اللهم بلغنا رمضان وتقبله منا
27-10-2020 1293 مشاهدة
بسم الله الرحمن الرحيم
بين يدي رمضان
الآية " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة علاضها السموات والأرض أعدت للمتقين "
الحديث : «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تُنْظَرُونَ إِلَّا إِلَى فَقْرٍ مُنْسٍ، أَوْ غِنًى مُطْغٍ، أَوْ مَرَضٍ مُفْسِدٍ، أَوْ هَرَمٍ مُفَنِّدٍ، أَوْ مَوْتٍ مُجْهِزٍ، أَوِ الدَّجَّالِ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةِ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ» رواه الترمذي وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ[2306].
أعظم ماتستقبل به الأمة رمضان :
إن أعظم مايوصل لمرضاة الله تعالى هو إسلام العبد وجهه لله تعالى ، وإن الأمة اليوم في حاجة ماسة لإسلام زمامها لدين الله ظاهرا وباطنا ، وأن تمتثل أمر الله عز وجل القائل في كتابه العظيم [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)][ البقرة]،
إنها دعوة للمؤمنين باسم الإيمان، بهذا الوصف المحبب إليهم، والذي يميزهم ويفردهم، ويصلهم بالله الذي يدعوهم.. دعوة للذين آمنوا أن يدخلوا في السلم كافة..
وأول مفاهيم هذه الدعوة أن يستسلم المؤمنون بكلياتهم لله، في ذوات أنفسهم، وفي الصغير والكبير من أمرهم. أن يستسلموا الاستسلام الذي لا تبقى بعده بقية ناشزة من تصور أو شعور، ومن نية أو عمل، ومن رغبة أو رهبة، لا تخضع لله ولا ترضى بحكمه وقضاه. استسلام الطاعة الواثقة المطمئنة الراضية.
إن المسلم مدعو للدخول في الإسلام عقيدة صافية لاشرك وفيها ، ولاحاكمية إلا لشرع الله تعالى،
ومدعو للدخول في الإسلام استسلاما لأحكامه العادلة الوافية الكافية التي كلها عدل ورحمة ، سواء كانت عبادات أم معاملات .
ومدعو للدخول في الإسلام أخلاقا تمثل الوحي الرباني ، يمشي بين الناس لأنه أولا واخيرا أسلم وجهه لرب العالمين .
والمسلم حين يستجيب هذه الاستجابة يدخل في عالم كلّه سلم وكلّه سلام. عالم كلّه ثقة واطمئنان، وكلّه رضىً واستقرار. لا حيرة ولا قلق، ولا شُرُود ولا ضلال، وسلام يظلل الحياة والمجتمع، فإذا استسلم العبد لربه ، صام صيام المخبتين ، وصلى صلاة الخاشعين ، وتاجر تجارة الورعين الصادقين ، ولايصدر منه فعل إلا وبحث فيه عن مرضاة الله تعالى .
من هنا نبدأ وفي الجنة نلتقي
اعلموا أيها المنتظرون لآجالهم أن رمضان شهر المغفرة والعتق من النار ، كلّ مؤمن يتلهف للقياه، والتزود منه لآخرته قبل انقضاء دنياه ، ولقد اقتضت حكمة الله أن يجعل هذه الدنيا مزرعةً للآخرة، وميداناً للتنافس، ومن فضله وكرمه أن يجزي على القليل كثيراً، ويضاعفَ الحساب، ويجعلَ لعباده مواسم تعظم فيها هذه المضاعفة, فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرَّب فيها إلى مولاه بما أمكنه من وظائف الطاعات، عسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه : «الْتَمِسُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ كُلَّهُ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ نفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ وَيُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ»، وقال الحسن رحمه الله في قول الله عز وجل: [وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا[62]] [سورة الفرقان]، قال: ' من عجز بالليل كان له من أوّل النّهارِ مُسْتَعْتَبٌ، ومن عجز بالنهار كان له من الليل مُسْتَعْتَبٌ '؟.
الخاسرون قبل رمضان وبعده :
يا إخوتاه ليس من رغب إلى الله كمن رغب عن الله – ليس من بقي مع الله كمن بقي عن الله- ليس من عمره كله رمضان كمن عمره كله للجُشاء والطعام، فمن الناس قوم قبل رمضان يأخذون بحظ أنفسهم من الشهوات والأكل ويقولون هي أيام توديع للأكل والطعام.
