المرء على دين خليله
28-10-2020 1368 مشاهدة
المرء على دين خليله
محاضرة من إعداد : أبي سليمان المختار بن العربي مؤمن الجزائري ثم الشنقيطي
تاريخ : الثلاثاء : 22/ذوالحجة 1433 الموافق: لـ : 6/11/2012
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي اتخذ محمدا خليلا ، والصلاة والسلام على القائل : ((المرءُ على دِين خَليله، فلينظُرْ أحدُكم مَن يُخالِل)) رواه أحمد في "المسند" 2/303، 334، وأبو داود (4833)، والترمذي (2378)، والحاكم 4/171.
إن من طبيعة الإنسان أنه كائن اجتماعي يحب المؤانسة والصداقة ، والخلطة الذواقة ، والخلة الدائمة العلاقة ،ولذلك كان الإسلام مهتما بعبادة المؤاخاة فيه وجعلها من كمال الإيمان فقد قال رسول اله صلى الله عليه وسلم " من أحبَّ لله ، وأبغض لله ، وأعطى لله ،ومنع لله فقد استكمل الإيمان " أخرجه أحمد 3/438(15702) وأبو داود (4681) و"التِّرمِذي"2521..
وكان من أسس دولة الإسلام الأولى بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار حتى صارت في أرقى صورها وأجمل معانيها ووصلت إلى درجة الإرث بينهما ، وعزم بعضهم على أن يتنازل عن زوجته بعد طلاقها ورغبة الأخ فيها لتكون شريكة لأخيه بعد عشرته معها ، بل وتنازل الأخ لأخيه عن نصف ماله ، وجعله كحاله ، فأي معان سامية وصلتها تلك الأخوة الربانية التي طغت عن أخوة النسب والحسب والوطن والنشب ، وكانت من الأنصار حبا وإيثارا ، ومن المهاجرين عفة وشعارا .
التمسك بالصحبة الصالحة :
ولم يترك ديننا الحنيف المسلمَ مجهول المعالم والأسباب التي يتخذها في سبيل شراكة الأخوة الدائمة باعتبارها جزءا من عقيدته وعبادة من عباداته لربه ، بل رسم لها المعالم والحدود ، فأمر باختيار الأخ المؤمن التقي الصادق ، وأمره بالصبر والمرابطة معه في خندق بناء الأخوة الصادقة التي تريد وجه الله لاغيره ، فقال تعالى : ] وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) [ [الكهف]؛ وقال سبحانه ] يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين … [ [التوبة ].
التحذير من الخلة السيئة وحسن عقبى المتقين :
قال جل في علاه موجها المؤمن إلى النظر في عاقبة الصحبة الطيبة ،و محذرا من عاقبة الخُلة السيئة ، (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) ) [الزخرف ] ، قال أهل التفسير : {الأَخِلاَّءُ} أي الأصدقاء في الدنيا؛ المجتمعون فيها على الكفر والمعاصي، المكبون على الآثام {يَوْمَئِذٍ} أي يوم القيامة يكون {بَعْضَهُمْ} رغم المحبة والصداقة في الدنيا {لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} الذين تحابوا فيالله، واجتمعوا على عبادته ومرضاته؛ فإنهم سعداء بحبهم وصداقتهم؛ يقال لهم {يعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} فقد انقطع الخوف، وزال الحزن؛ ولم يبق لكم سوى الأمن والسرور( أوضح التفاسير ].
مشاهد يوم القيامة لأصدقاء السوء :
إن الصداقة يقوم بناؤها عند العقلاء على ماتؤول إليه ، فكم من أصدقاء في الدنيا على الدنيا تقاطعوا وتقاتلوا وجفا بعضهم بعضا ، وكم من أخ أحبّ أخا له في الله فلما مات أخوه ضل أخوه حزين الدهر يترقب القدوم عليه في نعيم مقيم .
ولاتنفع في الآخرة إلا صداقة الصالحين فإنهم هم الذين يشفعون لإخوانهم إذا قصرت بهم أعمالهم عن دخول الجنة أو نزلت درجتهم عنهم فيشفعون لهم ولذلك تحسر أهل النار أن لم يكن لهم أخ حميم يشفع لهم قال تعالى : قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) )[الشعراء ]. قال في التسهيل : حَمِيمٍ : أي خالص الودّ، قال الزمخشري: جمع الشفعاء ووحد الصديق لكثرة الشفعاء في العادة، وقلة الأصدقاء.
