إتحاف السبط ببعض أحكام السقط
27-10-2020 1632 مشاهدةاتحاف السِّبط
ببعض أحكام السِّقط
( أحكام المرأة ونفاسها وعدتها إذا أسقطت الجنين )
من إعداد وترتيب
أبي سليمان مختار بن العربي مومن
الجزائري ثم الشنقيطي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وكفى والصلاة والسلام على المصطفى وآله وصحبه المستكملين الشرفا وبعد فقد سألني بعض الإخوة الأفاضل عن حكم الدم النازل بعد طرح المرأة مافي بطنها قبل استكمال مدة الحمل الطبيعية فأحببت أن أشفي النفس بمعرفة حكم ذلك عند العلماء ، وأفيد السائل بما عساه يكون حكما واضحا له ولغيره من المسلمين والمسلمات فكتبت هذه الأسطر وسميتها بـ"اتحاف السِّبط[1] بأحكام السِّقط ".
تعريف السقط :
السِّقْطُ مثلّث السِّين والكسر أكثر ، وأسقطت المرأة ولدها وهي مسقط ومسقاط ، ألقته لغير تمام من السقوط [2] .
قال في المصباح : و"السِّقْطُ" الولد ذكرا كان أو أنثى يسقط قبل تمامه وهو مستبين الخلق يقال "سَقَطَ" الولد من بطن أمه "سُقُوطاً" فهو "سِقْطٌ" بالكسر والتثليث لغة ولا يقال وقع، و"أَسْقَطَتِ" الحامل بالألف: ألقت "سِقْطًا" قال بعضهم: وأماتت العرب ذكر المفعول فلا يكادون يقولون "أَسْقَطَتْ" "سِقْطًا" ولا يقال "أُسْقِطَ" الولد بالبناء للمفعول، و"سَُِقْطُ" النار: ما يسقط من الزند و"سَُِقْطُ" الرمل حيث ينتهي إليه الطرف بالوجوه الثلاثة فيهما "[3].
وكثيرا مايعبر الفقهاء عن السقط بـ:الإسقاط أو الإلقاء أو الإملاص أو الطرح أو الإجهاض[4] .
وفي المعجم الوسيط : أن مجمع اللغة العربية اقر إطلاق كلمة إجهاض على خروج الجنين قبل الشهر الرابع ،وكلمة إسقاط على إلقائه مابين الشهر الرابع والسابع وهذا اصطلاح متأخر بعد القرن الثالث عشر الهجري [5].
السّقط في القرءان :
أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن الحسن رضي الله عنه، في قوله: ) وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ ( [الرعد:8]، قال: السقط .
قال في القاموس : والغَيْضُ : السِقْطُ الذي لم يَتِم خَلْقُهُ [6].
وقال تعالى : ) مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ( [الحج : 5] صفة للنطفة وأن المخلقة: هي ما كان خلقاً سوياً، وغير المخلقة: هي ما دفعته الأرحام من النطف، وألقته قبل أن يكون خلقاً، وممن روي عنه هذا القول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه نقله عنه ابن جرير وغيره، ولا غير مخلقة: أي غير مصورة إنساناً كالسقط الذي هو مضغة، ولم يجعل له تخطيط وتشكيل، وممن نقل عنه هذا القول، مجاهد، والشعبي، وأبو العالية كما نقله عنهم ابن جرير الطبري .
في السنّة :
أخرج أحمد عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله e " ما من مسلمين يتوفى لهما ثلاثة إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته إياهم
فقالوا : يا رسول الله أو اثنان
؟ قال : أو اثنان
قالوا : أو واحد
؟ قال : أو واحد
ثم قال : والذي نفسي بيده إن السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة إذا احتسبته "[7].
وقال الربيع بن أنس : ما يغيض الأرحام يعني السقط، وما تزداد يعني توءمين إلى أربعة.
وعن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس : ما تغيض الأرحام يعني به السقط [8].
