صلاة المرأة في المسجد ووضع الحواجز بين الرجال والنساء
27-10-2020 1646 مشاهدةحكم صلاة المرأة في المسجد ووضع الحاجز بينهن وبين الرجال
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وصلى الله على نبيه وآله وصحبه :وبعد : فإنما بنيت المساجد لذكر الله والصلاة ، وليقصدها أبناء المجتمع الإسلامي رجالا ونساء ، ومن ثم فإنه يجوز للمرأة أن تذهب للصلاة في المساجد لتنال بذلك الأجر والفضل، وتحضر الموعظة وتتفقه في دين الله .فعَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلاَةَ الصُّبْحِ وَالعِشَاءِ فِي الجَمَاعَةِ فِي المَسْجِدِ، فَقِيلَ لَهَا: لِمَ تَخْرُجِينَ وَقَدْ تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيَغَارُ؟ قَالَتْ: وَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِي؟ قَالَ: يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» البخاري (900) ومسلم(136 – (442).
و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَلَكِنْ لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلَاتٌ” رواه أبوداود(565) والحديث حسن . والتفلات : أي تاركات للطيب، يريد: ليخرجن بمنزلة التفلات، والتفل: سوء الرائحة، يقال: امرأة تفلة: إذا لم تَطَيب.
والإماء جمع أمة وهي هنا المرأة أي لا تمنعوا النساء من دخول المساجد للصلاة.
و لما رواه ابْنَ عُمَرَ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ إِلَى الْمَسَاجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ ) . وفي رواية : ( لا تَمْنَعُوا النِّسَاءَ حُظُوظَهُنَّ مِنْ الْمَسَاجِدِ إِذَا اسْتَأْذَنكُمْ ) فَقَالَ بِلالٌ (هو ابن لعبد الله بن عمر) : وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ . فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ : أَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ أَنْتَ لَنَمْنَعُهُنَّ . رواهما مسلم .
وثبت أن زينب الثقفية كانت تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْعِشَاءَ فَلَا تَطَيَّبْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ) . وفي رواية : ( إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلا تَمَسَّ طِيبًا ) رواهما مسلم في صحيحه .
وثبت في الأحاديث الصحيحة أن نساء الصحابة كنّ يحضرن صلاة الفجر جماعة متلفعات بمروطهنّ (أي ساترات وجوههن بأكسيتهن ) ما يعرفهن أحد من الناس .
وثبت أن عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قالت : أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ: ” لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ” قَالَ: فَقُلْتُ لِعَمْرَةَ: أَنِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُنِعْنَ الْمَسْجِدَ؟ قَالَتْ: ” نَعَمْ ” . رواه مسلم في صحيحه .
فهذه النصوص تدل دلالة واضحة على أن المرأة المسلمة إذا التزمت آداب الإسلام في ملابسها وتجنبت ما يثير الفتنة ويستميل نفوس ضعفاء الإيمان من أنواع الزينة المغرية ، لا تمنع من الصلاة في المساجد، وأنها إذا كانت على حالة تغري بها أهل الشر وتفتن من في قلبه ريب منعت من دخول المساجد ، بل تمنع من الخروج من بيتها ومن حضور المجامع العامة اهـ . قال الإمام النووي رحمه الله تعالى :” (باب خروج النساء إلى المساجد)(إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة) قوله صلى الله عليه وسلم (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) هذا وشبهه من أحاديث الباب ظاهر في أنها لا تمنع المسجد لكن بشروط ذكرها العلماء مأخوذة من الأحاديث وهو أن لا تكون متطيبة ولا متزينة ولا ذات خلاخل يسمع صوتها ولا ثياب فاخرة ولا مختلطة بالرجال ولا شابة ونحوها ممن يفتتن بها وأن لا يكون في الطريق ما يخاف به مفسدة ونحوها وهذا النهي عن منعهن من الخروج محمول على كراهة التنزيه إذا كانت المرأة ذات زوج أو سيد ووجدت الشروط المذكورة فإن لم يكن لها زوج ولا سيد حرم المنع إذا وجدت الشروط.(شرح النووي على مسلم (4/ 163).
وجمع الشيخ بكر أبو زيد في كتابه “حراسة الفضيلة” (ص86) شروط خروج المرأة إلى المسجد فقال :
“إذن للمرأة بالخروج للمسجد وفق الأحكام الآتية :
-1أن تؤمن الفتنة بها وعليها .
