السحر وخطره على الفرد والمجتمع
27-10-2020 7762 مشاهدةبسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب الأرض والسموات ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له ، عظيم الخيرات وكثير البركات ، كفر السحرة والساحرات ، وتوعدهم بأشد العقوبات ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله حذر من السحر وعده من السبع الموبقات ، عليه من ربه أفضل سلام ، وأعطر صلوات . . . أما بعد :
فإن السحر من الجرائم العظيمة ، ومن أنواع الكفر ومما يبتلى به الناس قديماً وحديثاً ، في الأمم الماضية وفي الجاهلية وفي هذه الأمة ، وعلى حسب كثرة الجهل وقلة العلم وقلة الوازع الإيماني والسلطاني – يكثر أهل السحر والشعوذة ، وينتشرون في البلاد للطمع في أموال الناس والتلبيس عليهم ، ولأسباب أخرى ، وعندما يظهر العلم ويكثر الإيمان ، ويقوى السلطان الإسلامي يقل هؤلاء الخبثاء وينكمشون وينتقلون من بلاد إلى بلاد لالتماس المحل الذي يروج فيه باطلهم ، ويتمكنون فيه من الشعوذة والفساد .
ولقد استطار شرر السحرة والكهنة والمشعوذين ، وعظم أمرهم وكثر خطرُهم فآذوا المؤمنين وأدخلوا الرعب على حرماتهم ، غير مبالين وقد توعد الله المجرمين بسقر وما أدراك ما سقر فقد أخبر الله في كتابه العزيز أن الساحر كافر فقال : { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ } .
ويعتبر السحر من أخطر الأمراض التي تصيب الإنسان ، وهو أذى وخطر موجه لبني الإنسان ، فهو لا يفرق بين إنسان تقي وإنسان غير تقي ، أو إنسان مؤمن أو كافر ، فالكل معرض لأذاه . ولكن ينعم الله عز وجل ويحمي من يشاء من خلقه ، لأن الله هو الضار والنافع والمعز والمذل والمحيي والمميت ، لا راد لقدره وقضائه فهو القادر والقاهر فوق عباده يفعل ما يشاء ويختار .
تعريف السحر :
لغة : ما لطف وخفي سببه . ومنه سمي آخر الليل سَحَراً .
السحر سمي سحراً لأن أسبابه خفية ، ولأن السحرة يتعاطون أشياء خفية يتمكنون بها من التخييل على الناس والتلبيس عليهم ، والتزوير على عيونهم ، وإدخال الضرر عليهم وسلب أموالهم إلى غير ذلك ، بطرق خفية لا يفطن لها في الأغلب ولهذا يسمى آخر الليل سحراً ، لأنه يكون في آخره عند غفلة الناس وقلة حركتهم ، ويقال للرئة سحر ، لأنها في داخل الجسم وخفية .
شرعاً : عقد ورقى وكلام يتكلم به الساحر أو يكتبه أو يعمل شيئاً يؤثر بإذن الله في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له .
فما يتعاطاه السحرة من قبيل التخييل والتلبيس الذي يعتقده المشاهد حقيقة وهو ليس بحقيقة ، كما قال الله سبحانه عن سحرة فرعون : ( قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ) طه/ 65 – 69 وقد يكون السحر من أشياء يفعلها السحرة مع عقد ينفثون فيها كما قال سبحانه ( ومن شر النفاثات في العقد ) الفلق/4 وقد يكون من أعمال أخرى يتوصلون إليها من طريق الشياطين فيعملون أعمالاً قد تغير عقل الإنسان ، وقد تسبب مرضاً له ، وقد تسبب تفريقاً بينه وبين زوجته فتقبح عنده ، ويقبح منظرها فيكرهها وهكذا هي قد يعمل معها الساحر ما يبغض زوجها إليها ، وينفرها من زوجها وهو كفر صريح بنص القرآن ، حيث قال عز وجل : ( واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ) البقرة /102 , فأخبر سبحانه عن كفرهم بتعليمهم الناس السحر ، وقال بعدها : ( وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر ) البقرة/102 ثم قال سبحانه : ( فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ) البقرة/102 ، يعني هذا السحر وما يقع منه من الشر كله بقدر سابق بمشيئة الله ، فربنا جل وعلا لا يُغلب ولا يقع في ملكه ما لا يريد ، بل لا يقع شيء في هذه الدنيا ولا في الآخرة إلا بقدر سابق ، لحكمة بالغة شاءها سبحانه وتعالى ، فقد يُبتلى هؤلاء بالسحر ، ويُبتلى هؤلاء بالمرض ، ويبتلى هؤلاء بالقتل … إلى غير ذلك ، لله الحكمة البالغة فيما يقضي ويقدر ، وفيما يشرعه سبحانه لعباده ، ولهذا قال سبحانه : ( وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ) البقرة/102 يعني بإذنه الكوني القدري لا بإذنه الشرعي ، فالشرع يمنعهم من ذلك ويحرم عليهم ذلك ، لكن بالإذن القدري الذي مضى به علم الله وقدره السابق أن يقع من فلان السحر ، ويقع من فلانة ، ويقع على فلان وعلى فلانة ، كما مضى قدره .
أقسام السحر :
ينقسم السحر من حيث فعل الساحر والجني إلى قسمين رئيسيين :
القسم الأول : ( القاعدة ) :
فالقاعدة هي العمل الذي يسقى أو يؤكل عن طريق الفم ويصل أثره إلى المعدة ثم من خلالها إلى باقي الجسم . أو العمل الذي يرّش على الأرض في المنطقة التي يمر منها المسحور ، وهي في الغالب ما تكون عتبات البيوت أو أعتاب المحلات أو ما شابه ذلك ، أو يدفن في التراب ، أو يرمى في ماء جار ، أو ما شابه ذلك .
القسم الثاني : ( الخادم ) :
وهو من شياطين الجن ، ينفذ تضاريس السحر الموجودة على القاعدة ، ويتوكل بها ، ويكون الأمر لكبار الشياطين حلفاء وأولياء الساحر . وكبار الشياطين من الجن هم خدام الطلاسم والأسماء الشيطانية ، فيأمرون الخادم فينفذ ما أمره به الساحر من سحر . مثال على ذلك : يقرأ الساحر عزيمته الشيطانية أو يكتب طلاسمه ثم يقوم بالتوكيل بقوله : توكلوا يا خدام هذه الطلاسم أو العزائم بالتفريق ما بين فلان ابن فلانة ، وفلانة بنت فلانة ، فتقوم الخدام بالخدمة فيبدأ السحر وتبدأ معاناة المسحور .
