اعتزاز المسلم بعقيدته ودينه

28-10-2020 1420 مشاهدة

                         

 

                            الهـــــوية

 

 

الاعتزاز بالعقيدة

والأخلاق والعناية بالمظهر

 

 

 

                                       إعداد

                           أبي سليمان المختار بن العربي مؤمن

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الاعتزاز بالعقيدة   :

العزة في اللغة مأخوذة من العزّ،وهو: ضد الذّلّ.

 والعزيز من صفات الله – عز وجل-، قال الزجاج: الممتنع فلا يغلبه شيء،

 وقال غيره: هو القوي الغالب على كل شيء.

وقيل : العزة حالة مانعة للإنسان من أن يغلب، وهي إحساسٌ يملأ القلب والنفس بالإباء والشموخ والاستعلاء والارتفاع.

وهي ارتباطٌ بالله وارتفاعٌ بالنفس عن مواضع المهانة والتحرر من رِقِّ الأهواء ومن ذُلِّ الطمع وعدم السير إلا وفق ما شرع الله ورسوله  صلى الله عليه وسلم  .

والغاية منها : الرفعة والفخر على الآخرين بلا تكبر وهي نابعةٌ من الخيرية التي ينتج عنها الخير للبشر من مناصرة للفضيلة ومقارعة للرذيلة واحترام للمثل العليا .
ومن أسماء الله : العزيز، وهو الذي يهب العز لمن يشاء من عباده ] وتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [  (آل عمران: من الآية26).     

ومن أهمّ ماينبغي أن يعتزّ به المسلم هو إسلامه عقيدةً وشريعة ومنهج حياة ، ولقد ضرب لنا السلف الأوائل المثل العليا في اعتزازهم بعقيدتهم وإسلامهم  ]  فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) [ واستمسكوا بحبل الله ودعوه أن يثبتهم على دينهم وأن يغفر لهم تقصيرهم  وأن ينصرهم على أعدائهم  قائلين  ]  رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147)  [ فما كان من ربّ العزّة والجلال إلاّ أن مكّن لهم في الأرض وأورثهم عقبى الدّار ] فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) [ .

لقد أدرك أعداؤنا أنه لايمكن أن نهزم في معركة السلاح مهما طالت المعركة واستقمنا على منهج ديننا ، فانبروا إلى محاربة عقيدتنا وأخلاقنا وكل مايتصل بديننا فاسمع وأبصر كيف كانت نصيحة لويس التاسع ملك فرنسا تمثل معلماً بارزاً للغرب في تعامله مع المسلمين حيث قال : (( إذا أردتم أن تهزموا المسلمين فلا تقاتلوهم بالسلاح وحده فقد هُزمتم أمامهم في معركة السلاح ، ولكن حاربوهم في عقيدتهم فهي مكمن القوة فيهم"   ووعى قومه هذه النصيحة فجاءت رياح الاستعباد الغربي لبلاد الإسلام بأساليب ومشاريع أخرى مختلفة تماماً عن ذي قبل  ".

 

لماذا نعتز بعقيدتنا  ؟

الاعتزاز بالعقيدة يعني ببساطة لأنّ الله أنقذنا بها من انحطاط عقدي وتسفل أخلاقي ، لقد كنا ضُلالا فهدانا، وأذلة فأعزنا ، وفقراء فأغنانا ، لم نكن شيئا ذاقيمة في هذا الوجود فصرنا به أمة مترامية الأطراف ، كثيرة العدد ، وافرة الخيرات ،  نحن أمة عزيزة بدينها لاغير كما قال الفاروق : نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله ".

نعتز بعقيدتنا لأننا نوحد الله ولانشرك به شيئا ،ونتبع محمدا  صلى الله عليه وسلم  ونرضاه نبيا ورسولا ، ونفخر بالإسلام ونعمل به منهاجا وشرعة حياة .