2- أن لا يترتب على حضورها محذور شرعي .
– 3أن لا تزاحم الرجال في الطريق ولا في الجامع .
4– أن تخرج تَفِلَة . أي : غير متطيبة .
5- أن تخرج متحجبة غير متبرجة بزينة .
6– إفراد باب خاص للنساء في المساجد ، يكون دخولها وخروجها منه ، كما ثبت الحديث بذلك في سنن أبي داود وغيره .
7- – تكون صفوف النساء خلف الرجال .
8- – خير صفوف النساء آخرها بخلاف الرجال .
9- – إذا ناب الإمام شيء في صلاته سبح رجل ، وصفقت امرأة .
10- تخرج النساء من المسجد قبل الرجال ، وعلى الرجال الانتظار حتى انصرافهن إلى دورهن ، كما في حديث أم سلمة رضي الله عنها في صحيح البخاري وغيره” قلت : ـ وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ وَمَنْ صَلَّى مِنَ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ قَامَ الرِّجَالُ”.
وقد جمع تلك الشروط شيخ شيوخنا العلامة المحدث محمد بن أبي مدين الشنقيطي في نظم جميل فقال :
قد صحّ عن نبيِّنا الأوّاه |
|
لاتمنعوا المسجد آم الله |
أين تصلي المرأة في المسجد ؟:
إنّ موضع المرأة في صلاتها هو أن تكون خلف صفوف الرجال والأطفال ، لأنّ المرأة عورة ولايحلّ لها أن تتقدّم أمام الرجل في الصلاة ، وقد كانت نساء بني إسرائيل يصلين مع الرجال في الصفوف الآخرة ، وبدا من بعضهن تطاول للرّجال فألقي عليهنّ الحيض أكثر من المدة التي كانت من قبل عقوبة لهن من الباري سبحانه ، وقد بوب البخاري بَابُ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الحَيْضِ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ»، وأشار فيه إلى حديث ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُصَلُّونَ جَمِيعًا، فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ لَهَا الْخَلِيلُ تَلْبَسُ الْقَالَبَيْنِ تَطَوَّلُ بِهِمَا لِخَلِيلِهَا، فَأُلْقِيَ عَلَيْهِنَّ الْحَيْضُ، فَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: «أَخِّرُوهُنَّ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ»، فَقُلْنَا لِأَبِي بَكْرٍ: مَا الْقَالَبَيْنِ؟ قَالَ: «رَفِيصَيْنِ مِنْ خَشَبٍ».رواه ابن خزيمة (1700)، وعبد الرزاق في مصنفه ( 5115, والطبراني (ج9/ص296 ح9485) , وقال الألباني في : إسناده صحيح موقوف . قال الحافظ : وإن كان موقوفا فحكمه حكم الرفع(الفتح: 2/350).
وقد ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها. رواه مسلم.
وقد ذكر العلماء أن المراد بالحديث صفوف النساء اللواتي يصلين مع الرجال في مسجد واحد، كما كان الحال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون شرّها أوّلها لقربهنّ من الرجال، وخيرها آخرها لبعدهنّ عنهم، وأما إذا كان النساء يصلين في مكان ليس فيه رجال أو مفصول عن مسجد الرجال فصفوفهنّ كصفوف الرّجال خيرها أوّلها وشرّها آخرها، قال الإمام النووي: فالمراد بالحديث صفوف النساء اللواتي يصلين مع الرجال، وأما إذا صلين متميزات لا مع الرجال فهنّ كالرجال خير صفوفهن أولها وشرها آخرها، والمراد بشر الصفوف في الرجال والنساء أقلّها ثواباً، وفضلاً، وأبعدها عن مطلوب الشرع، وخيرها بعكسه… شرح النووي على مسلم. 4/159).
والمرأة كلّما صلّت بعيدة عن الرجال فهو خير لها ، فإن صلّت في بيتها فذلك أعظم أجرا حتى من صلاتها خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن عبد الله أن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا” رواه أبوداود (570) صحيح .
و عن ابن عمر بلفظ “لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن ” أخرجه أبو داود وصححه بن خزيمة ، ولأحمد والطبراني من حديث أم حميد الساعدية أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني أحب الصّلاة معك قال قد علمت وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك ،وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك ،وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجد الجماعة “وإسناد أحمد حسن.