أنواع السحر :
يقول أهل العلم أن للسحر أنواعاً عديدة سنذكرها بإذن الله تعالى حتى يتسنى للمسلم الصادق معرفتها ، ومن ثم الحذر منها بنفسه ، وتحذير غيره منها ، لأنها سبب في الوقوع في ظلمات الكفر ، وغياهب الشرك ، وفيها بعد عن الله تعالى ، وتكذيب له ، وتصديق للشيطان وأعوانه ، فمن أنواع السحر ما يلي :
النوع الأول / ما يستخدمه الساحر :
وهذا النوع ينقسم إلى عدة أنواع :
أولاً / السحر التخيلي ( التخييلي ) :
وليس له حقيقة ، وإنما هو خيال وشعوذة ، وهو ما يسمى بالقُمْرَة ، فالساحر يخيل للناس شيئاً وهو ليس حقيقة ، كأن يخيل للناس أنه دخل النار ، وأنه يمشي على حبل ، كالذي يحصل في السيرك ، أو يخيل للناس أن السيارة تمشي على بطنه ، أو يطعن نفسه بسيف ، أو يثني الحديد برقبته أو بعينه ، فكل ذلك من السحر التخيلي ، والذي يتم بمساعدة الجن ، قال تعالى في قصة موسى عليه السلام وسحرة فرعون : ” قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ” ، وقال تعالى : ” قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم ” . فسحرهم هذا يكون بالزئبق ومواد لا يراها الناس ، فيظنون أنها تتحرك .
ثانياً / السحر الحقيقي :
وينقسم إلى عدة أقسام منها :
1- الرقى : وهي الرقى الغير شرعية ، بل هي قراءات وطلاسم شركية يتوصل بها الساحر إلى إرضاء الجان ، ولا يتم له ذلك إلا بالكفر بالله تعالى ، فهذا النوع كفر صريح . لكن قد تكون الرقية شرعية وذلك بأن تكون من القرآن والسنة بشروطها الثلاثة التي سنذكرها بعد قليل إن شاء الله ، ولهذا جاء عن عوف بن مالك الأشجعي قال : كنا نرقي في الجاهلية فقلنا يا رسول الله كيف ترى في ذلك ؟ فقال : ” اعرضوا علي رقاكم ، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك ” [ أخرجه مسلم ] .
2- أدوية وعقاقير : وهي تؤثر في بدن المسحور وعقله وإرادته وميله ، ومنه الصرف والعطف ، فالصرف : التفريق بين المرء وزوجه ، أو الإنسان وصديقه أو ما شابه ذلك . أما العطف : فهو التوفيق بين المرء وزوجه ، أو استجلاب محبة بعض الناس بقصد ابتزازهم ، أو فعل ما حرم الله تعالى بهم ، كمن يعطف قلب امرأة إليه لفعل الفاحشة بها . وهذا النوع فسق وظلم وعدوان ، وهو محرم لكن لا يكفر صاحبه ، إلا إذا استخدم الجان والشياطين ، وفعل مع ذلك مكفراً من المكفرات . كأن يذبح لغير الله ، أو يدعو غير الله ، أو يقتل مسلماً ، أو غير ذلك من أسباب الكفر .
3- علم التنجيم : وهو أنواع فمن أعظمها ما يفعله عبدة النجوم ويعتقدونه في السبعة السيارة وغيرها ، فقد بنوا بيوتاً لأجلها ، وصوروا فيها تماثيل سموها بأسماء النجوم ، وجعلوا لها مناسك وشرائع يعبدونها بكيفياتها .
ومنها النظر في حركات الأفلاك ، ودورانها وطلوعها وغروبها ، واقترانها وافتراقها ، معتقدين أن لكل نجم منها تأثير على حركاته منفرداً ، يعني لا دخل لله في ذلك و العياذ بالله ، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ، ويعتقدون أن للنجوم تأثيرات عند اقترانها وافتراقها ، ويستدلون بذلك على الحوادث الأرضية ، فيقولون مثلاً : إذا اقترن النجم الفلاني بالنجم الفلاني سيحدث كذا وكذا ، ويستدلون بولادة الإنسان في نجم معين أنه يكون سعيداً أو شقياً ، أو يقولون إذا طلع النجم الفلاني هل المطر ، أو إذا هبت الريح ظهر النجم الفلاني ، وهذا خطأ فادح ، فالنجوم لا علاقة لها بمثل تلك الأمور ، بل كل ذلك بقدر الله ومشيئته ، وكل الحوادث الأرضية من عند الله ، لا دخل لأحد من المخلوقات فيها ، فهي فوق تصور المخلوق وطاقته ، ولهذا جاء في حديث زيد بن خالد الجهني في غزوة الحديبية ، قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة على إثر سماء من الليل ، فقال : ” قال الله تعالى : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فمن قال : مُطرنا بنوء كذا وكذا ، فإنه كافر بي مؤمن بالكواكب ، ومن قال : مُطرنا بفضل الله ورحمته ، فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب ” [ أخرجه مسلم ] ، ويقصدون بقوله : مطرنا بنوء كذا وكذا : أي أن السبب في المطر هو النجم الفلاني أو الكوكب الفلاني ، فهذا كفر بالله تعالى . وكم رأينا من فصول تسقط فيها المطر ومع ذلك لم يسقط فيها المطر ، فكل ذلك بقدر الله تعالى .
لكن صحيح أن بعض الأوقات والفصول يكون فيها ريح ومطر ، لكن ذلك بقدر الله تعالى ، وليس للكوكب دخل في وجود المطر أو الريح . وقد يستدل بالنجوم على القبلة أو الجهات الأربع أو فصول السنة المختلفة وهذا الأمر لا بأس به بل قد يكون واجباً تعلمه ، وخصوصاً إذا كان للناس حاجة إليه كتعلم أماكن القبلة حتى تؤدى الصلاة باتجاه القبلة ، قال تعالى : ” وعلامات وبالنجم هم يهتدون ” فالنجوم يُستدل بها على الأزمان وما شابه ذلك ، فهذا الأمر لا بأس به . أما إذا أُستُدل بها على الحوادث الأرضية فهذا حرام باطل ، فالأحوال الفلكية لا تأثير لها البتة على الحوادث الأرضية ، ومن اعتقد ذلك فقد كفر بالله تعالى .