وقال تعالى : " يصف ندم الصاحب الآسف عن الساحب له إلى سقر (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)[ الفرقان ] ).
يقول سيد قطب رحمه الله تعالى :
ثم يعرض مشهدا من مشاهد ذلك اليوم، يصور ندم الظالمين الضالين. يعرضه عرضا طويلا مديدا، يخيل للسامع أنه لن ينتهي ولن يبرح مشهد الظالم يعض على يديه من الندم والأسف والأسى:
»وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ: يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا. يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا. لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا« ..
ويصمت كل شيء من حوله ويروح يمد في صوته المتحسر، ونبراته الأسيفة والإيقاع الممدود يزيد الموقف طولا ويزيد أثره عمقا. حتى ليكاد القارئ للآيات والسامع يشاركان في الندم والأسف والأسى! «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ» .. فلا تكفيه يد واحدة يعض عليها. إنما هو يداول بين هذه وتلك، أو يجمع بينهما لشدة ما يعانيه من الندم اللاذع المتمثل في عضه على اليدين. وهي حركة معهودة يرمز بها إلى حالة نفسية فيجسمها تجسيما.
«يَقُولُ: يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا» .. فسلكت طريقه، لم أفارقه، ولم أضل عنه.. الرسول الذي كان ينكر رسالته ويستبعد أن يبعثه الله رسولا! «يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا» .. فلانا بهذا التجهيل ليشمل كل صاحب سوء يصد عن سبيل الرسول ويضل عن ذكر الله .. «لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي» .. لقد كان شيطانا يضل، أو كان عونا للشيطان «وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا» يقوده إلى مواقف الخذلان، ويخذله عند الجد، وفي مواقف الهول والكرب اهـ.
تذكر بعض الروايات في سبب نزول هذه الآيات، أن عقبة بن أبي معيط كان يكثر من مجالسة النبي- صلّى الله عليه وسلّم- فدعاه إلى ضيافته، فأبى أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادتين، ففعل. وكان أبي بن خلف صديقه فعاتبه، وقال له: صبأت. فقال: لا والله ولكن أبى أن يأكل من طعامي وهو في بيتي فاستحييت منه فشهدت له فقال: لا أرضى منك إلا أن تأتيه، فتطأ قفاه وتبزق في وجهه.
فوجده ساجدا في دار الندوة ففعل ذلك. فقال له النبي- صلّى الله عليه وسلّم- «لا ألقاك خارج مكة إلا علوت رأسك بالسيف» فأسر يوم بدر فأمر عليا فقتله.
مشهد آخر :
هؤلاء عباد الله المخلصون – بعد ما يسرت لهم كل ألوان المتاع- ينعمون بسمر هادئ، يتذاكرون فيه الماضي والحاضر- وذلك في مقابل التخاصم والتلاحي الذي يقع بين المجرمين في أول المشهد- وإذا أحدهم يستعيد ماضيه، ويقص على إخوانه طرفا مما وقع له:
»قال قائل منهم: إني كان لي قرين. يقول: أإنك لمن المصدقين. أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمدينون؟ «..[الصافات ]
لقد كان صاحبه وقرينه ذاك يكذب باليوم الآخر، ويسائله في دهشة: أهو من المصدقين بأنهم مبعوثون فمحاسبون بعد إذ هم تراب وعظام؟! وبينما هو ماض في قصته يعرضها في سمره مع إخوانه، يخطر له أن يتفقد صاحبه وقرينه ذاك ليعرف مصيره.
وهو يعرف بطبيعة الحال أنه قد صار إلى الجحيم. فيتطلع ويدعو إخوانه إلى التطلع معه:
قال: «هل أنتم مطلعون؟ فاطلع فرآه في سواء الجحيم"
عندئذ يتوجه إلى قرينه الذي وجده في وسط الجحيم. يتوجه إليه ليقول له: يا هذا. لقد كدت توردني موارد الردى بوسوستك. لولا أن الله قد أنعم علي، فعصمني من الاستماع إليك:
»قال: تالله إن كدت لتردين. ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين .. «
أي لكنت من الذين يساقون إلى الموقف وهم كارهون.