وربما لم يقتصر كثير منهم على اغتنام الشهوات المباحة بل يتعدى إلى المحرمات وهذا هو الخسران المبين، وأنشد لبعضهم:
إذا العشرون من شعبان ولّت … فواصِل شرب ليلك بالنهار
ولا تشرب بأقداح صغار … فإنّ الوقت ضاق على الصغار
فالشاعر الماجن يريد أن يواصل شرب الخمر ويستزيد منه قبل أن يدركه الشهر الكريم فيحرمه من الخمر .
ورُدَّ عليه:
إذا العشرون من شعبان ولت … فواصل ذكر ليلك بالنهار
وقال آخر:
جاء شعبان منذراً بالصيام … فاسقياني راحًا بماء الغمام
ومن كانت هذه حاله فالبهائم أعقل منه وله نصيب من قوله: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) [الأعراف : 179]، وربما تجرأ كثير منهم بكرهه لصيام رمضان ، حتى أن بعض السفهاء من الشعراء كان يسبّه، وقد حكي عن أحدهم أنه قال :
دعاني شهر الصوم لا كانَ من شهر … ولا صمت شهرًا بعده آخر الدهر
فلو كان يُعْدِينِي الأنامُ بقدرةٍ … على الشهر لاستعديت جهدي على الشّهر
بمعنى لو أعانه الفاسقون على قتال شهر رمضان لقاتله .
فأخذه داء الصرع فكان يصرع في كل يوم مرات متعدّدة ومات قبل أن يدركه رمضان آخر.
وهؤلاء السفهاء يستثقلون رمضان لاستثقالهم العبادات فيه من الصلاة والصيام فكثير من هؤلاء الجهّال لا يصلي إلا في رمضان إذا صام.
وكثير منهم لا يجتنب كبائر الذنوب إلاّ في رمضان فيطول عليه ويشقّ على نفسه مفارقتها لمألوفها فهو يعدّ الليالي ليعود إلى المعصية وهؤلاء مصرّون على ما فعلوا وهم يعلمون.
يا صاحبَ الذّنب لا تأمن عواقبه … عواقب الذنب تخشى وهي تنتظر
فكلّ نفس ستجزى بالذي كسبت … وليس للخلـــــــــق من ديّانهم وزر
نعم ليس من الله مهرب ، فمهما فعل العبد من الذنوب فليعلم أنه سيلقى ربه ، فليحذر من عاقبة الذنب ، لإغن عاقبته ستأتي إن لم يتب العبد ويصلح مابينه وبين الله تعالى .
دعاء السّلف : اللهم بلغنا رمضان وتقبله منا :
ماأعظم اولئك القوم الذين يتشوّفون للموسم العظيم ، فيجعلون من دعائهم نصيبا ليوفقهم الله لبلوغ رمضان ، إنّه شوق الحبيب لمن يحبّ ، دون تبرّم ، ولاتضجّر ولاملل ولاكلل ، إنّها بداية الطريق لبلوغ الّشهر العظيم ، إن المؤمنين يفرحون بقدوم شهر رمضان ويسبشرون، ويحمدون الله أن بلَّغهم إياه، ويعقدون العزم على تعميره بالطاعات، وزيادة الحسنات، وهجر السيئات، وأولئك يبشَّرون بقول الله: [قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ[58]] [سورة يونس ]. وذلك لأن محبة الأعمال الصالحة والاستبشار بها فرع عن محبة الله عز وجل، فترى المؤمنين متلهفين مشتاقين إلى رمضان، تحن قلوبهم إلى صوم نهاره، ومكابدة ليله بالقيام والتهجد بين يدي مولاهم، وتراهم يمهدون لاستقبال رمضان بصيام التطوع خاصة في شعبان .
قال معلى بن الفضل: كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلّغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم.
وقال يحيى بن أبي كثير: "كان من دعائهم اللّهم سلّمني إلى رمضان وسلّم لي رمضان وتَسَلَّمْهُ منّي مُتَقَبَّلاً".
لماذا كان السلف يشتاقون لرمضان وكثير من أهل زماننا يتبرمون منه ؟:
باع قوم من السّلف جارية لهم لأحد الناس ، فلما أقبل رمضان أخذ سيدها الجديد يتهيأ بألوان المطعومات والمشروبات لاستقبال رمضان – كما يصنع كثير من الناس اليوم – فلما رأت الجارية ذلك منهم قالت: ' لمـاذا تصنعون ذلك؟ ' ، قالوا: ' لاستقبال شهر رمضان ' ، فقالت: ' وأنتم لا تصومون إلاّ في رمضان؟ والله لقد جئت من عند قوم السَّنَةُ عندهم كأنها كلَّها رمضان ، لا حاجة لي فيكم ، رُدُّوني إليهم ' ، ورجعت إلى سيّدها الأول .