4- العُقَد : قال تعالى : ” ومن شر النفاثات في العقد ” ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من عقد عقدة ، ثم نفث فيها ، فقد سحر ، ومن سحر فقد أشرك ، ومن تعلق شيئاً وكل إليه ” [ أخرجه النسائي ] ، عن زيد بن أرقم ، قال : سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود ، فاشتكى لذلك أياماً : فأتاه جبريل عليه السلام فقال : إن رجلا من اليهود سحرك ، عقد لك عقداً في بئر كذا وكذا ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستخرجوها ، فجيء بها ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال ، فما ذكر ذلك لذلك اليهودي ، ولا رآه في وجهه قط . [ أخرجه النسائي وقال الألباني صحيح الإسناد 3 / 98 ] . فمن عقد ونفث بقصد السحر فهو حرام ، أما من عقد ونفث في العقدة بعض الريق بقصد أن تتماسك العقدة فهذا لا بأس به . وقوله صلى الله عليه وسلم : ” وكل إليه ” يعني جعل هذا الشيء الذي تعلق به عماداً له ، ووكله الله إليه ، وتخلى الله عنه . فمن الناس من إذا سُحر ذهب إلى السحرة وتعلق بهم ، ولا يُرقي نفسه بكتاب الله تعالى ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولا يذهب للأدوية المباحة ، والأدعية المشروعة ، ولو أنه توكل على الله حق التوكل ، لكفاه كل ما يصيبه ، قال تعالى : ” ومن يتوكل على الله فهو حسبه ” ومن كان الله حسبه كفاه كل ما يهمه ، ومن كان الله حسبه فلن يضيعه ، لكن من توكل على غير الله فسوف يتخلى الله عنه ويتركه وما تعلق به ، ولسوف يندم ويخسر خسارة كبيرة وعظيمة ، ومن أعظم ذلك خسارة الدين ، لأن التوكل على غير الله ينافي التوحيد والعقيدة الصادقة الصافية الصحيحة . قال تعالى : ” ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون ” وقال تعالى : ” والذين تدعون من دونه لا يملكون من قطمير * إن الذين تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ” . قال ابن كثير رحمه الله : القطمير : هو اللفافة الرقيقة التي تكون على نواة التمرة .
5- العزائم : جمع عزيمة ، وهي من الرقى التي كانوا يعزمون بها على الجن ، وزعموا أنها أسماء لملائكة وكلهم سليمان عليه السلام بقبائل الجان ، فإذا أقسم على صاحب الاسم ألزم الجن بما يريد ، وهذا كفر وضلالة ، وخداع ومكر ، يمكرون به على عباد الله ليبتزوا أموالهم . فسليمان عليه السلام لم يكن ساحراً وما تعلم السحر ، بل كذبوا عليه وافتروا عليه افتراءات هو وأبيه داود عليهما السلام ، قال تعالى : ” وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا ” ، فالله تبارك وتعالى سخر الجن لخدمته ، لا ليعلم الغيب أو يضر الناس أو يستخدمهم في أمور الشر وما شابه ذلك ، بل كان ذلك منة من الله عليه ، قال تعالى : ” ولسليمان الريح غدوها شهر وراحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير ” ، وقال تعالى : ” ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملاً دون ذلك وكنا لهم حافظين ” فالله تعالى سخر لنبيه سليمان الجن منهم من يغوص في الماء ليستخرج اللآلئ ، ومنهم من يعمل غير ذلك من الأعمال ، قال تعالى : ” والشياطين كل بناءٍ وغواص ” ، فكل منهم له عمله الموكل به ، ومع ذلك فهم لا يعصون سليمان عليه السلام بأمر من ربهم سبحانه وتعالى ، والله يحفظه في كل ذلك من أن يصيبوه بأذى ، أو يمسوه بسوء ، فكلهم في قبضته وتحت قهره ، ولا يتجاسر أحد منهم على القرب منه ، بل هو يحكم فيهم كيف شاء ، فيطلق بعضهم ، ويحبس البعض الآخر ، قال تعالى : ” وآخرين مقرنين في الأصفاد ” .
6- النميمة : وهي من أنواع السحر المجازي ، لأن بها يُفرق بين الأحبة ، ويُفرق بين الأسر ، ولهذا أوردها الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ضمن أنواع السحر في كتاب التوحيد ، وأورد حديث ابن مسعود رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” ألا هل أنبئكم ما العَضْه ؟ هي النميمة ، القالة بين الناس ” [ أخرجه مسلم ] . ومعنى الحديث : أي أتدرون ما السحر ، والعضه هي السحر ، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم حصر السحر في النميمة تحذيراً منها . ثم قال : هي النميمة .
فالنميمة تقطع أواصر المحبة بين الناس ، وتقطع وشائج الصلة بين الأهل والجيران ، وهي من كبائر الذنوب ، وهي سبب للعذاب في القبر ، ومن أسباب حرمان دخول الجنة ، ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبرين يعذبان ، أحدهما كان يمشي بالنميمة ” [ متفق عليه ] ، وعن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا يدخل الجنة قتات ” [ متفق عليه ] ، وفي رواية مسلم : ” لا يدخل الجنة نمام ” ، فالنميمة سبب لإفساد المجتمعات ، وتدمير البيوتات ، فهي كالسحر من حيث التفريق بين الناس ، ففيها تفريق ، كما أن السحر فيه تفريق ، والنميمة ليست سحراً في الحقيقة ، ولكن من باب اللغة ، وهذه هي مناسبة ذكر النميمة في باب السحر .
فمن أنواع السحر ما هو شرك ، ومنها ما هو من كبائر الذنوب ، ومنها ما هو دون ذلك ، ومنها ما هو جائز على حسب ما يقصد به وعلى حسب تأثير وآثاره ، كالبيان فقد قال صلى الله عليه وسلم : ” إن من البيان لسحراً ” [ أخرجه البخاري ومسلم ] والبيان هو الفصاحة والبلاغة ولهذا قال تعالى : ” خلق الإنسان * علمه البيان ” ، فمن الناس من يكون فصيحاً لكن في الباطل ، فيضل الناس بكلامه عن سبيل الله فهذا حرام لا يجوز ، أما إن كان فصيحاً بليغاً ويدعو إلى الله تعالى ، فهذا جائز ولا ريب . والبيان نعمة من الله تعالى على الإنسان فيجب أن يسخر في طاعة الله تعالى .