وتثير رؤيته لقرينه في سواء الجحيم شعوره بجزالة النعمة التي نالها هو وإخوانه من عباد الله المخلصين. فيحب أن يؤكدها ويستعرضها، ويطمئن إلى دوامها، تلذذا بها وزيادة في المتاع بها فيقول:
«أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى؟ وما نحن بمعذبين؟ إن هذا لهو الفوز العظيم» .
ذاك هو كتاب الله يحثنا على الصداقة الطيبة وهذا رسولنا الكريم الرؤوف الرحيم بنا يمثل لنا الصداقة الصالحة وأثرها على المسلم ، والصداقة الفاسدة وأثرها على المرء أيضا فقال صلى الله عليه وسلم تصوير فني رائع : " ((إنَّما مَثَلُ الجليس الصالِح وجليس السُّوء كحامِلِ المِسْكِ ونافِخِ الكِير، فحامِلُ المسك: إمَّا أن يُحذيَكَ (أي يعطيك ) ، وإمَّا أن تبتاعَ منه، وإمَّا أن تجدَ منه رِيحًا طيِّبة، ونافخُ الكِير: إمَّا أن يحرِقَ ثوبَكَ، وإمَّا أن تجدَ منه رِيحًا مُنْتِنَة))[1]. متفق عليه؛ البخاري (2101)، ومسلم (2628)، عن أبي موسى الأشعريِّ – رضي الله عنه ، وأحمد 4/405.
ماهو سر مشاكلة الأصدقاء بعضهم لبعض :
اعلم أنه لن يتشاكل اثنان إلا لوجود صفات مشتركة ، فخلق الصاحب دليلًا على خلق صاحبه، فلولا شبه خلقهما لما تصاحبا:
فقد أخرج البخاري عن عائشة ، ومسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وماتناكر منها اختلف» خرجه أحمد 2/295(7922) و"البُخاري" في "الأدب المفرد" 901 ) وفي الصحيح معلقا . و"مسلم" 6801.
نقل الحافظ ابن حجر في كتابه «فتح الباري» عن الخطابي قوله: «يحتمل أن يكون إشارةً إلى معنى التشاكل في الخير والشر ، والصلاح والفساد، وأن الخَيِّر من النَّاس يحِنُّ إلى شكله، والشِّرِير نظير ذلك؛ يميل إلى نظيره، فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير وشر».
ونقل عن ابن الجوزي قوله: «ويستفاد من هذا الحديث أن الإنسان إذا وجد من نفسه نفرةً ممن له فضيلة أو صلاح فينبغي أن يبحث عن المقتضى ليسعى في إزالته حتى يتخلص من الوصف المذموم، وكذلك القول في عكسه».
ولذلك تجد كل صنف يشابه صنفه في كل تصرفاته وإن لم يكن بمنزلته يقول أبو حيان التوحيدي في رسالته الصداقة والصديق .
فأما الملوك فقد جلوا عن الصداقة، ولذلك لا تصح لهم أحكامها، ولا توفي بعهودها، وإنما أمورهم جارية على القدرة، والقهر، والهوى، والشائق، والاستحلاء، والاستخفاف، وأما خدمهم وأولياؤهم فعلى غاية الشبه بهم، ونهاية المشاكلة لهم، لانتشابهم بهم، وانتسابهم إليهم، وولوع طورهم بما يصدر عنهم، ويرد عليهم" اهـ.
من أقوال السلف والحكماء في الصداقة :
قال عمر رضي الله عنه : عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم فإنهم زينة في الرخاء وعدة في البلاء وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يجيئك ما يغلبك منه واعتزل عدوك واحذر صديقك إلا الأمين من القوم ولا أمين إلا من خشي الله فلا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره ولا تطلعه على سرك واستشر في أمرك الذين يخشون الله تعالى" .
وقال علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
إِنَّ أَخَاكَ الْحَقَّ مَنْ كَانَ مَعَكَ … وَمَنْ يَضُرُّ نَفْسَهُ لِيَنْفَعَكَ
وَمَنْ إِذَا رَيْبُ زَمَانٍ صَدَّعَكَ … شَتَّتَ فِيهِ شمله ليجمعك
(وقيل : ثلاثة من المستحيلات : الغول ، والعنقاء ، والخل الوفي )
وقال الأوزاعي : الصاحب للصاحب كالرقعة للثوب إن لم تكن مثله شانته ".