وباع الحسن بن صالح جارية له فلما انتصف اللّيل قامت فنادتهم يا أهل الدار الصّلاة الصّلاة، قالوا طلع الفجر؟ قالت: وأنتم لا تصلّون إلاّ المكتوبة!! ثم جاءت الحسن فقالت: بعتني إلى قوم لا يصلون إلا المكتوبة رُدَّنِي رُدَّنِي.
وقيل لبشر إن قوماً يتعبدون ويجتهدون في رمضان فقط فقال: بئس القوم لا يعرفون لله حقّاً إلا في رمضان، إنَّ الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها.
وقيل لأحد الصالحين أيّهما أفضل رجب أو شعبان فقال: كن ربانيّاً ولا تكن شعبانيّاً.
وقال بعض السلف: صم الدنيا، واجعل فطرك الموت، الدنيا كلها شهر، تأمل قول الله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الًذِيّ أُنزِلَ فِيهِ الْـقُـرْءَانُ هُـدًى لِّـلنــَّـاس وَبَـيِّـنَتٍ مِنْ الهُدَى
[سورة البقرة:185.
بين يدي رمضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــان :
المسلم من طبعه إكرام الزائر مهما كان فكيف إذا كان حبيبا غائبا جاء على فاقة من الشوق ، والغياب أشهرا كثيرة ن فما عسى أن يقدم له إنه شهر رمضان ، لايأكل ولايشرب ، بل يجوعُ أحبابه فيه ويهجرون الشهوات ، فما أعظم هذا الحب الذي عذابه عذب ، وتعبه عسل وراحة ، بين يدي رمضان لابدّ من :
1- توبة صادقة : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً ][سورة التحريم: من الآية8] ، توبا إلى الله أخي وأخيتي فإن الله يفرح بهما بتوبتكما ايما فرح ، أما سمعتما قول النبي صلى الله عليه وسلم : " " لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلِكَةٍ، مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ، فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ، ثُمَّ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِيَ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ، فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَاللهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ "[مسلم : (2744].
2- استقبل رمضان بنية صادقة : فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :"إنّما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ مانوى " [البخاري : 1].، وغياك من تلك النية الفاسدة التي يفعلها بعض الناس حيث ينوي أن يصلي مع بداية رمضان ولربما لم يصل إلا اياما ثم يترك ، أو يكمل الشهر ثم يعود إلى ترك الصلاة ، فإن ذلك كفر واستهزاء بالدين ، فتب إلى الله ، فرمضان فرصة للرجوع إلى الله تعالى ، وحافظ على صلاتك وسائر اعمالك الصالحة .
3- أخلص العمل لله باطنا وظاهرا فما أفلح المرائي المشغول بسوى الله تعالى، فمن أخلص لله ظهرت عليه أنوار التوفيق ، وكان السداد معه على طول الطريق " وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ " [ هود:88]. قال الإمام أحمد: لا رياء في الصوم، فلا يدخله الرياء في فعله، من صفى صفى له، ومن كَدَّر كُدِّرَ عَلَيْهِ، ومن أحسن في ليله كُوفِئ َفي نهاره، ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله، وإنما يُكال للعبد كما كال.والجنّة لا تطلب إلاّ قلباً خالصاً لله (معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده) [يوسف:79] .والصّوم يعلم الناس الإخلاص، فما صام منافق مرائي.
4- مَرِّنْ نفسك على الصيام ، وعودها على القيام ن لاسيما في شهر شعبان : فقد كان قدوتنا المبارك سيدنا وحبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما قالت أمنا الصديقة الطاهرة عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا،" وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ، أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا "[ رواه مسلم : 1156].
5- استعد للتَّخفف من الشّواغل الجانبية ، وترك الفضول في جميع الأحوال المشغلة عن صيام الشهر وقيامه .
6- خطِّط التخطيط السليم وذلك بوضع جدول ما تريد من نفسك أن تحقّقه في رمضان من أعمال صالحة متنوعة، من صدقات ، وتلاوة لكلام رب البريات، وقيام، ونوافل الخيرات ، وهكذا ، وكفالة السر المكلومة ، واطعام البطون الجائعة ، وكسوة الأجساد العارية ، فالتخطيط السليم يساوي نتيجة محمودة إن نُفذت على أرض الواقع، وبذر صالح لمزرعة سعيدة .