نماذج من عزة السابقين :

جاء في القصة المشهورة التي رواها الحاكم من طريق ابن شهاب قال: خرج عمر بن الخطاب t  إلى الشام، ومعنا أبو عبيدة بن الجراح t  ، فأتوا على مخاضة -وهي تشبه البحيرة- و عمر على ناقة، فنزل عنها وخلع خفيه، فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة : يا أمير المؤمنين! أأنت تفعل هذا تخلع خفيك وتضعهما على عاتقك وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة؟! ما يسرّني أن أهل البلد استشرفوك -أي: أهل بيت المقدس؛ لأنه كان ذاهباً ليستلم المدينة- فقال عمر الذي فتح بيت المقدس أول فتح قال: أوه![1] لو قال ذا غيرك يا أبا عبيدة ! لجعلته نكالاً لأمة محمد  صلى الله عليه وسلم  ، إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما طلبنا العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله.

 ففي أي عصر من العصور، أو مكان من الأمكنة إذا أراد المسلمون أن يعيدوا عزهم بغير الإسلام لابد أن يذلوا، وهذه قاعدة مقررة، يقول: إنا كنا أذل قوم، فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله.

 وفي رواية أخرى قال: يا أمير المؤمنين! تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على حالك هذه؟ فقال عمر : إنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فلن نبتغي العزة بغيره.

 

وإليك مثال آخر : هذا ربعي بن عامر يرسله سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قبل القادسية رسولاً إلى رستم قائد الجيوش الفارسية وأميرهم، فدخل عليه وقد زيّنوا مجلسه بالنّمارق والزّرابي والحرير  وأظهر اليواقيت واللاّلئ الثّمينة العظيمة، وعليه تاجه وغير ذلك من الأمتعة الثمينة، وقد جلس على سرير من ذهب.

ودخل ربعي بثياب رثة وفرس قصيرة، ولم يزل ربعي راكباً هذه الفرس حتى داس بها على طرف البساط، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد، وأقبل وعليه سلاحه ودرعه، وبيضته على رأسه، فقالوا له: ضع سلاحك، فقال: إني لم آتكم، وإنما جئتكم حين دعوتموني، فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت، فقال رستم : ائذنوا له، فأقبل يتوكّأ على رمحه فوق النّمارق، فخرق عامّتها، فقالوا له: ما جاء بكم؟ فقال: إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام-وهذا كله يبين ما هي مقاييس المسلمين وما هي مقاييس غيرهم-.

 عزة وأيّ عزة ترى ملوك الدنيا وقياصرتها صغارا ، لأنها مستمدة من العزيز الكبير سبحانه .

مسلم معاصر يعتز بدينه :

يقول صاحب القصة : أنا أعمل مديرا لدائرة التوظيف في الشركة التي أعمل بها
وقبل سنتين فتحنا باب القبول والتسجيل لأحدى الوظائف فتقدم لنا أكثر
من خمسمائة موظف وموظفة جميعهم ذوو شهادات أكاديمية وخبرات تؤهلهم
للقبول … وكان قرار لجنة القبول أن المقابلة الشخصية هي الحكم في
الاختيار.  

يقول  قمنا بجدولة مواعيد المقابلات الشخصية إلى أن جاء اليوم
والذي نقابل فيه أحد طالبي الوظيفة ؛ وهو فلبيني الجنسية ؛  وأوّل ما جلس على
الكرسي قال للجنة التّوظيف سأملي عليكم شروطي أوّلا ثمّ قولوا ما تريدون
ولكم الحكم النّهائي .
استغرب الجميع بهذا الطلب وانه سيملي عليهم شروطه بينما هو من يحتاج
إليهم … اثار ذلك حفيظتهم وفضولهم فقالوا له : قل ما تريد …    
قال أنا في بطاقتي المدنية اسمي (جيمي) ولكن الله منَّ علي بنعمة الإسلام
قبل ثلاثة أسابيع فقط وسيتغير اسمي من (جيمي) إلي (جميل محمد) … ,ونحن
كمسلمين نقوم بالصلاة خمس مرات في اليوم فيجب عليكم إعطائي وقتا مستقطعا في أوقات الصلاة أعوضكم بدلا عنها بعد الدوام الرسمي ….
     يقول ذلك الرجل: إن من المفارقات العجيبة أن جميل محمد هو المسلم الوحيد ضمن المتقدمين ونحن كلنا مسيحيون ولكن جاء اختيار اللجنة عليه لجرأته وإيمانه بمبادئه وعقيدته التي تجلت في شخصيته … حيث إن هذه الشخصية ستكون محلّ ثقة الجميع ، وستخلص لمن تعمل كي تأخذ رزقها حلالا … وبإسلام جيمي أو جميل محمّد أنا أعلنت إسلامي لما رأيته في سماحة وقوة الإسلام إنّها قصّة رائعة أبكت كثيرا  ممّن حضر في تلك القاعة وتأثر به المسيحي والهندوسي والبوذي قبل المسلم ..لأن قاصها عبر عنها بجوارحه وأحاسيسه وربطها بواقع الحياة العملية  ….
أخي الحبيب :     
ذلك الفلبيني يفخر ويعتز بإسلامه وهو قد دخل الإسلام قبل ثلاثة أسابيع
هل افتخرنا بإسلامنا ونحن في إسلامنا منذ عقود …..