مسائل وأحكام السّقط :
المسألة الأولى وضع جدول لتبيين اختلاف الفقهاء فيما يتعلق بالسقط من أحكام قبل وبعد أن يكون علقة :
|
الأحناف |
المالكية |
الشافعية |
الحنابلة |
قبل أن يكون علقة |
|
(إذا مجت الرحم النطفة في طورها الأول، قبل أن تكون علقة، فلا يترتب على ذلك حكم من أحكام إسقاط الحمل، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء.[9] |
|
|
بعد أن يكون علقة |
|
يثبت له حكم النفاس في المعتمد عندهم (حاشية الدسوقي 1/117) الطبعة التجارية .. |
إذا قالت القوابل إنه مبدأ خلق آدمي فالدم دم نفاس (ر وضة الطالبين 1/174). |
قولان : نفاس وليس بنفاس . والصحيح لانفاس ويجب منه الوضوء |
إذا ظهر فيه أصبع أو شعر أو ظفر |
يثبت النفاس |
من باب أولى |
يثبت له حكم النفاس |
|
صورة الآدمي حيث تبين فيه خلق الإنسان(جنين ) |
|
من باب أولى |
|
نفاس (المغني 1/431). |
حكم إسقاط المرأة حملها مضغة:
إذا أسقطت المرأة النطفة في طورها الثالث: أعني كونها مضغة، فقد لخص العلامة محمد الأمين الشنقيطي تلك المراحل وأحكامها في كتابه الماتع أضواء البيان في إيضاح القرءان بالقرءان(4/276) فقال إن لذلك الطور أربع حالات:
الأولى: أن يكون ظهر في تلك المضغة شيء من صورة الإنسان، كاليد والرجل، والرأس ونحو ذلك، فهذا تنقضي به العدّة، وتلزم فيه الغرّة، وتصير به أم ولد، وهذا لا خلاف فيه بين من يعتدّ به من أهل العلم.
الحالة الثانية: أن تكون المضغة المذكورة لم يتبين فيها شيء من خلق الإنسان، ولكن شهدت ثقات من القوابل أنهنّ اطلعنّ فيها على تخطيط، وتصوير خفيّ، والأظهر في هذه الحالة: أنّ حكمها كحكم التي قبلها لأنه قد تبين بشهادة أهل المعرفة، أن تلك المضغة جنين لما اطلعوا عليه فيها من الصورة الخفية.
الحالة الثالثة: هي أن تكون تلك المضغة المذكورة، ليس فيها تخطيط، ولا تصوير ظاهر، ولا خفي، ولكن شهدت ثقات من القوابل أنها مبدأ خلق آدمي.
وهذه الصورة فيها للعلماء خلاف. فقال بعض أهل العلم: لا تنقضي عدتها بها، ولا تصير أم ولد، ولا يجب على الضارب المسقط لها الغرة.
قال ابن قدامة في المغني: وهذا ظاهر كلام الخرقي والشافعي، وظاهر ما نقله الأثرم عن الإمام أحمد رحمه الله، وظاهر كلام الحسن والشعبي، وسائر من اشترط أن يتبين فيه شيء من خلق الإنسان، لأنه لم يتبين فيه شيء من خلق الآدمي، فأشبه النطفة والعلقة.
وقال بعض أهل العلم: تنقضي عدتها بوضع المضغة المذكورة، وتصير به أم ولد، وتجب فيها الغرة، وهو رواية عن الإمام أحمد[10].
وقال بعض أهل العلم: لا تنقضي بها العدة، وتصير به أم ولد.
قال الأمين الشنقيطي غفر الله له : الذي يظهر لي والله تعالى أعلم: أنه إذا شهد ثقات من القوابل العارفات، بأن تلك المضغة مبدأ جنين، وأنها لو بقيت لتخلقت إنساناً، أنها تنقضي بها العدة، وتصير بها الأمة أم ولد، وتجب بها الغرة على الجاني. والله تعالى أعلم.
الحالة الرابعة: أن تكون تلك المضغة، ليس فيها تصوير ظاهر، ولا خفي، ولم تشهد القوابل بأنها مبدأ إنسان، فحكم هذه كحكم العلقة: وقد قدمناه قريباً مستوفى. اهـ بتصرف .