أتى رمضان مزرعة العبـــاد *** لتـطهـــير الـقـلـــــوب مــن الـفـســـــاد
فأدّ حقوقــــه قـــــولا وفعـــلا *** وزاد ك فـــاتــخــذه لـــلـمــــعـــــــــاد
فمــن زرع الحبـــوب ومــا سقــاها *** تــــأوّه نــادمــــا يـــــوم الحــصـــاد
إن رمضـــان أتــى مـقــبــــلا *** فــأقــبـــل فـــبــالخـــيــر يـُسْــتَــقــبَــل
لــعــلــك تخــطـئــه قــــابـــلا *** وتـــأتــي بــعــذر فــــلا يُــقْـــبَــــــــل
هنيئا لك إن أدركت شهر الصيام :
عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَلِيٍّ(قبيلة ) قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ إِسْلَامُهُمَا جَمِيعًا، فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنَ الْآخَرِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَكَثَ الْآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً، ثُمَّ تُوُفِّيَ، قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، إِذَا أَنَا بِهِمَا، فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الْجَنَّةِ، فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الْآخِرَ مِنْهُمَا، ثُمَّ خَرَجَ، فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ، فَقَالَ: ارْجِعْ، فَإِنَّكَ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ، فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ، فَعَجِبُوا لِذَلِكَ،ِ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَدَّثُوهُ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: «مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ؟» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَادًا، ثُمَّ اسْتُشْهِدَ، وَدَخَلَ هَذَا الْآخِرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟» قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَ، وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِي السَّنَةِ؟» قَالُوا: بَلَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ][رواه ابن ماجة بسند صحيح: 3925] ".
نعم لابد من أن نتذكر أن شهر رمضان سوق رابحة لاخسارة فيها للموفقين ، فهو :"
* شهر نزول القرآن والكتب السماوية، شهر الشفاعة بالصيام والقرآن.
* شهر التراويح والتهجد.
* شهر التوبة وتكفير الذنوب.
* شهر تصفيد الشياطين.
* شهر غلق أبواب الجحيم.
* شهر فتح أبواب الجنان.
* شهر الجود والإحسان.
* شهر العتق من النيران.
* شهر ليلة القدر.
* شهر الدعاء.
* شهر الجهاد.
* شهر مضاعفة الحسنات.
* شهر الصبر والشكر.
فهلم يا باغيَ الخير إلى شهر يضاعف فيه الأجر للأعمال، فَنصَبَ المجتهدين في خدمة مولاهم في هذا الشهر هو الراحة.
ذكِّر نفسك واهلك بفضائل الصوم ولاسيما شهر رمضان :
سمع المؤمنون قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي] [رواه البخاري: (1151] ؛ فعلموا أنّ الامتناع عن الشهوات لله عز وجل في هذه الدنيا سبب لنيلها في الآخرة، كما أشار إلى ذلك مفهوم قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ] [رواه البخاري: 5575].
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم بَعَثَ أَبَا مُوسَى فِي سَرِيَّةٍ فِي الْبَحْرِ فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ قَدْ رَفَعُوا الشِّرَاعَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ إِذَا هَاتِفٌ مِنْ فَوْقِهِمْ يَهْتِفُ بِأَهْلِ السَّفِينَةِ قِفُوا أُخْبِرُكُمْ بِقَضَاءٍ قَضَاهُ اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أَخْبِرْ إِنْ كُنْتَ مُخْبِرًا، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَضَى عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ مَنْ أَعْطَشَ نَفْسَهُ لَهُ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ سَقَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْعَطَشِ"[رواه البزار: 4974] ، وحسّنه المنذري، وفي رواية:' فكان أبو موسى يتوخّى اليوم الشّديد الحر الذي يكاد الإنسان ينسلخ فيه حرّاً فيصومه'رواه ابن أبي الدنيا.
وعَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ "][رواه البخاري : 1896] .
