخ محظرة).
7. الشيخ محمد بن ادِّ.
8. الشيخ أحمد ولد الكوري، (إمام وشيخ محظرة).
9. الشيخ محمد الأمين ولد فال، (إمام جامع التوبة).
10. الشيخ محمد ولد الفقيه، (إمام جامع وشيخ محظرة السنة والكتاب).
11. الشيخ محمد الشيخ ولد محمد.
12. الشيخ محمد محفوظ ولد إدومو، (إمام جامع).
13. الشيخ محمد الأمين بن السالك.
14. الشيخ محمد فال ولد سيدي ولد محمد آب.
15. الشيخ الحسن ولد حبيّ.
16. الشيخ علي ولد امبي، (إمام جامع).
17. سيدي محمد ولد السالك، داعية.
18. أبو محمد مولاي الحسن السباعي الإدريسي، داعية.
19. حماه الله ولد حننَّ، (إمام جامع عبد الله بن المبارك).
20. الحسن ولد افطه، داعية.
21. بوي س، داعية.
22. الحضرامي ولد احمد ولد خطاري، داعية.
23. يحيى ولد امبارك، داعية.
24. شيخ باه، داعية.
25. الشيخ سيد ولد محمد احمد (إمام جامع البصرة).
26. الشيخ ولد مبارك، داعية.
27. الداه ولد عبد الله، داعية.
28. الشيخ محمد ولد محمدو (إمام جامع السنة).
29. يعقوب ولد عبد القادر، داعية.
30. مولاي الزين ولد ملاي سيدي، داعية.
31. الشيخ أحمد ولد ابراهيم.
32. أمين ولد سيد، داعية.
33. اطول عمرو ولد أحمد، داعية.
34. المختار ولد إنحي، داعية.
35. محمد عالي ولد سيد عالي، داعية.
36. يحيى ولد الفلالي، داعية.
37. الشيخ محمد محمود ولد السالك، (إمام مسجد الحكمة).
38. أحمد ولد الحسن، داعية.
39. الشيخ الدكتور محمد ولد أحمدُ، (الشاعر).
[1]الحديث أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ رقم: 2564.
[2] الحديث أخرجه البخاري رقم: 2263.
[3] الحديث متفق عليه.
[4] انظر المحلى م: 11،ص: 108 مسألة 2156.
[5] انظر تفسير الطبري م: 3، ص: 227.
[6] انظر تفسير القرطبي م: 13، ص:262.
[7] انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي م: 17، ص: 308.
[8] انظر الآداب الشرعية لابن مفلح م:1، ص: 255.
[9] انظر تفسير المنار م: 33، ص:266-267.
[10] انظر كلمة حق، ص: 126-137.
تعليقات المستخدمين
Subscribe
Login
0 تعليقات