وقال لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه : يابني إياك وصاحب السوء فإنه كالسيف المسلول يعجبك منظره ،ويقبح أثره ، يابني : ثلاثة لايعرفون إلا في ثلاث، لا يعرف الشجاع إلا في الحرب، ولا الحليم إلا عند الغضب، ولا الصديق إلا عند الحاجة ".
قال صالح بن عبدالقدُّوس:
وَاحْذَرْ مُعاشَرَةَ الدَّنِيِّ فإِنَّها تُعْدِي كَما يُعْدِي الصَّحِيحَ الأَجْرَبُ يَلقاكَ يَحْلِفُ أَنَّهُ بِكَ واثِقٌ وإِذا تَوارَى عَنْكَ فَهْوَ العَقْــرَبُ |
المواصفات المثلى في اختيار الصديق(باختصار ) :
1- أن تكون محبَّتُه له في الله، حتى يفوزَ بأن يكون يومَ القيامة في ظلِّ الله؛ عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنه قال: ((سَبعةٌ يُظلُّهُم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلاَّ ظلُّه: الإمامُ العادل، وشابٌّ نشَأَ في عبادة ربِّه، ورجلٌ قلبه معلَّق في المساجد، ورجُلانِ تحابَّا في الله؛ اجتمعَا عليه، وتفرَّقا عليه، ورجلٌ طلبتْه امرأةٌ ذات منصبٍ وجمال، فقال: إني أخافُ الله، ورجلٌ تَصدَّق بصَدقة، فأخفاها حتى لا تعلمَ شِمالُه ما تُنفِق يمينُه، ورجل ذَكَر الله خاليًا، ففاضَتْ عيناه)) متفق عليه؛ البخاري (660)، ومسلم (1031)، وأحمد 2/439، ومالك 2/955.. وعن أنس – رضي الله عنه – عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنَّه قال: ((ثلاثةٌ مَن كُنَّ فيه ذاقَ حلاوةَ الإيمان: أن يكون اللهُ ورسولُه أَحبَّ إليه مما سِواهما، وأن يُحبَّ المرءَ لا يحبُّه إلا لله، وأن يكرهَ أن يعودَ في الكُفْر كما يكرَهُ أن يُقذَفَ في النار)) متفق عليه؛ البخاري (21)، ومسلم (43).
2- أن تكون محبَّتُه له في الله، حتى يفوزَ بأن يكون يومَ القيامة في ظلِّ الله؛ عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنه قال: ((سَبعةٌ يُظلُّهُم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلاَّ ظلُّه: الإمامُ العادل، وشابٌّ نشَأَ في عبادة ربِّه، ورجلٌ قلبه معلَّق في المساجد، ورجُلانِ تحابَّا في الله؛ اجتمعَا عليه، وتفرَّقا عليه، ورجلٌ طلبتْه امرأةٌ ذات منصبٍ وجمال، فقال: إني أخافُ الله، ورجلٌ تَصدَّق بصَدقة، فأخفاها حتى لا تعلمَ شِمالُه ما تُنفِق يمينُه، ورجل ذَكَر الله خاليًا، ففاضَتْ عيناه)) متفق عليه؛ البخاري (660)، ومسلم (1031)، وأحمد 2/439، ومالك 2/955..
3- أن يكون هو أنت وأنت هو ( خرج طلحة بكتاب من عند أبي بكر t إلى عمر t ليمضيه فامتنع عمر ، فرجع طلحة لأبي بكر وقال له مأدري أأنت الخليفة أم عمر فقال أبوبكر : بل عمر لكنه أنا "
قالوا الصديق من صدق في وده ومامذق
وقيل من لايطــعنا في قـوله أنت أنا
وقيل لفظ لايــرى معناه في هذا الورى
4- أن يكون ذا دين واستقامة ، ((الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين )) وقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا تُصاحِبْ إلاَّ مؤمنًا، ولا يأكُل طعامَك إلاَّ تقيٌّ) رواه أبو داود (4832)، والترمذي (2395). قال بعض السلف : اصطف من الإخوان ذا الدين والحسب والرأي والأدب فإنه ردء لك عند حاجتك ، ويد عند نائبتك ، وأنس عند وحشتك ".
