الأسباب المعينة على قيام الليل
18-10-2022 596 مشاهدة
الأسباب المعينة على قيام الليل كثيرة أبرزها خمسة :
🔴تحري أكل الحلال والابتعاد عن الحرام
▪️السبب الأول وهو أعظمها: أن يأكل الإنسان الحلال، وأن يبتعد عن الحرام، مثل أكل الربا والغش والاحتيال الذي فشا فينا، ولعل عدد المرابين في هذا الوقت من كل مائة سبعين، وربما يزيدون، ينتسبون إلى الإسلام اسماً ولا يصلي ويرابي، وأما إن كان من المصلين فصلاة الفريضة يضرب الله بها وجهه، فهل يوفق لقيام الليل؟ هيهات هيهات أن يوفق لمجالسة الله ومناجاته في ذلك الوقت العظيم! وفي صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله طيب لا يقبل طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون:51]، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172]، ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك ). قال سهل التستري عليه رحمة الله: من أكل الحلال أطاع الله شاء أم أبى، ومن أكل الحرام عصى الله شاء أم أبى، فإذا وضعت في السيارة وقوداً سليماً فإن السيارة تمشي، وإذا وضعت فيها تراباً أو غير ذلك فلا تتحرك، وهكذا البدن، إذا أدخلت فيه حلالاً يوفقك الله جل وعلا لمناجاته، وقد كان سلفنا يحذرون من مجالسة ثلاثة من العلماء: الأول: المبتدع، فعلى لسانه شيطان يتكلم، والثاني: الذي لا يبالي ما يدخل في جوفه من حلال أو حرام، فإنه ينطق عن الهوى، والثالث: الذي لا عقل له، فما يفسده أكثر مما يصلحه، أحمق مهووس، هؤلاء الثلاثة ينبغي الحذر منهم.
🔴ترك الذنوب
▪️الأمر الثاني: ترك الذنوب على سبيل العموم والكل، فمن لوث نفسه وقلبه بشيء من الذنوب بالنهار لا يوفق للقيام في الليل، فمن أحسن في نهاره كوفئ في ليله، ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره، ولذلك لما قيل لـابن مسعود رضي الله عنه: لا نستطيع قيام الليل؟ فقال: أبعدتكم ذنوبكم، وقيل للحسن البصري : إنه لا يتيسر لنا قيام الليل، فقال: قيدتكم خطاياكم، إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل، وكان أبو سليمان الداراني عليه رحمة الله الذي تقدم معنا ذكره يقول: لا تفوت أحداً صلاة الجماعة إلا بذنب يذنبه.
إن اللئيم عن المكارم يشغل
فإذا منع من صلاة الجماعة لذنب فمن باب أولى سيمنع من القيام بسبب الذنوب والعيوب.
وقد قال بعض السجانين في زمن التابعين: كنت سجاناً ثلاثين سنة، فكل من يؤتى به إلى السجن في الليل أسأله: هل شهدت العشاء في جماعة؟ فيقول: لا، فأقول: هذا من شؤم إعراضه عن الله وقع فيما وقع فيه، ولو صلى العشاء في جماعة والفجر في جماعة لكان في حفظ الله وذمته، ووفق لقيام الليل، ونحي عن تلك الأماكن، ثلاثين سنة يشرف على السجن، يقول: ما دخل أحد السجن وقد صلى العشاء في جماعة، فهذا الأمر ينبغي للإنسان أن يحرص عليه وهو أن يبتعد عن الذنوب.
🔴الابتعاد عن الفضول وما لا فائدة منه في كل شيء
▪️الأمر الثالث: أن يبتعد عن الفضول، أو كل ما لا فائدة منه من كلام فليترك الثرثرة، ومن نظر، ومن أمور لا يحتاج إليها، من فراش وثير وما شاكل هذا، فليقتنع وليقتصد، وليقنع بما يوصله إلى غايته، وليترك الفضول من كل شيء؛ فضول النظر والكلام والسماع وغير ذلك، كل هذا ليبتعد عنه؛ لئلا يشغله ذلك عن قيام الليل، وهذا يدخل فيما رواه الترمذي وغيره بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )، وفي الصحيحين وغيرهما عن نبينا صلى الله عليه وسلم: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت )، وقد تقدم معنا في بيان هدي الإسلام في النوم الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أمنا عائشة رضي الله عنه: ( أن فراش النبي صلى الله وسلم كان من أدم -من جلد- حشوه ليف ).
وفي شمائل الترمذي عن أمنا حفصة رضي الله عنها ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان فراشه في بيتها مسحا )، أي: كساء خشن غليظ، ( مسحاً نثنيه ثنيتين فينام عليه، فقلت -أي: حفصة رضي الله عنها- لو ثنيته أربع ثنيات لكان أوطأ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فثنيته أربع ثنيات فقام النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن استيقظ وقال: هل غيرتم فراشي؟ قلنا: لا، إلا أننا كنا نثنيه ثنيتين فثنيناه أربع ثنيات، فقال: إنه منعني عن قيام الليل هذه الليلة، أعيدوه كما كان ).