لقد افتخرنا بإسلامنا كثيرا فمتى نكون مسلمين حقّاً نكتب الفخار لديننا ؟؟؟

 

الاعتزاز باللِّباس والمظهر :

للمسلم شخصيته المتميزة التي تدل عليه من بين كلّ الناس ، فعقيدته ثابتة ، ومخبره صادق إن أفلح في تزكيته ، ومظهره جميل ينمّ عن عقيدة راسخة وذوق أخلاقيّ رفيع ، ومظهره يدلّ على مخبره ،ويفصِّلُ وجهة تفكيره .

المسلم العزيز بدينه : يعتزّ بلباسه لأنه يعتبره دعوة ، وكلامه دعوة ، وأخلاقه دعوة ، إنه المسلم الذي ارتضى الإسلام دينا لايهمّه المكان ولا الزمان فهو عبَقُهُما وإن تخاذل الآخرون ،متمسك بقول الحبيب  صلى الله عليه وسلم  : « أصلحوا ثيابكم تكونوا كالشامة بين الناس  »[2] .

     وأما أنت أيتها المسلمة العفيفة هل تعلمين مامدى دعوتك إلى الله عندما تتمسكين بحجابك ، الذي ليس يعني فقط لباس الخمار والجلباب بل فوق ذلك كما قال العلامة عبد الله بن حميد رحمه الله تعالى : إنّ المرأة المسلمة ينبغي أن تكون عفيفة ، وأن تكون ذات مروءة، وأن تكون بعيدة عن مواطن الشبه ، بعيدة عن اختلاطها بالرّجال ، الأجانب ،هذا هو معنى الحجاب بالإضافة إلى ستر وجهها ويديها عن الرّجال الأجانب ، لأنّ محاسنها وجمالها هو في وجهها ، والحجاب وسيلة ، والغاية من تلك الوسيلة هو محافظة المرأة على نفسها والبقاء على مروءتها وعفافها وإبعادها عن مواطن الشُّبَه ، وألاّ تفتتن بغيرها وألاّ يفتتن غيرها بها ، فإنّ محاسنها وجمالها كلّه في وجهها " .

واستمع معي إلى هاتين القصتين لتعرف اعتزاز المسلم بدينه :

القصة الأولى : يقول الرّاوي :