لستَ وحدك في الطّريق إلى الله :
نعم لستَ وحدك تسير إلى الله فمعك الفئة المؤمنة الصادقة التي رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينا، وبمحمّد نبيّا ورسولا ، وأولى القوم بالصّحبة هم أهلك ، زوجتك ، أبناؤك ، عائلتك ، عشيرتك، فلا تتركهم خلفك يضيعون ، [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[ [التحريم : 6]، ألا تريد أن تكون مع الذين قال الله فيهم " وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ][الطور : 21] …. فعليك بالتّخطيط لهم وتشويقهم لصيام شهر الخيرات وذلك بـــــــــــــــــــ:
– كتابة لوحات معبرة وإيحائية وآيات قرآنية وأحاديث نبوية بخط جميل وصورة معبرة وطريقة جذابة، تعلق في أماكن متفرقة بالمنزل، مثلا: (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه…) ويوضع خط تحت (إيمانًا واحتسابًا) للتذكير بالإخلاص، ومثلاً: (اجعل رمضان انطلاقة جديدة لحياة سعيدة)، أو (اجعل رمضان هذا العام مختلفًا)، ولك حرية اختيار الألفاظ المناسبة.
– ما أورع أن تهدي الخادمة أو السائق هدية، سجادة صلاة مثلاً، أو مصحفًا مفسرًا بلغته
– اسأل أولادك عن المقرئ الذي يحبون سماع تلاوته، ثم قم بتوزيع هدايا لأشرطة تحوي تلاوات من يحبونهم .
– شَوِّقْهُم بأخبار السلف عن رمضان ليتعلّقوا بالطاعات ، ويستحثوا الأنفس على التنافس في شهر البركات والنفحات .
ماذا تقول إذا رأيت هلال رمضان :
ما يقول إذا رأى الهلال– هلال أيِّ شهر ، ولا يختص برمضان-: [ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ وَالتَّوْفِيقِ لِمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى رَبُّنَا وَرَبُّكَ اللَّهُ][رواه الترمذي: 3451]
التهنئة بقدوم رمضان:
"كان رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يبشر أصحابه بقدوم رمضان كما أخرجه الإمام أحمد، والنسائي فعن أبي قلابة عن أبي هريرة قال رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يبشر أصحابه "قد «قد جاءَكم شهرُ رمضانَ، شهرٌ مباركٌ فرضَ اللهُ عَليكم صيامَهُ، تُفتحُ فيه أبوابُ الجنةِ، وتُغلقُ فيه أبوابُ النارِ، فيه ليلةٌ خيرٌ مِن ألفِ شهرٍ، مَن حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ» " [أخرجه النسائي (2106)].
قال ابن رجب: "هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بشهر رمضان كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان، كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران، كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشيطان.[ "لطائف المعارف" (ص 154-155)] .
دعوات مستجابات :
– عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ: دَعْوَةُ الصَّائِمِ ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ ، وَدَعْوَةُ المُسَافِرِ ][رواه البيهقي في شعب الإيمان: 3323 ، وصححه الألباني .
– وأفضل الدعاء الدعاء المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يقول إذا أفطر: [«ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»] [رواه أبوداود: 2357 وحسنه الألباني].
نــــــــــــــــــــــــــــــــــداء أخير :
يا من طالت غيبته عن مولاه، قد قربت أيام المصالحة، يا من دامت خسارته قد أقبلت أيام التجارة الرابحة، كم ينادي حي على الفلاح وأنت خاسر، وكم تدعى إلى الصلاح وأنت على الفساد مثابر.
من لم يربح في رمضان ففي أي وقت يربح، ومن لم يقرب فيه من مولاه فهو على بعده لا يبرح.
يتلذذون بذكره في ليلهم … ويكابدون لدى النهار صياما
فسيغنمون عرائساً بعرائس … ويُبَوءون من الجنان خياما
وتقر أعينهم بما أخفى لهم … وسيسمعون من الجليل سلاماً
فاغتنموا إخواني زمنكم، وبادروا بالصحة سقمكم، واحفظوا أمانة التكليف لمن أمنكم، وكأنكم بالحميم وقد دفنكم، وبالعمل في القبر قد ارتهنكم، واسمعوا نداء الحبيب صلى الله عليه وسلم واستجيبوا : فقد قال وأصدق في المقال :" «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تُنْظَرُونَ إِلَّا إِلَى فَقْرٍ مُنْسٍ، أَوْ غِنًى مُطْغٍ، أَوْ مَرَضٍ مُفْسِدٍ، أَوْ هَرَمٍ مُفَنِّدٍ، أَوْ مَوْتٍ مُجْهِزٍ، أَوِ الدَّجَّالِ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةِ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ» رواه الترمذي وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ[2306].