النوع الثاني / ما يتعلق بالمسحور :
لما أحب الناس الدنيا وكرهوا الآخرة ، دبت الكراهية بين الناس ، وساد الحقد والغل وحب الذات ، وانتشر الحسد ، فأصبح الواحد يبحث عن وسيلة يؤذي بها الآخر دون أن يعرف لأنه يخاف من عقاب الناس ولا يخاف من عقاب الله فبمبلغ بسيط يستطيع شيطان من شياطين الإنس أن يعقد سحراً لبريء بدون أي سبب ، اللهم ذلك الحقد الدفين والبعد عن الله تعالى ، فيحول حياة أخيه المسلم أو أخته المسلمة إلى جحيم وعذاب ودمار ، وهذا والله لا يرضي الله سبحانه وتعالى ، ولا يرضى بذلك صاحب عقل أو فطنة أو دين ، وينقسم هذا النوع إلى أقسام عدة منها :
(1) سحر التفريق :
يعتبر سحر التفريق من أكثر أنواع السحر انتشاراً . وهو غالباً ما يكون بين الزوج والزوجة أو الأخ وأخيه أو بين الأب وابنه أو بين الأم وأولادها وبناتها أو حتى بين الشريك وشريكه في العمل . وأسبابه الحقد أو المصالح الدنيوية الدنيئة لشخص لا يروق له أن يرى علاقة مثالية بين اثنين .
فأقول للذين يذهبون إلى السحرة لفعل هذه المصائب ، ألم تعلموا بأن الله بالمرصاد ، فكفاكم حقداً وكرهاً واتقوا الله ربكم واعلموا أن أذية المسلم حرام ، قال تعالى : ” والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً ” ، وقال تعالى : ” إن الذين يحيون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وانتم لا تعلمون ” ، فاتقوا الله تعالى وراقبوه في السر والعلن ، ودعوا الناس يرزق الله بعضهم بعضا ، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .
(2) سحر المحبة :
يعتبر سحر المحبة من السحر الدارج في هذه الأيام . وتعود أسبابه لعدة عوامل منها : الخلافات العميقة بين الأفراد والعائلات والأزواج والاخوة . ومنها : الأطماع والمصالح المادية ، كطمع الأولاد بأموال الأب أو طمع الصانع بصاحب العمل أو طمع الموظف برضى مديره ليرقيه . ومنها : تحقيق أمنية الارتباط بفتاة لا تريده أو شابة تطمح بالارتباط بشاب لا يطيقها ، وهناك أمور كثيرة شبيهة بذلك . وأخطرها أن يقوم رجل بجلب امرأة محصنة أي متزوجة لهدف فعل فاحشة الزنا بها ، أو تقوم امرأة بجلب رجل لنفس الغرض ، فكل ذلك حرام ولا يجوز التعامل به .
(3) سحر ربط الشباب عن الزواج :
هذا النوع من السحر منتشر كثيراً في هذه الأيام . وهو يصيب الشباب من ذكور وإناث ، وفي الغالب تكون أسبابه انتقامية .
(4) سحر ربط العروسين :
يقع الكثير من العرسان في هذا السحر ، وهو ينشط في ليلة الزفاف وتكون تأثيراته واضحة . وهو إما أن يصيب العريس أو يصيب العروس أو يصيب الاثنين معا . وهدف السحر أن لا يوفق العروسان بالدخول . وهناك من يستمر هذا الحال معهم أسبوعا ، وهناك من يستمر معهم شهراً أو عدة اشهر ، وهناك من يستمر هذا الوضع معهم سنة أو أكثر . ويلجأ بعضهم إلى الأطباء ، فيأخذون الحقن المهدئة والمقويات ، ولكن دون جدوى . وهناك من يصبر ، وهناك من يرى أنه متضرر ويرى أن الحل هو الطلاق . وبعدها يقوم كل طرف باتهام الطرف الآخر بأن العيب فيه .
(5) سحر التخييل : و هذا السحر يستهدف شخص بحيث يفقده توازنه في الحياة .
(6) سحر الجنون : و هذا السحر يستهدف العقل بحيث يفقده صوابه .
(7) سحر الخمول : و هذا السحر يستهدف أعماله بحيث يقعده عن أي عمل .
(8) سحر المرض : و هذا السحر يستهدف تعطيل أي جزء من أجزاء الإنسان دون مرض بين .
أنواع السحر التي يستخدمها السحرة :
وهنا يستخدم السحرة عدة طرق لسحر من أرادوا أذاه والنيل منه ، وهذه الطرق ، تكون حسب طبيعة المسحور ، فالسحر تختلف طريقة وضعه للمسحور ، ومن تلك الطرق .
1- السحر المأكول والمشروب : أي ما يجعل مع الطعام والشراب وهو أشد أنواع السحر تأثيراً على المسحور .
2- المشـموم : ما يخلط في الطيب أو يعمل من الطيب والبخور ، ويعتبر أيضاً من أخطر أنواع السحر .
3- المعقـود : كل ما يمكن عقده والنفث عليه .
4- الأثــر : ما يؤخذ من أثر المسحور ويعمل منه السحر .
5- المنثـور : كل مسحوق ينفث عليه الساحر وينثر في الغرف وعند مداخل البيوت.
6- المرشوش : كل سائل ينفث عليه الساحر ويرش على الثياب أو عند عتب الأبواب أو في الأماكن التي غالبا ما يتواجد بها المراد سحره .
7- الطلاسم : وهي أسماء وكلمات وحروف وأرقام ومربعات مجهولة المعنى لغير السحرة ، لكن السحرة يعرفونها جيداً .
8- المرصـود : يرصد لطلوع نجم أو قمر وما يترتب عليه من هيجان البحر والدم .