في رمضان من عام 1421 هـ
كنت أسير في أحد شوارع مدينة " استراسبورغ " الفرنسية بثيابي البيضاء ! وغترتي البيضاء !!
وكنت إذا سافرت مُشرِّقاً أو مُغرِّباً سافرت بثيابي المعتادة،وذلك لعدة اعتبارات :
 –
تميّـز المسلم عن الكافر
 – اعتزاز المسلم بِدِينه
 – مخالفة الكفار
 – أن الكفار إذا جاءوا إلى بلادنا لم يُغيّـروا ملابسهم ؛ فَـلِـمَ نُغيّـر ملابسنا إذا سافرنا إليهم ؟
فكنت أمشي في أحد شوارع تلك المدينة وإذا بي أسمع صوتا التفت أبحث عن مصدر الصوت ، وإذا هو شاب من النّاحية الأخرى من الشّارع يُشير إليّ بيده ، ويُصوّت : شيخ .. شيخ .
أردت أن أعبر الشارع إليه ، فأومأ إليّ بيده أن قف ، فوقفت ثم عبر الشارع إليّ
سلّم عليّ بحرارة كأنه إلف يعرفني منذ زمن !
أخذني بحضنه !
قال : من بلاد الحرمين ؟
قلت : نعـم
أخذ طرف غترتي وضعه على وجهه ! .. أخذ يشـمّـهـا !
مسح بها وجهـه !!
قلت له : ماذا تصنع ؟
قال : بركـة !
ولـم أٌقِـرّه على فعله ذلك .
سألته عن اسمه ، فأخبرني
سألته عن جنسيته
فقال : وُلِدت في فرنسا وأحمل الجنسية الفرنسية
سألته عن أصله
قال : من بلاد المغرب العربي " من الجزائر "
سألته : مسلم أنت ؟
قال : نـعـم
قلت : لـم أرَك في المسجد رغم قُرب المسجد
قال : أستغفر الله يا ربي ! ما نِـيّـاش صايم !
قلت : هذا عذر أقبح من ذنب !
سألته : لماذا ؟
قال : وقع لي حادث فما صمت أول الشهر !
أخذ يحاول إقناعي بأنه مسلم !
قال : جدي مسلم ومجاهد
ثم أردف قائلا : قاوم الاحتلال الفرنسي .. قاتل الفرنسيين ! ثم وقع في الأسر ، فأرادوه على معلومات عن المجاهدين ، فما أعطاهم فلما أيسوا منه ألقوه من طائرة على قمـة جبل !
قلت : وأنت مسلم وجدك مجاهد ولا تُصلّي ولا تصوم .. ماذا بقي لك من الإسلام ؟؟
قال : إذا جئت للمسجد تُعطيني مثل هذه ! وأشار إلى الغترة !
قلت : نعم . بشرط أن أراك في المسجد
انصرف الشاب وهو يعدني أن يأتي إلى المسجد وأن يُصلّي .
نعم لقد كان ضائعا عن دينه ، عن عقيدته ، عن أخلاقه، بل حتى عن هندامه ، فلما رأى تذكر أنه كان يوما هكذا أو قريبا من هذا .
إن تميّـز المسلم بلباسه – لاسيما الداعية – في مثل تلك المجتمعات يُعـدّ دعوة صامتة.

 

القصة الثانية : قصة تمثل طرفي نقيض : امرأة ملتزمة؛ وأخرى متبرجة :
امرأة عربية سافرت إلى أوربا ، وكعادة بعض نسائنا عندما يُسافرن إلى أوربا يخلعن جلباب الحياء ويتقـشّـرن ! من ملابسهن
سافرت تلك المرأة إلى بلد أوربي ، لبست القصير لتظهر بمظهر ( حضاري ) !
وبينما كانت في أحد الأسواق إذا بها ترى منظراً غريبا في تلك البلاد
ترى امرأة قد غطّـت جسدها من رأسها إلى أخمص قدميها
لا يُرى منها شعر ولا ظفـر !!
توجّـهـت المرأة العربية ( المُقـشَّـرة ) ! إلى الأخرى المحجبة ؛
خاطبتها بِـحـدّة وزجرتها : مثل هذا اللِّباس تلبسينه هنا ؟
فضحتينا بلباسك !
فشّـلـتينـا !(أي أهنت كرامتنا )
المرأة المحجبة لم تفهم كلمة واحدة ، لكنّها فهمت أنّها هي المقصودة بتلك الـنّبـرة !
قالت لها بلغة أجنبية : تتكلّمين الإنجليزية ؟
قالت : نعم .
( تغيّـرت لغـة الحوار إلى الإنجليزية ).
قالت : ماذا كنت تقولين ؟
قالت : ما هذا اللّباس ؟ هذا اللّباس يُلبس في بلادنا ! أنت هنا في أوروبا ! هذا اللّباس تخلّـف !
ردّت المحجبة بكلّ هدوء : لكنني لست عربيّة !
وجاء الجواب الآخـر : أنا ألمانيـة
ونـزل الجواب الثالث نـزول الصاعقة:

وأنا أسلمت منـذ ستـّة أشهر فقط !
صُعقت المرأة العربية ( المُقـشّـرة)
أصابها ما يُشبه الدوار وهي تسمع تلك الكلمات ؛
كيف ؟
وتوارد سيل من الأسئلة على ذهنها ؟؟؟؟
كيف تمسكت بلباسها وهي لم تُسلم إلا منذ ستة أشهر ؟
كيف تخلّيت عن لباسي الإسلامي ، وأنا التي وُلدت من أبوين مسلمين ؟
كيف .. وأنا التي نشأت في بلد عربي مسلم ؟

 

كانت تلك الكلمات أقوى من كل موعظة
وتلك الكلمات إنما جرّهـا تمسّـك تلك المسلمة بلباسها

واليوم بعض الرّجال وبعض النّساء إذا سافروا حرصوا على أن لا يتميّـزوا بلباسهم
وأن يلبسوا لباس القوم

ويقول بعضهم : أخشى من المضايقـة !
ويقول آخرون : نخشى من الاستهزاء والسخرية !