عباد الله! تفقدوا فرشكم، إن الناس في هذا الوقت -وخاصة عند بداية العرس- يريدون أن يؤثثوا بيتاً كبيت فرعون وقارون ، سرير وثير إذا نام عليه الإنسان لا يستيقظ إلى الظهر، والأسرة التي بدأت تباع الآن من أسرة إيطالية أو أميركية، يا عبد الله! هذه ليست للمسلمين، هذه للملاعين، للإيطاليين والأمريكيين، دعك منها يا عبد الله، وعلى الجانب الأيمن موسيقى شرقية، وعلى الجانب الأيسر موسيقى غربية! وإذا نام الزوجان تضرب الموسيقى حتى يناما، ولا يستيقظا بعد ذلك إلا إلى جهنم وبئس المصير! هكذا تؤثث بيوتنا في هذا الوقت، كان فراش خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه يثنى أربع ثنيات ويمنعه عن قيام الليل، فماذا سيكون حال غيره؟! تعهدوا أنفسكم واتركوا الفضول، فإن الفضول سيقودنا للعمل المرذول، وسيحول بيننا وبين مناجاة الله جل وعلا في السحر.
🔴 نوم القيلولة
▪️الأمر الرابع: ينبغي للإنسان أن يأخذ بحظه من القيلولة في النهار، وهي النوم الذي يكون بعد تناول طعام الغداء، من الظهر إلى العصر، ينام ولو دقائق، فهذه النومة اليسيرة تعينه على قيام الليل، ورد في سنن ابن ماجه بسند فيه ضعف لوجود زمعة بن صالح فيه وهو ضعيف، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( استعينوا بطعام السحر على صيام النهار، واستعينوا بالقيلولة على قيام الليل )، وكان الحسن البصري رضي الله عنه عندما يمر على أهل السوق يقول: أظن ليل هؤلاء ليل سوء؛ لأنهم لا يقيلون، أي: إذا كانوا لا يقيلون فلن يستيقظوا لمناجاة الله سبحانه وتعالى فيكون ليلهم ليل سوء، فليأخذ الإنسان بحظه من القيلولة وإن كان وقتاً يسيراً.
🔴 تذكر الموت والدار الآخرة عند النوم
▪️ الأمر الخامس: إذا أردت أن تنام يا عبد الله! فتذكر الموت، وأنك ستنام بعد ذلك نومة تقول فيها: رب ارجعون، لعلي أعمل صالحاً فيما تركت، وأنك ستنام نومة يقول فيما بعد تلك النومة كل واحد من بر وفاجر: واحسرتاه! وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [مريم:39]، تذكر هذا يا عبد الله! فإذا مت فأعظم ما تسأله من ربك الرجعة إلى الدنيا، فافرض أنك مت وقد أرجعك الله فخذ استعدادك، وخذ أهبتك يا عبد الله قبل أن تتمنى فيقال لك: كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100]، وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ [ص:3].
ولذلك قالت رابعة لـسفيان : يا سفيان ! إنما أنت أيام معدودة، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك، وإذا ذهب بعضك فيوشك أن يذهب كلك. فانتبه لنفسك يا عبد الله! تأمل هذا يا عبد الله! تأمل إلى أي شيء ستصير بعد النومة الحقيقية عندما تلقى في القبر، إذا استحضرت هذا عند نومك ستوفق لمناجاة ربك، تأمل حال القبور، فحالها كما قال القائل:
أتيت القبور فناديتها فأين المعظم والمحتقر
وأين المدل بسلطانه وأين المزكى إذا ما افتخر
والجواب يا عبد الله!
تفانوا جميعاً فما مخبر وماتوا جميعاً ومات الخبر
تروح وتغدو بنات الثرى فتمحو محاسن تلك الصور
فيا سائلي عن أناس مضوا أما لك فيما ترى معتبر
أسأل الله برحمته التي وسعت كل شيء أن يجعلنا ممن يقومون الليل، وممن يتقبل ذلك منهم إنه على كل شيء قدير، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت فتنة بقوم فتوفنا غير مفتونين بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك، وحب عمل يقربنا إلى حبك، اللهم اجعلنا من المحبوبين عندك، واجعلنا من أحب خلقك إليك، ومن المقربين لديك، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، سلماً لأوليائك حرباً على أعدائك يا رب العالمين.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين، يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث فأصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمن له حق علينا، ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
————————
مقتبس من محاضرة لشيخنا الزاهد عبدالرحيم الطحان شفاه الله وعافاه