حقيقة السحر :
السحر حقيقة لا مجال للتكذيب فيه ، ودل على ذلك القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، وأجمع العلماء الأجلاء من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على وجود السحر ووجود الجن ، ولا يضر من زاغ عن الحق ممن ضل ضلالاً مبيناً ، قال تعالى : { وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم } ( يونس79 ) ، وقال تعالى : { فألقي السحرة ساجدين } ( الشعراء46 ) والآيات في ذلك كثيرة معلومة لا ينكرها إلا جاهل أو معاند مكابر ، وأما الأحاديث فقوله صلى الله عليه وسلم : [ اجتنبوا السبع الموبقات ، وذكر منها ، السحر ] ( متفق عليه ) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ” سَحَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق ـ وكان منافقاً حليفاً لليهود ـ يقال له لبيد بن الأعصم ، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله ، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي ، دعا الله ودعاه ، ثم قال : يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال أحدهما لصاحبه : ما وجع الرجل ؟ فقال : مطبوب ، قال من طبه ؟ قال لبيد بن الأعصم ، قال : في أي شيء ؟ قال : في مشط ومشاطة ، وجف طلعة ذكر ، قال : وأين هو ؟ قال : في بئر ذروان ، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه فجاء فقال : يا عائشة كأن ماءها نقاعة الحناء أو كأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين قلت يا رسول الله : أفلا استخرجته ؟ قال : قد عافاني الله فكرهت أن أثور على الناس فيه شراً فأمر بها فدفنت ” [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
قال النووي رحمه الله :
المطبوب المسحور يقال طُب الرجل إذا سُحر ، فكنوا بالطب عن السحر كما كنوا بالسليم عن اللديغ ، وقوله في مشط ومشاطة وجب طلعة ذكر ، أما المشاطة فبضم الميم وهي الشعر الذي يسقط من الرأس أو اللحية بعد تسريحه ، وأما المشط ففيه لغات مشط ومشط بضم الميم فيهما وإسكان الشين وضمها ومشط بكسر الميم وإسكان الشين وممشط ويقال له مشطأ بالهمزة وتركه ، ومشطاء ممدود ، وأما قوله وجف بالجيم والفاء : وهو وعاء طلع المخل وهو الغشاء الذي يكون عليه ويطلق على الذكر والأنثى فلهذا قيده في الحديث بقوله طلعة ذكر وهو بإضافة طلعة إلى ذكر والله أعلم ووقع في البخاري من رواية ابن عيينة ومشاقة بالقاف بدل مشاطة وهى المشاطة أيضا وقيل مشاقة الكتان قوله صلى الله عليه وسلم في بئر ذروان : وهى بئر بالمدينة في بستان بنى زريق قوله صلى الله عليه وسلم والله لكأن ماءها نقاعة الحناء ، النقاعة : بضم النون الماء الذي ينقع فيه الحناء والحناء ممدود قولها فقلت : يارسول الله أفلا أحرقته وفى الرواية الثانية قلت يارسول الله فأخرجه كلاهما صحيح فطلبت أنه يخرجه ثم يحرقه المراد إخراج السحر فدفنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر أن الله تعالى قد عافاه . [ شرح النووي على مسلم ] .
والسحر يؤثر في المسحور إذا أصيب به ، وقد يقتله ، وتعلمه وتعليمه ، والعمل به أو طلب العلاج عن طريقه ، أو فعله لوقوع الضرر بالإنسان ، كل ذلك حرام ، لا يجوز ، بل يجب الحذر من ذلك لأنه قد يؤدي بصاحبه إلى الكفر والعياذ بالله ، قال تعالى : ” وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمان منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ” [ البقرة ] .
تعلم السحر :
السحر من أعظم الكبائر والموبقات ، بل هو من نواقض الإسلام ، كما قال الله – عز وجل – في كتابه الكـريم : ( وَاتَّبَعواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَـا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَـآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُون ) ( سورة البقرة :102، 103 ) .
فأخبر – سبحانه – في هاتين الآيتين أن الشياطين يعلمون الناس السحر وأنهم كفروا بذلك ، وأن الملكين ما يعلّمان من أحد حتى يخبراه أن ما يعلّمانه كفر وأنها فتنة .
وأخبر – سبحانه – أن متعلمي السحر يتعلمون ما يضرّهم ولا ينفعهم ، وأنهم ليس لهم عند الله من خلاق في الآخرة ، والمعنى ليس لهم حظٌ ولا نصيب من الخير في الآخرة . وبيّن – سبحانه – أن السحرة يفرقون بين المرء وزوجه بهذا السحر وأنهم لا يضرّون أحداً إلا بإذن الله المراد بذلك إذنه الكوني القدري لا إذنه الشرعيّ ، لأن جميع ما يقع في الوجود يكون بإذنه القـدريّ ، ولا يقع في ملكه ما لا يريده كونّا وقدراً ، وبيّن – سبحانه- أن السحر ضد الإيمان والتقوى . وبهـذا كلّه يُعلم أن السّحر كفر وضلال وردة عن الإسـلام إذا كان من فعله يدعي الإسلام ، وفي الصحيحين عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : [ اجتنبوا السبع الموبقات ) قلنا : وما هن يا رسول الله ؟ قال [ الشرك بالله والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ] . فبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح أن الشـرك والسحر من السبع الموبقات أي : المهلكـات والشرك أعظمها ، لأنه أعظم الذنوب ، والسحر من جملته ولهذا قرنه الرسول صلى الله عليه وسلم به ، لأن السحرة لا يتوصلون إلى السحر إلا بعبـادة الشياطين والتقرب إليهـم بما يحبون من الدعاء ، والذبح والنذر والاستعانة وغير ذلك ،
ولا يُستتاب الساحر إذا ثبت سحره ، لأن بقاءه مضر بالمجتمع الإسلامي والغالب عليه عـدم الصدق في التوبة ، ولأن في بقائه خطراً كبيراً على المسلمين .
الفرق بين السحر والكهانة والتنجيم والعرافة :
السحر : عبارة عن عزائم ورقى وعقد يعملها السحرة بقصد التأثير على الناس بالقتـل أو الأمراض أو التفريق بين الزوجين وهو كفر وعمل خبيث ومرض اجتماعي شنيع يجب استئصاله وإزالتـه وإراحة المسلمين من شره .
الكهانة : ادعاء علم الغيب بواسطة استخدام الجن ، قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد : وأكثر ما يقع في هذا ما يخبر به الجن أولياءهم من الإنس عن الأشياء الغائبة بما يقع في الأرض من الأخبـار فيظنه الجاهل كشفاً وكرامة ، وقد اغتر بذلك كثير من الناس يظنون المخبر بذلك عن الجن ولياً لله وهـو من أولياء الشيطان .
قال البغوي : والعراف هو الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضـالة ، وقيل هو الكاهن .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : العراف اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهـم ممن يتكلم في معـرفة الأمور بهذه الطرق .
والتنجيم : هو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية وهو من أعمال الجاهلية وهو شرك أكبر إذا اعتقد أن النجوم تتصرف في الكون .