الجواب في كتاب رب الأرباب : ]  أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [[3].  

أعرف أحد الدعاة دار أقطار الدنيا !
وأظن أنه يندر أن يُسأل عن بلد إلاّ وقد زاره ، ومع ذلك لم يلبس يوما من الأيام اللباس الإفرنجي [4]!

 

 

 

 

 

 

 

 

الاعتزاز بالأخلاق :

الأخلاق الحسنة أصل من أصول الشرع المطهر ، ولايزال صاحب الخلق الحسن يستميل بحسن شيمته النفوس ، ويخِفُّ موقعه وموضعه على الجلوس ، صاحب الأخلاق الحسنة أتمثله :  مسلم صادق في إسلامه ، سيماه البشر ، وهجِّيراه الصّبر ، رؤيته غنيمة ، وصحبته سلم ،وجواره أمان ،ولقاؤه مسرة وإحسان ؛ كيف لا أعتز بأخلاق الإسلام ،والإسلام رسالته الخالدة هي الأخلاق الحسنة التي عبر عنها النبي  صلى الله عليه وسلم  قولا «  إنما بُعثت لأُتمم مكارم الأخلاق » [5]  ؛ وفعلا كما قالت عائشة الصّدّيقة رضي الله عنها : "كان خلقه القرءان "[6]، وكما تؤكّده الآية الكريمة ]  الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ[ [7].

والآية  ] لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ{[ . ] البقرة 177

كيف لايعتز المسلم بالإسلام والخُلق الكريم هو دليل الإيمان وثمرته.. ولا قيمة لإيمان من غير خُلق .. وإلى هذا المعنى يُشير الرسول  صلى الله عليه وسلم  بقوله «  ليس الإيمان بالتّمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل » أخرجه الديلمي في مسنده   .

وسُئل رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ما الدين؟ قال « حسن الخلق »  وسُئل ما الشؤم قال «  سوء الخلق » أخرجه أحمد  .

والخُلق أثقل ما في ميزان العبد يوم القيامة.. قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم " ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حُسن الخُلق )رواه أبوداود والترمذي  .

 

وإنّ غاية المسلم الأساسية في أخلاقه ، أن يحقق مرضاة ربه ، ذلك أن هدف المؤمن الأول من أعماله كلها هو ابتغاء وجه الله – جل وعلا – فقد أمره – سبحانه وتعالى – بذلك ، ووعده بالجزاء الأوفى على أعماله الخيرة يوم القيامة .

      قال-تعالى- : ]  فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * ومَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراً  يَرَهُ  [  [الزلزلة : 7-8] .  

فاعتزاز المسلم بأخلاق دينه  الفاضلة ، يورث الطمأنينة القلبية،  والشعور بخيرية الذات وخيرية المصير من ثمرات الانسجام بين الإيمان والأخلاق وذلك نتيجة طبيعية ؛ لأن الإنسان عندما يتصرف بمقتضى عقيدته – فيؤدي الواجبات كما ينبغي أداؤها ويتجنب المحرّمات – يشعر بأنّه إنسان خيِّر قويّ الإرادة .  

إنّ بعض الأخلاق قد تكون قدرا مشتركا بين كثير من النّاس مسلمين وغيرهم ولكن مايميّز المسلم هو دعوته النّاس بها فقف معي عند هؤلاء التجار :

خرجوا من بلادهم يضربون الأرض يبتغون من فضل الله ،

 حطوا رحالهم في جزر نائية عن موطنهم الأصلي ، لايعرفون أحدا ،

تناوشتهم الأعين وهي ترقب سمتهم وأخلاقهم ، وكأن القوم نزلوا من السماء على أرض يعشش في أحضانها الجهل وسوء الخلق ،وسرعان ماتأثر بهم أصحاب الفطر السليمة ، فصاروا يسألون عن دين هؤلاء القادمين ، فعرفوا انه الإسلام ،وأنهم أتباع النبي الخاتم صاحب الخلق العظيم صلوات ربي وسلامه عليه  .