عدّة المرأة السّاقط حملها :
إذا أسقطت المرأة وكانت معتدة من طلاق، أو وفاة، وألقت حملها علقة، هل تنقضي بذلك عدّتها أو لا؟
فمذهب مالك رحمه الله[11]: أنّها تنقضي عدّتها بإسقاط العلقة المذكورة، واحتجّ المالكية: بأن العلقة المذكورة يصدق عليها أنها حمل، فتدخل في عموم قوله تعالى: ) وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ([الطلاق : وقال ابن العربي المالكي: لا يرتبط بالجنين شيء من هذه الأحكام إلا أن يكون مُخلَّقاً يعني مصوراً[12]، وبالنسبة لانقضاء العدة ووقوع الطلاق المعلق على الولادة فإن الحنفية والشافعية والحنابلة يرون أن العلقة والمضغة التي ليس فيها أي صورة آدمي لا تنقضي بها العدة ، ولا يقع الطلاق المعلق على الولادة ؛ لأنه لم يثبت أنه ولد بالمشاهدة ولا بالبينة.[13]
المسألة الثانية: في تغسيل السّقط والصلاة عليه :
إذا خرج المولود حيا ، أو حصل منه ما يدل على حياته من بكاء أو تحريك عضو أو طرف أو غير ذلك ، فإنه يغسل بالإجماع ، قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن الطفل إذا عرفت حياته واستهل ، يغسل ويصلى عليه [14]، وقد رُوِىَ مَعْنَاهُ فِى الصَّلاَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ y فعن زياد بن جبير عن أبيه عن المغيرة بن شعبة قال وأحسب أن أهل زياد أخبرونى أنه رفعه إلى النبى –e – قال : الراكب يسير خلف الجنازة ، والماشى خلفها وأمامها وعن يمينها وعن يسارها قريبا منها ، والسِّقط يُصلَّى عليه ويدعَى لوالديه بالمغفرة والرحمة" [15].
كما أنه يرى جمهور الفقهاء عدم تغسيل من لم يأت له أربعة أشهر ولم يتبين خلقه ، إلا ما روي عن ابن سيرين .
وما ورد من الغسل في بعض كتب الحنفية ، فالمراد هو الغسل في الجملة كصبّ الماء عليه ، من غير وضوء ولا ترتيب[16] .
واختلفوا في الطفل الذي ولد لأربعة أشهر أو أكثر ، فالأصح عند الحنفية ، وهو المذهب للشافعية والحنابلة أنه يغسل [17]، واستدلوا بحديث ابن مسعود t الذي ورد فيه أطوار الجنين وانه بعد المائة والعشرين يوما تنفخ فيه الروح فاعتبروه بذاك أن فيه حياة ،ولقوله e : "والسّقط يصلى عليه[18] " .
وذهب الحنفية في رواية ، والمالكية ، وهو قول للشافعية إلى أنه لا يغسل ، بل يغسل دمه ، ويُلَفُّ في خرقة ويدفن[19] . فعن نافع عن بن عمر : أنه كان لا يصلّي على السّقط حتى يستهلّ[20].
قال الأمين الشنقيطي غفر الله له: اعلم أن اختلاف الأئمة في هذه المسألة من قبيل الاختلاف في تحقيق المناط، لأن مناط الأمر بالصلاة عليه، هو أن يعلم أنه تقدمت له حياة. ومناط عدم الصلاة عليه: هو أن يعلم أنه لم تتقدم له حياة، فمالك ومن وافقه رأوا أنه إن استهل صارخاً، أو طالت مدته حياً علم بذلك أنه مات بعد حياة، فيغسل ويصلى عليه، وقالوا: إن مطلق الحركة لا يدل على الحياة، لأن المذبوح قد يتحرك حركة قوية، وقالوا: إنه إن رضع لم يدل ذلك على حياته. قالوا: قد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما طعنه عدو الله معدوداً في الأموات لو مات له مورث في ذلك الوقت ما ورثه، وهو قول ابن القاسم. ولو قتل رجل عمر في ذلك الوقت لما قتل به، لأنه في حكم الميت، وإن كان عمر في ذلك الوقت يتكلم ويعهد[21].