5- أن يكون عاقلا : فصداقة الأحمق هلكة وضياع وفي ذلك قصة الدب مع صديقه معروفة .
المَرءُ يَجمَعُ والزَّمانُ يُفَرِّقُ ويَظَلُّ يَرْقَعُ والخُطُوبُ تُمَزِّقُ
ولَأَنْ يُعادِيَ عَاقِلاً خَيْرٌ لَهُ مِن أَنْ يَكُونَ لَهُ صَدِيقٌ أَحْمَقُ
فَارْغَبْ بنَفْسِكَ لا تُصادِقْ أَحْمَقًا إِنَّ الصَّدِيقَ عَلى الصَّدِيقِ مصَدِّقُ
6- أن يكون محتملا لزلاَّتِ صاحبه، ويعفو عنه، قال أبو تمام:
مَن لي بِإِنسانٍ إِذا أَغْضَبْتـُهُ وجَهِلْتُ كانَ الحِلْمُ رَدَّ جَوابِهِ وتَراهُ يُصْغِي لِلحَدِيثِ بِسَمْعِهِ وبِقَلْبِهِ ولَعَلَّـــهُ أدْرَى بِهِ |
7- أن يكونَ معتدلاً في محبَّته، وثِقته ومواصلته؛ قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((أَحْبِبْ حبيبَكَ هَونًا ما، عسى أن يكونَ بغيضَك يومًا ما، وأبْغِضْ بغيضَكَ هَونًا ما، عَسى أن يكونَ حبيبَكَ يومًا ما)) رواه الترمذي (1997)..
8- ألاَّ يكثر عليه في الزِّيارة، فقد ورَدَ: أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((زُرْ غِبًّا تَزدَدْ حُبًّا)) رواه الحاكم في "المستدرك" 3/347، وأبو نعيم في "الحلية" 3/322، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع الصغير".
ما حق الصداقة :
1- صفاء المودة
2- حفظ العهود والوفاء لهم
3- المعاملة بالصدق
4- الصحبة بالخلق الحسن والعدل والإنصاف
5- أن تلقاهم بالبشر والفرح
6- أن تشاركهم أفراحهم وأتراحهم
7- ان تمدحهم في غيبتهم وتذب عنهم قالة السوء
8- النصيحة لهم في السر والعلانية
9- لاتصدق من يحمل لك عنه قالة الشر والنميمة
10- احمل كلامهم على أحسن المحامل
11- التماس الأعذار لهم
12- صلتهم عند الهجر ، وطاعتهم في الأمر ،
13- زيارتهم
14- ضيافتهم
15- الهدية لهم
16- تفقد أحوالهم وأولادهم .
17- أشعره أنك تحبه في الله
من الآداب التي تُراعى مع الصديق:
ما ذكره بشَّار في الأبيات الآتية:
إِذا كُنتَ في كُلِّ الأُمُورِ مُعاتِبًا صَدِيقَكَ لم تَلْقَ الَّذِي لا تُعاتِبُهْ فَعِشْ واحِدًا أو صِلْ أَخاكَ فَإِنَّهُ مُقارِفُ ذَنْبٍ مَرَّةً ومُجانِبُهْ إِذا أنتَ لم تَشرَبْ مِرارًا عَلى القَذى ظَمِئْتَ وأيُّ النَّاسِ تَصْفُو مَشارِبُهْ ومَن ذا الَّذِي تُرْضى سَجاياهُ كُلُّها كَفى المَرْءَ نُبْلاً أنْ تُعَدَّ مَعايِبُهْ |
وقال النابغة: ولَستَ بِمُسْتَبْقٍ أَخًا لا تَلُمُّهُ على شَعَثٍ أَيُّ الرِّجَالِ المُهَذَّبُ |
وقال آخر:
هُمُ النَّاسُ والدُّنيا ولا بُدَّ مِن قَذًى يَلُمُّ بِعَيْنٍ أو يُكَدِّرُ مَشْرَبا ومِن قِلَّةِ الإِنْصافِ أَنَّكَ تَبتَغِي صَدِيقًا مُهَذَّبًا ولَستَ المُهَذَّبا |
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
محبكم وخادمكم ابن العربي الحسني
نسعــــــــــــــــــــــــــــــد بتعليقاتكم