نعم لم تفتتح أرضهم بالسيف ،ولم يقع عليهم من قبل هؤلاء المسلمين ضيم ولاحيف ؛ صدق في المعاملة ،ووفاء  في المواعيد، وسماحة ورفق بالضعفاء ، فجَّرت أخلاقهم ينابيع من الخير فاكتسحت أنوار الإسلام تلك البلاد  لعلك عرفتها هي : ماليزيا ،واندونيسيا وماجاورها .

ولقد أحسن حافظ إبراهيم عندما مدح الأخلاق فقال :

إِنّي لَتُطرِبُنـي الخِـلالُ كَريمَــةً   طَرَبَ الغَريـبِ بِأَوبَـةٍ وَتَـلاقٍ
وَتَهُزُّني ذِكرى المُـروءَةِ وَالنَـدى    بَينَ الشَمائِـلِ هِـزَّةَ المُشتـاقِ
فَإِذا رُزِقـتَ خَليقَـةً مَحمـودَةً   فَقَدِ اِصطَفـاكَ مُقَسِّـمُ الأَرزاقِ
فَالناسُ هَـذا حَظُّـهُ مـالٌ وَذا    عِلـمٌ وَذاكَ مَكـارِمُ الأَخـلاقِ
وَالمالُ إِن لَـم تَدَّخِـرهُ مُحَصَّنـاً    بِالعِلمِ كـانَ نِهايَـةَ الإِمـلاقِ
                                         وَالعِلمُ إِن لَـم تَكتَنِفـهُ شَمائِـلٌ     تُعليهِ كـانَ مَطِيَّـةَ الإِخفـاقِ                               لا تَحسَبَنَّ العِلمَ يَنفَـعُ وَحـدَهُ    ما لَـم يُتَـوَّج رَبُّـهُ بِخَـلاقِ

 

 

خاتمة :

هكذا أخي المسلم وأختي الغالية يكون المسلم معتزا بدينه ، بعقيدته ، بلباسه ، بأخلاقه ، عطر يتضوّع في كل مكان ، ونور يتلألأ في جنبات الكون يدعو إلى الله في كل حركاته وسكناته ، فالله نسأل أن يثبت المسلمين على دينهم .



[1] – -وهذا اسم فعل بمعنى: أتوجع –

[2] – رواه أبوداود بإسناد حسن ، وقال الحافظ ابن حجر في الأمالي المطلقة(36)  : هذا حديث حسن ،  أخرجه البخاري خارج الصحيح

     عن  أبي نعيم  فوافقناه بعلو وأخرجه أحمد عن أبي عامر العقدي ووكيع كلاهما عن هشام بن سعد بطوله  وأخرجه أبو داود عن

      هارون  الحمال عن أبي عامر  وأخرجه الحاكم مفرقا من طريق عبد الله بن المبارك وغيره عن هشام .

[3] – العنكبوت (الآيات : من 1إلى 3).

[4] – لماذا هذا الفرنسي يتمسّـح بغـترتي ؟!! مقال للشيخ عبد الرحمن السحيم .

[5] – أخرجه أحمد وغيره.

[6] – أخرجه مسلم وأبو داود وأحمد عنها .

[7] – الآية(41)  من سورة الحج .

 

 

تعليقات المستخدمين

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يمكنك قراءة

  • 11 ربيع الأول 1442 هـ
    الشوق إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم ، وقفات مع…

    الشوق إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم ، وقفات مع بعض المحبين

  • 10 ربيع الأول 1442 هـ
    يابنيتي من روائع مقالات علي الطنطاوي

    يابنيتي من روائع مقالات علي الطنطاوي

  • 02 جمادى الآخرة 1443 هـ
    لمن يجهل وثيقة سيداو وتنافيها مع الإسلام …انشروها بارك الله…

    لمن يجهل وثيقة سيداو وتنافيها مع الإسلام …انشروها بارك الله فيكم