هل السقط طاهر أم نجس ؟:
اختلف الفقهاء في طهارة النطفة ونجاستها باعتبار ما نتكلم عليه من أطوار الجنين ، لأنها المرحلة الأولى فقد ذهب الحنفية والمالكية وهي رواية عن أحمد – خلاف المشهور – إلى أنها نجسة ، ولا فرق في النجاسة بين ماء الرجل وماء المرأة ، ويرى الشافعية وهو المشهور عن أحمد أنها طاهرة . والقائلون بالنجاسة مطلقا لا بد عندهم من غسل مني المرأة أيضا رطبا كان أو يابسا ، والقائلون بطهارته يستحب عندهم غسل المني رطبا ويستحب فرك مني الرجل . وبذا ترى أن الطهارة أو النجاسة لا يفترق فيها الخارج من الرجل والخارج من المرأة [22].
وأما إذا كان علقة فقد بين الفقهاء الحكم الشرعي ذلك من ناحية الطهارة والنجاسة ، فقال الحنفية وهو رواية عند الحنابلة ، بنجاستها . والصحيح عندهم أنها طاهرة ؛ لأنها بدء خلق الآدمي ، وقيل : إنها نجسة لأنها دم[23] .
مشاركة السقط المستهل للكبير :
السقط إن انفصل حيا ثم مات فإنه كالكبير في التسمية ، والإرث ، والجناية عليه ، وما تقدم من الأحكام ، واستثنى بعض المالكية من ذلك التسمية إن مات قبل اليوم السابع من ولادته [24] ، والصحيح استحباب التسمية .
وتسمية من ولد ميتا فيها خلاف كذلك ، فالبعض يقول بالتسمية ، والبعض يمنعها [25].
ولا يرث من انفصل بنفسه ميتا باتفاق الفقهاء ، وكذا إذا انفصل بفعل عند أغلب الفقهاء لا يرث ، وقال الحنفية : إنه من جملة الورثة يرث ويورث ؛ لأن الشرع لما أوجب على الجاني الغرة فقد حكم بحياته [26] .
الأمة تسقط علقة من سيدها فهل تكون بذلك أم ولد ؟:
إذا ألقت الأمة علقة والحال أنها سرّية لسيدها، هل تكون أم ولد بوضع تلك العلقة أو لا؟.
فقد ذهب مالك رحمه الله وأصحابه: إلى أنها تصير أم ولد بوضع تلك العلقة، لأنّ العلقة مبدأ جنين، ولأن النطفة لما صارت علقة صدق عليها أنها خلقت علقة، بعد أن كانت نطفة، فدخلت في قوله تعالى: ) خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ ( [الزمر : 6]، فيصدق عليها أنها وضعت جنيناً من سيّدها، فتكون به أم ولد، وهذا رواية عن أحمد وبه قال إبراهيم النخعي.
وذهب جمهور أهل العلم منهم الأئمة الثلاثة: إلى أنها لا تكون أم ولد بوضعها العلقة المذكورة. وقد قدمنا توجيههم لذلك.
المسألة الثالثة في دية السّقط :
لقد اختلف العلماء في من ضرب بطن امرأة حامل فألقت ما في جوفها ، هل تجب فيها غرّة أو لا؟.
روى البخاري في صحيحه عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ نَشَدَ النَّاسَ مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي السِّقْطِ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ أَنَا سَمِعْتُهُ قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ "[27] .
وقد اختلف العلماء في ذلك فذهب مالك رحمه الله: إلى أن من ضرب بطن حامل، فألقت حملها علقة فهو ضامن دية العلقة ضمان الجنين، فتلزمه غرّة[28]، أو عشر دية الأم. فعَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَضَى فِي امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ اقْتَتَلَتَا فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَأَصَابَ بَطْنَهَا وَهِيَ حَامِلٌ فَقَتَلَتْ وَلَدَهَا الَّذِي فِي بَطْنِهَا فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ e فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ مَا فِي بَطْنِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ ، فَقَالَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ الَّتِي غَرِمَتْ كَيْفَ أَغْرَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ ، وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ، فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ فَقَالَ النَّبِيُّ e إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ))[29] .