كيف يعلم الساحر الغيب :
للساحر قرناء من الشياطين وهؤلاء يعرفون كل قرين لبني آدم ، والقرين هو الشيطان الذي لا يفارق بني آدم ويظله ، فيخبرانه عن صاحبه وهو الشخص فيخبرهم بما يشاءون ، وماذا أحدث وماذا فعل وأين أضاع مفقوداته ، وهم بالتالي ينقلونها ويخبرون بها الساحر . ولكنه لا يحدثك قط بالمستقبل فهو لا يعلمه أو أنه فقط يتنبأ به وقد كذب في ذلك ولو صدق ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ” كذب المنجمون ولو صدقوا ” .
وهنا سؤال : كيف بمقدور هذا الساحر بأن يأتي بالضالة وهي الأغنام الغائبة عن أصحابها ؟
فالجواب بأن الساحر يسلط الجن فيجوبوا الأرض بسرعة قصوى وينفذوا طلبه بعد كفره ويأتوا بالضالة كما أراد ذلك ونحن نعلم قصة العفريت الذي ذكر في القرآن الكريم عندما طلب سليمان عليه السلام من يأتيه بعرش بلقيس قبل أن تأتي مسلمة فـ : ” قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين ” فانظروا إلى تلك السرعة ، في ظرف لحظات أو دقائق معودة يأتي بعرشها العظيم من بين حراسها وحاشيتها من اليمن إلى فلسطين فسبحان الله .
شروط تعلم السحر :
لا يكون الرجل ساحراً ، أو المرأة ساحرة إلا إذا حصل منه عدة أمور ، حتى يتأكد الجان الذي سيخدمه أنه يريد فعلاً تعلم السحر ، والعمل به ، والإضرار بالناس ، ومن تلك الشروط :
أن يكفر بالله ، إما بسبه ، أو التعدي عليه .
أن يترك الصلاة .
أن يدخل الحمام ويصلي فيه .
أن يضع المصحف تحت قدميه ويدخل به الحمام .
أن يكتب كلمات القرآن بدم الحيض والنفاس .
أن يفعل الفاحشة في محارمه .
أن يبقى فترة أربعين يوماً مثلاً في غرفة مظلمة ولا يسمه ماءً .
أن يبقى فترة طويلة بجنابته دون غسل .
أن يبقى في غرفة مظلمة ويأتيه مارد الجن ويفعل به الفاحشة أو بالمرأة .
أن يقدم لهم القرابين .
فبهذه الشروط وغيرها يصبح الرجل ساحراً ، وينتقل من دائرة الإسلام ، إلى دائرة الكفر والعياذ بالله ، فيخسر الدنيا والآخرة .
كيف تعرف المسحور :
ليس من السهل الحكم على شخص ما بأنه مسحور لأن أعراض السحر قريبة جدا من أعراض العين ، وتتشابه مع أعراض المس بسبب وجود شيطان السحر في الغالب ، ولكن سوف أذكر أعراضاً هي في الغالب أقرب للسحر من غيرها من الأمراض الأخرى ، ومنها :
1) أعراض المس ( لوجود شيطان السحر) في غالبية أنواع السحر.
2) تغير مفاجئ في طباع المسحور من الحب إلى الكراهية ومن الصحة إلى المرض ومن العبادة إلى المعصية ومن الفرح والسرور إلى الحزن والضيق ومن الحلم إلى الغضب وإلى غير ذلك من أوامر السحر وتفلت الشياطين .
3) المسحور يكون في الغالب سريع الغضب والانفعال .
4) تزداد الحالة أو يتنقل المرض عند القراءة أو بعدها .
5) يشعر المسحور وكأنه مدفوعٌ بقول أو فعل بغير إرادته ، وغالباً ما يندم على ما فعل.
6) آلام في الأرحام .
7) آلام في أسفل الظهر .
8) يُرى في عيني المسحور بريقا زائداً وملحوظا وغالبا ما تجده لا يستطيع تركيز النظر في عين الراقي وقت الرقية ولكنة يميل بالنظر إلى أعلى وإلى أسفل .
9) رائحة كريهة تخرج من فم أو من جلدة الرأس أو من الأرحام أو من جسد المسحور عموماً ، وهذه الرائحة يشمها المريض وغيره ومهما اجتهد في غسل جسده بالشامبو والصابون فإن الرائحة تعود في نفس اليوم خصوصاً عندما يعرق جسده ، وهذا يحصل في بعض حالات السحر المأكول والمشروب وليس كل الحالات .
وهناك بعض الأعراض التي تحصل للمسحور وقت القراءة :
¨ البكاء عند آيات السحر .
¨ الاستسلام للنوم .
¨ يشعر المسحور بمثل الكرة الصغيرة ساكنة أو متحركة في المريء.
¨ غالبا لا يظهر الجني بسرعة كما هو عليه الحال في المس.
¨ قد تظهر تشنجات ولاسيما في الأطراف وعلى العينين.
¨ غثيان أو ألم في البطن.
¨ لا يستجيب للقراءة والعلاج بسرعة ( أيضا بعض حالات العين لا تستجيب للعلاج بسرعة ).
¨ وقت الرقية ينظر إلى الراقي بسخرية وربما ضحك المصاب دون إرادة منه .
– إذا كان السحر المأكول أو المشروب جديداً فإنه غالباً ما يشتكي المسحور من آلام في البطن .
– الشعور بألم دائم في المعدة مع غثيان وتقيؤ مستمر في بداية الحالة ( ليس في كل الحالات ).
– غثيان ( يزداد وقت الرقية ) ما لم يكن السحر قديماً أو منتشرا في أنحاء الجسم.
– كثرة الغازات في البطن .
– يشعر بقعقعة في البطن وقت الرقية.
– يشعر بمثل الكرة في المريء والبلعوم خصوصا وقت القراءة.
– يشعر بحرارة في جوفه بل في بدنه عامة خصوصاً وقت الرقية.
– خروج رائحة كريهة من المعدة ( عن طريق الفم ) تزداد وقت الرقية .
– يشعر بألم وتقطيع في بطنه وقت الرقية .
– عدم الرغبة في الأكل ( ليس في كل الحالات ).
– الإمساك المزمن ( في بعض الحالات ) .
– الألم الشديدة فترة الدورة ( عند النساء ) .
– ضعف الرؤية ( البصر ) ، وربما ترى في عينيه بريقاً غامض يتدفق كأنه إشعاع مغناطيسي .
– قد يرى أمام عينيه شعراً أو حبالاً معقدة أو ملفوفة ولو كان مغمض العينين ، هذا غالبا ما يكون في السحر المأكول والمشروب .