هل لابدّ في التأخير من وضع حاجز بين النساء والرجال أم يكفي أن يكن خلف الصفوف:
لا يجب وضع حاجز بين صفوف الرّجال وصفوف النساء في المسجد، فقد كانت النساء يصلين خلف الرجال في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عهده وبعده دون أن يكون بين صفوفهم حاجز. وقد ذكرت لك قول النووي رحمه الله: وفيه …، وإنمّا فضل آخر صفوف النّساء الحاضرات مع الرّجال لبعدهنّ من مخالطة الرجال ورؤيتهم، وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك، وذمّ أول صفوفهن لعكس ذلك. اهـ.
وعليه، فلا حرج في صلاتهن خلف الرجال بلا حاجز ما لم تترتب على ذلك مفسدة، فحينها لا بد من الحاجز دفعا لهذه الفتنة، لأنّ الاختلاط المؤدي إلى الفتنة، وما ينشأ عن ذلك من آثار سيئة وعواقب مدمرة، محرّم شرعا ، وفي قواعد الشرع أن سد الذريعة المؤدية إلى المحرم واجبة .
وخلاصة القول : إذا التزم الرجال والنساء الشرع ،فغض الرجال والنساء أبصار بعضهم عن بعض ، وخرجت النساء ملتزمات بالشروط الآنفة الذكر وصلوا في مسجد لاحاجز بينهن إلا حاجز الإيمان ومراقبة الرحمان فلا حرج أن تصلي النّساء خلف الرجال بحيث يكون بينهم مسافة معتبرة تؤدي إلى زوال المحظور شرعا .
أما إذا ضعف حاجز الإيمان ومراقبة الله فيجب وضع الحاجز حفاظا على ماتبقى من حرمة المساجد وتعظيمهن .
والذي يظهر لي أن جواز ذهاب النّساء إلى المساجد الأفضل أن يكون بالغلس وهو وقت اختلاط الظلام بالليل في صلاتي الصبح والعشاء وهوالذي بوّب له البخاري رحمه الله تعالى بقوله :” باب خروج النساء إلى المساجد بالليل والغلس” ، وجاء في لفظ عنه عليه الصلاة السلام: (إذا استأذنكم بالليل) البخاري (209)، إلا في العيدين والصلوات الجامعة كالكسوف والاستسقاء ونحوهما .
قال ابن بطال رحمه الله تعالى : ” فيه دليل أن النهار يخالف الليل؛ لنصه على الليل، وهذا الحديث يقضى على قوله: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) . قال مالك: إنه بلغه عن ابن عمر، عن نبى الله فكأنه قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) ، يعنى: فى الليل، والغلس فيه معنى الليل، ألا ترى قول عائشة ما يعرفن من الغلس)( شرح البخاري لابن بطال (2/ 470).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : (قوله باب خروج النساء إلى المساجد بالليل والغلس)
أورد فيه ستة أحاديث تقدم الكلام عليها إلا الثاني والأخير وبعضها مطلق في الزمان وبعضها مقيد بالليل أو الغلس فحمل المطلق في الترجمة على المقيد… ثم قال : كأن اختصاص الليل بذلك لكونه أستر ولا يخفى أن محلّ ذلك إذا أمنت المفسدة منهن وعليهن “.فتح الباري (2/ 347).
ويجب تخصيص باب للنساء حتى لايختلطن في دخولهن وخروجهن بالرجال :
فقدروى أبو داود الطيالسي في سننه وغيره، عن نافع عن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمّا بنى المسجد جعل باباً للنساء وقال: “لا يلج من هذا الباب من الرجال أحد“، وروى البخاري في [التاريخ الكبير] له، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تدخلوا المسجد من باب النساء“. ووجه الدلالة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع اختلاط الرجال بالنساء في أبواب المساجد دخولاً وخروجاً، ومنع أصل اشتراكهما في أبواب المسجد؛ وفيه سدّ لذريعة الاختلاط، فإذا منع الاختلاط في هذه الحالة ففيما سوى ذلك من باب أولى.
هذا ماتيسر إيضاحه في هذه العجالة والله الموفق
وكتب أبو سليمان مختار بن العربي مؤمن الجزائري ثم الشنقيطي يوم الجمعة 7صفر 1437الموافق ل20نوفمبر 2015 . الدوحة – قطر