قال ابن رشد: واستحسن مالك الكفارة مع الغرة.[30]
وذلك على سبيل الندب لاالوجوب لأن قضاء النبي e لم يرد فيه ذلك .
وفي المدونة: ما علم أنه حمل، وإن كان مضغة أو علقة أو مصوراً[31].
قال في الفواكه :
قال خليل : وفي الجنين وإن علقة عشر أمه ولو أمة نقدا، أو غرة عبدا أو وليدة تساويه أي العشر ، لأن مشهور المذهب أن الغرة لا تكون من الإبل ، والمعنى : أن كل من تسبب في إنزال جنين من بطن أمه ونزل غير مستهل كما قدمنا فإنه يلزمه لمن يرثه عشر واجب أمه من النقد الحال أو يدفع في جنين الحرة عبدا أو جارية تساوي عشر دية أمه ، ولو كان سبب نزوله شمها رائحة حيث طلبت من ذي الرائحة شيئا ولم يعطها أو علم بحملها وبأن عدم تناولها منه يسقط جنينها وألقت ما في بطنها فإنه يضمن ، ولو لم تطلب منه ولو كان الجنين دما مجتمعا بحيث إذا صب عليه الماء الحار لا يذوب لأن العلقة عندنا في باب الغرة والعدة وأم الولد حكم المتخلق ، لكن يشترط في لزوم الغرة شهادة البينة أن إنزال الجنين من هذا السبب بأن عاينتها لزمت الفراش إلى أن انفصل منها غير مستهل وهي حية ، وأما لو نزل مستهلا فإن الواجب فيه الدية كاملة بشرط القسامة ولو مات عاجلا ، وقولنا : وهي حية للاحتراز عما لو انفصل عنها غير مستهل بعد موتها أو بعضه في حياتها وبعضه بعد موتها فإنه يندرج فيها . اهـ [32]
واتفق الفقهاء أن الموجب للغرة كل جناية ترتب عليها انفصال الجنين عن أمه ميتا ، سواء أكانت الجناية نتيجة فعل أم قول أم ترك ، ولو من الحامل نفسها أو زوجها ، عمدا كان أو خطأ .
وذهب جمهور أهل العلم: إلى أنّ الجنين لا ضمان فيه حتى تظهر فيه صورة الآدمي. وممن قال به الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد رحمهم الله[33]. وظهور بعض الصورة كظهور كلّها في الأظهر، واحتجّوا بأنّه لا يتحقّق أنّه حمل حتىّ يصوّر، والمالكية [34]قالوا: الحمل تمكن معرفته في حال العلقة فما بعدها، فاختلافهم هذا من قبيل الاختلاف في تحقيق المناط.
وهل على المرأة غرة إن كانت سببا في إسقاط الجنين ، قال الدسوقي : إن المرأة إذا شمت رائحة طعام من الجيران مثلا ، وغلب على ظنها أنها إن لم تأكل منه أجهضت فعليها الطلب . فإن لم تطلب ، ولم يعلموا بحملها ، حتى ألقته ، فعليها الغرة لتقصيرها ولتسببها[35] .
حال السقط في الآخرة :
سئل الإمام محمد بن عبد الباقي الزرقاني هل يحشر الطفل والسقط بصفتهم وقت الموت أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى : قال الحافظ ابن حجر كل واحد من أهل الموقف يكون على مامات عليه ، ثم عند دخول الجنة يصيرون طولا واحدا ، ففي الحديث الصحيح :" يبعث كل عبد على ما مات عليه"، وفيه في صفة أهل الجنة أنهم على صورة آدم ، وطول كل واحد منهم ستون ذراعا ، زاد أحمد وغيره : "في عرض سبعة أذرع " وهو ابن ثلاث وثلاثين، انتهى .ويصرح أيضا به ماعند ابن ماجة عن علي مرفوعا : أن السقط ليراغم ربه إذا أدخل أبواه النار ، فيقال أيها السقط المراغم ربه أدخل أبويك الجنة ، فيجرهما بسرره حتى يدخلهما " [36].