– المسحور بهذا النوع من السحر ينزعج عندما يلمسه أحد خصوصا في المواضع التي يكثر فيه السحر في جسده .
– ومن علامات السحر المأكول والمشروب الشعور بالضيق عند التنفس ، ويسمع له أحيانا فحيح عند الشهيق والزفير وهو أشبه ما يكون بالشخص المصاب بالربو .
– ومن علامات السحر المأكول والمشروب سواد الوجـه خصوصاً وقت الرقية فإذا ما استفرغ السحر أشرق لونه واستنار وجهه.
– يشتكي المسحور بالمأكول والمشروب بآلام في أسفل الظـهر في منطقة العجز والعصعص ولعل ذلك بسبب وجود السحر في المستقيم ( القولون ).
– في حالة السحر المأكول أو المشروب ، عند انتفاخ اليد أو الرجل أو ظهور البقع الزرقاء ووجود الألم فيها ، فيه إشارة على هيجان السحر في ذلك العضو.
– وقت الرقية يرى المريض فجأة في مخيلته بريقاً مفاجئاً أشبه ما يكون بمجموعة نجوم متلألئة ، وهذا يعني أن سحرا في مخيلته قد أحرقه الله وهو الغالب على الظن، أو شيطاناً تحرك بصورة سريعة في عصب عينيه .
– كثرة التمخط من الأنف والبصاق من الفم وقت الرقية فيه دليل على وجود السحر في مقدمة الرأس ( الدماغ ) والجيوب الأنفية .
– تجد أحياناً بعض من به سحر مأكول أو مشروب يكثر من فرك فروة رأسه أو يمسح مسحا خفيفا على جوانب رأسه ، وفيه ذلك دليل على وصول عقد السحر إلى الرأس.
– يذكر أكثر من شخص ممن يعانون من سحر في بطونهم أنهم يشعرون بمثل الكرة تنفجر في بطونهم وقت القراءة وبعدها يخرج السحر .
– من علامات السحر المأكول الخمول والثقل في البدن خصوصاً على الأكتاف والخفة بعد الاستفراغ .
– الموضع الذي يشعر به المسحور بألم غالبا ما يكون مكان عقد السحر في الجسد.
لا يسلم بهذه الأعراض ولكنها تحصل مع بعض من بهم سحر مأكول أو مشروب.
كيف يعرف الساحر :
يمكن أن يعرف الساحر بعلامات لا تخفى على كثير من الناس ، فمن وجدت فيه أي علامة منها فهو ساحر بدون أدنى شك وهذه العلامات هي :
1- يسأل المريض عن اسمه واسم أمه .
2- يأخذ أثراً من آثار المريض مثل : ثوب أو شماغ أو غترة أو طاقية أو منديل أو فانيلة أو سروال أو غير ذلك من أي شيء يستخدمه المريض .
3- يطلب حيواناً بصفات معينة ليذبحه ، ولا يذكر اسم الله عليه ، وربما لطَّخ بدمه أماكن الألم من المريض ، أو يرمي به في مكان خرب .
4- كتابة الطلاسم .
5- تلاوة الطلاسم والعزائم غير المفهومة .
6- إعطاء المريض حجاباً يحتوي على مربعات بداخلها حروف أو أرقام .
7- يأمر المريض بأن يعتزل الناس فترة معينة في غرفة لا تدخلها الشمس وهي ما يسمى ( بالحجبة ) .
8- يطلب من المريض أحياناً ألا يمس الماء لمدة معينة ، وغالباً ما تكون أربعين يوماً .
9- يعطي المريض أشياء يدفنها في الأرض .
10- يعطي المريض أوراقاً يحرقها ويتبخر بها .
11- يتمتم بكلام غير مفهوم ، وخارج تماماً عن اللغة العربية .
12- يخبر المريض أحياناً باسمه واسم بلده وما مشكلته التي جاء من أجلها ، وذلك قبل أن يتكلم المريض .
13- يكتب للمريض حروفاً مقطعة في ورقة وهي ( الحجاب ) أو في طبق ويأمر المريض بإذابته وشربه .
14- يظهر على الساحر قوة العناد والإصرار على الباطل ، وكثرة الكذب والمكر والخديعة ، فلا يمكن زعزعة عقيدته الشيطانية من نفسه .
15- إذا ظهر إبليس أو أحد أعوانه وأتباعه في أي صورة أو عندما يرى حريقاً أو أمراً مفزعاً ، فلا ترتعد فرائصه ولا تأخذه الرهبة ، لأنه قد تعود على تلك المشاهد والمناظر التي لم يعتادها غيره .
16- لا يحترم الكتب السماوية ، وخاصة القرآن ، فقد يتبول عليه ويضعه في رجليه ويدخل به إلى الحمام ، ويستهزأ بما فيه من الآيات .
17- تجده دائماً قذراً ذو رائحة كريهة ، ومنظر بشع ، ويلبس ملابس متسخة .
18- أحياناً يكون في غرفة شبه مظلمة .
19- يستخدم أحياناً البخور والنار ويضع بداخلها بخوراً أو غيره .
20- قد يطلب أن يخلو بالمريض إذا كانت امرأة ، مع معرفة الناس تحريم خلوة الرجل الأجنبي بالمرأة الأجنبية .
21- لا يخرج مع الناس لأداء الصلاة في المساجد ، وقد يخرج أحياناً ولكن بكل نجاسة وقذارة ، حتى لا يكتشف أمره .
22- مستعد لارتكاب أي فاحشة ، ولا يتورع عن اقتراف أي رذيلة .
توبة الساحر :
لقد مر بنا فيما سبق حكم السحر وأنه حرام وقد ذكرت الأدلة على تحريمه من الكتاب والسنة ، بقي أن أذكر حكم توبة الساحر إذا تاب ، فتنقسم التوبة إلى قسمين :
1- توبة الظاهر : وهي التي يظهرها للناس ، ويعلن فيها توبته ، فهذه التوبة عند جمهور العلماء لا تقبل ولا بد من قتله ، قال القرطبي رحمه الله : ذهب مالك إلى أن المسلم إذا سحر بنفسه بكلام يكون كفراً يقتل ، ولا يستتاب ، ولا تقبل توبته ، لأنه أمر يستتر به كالزنديق ، والزاني ، ولأن الله تعالى سمى السحر كفراً بقوله تعالى : ” وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر ” وهذا القول هو قول : أحمد بن حنبل ، وأبي ثور ، وإسحاق ، وأبي حنيفة .
قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى :
السحر من أعظم ما يكون في الجناية على بني آدم ، فهو يفسد عليه دينه ودنياه ، ويقلقه فيصبح كالبهائم ، بل أسوأ من ذلك ، فالآدمي إذا صُرف عن طبيعته وفطرته لحقه من الضيق والقلق ما لا يعلمه إلا رب العباد ، ولهذا كان السحر يلي الشرك بالله عز وجل ، كما في حديث أبي هريرة المتفق على صحته .
والحاصل : أنه يجب أن نقتل السحرة ، سواءً قلنا بكفرهم أم لم نقل ، لأنهم يُمرضون ، ويقتلون ، ويفرقون بين المرء وزوجه ، وكذلك بالعكس ، فقد يعطفون فيؤلفون بين الأعداء ، ويتوصلون إلى أغراضهم ، ولأنهم يسعون في الأرض فساداً ، فكان واجباً على ولي الأمر قتلهم بدون استتابة مادام أنه لدفع ضررهم وفظاعة أمرهم ، فإن الحد لا يستتاب صاحبه ، متى قبض عليه وجب أن ينفذ فيه الحد . والقول بقتلهم موافق للقواعد الشرعية ، لأن فسادهم من أعظم الفساد ، فقتلهم واجب على الإمام ، ولا يجوز للإمام أن يتخلف عن قتلهم ، لأن مثل هؤلاء إذا تركوا وشأنهم انتشر فسادهم في أرضهم وفي أرض غيرهم ، وإذا قتلوا سَلِمَ الناس من شرهم ، وارتدع الناس عن تعاطي السحر . [ القول المفيد 1 / 509 ] .
وقال الشيخ صالح الفوزان :
حكم الساحر وجوب قتله ، لأنه يفسد في الأرض ، كما قال تعالى : ” ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين ” فالساحر مفسد في الأرض يجب قتله ، وأيضاً هو كافر ، والكافر يجب قتله ، إن كان كافراً كفراً أصلياً وجب قتله بكفره وإفساده ، وإن كان مسلماً ثم استعمل السحر وجب قتله لردته ، وكفر الساحر مطلقاً هو مذهب الأئمة الثلاثة : أحمد ، ومالك ، وأبي حنيفة ، يرون كفر الساحر ، وقد سبقهم جمع من الصحابة ، ويقول الإمام الشافعي : نقول للساحر : صف لنا سحرك ، فإن وصفه بما يقتضي الكفر فهو كافر ، وإلا فلا . ولكن هذا المذهب مرجوح ، لأنه لا يمكن السحر إلا بالتعاون مع الشياطين ، والخضوع لهم ، وحينئذ يكون كافراً . وقد صح عن عمر بن الخطاب ، وحفصة أم المؤمنين ، وجندب بن كعب الأزدي الغامدي ، رضي الله عنهم وجوب قتل الساحر ولم يظهر لهم مخالف من الصحابة ، فدل ذلك على وجوب قتله لأنه مرتد ، والمرتد يجب قتله ، لقوله تعالى : ” من بدل دينه فاقتلوه ” ، والساحر لا يُستتاب ، بل يُقتل وإن تاب في الظاهر ، لأن التوبة لا تزيل السحر من قلبه بعدما تعلمه ، لأنه قد يُظهر التوبة وهو غير صادق ، بل من أجل أن يتقي الفساد . لكن إن كان صادقاً في توبته ، فهذا فيما بينه وبين الله ، أما الحد فلا يسقط عنه ، هذا حكمه في الدنيا . [ إعانة المستفيد 1 / 482- 488 ] .
وقال أعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية :
إذا أتى الساحر في سحره بمكفر قتل لردته حداً ، وإن ثبت أنه قتل بسحره نفساً معصومة قتل قصاصاً ، وإن لم يأت في سحره بمكفر ، ولم يقتل نفساً ففي قتله خلاف ، والصحيح أنه يقتل حداً لردته ، لقوله تعالى : ” واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا ” فهذا الآية دلت على أن الساحر كافر مطلقاً . فلا توبة له عند الناس ، لأنه ماكر مخادع مؤذ ، لا يؤمن شره وفساده ، فلذلك يجب قتله ولا توبة له في الدنيا ، لما ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أنه كتب قبل موته بشهرين : [ اقتلوا كل ساحر وساحرة ] ( رواه أبو داود وهو صحيح ) ، ولما ورد عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم : [ أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها ] ( الموطأ 2/871 بإسناد صحيح ) . ولما ثبت في صحيح البخاري عن بجالة قال : ” كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة فقتلنا ثلاث سواحر ” ، ولما ثبت عن جندب مرفوعاً قال : ” حد الساحر ضربه بالسيف ” ، وعلى هذا فحكم الساحر أنه يقتل على الصحيح من أقوال العلماء .
2- توبة الباطن : وهي التوبة بين الساحر وبين ربه تبارك وتعالى ، فالله جل وعلا يقبل التوبة ، ولا يحول بين الساحر وبين التوبة أحد ، فإن تاب وصحة توبته ، قبلت منه بإذن الله تعالى ، لعموم آيات وأحاديث قبول التوبة . أما جزاؤه في الدنيا فلا بد من قتله لما سبق ذكره من أقوال العلماء ، ولأنه لا يؤمن جانبه .
حل ( أو فك ) السحر :
إذا تبين لنا أن الساحر كافر ، ومدع علم الغيب ، ويتعامل مع الجن ، ولا يتأتى له ذلك حتى يكفر بالله تعالى ، فعلاج السحر ينقسم إلى قسمين :
1- حله بسحر مثله :
ومعنى حل السحر بالسحر : أي فك السحر وعلاجه عن طريق السحرة ، وهذا أمر محرم ، لمناقضته للكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة ، فيحرم فك السحر بسحر مثله .
لأن حل السحر بسحر مثله ، فيه إعانة للساحر على الباطل ، وتماد في غيه ، وفيه تعاون على الإثم والعدوان ، وفيه رضاً بعمل الساحر الذي هو من الكفر والعياذ بالله ، وفيه تقرب للشيطان بأنواع القرب ليبطل عمل السحر ، وهذا من الكفر بالله تعالى ، فلا يتوكل الإنسان إلا على الله تعالى ، لأنه هو النافع الضار ، وهو الذي بيده دفع الضرر عن المري