قال البيهقي : وفي معناه مارواه أبو عبيد مرسلا : " أن السقط يظل محبنطا على بالب الجنة – يعني متغضبا –" ، وقيل المحبنطي كالغلام المدل على أبويه ، وفي النهاية : المحبنطئ بالهمز وتركه : المتغضب المستبطئ للشيء ، وقيل : هو الممتنع امتناع طلب لاامتناع إباء .
وأخرج الطبراني بإسناد حسن عن المقدام بن معدي كرب : سمعت رسول الله e يقول :" يحشر مابين السقط إلى الشيخ الفاني في يوم القيامة " ، قال الحليمي والقرطبي : هذا السقط الذي تم خلقه ونفخ فيه الروح ، بخلاف مالم ينفخ فيه الروح [37].
خاتمة :
لاشك أن أحكام فقه أئمتنا تناول الكثير من أحكام الجنين وتفاصيل أحوال السقط والإجهاض ومايتعلق بذلك ولقد اقتصرنا في هذه الورقات على أحكام تخص السقط والدم الخارج من المرأة هل هو نفاس أم لا، وتبين لنا أن اختلاف الفقهاء في الطور الثاني من أطوار الجنين ن فالمالكية اعتبروا ذلك نفاسا وعليه متى مارأت المرأة المسقط الدم بعد خروج السقط فهي نفساء حتى تطهر ، وتكون المدة المعلومة في مشهور المذهب ستون يوما .
وأما باقي الأئمة فيعتبرون النفاس في حالة ماإذا تبين جزء من أجزاء الجنين فمابعد ذلك ويبدا حكم النفاس عندهم من تبين السقط مضغة قد تصور فيها شيء من أعضاء الآدمي ، وأسأل الله المغفرة والعفو .
وكتب أبو سليمان مختار بن العربي مومن
الجزائري ثم الشنقيطي
الدوحة :20جمادى الآخرة 1435هـ، الموافق لـ:20افريل 2014م.
[1] – السبط: بالكسر : ولَدُ الوَلَدِ (القاموس )، وفي الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري (1/271). : الفرق بين السبط والولد: أن أكثر ما يستعمل السبط في ولد البنت ومنه قيل للحسن والحسين رضي الله عنهما سبطا رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم .
[2] – لسان العرب لابن منظور (7/316) ، والقاموس المحيط (824) فصل الحاء
[3] – المصباح المنير (280) مادة : سقط .
[4] – الموسوعة الفقهية (2/56) مادة إجهاض. وانظر البحر الرائق 8 / 389 ، وحاشية البجيرمي 2 / 250
[5] – المرجع السابق والصفحة .
[6] – القاموس المحيط (فصل الفاء ).
[7] – أحمد(22090) قال الشيخ شعيب الأرنؤوط : صحيح لغيره دون قصة السقط في آخره وهذا إسناد ضعيف لضعف يحيى التميمي ، وأخرجه ابن ماجة (1609) قال البوصيرى في الزوائد (2/52) في إسناده يحيى بن عبيد الله بن موهب وقد اتفقوا على ضعفه ، وقال الشيخ الألباني : صحيح ، وأخرجه الطبراني في " الكبير " 20/ 145 ( 299 ) ، قال الهيثمي في " المجمع " 3/9 : فيه يحى بن عبيد الله التيمي ، لم أجد من وثقه ولا جرحه. ( إذا احتسبته ) أي صبرت عليه طلبا للأجر من الله تعالى ] ، و السرر : ما تقطعه القابلة من سرة الوليد.
[8] – الكشف والبيان لأبي إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري(5/273)، دار النشر : دار إحياء التراث العربي – بيروت – لبنان – 1422 هـ – 2002 م ط/ الأولى، تحقيق : الإمام أبي محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق الأستاذ نظير الساعدي.
[9] –
[10] – المغني (12/501) لابن قدامة المقدسي /الناشر : دار الفكر – بيروت/ الطبعة الأولى ، 1405
[11] – حاشية الدسوقي 1/117) الطبعة التجارية .
[12] -أحكام القرءان لابن العربي (5/400) / دار الكتب العلمية/.
[13] – بدائع الصنائع 3 / 116 ، وحاشية ابن عابدين 1 / 201 ، ونهاية المحتاج 1 / 128 ، والقليوبي على المنهاج 4 / 44 ، والشرواني على التحفة 8 / 6 ط بولاق ، وكشاف القناع 5 / 337 ، والشرح الصغير 2 / 672 ، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي 2 / 474) وانظر الموسوعة الفقهية (2/64).
[14] – الأوسط لابن المنذر (5/439) ط/ الأوقاف القطرية .والإجماع له (رقم 82) .
(2) ابن عابدين 1 / 594 ، وبدائع الصنائع 1 / 302 ، ومواهب الجليل 2 / 240 ، 250 ، وروضة الطالبين 2 / 117 ، والمغني 2 / 522) وانظر الموسوعة الفقهية الكويتية (13/63).
[15] – سنن البيهقي (4/8).
[16] – ابن عابدين 1 / 595 ، ومواهب الجليل 2 / 208 ، 240 ، وروضة الطالبين 2 / 117 ، والمغني 2 / 523
[17] – ابن عابدين 1 / 595 ، وروضة الطالبين 2 / 117 ، والمغني 2 / 522 ).
[18] – أبوداود(3182) قال الألباني : صحيح.
[19] – ابن عابدين 1 / 594 ، وبدائع الصنائع 1 / 302 ، ومواهب الجليل 2 / 240 ، 250 ، وروضة الطالبين 2 / 117 ، والمغني 2 / 522 ). انظر الموسوعة الفقهية .
[20] – سنن البيهقي (4/8).
[21] – أضواء البيان للشنقيطي ( 4/276) . دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع بيروت – لبنان/الطبعة : 1415 هـ- 1995 مـ
[22] – المغني 2 / 92 ، وابن عابدين 1 / 227 ، 229 ، والإقناع وحاشيته 1 / 277 ، والدردير والدسوقي 1 / 56 .
[23] – حاشية ابن عابدين 1 / 226 ، والمغني 2 / 94 .انظر الموسوعة الفقهية .
[24] -(3) البحر الرائق 2 / 202 ط العلمية ، والخرشي 2 / 138 ط دار صادر ، وشرح الروض 1 / 313 ط الميمنية ، والمغني 2 / 522 ط الرياض . انظر الموسوعة الفقهية الكويتية .
[25] – البحر الرائق 2 / 203 ، والخرشي 2 / 138 ، ونهاية المحتاج 8 / 139 ط مصطفى الحلبي ، والمغني 2 / 523 ط الرياض..
[26] – الفتاوى الهندية 6 / 456 ط بولاق الأولى ، والطحطاوي على مراقي الفلاح ص 327 ط دار الإيمان ، والمغني مع الشرح 7 / 198 ط المنار الأولى . وشرح السراجية 321 ط الكردي .
[27] – البخاري (6907).
[28] والغرة عبد او أمة ومن ليس عنده إحداهما يلزمه عشرة من الإبل .
[29] – البخاري (5758) .
[30] – بداية المجتهد(2/453)ط/1386هـ.
[31] –
[32] – الفواكه الدواني للنفراوي (
[33] -ابن عابدين 5 / 379 ، ، وأسنى المطالب 4 / 89 ، والمغني 7 / 802
[34] – حاشية الدسوقي 4 / 268 ، 269
[35] – حاشية الدسوقي 4 / 268 ، وشرح الخرشي 5 / 274 ، ومواهب الجليل 6 / 257 ، حاشية ابن عابدين 5 / 377 ،والإقناع 4 / 129 ، 130).
[36] – أخرجه ابن ماجة (1608) قال في الزوائد إسناده ضعيف لاتفاقهم على ضعف مندل بن علي .
بسرره :ورد في طبعة الرسالة التي هي ضمن لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام المجلد 12) بسدرة وهو خطأ واضح لايوجد في روايات الحديث فيما أعلم ،.
المراغم : من المراغمة ، وهي : المباعدة والمغاضبة ، كان الطفل يدل على ربه ، فيظهر الاستياء من أجل أبويه.
( بسرره ) بفتحتين هو ما تقطعه القابلة ] .
[37] – لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام (12/ الرسالة 143 ) أجوبة الزرقاني على أسئلة وردت من المغرب .