أولئك هم الصادقون
08-12-2022 466 مشاهدةأولئك هم الصادقون
الشيخ مختار بن العربي مؤمن
عضو مجلس أمناء الهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام
====================================
🔴 لتحميل المقال بصيغة pdf من قناتنا على تيليجرام :
https://t.me/mokhtarmoumene/955
====================================
إن خير من مشى على الأرض بعد الأنبياء والرسل هم أصحاب النبي ﷺ، اختارهم الله ليكونوا وزراء نبيه وحاشيته، وقد قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: “من كان منكم متأسياً فليتأس بأصحاب محمد ﷺ فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً وأقومها هدياً وأحسنها حالاً، قوماً اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه ﷺ فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم”1.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: “وقول عبدالله بن مسعود: كانوا أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً.. كلام جامع بين فيه حسن قصدهم ونياتهم ببر القلوب وبين فيه كمال المعرفة ودقتها بعمق العلم، وبين فيه تيسر ذلك عليهم وامتناعهم من القول بلا علم بقلة التكلف2.
مدحهم الله تعالى في كتابه أنصاراً ومهاجرين، فقال: ﴿ لِلْفُقَرَآءِ ٱلْمُهَٰجِرِينَ ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمْ وَأَمْوَٰلِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنًا وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّٰدِقُونَ * وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلْإِيمَٰنَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 8-9].
تعريف الصحابي
يجمع على صحابة، وهو من لقي الرسول ﷺ مؤمناً به ومات على ذلك، وهم طبقات يتفاوتون في السبق والفضل. قال السيوطي في ألفية الأثر وقد ذكر خمسة أقوال في حد الصحابي:
ثم الصحابي مسلما لاقي الرسول وإن بلا رواية عنه وطول
كذاك الاتباع مع الصحابة وقيل مع طول ومع رواية
وقيل مع طول وقيل الغزو أو عام وقيل مدرك العصر ولو
وشرطه الموت على الدين ولو تخلل الردة، والجن رأوا
دخولهم دون مـــلائك ومـا نشرط بلوغـــا في الأصح فيهما
فجملة الأقوال خمسة كما في النظم وبقي سادس ذكره في التدريب، وهو أنه من رآه بالغاً. حكاه الواقدي، وهو شاذ، والراجح من هذه الأقوال هو القول الأول.
قال الحافظ: لا خفاء في رجحان رتبة من لازمه ﷺ، وقاتل معه، أو قتل تحت رايته، على من لم يلازمه أو لم يحضر معه مشهداً، وعلى من كلمه يسيراً، أو ماشاه قليلاً، أو رآه على بعد، أو في حال الطفولة، وإن كان شرف الصحبة حاصلاً للجميع، ومن ليس له منهم سماع منه فحديثه مرسل من حيث الرواية، وهم مع ذلك معدودون في الصحابة لما نالوه من شرف الرؤية أهـ.
وأفضل أصحابه الذين رأوه، وآمنوا به، الفوز العظيم3.
وقال النبي ﷺ: « خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم»4.
وعن مالك عند مسلم عن عائشة ” قال رجل: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال: القرن الذي أنا فيه، ثم الثاني، ثم الثالث”5، ووقع في رواية الطبراني وسموية ما يفسر به هذا السؤال، وهو ما أخرجاه من طريق بلال بن سعد بن تميم عن أبيه قال قلت: يا رسول الله أي الناس خير؟ فقال: ” أنا وقرني ” فذكر مثله6.
وللطيالسي من حديث عمر رفعه “خير أمتي القرن الذي أنا منهم، ثم الثاني، ثم الثالث”. ووقع في حديث جعدة بن هبيرة عند ابن أبي شيبة والطبراني إثبات القرن الرابع ولفظه “خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الآخرون أردأ”. ورجاله ثقات، إلا أن جعدة مختلف في صحبته والله أعلم7.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقولون فيكم من صاحب رسول الله ﷺ؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس، فيقال هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله ﷺ؟ فيقولون نعم، فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس، فيقال: هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله ﷺ؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم»8.
وفي رواية من حديث مثله حديث واثلة يرفعه إلى النبي ﷺ “لا تزالون بخير ما دام فيكم من رآني وصاحبني، والله لا تزالون بخير ما دام فيكم من رأى من رآني وصاحبني”9.
والصحابة هم خير هذه الأمة كما أخبر الله عنهم، قال تعالى: لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً10.
قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: (كنا ألفاً وأربعمائة)11.
وهذه الآية ظاهرة الدلالة على تزكية الله لهم تزكية لا يخبر ولا يقدر عليها إلا الله، وهي تزكية بواطنهم وما في قلوبهم ومن هنا رضي عنهم، “ومن رضي عنه تعالى لا يمكن موته على الكفر، لأن العبرة بالوفاة على الإسلام، فلا يقع الرضا منه تعالى إلا على من علم موته على الإسلام، وأما من علم موته على الكفر فلا يمكن أن يخبر الله تعالى بأنه رضي عنه”12.
ومما يؤكد حديث أم مبشر من قول رسول الله ﷺ: “لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد من الذين بايعوا تحتها”13.
قال ابن حزم: “فمن أخبرنا الله عز وجل أنه علم ما في قلوبهم، ورضي الله عنهم، وأنزل السكينة عليهم، فلا يحل لأحد التوقف في أمرهم، أو الشك فيهم ألبتة”14.
وعن أبى سعيد قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء، فسبه خالد فقال رسول الله ﷺ: “لا تسبوا أحداً من أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه”15.
حكم من سب الصحابة أو تنقصهم
السب: هو الكلام الذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف، وهو ما يفهم من السب في عقول الناس على اختلاف اعتقاداتهم كاللعن والتقبيح و نحوهما16.
إن سب أصحاب النبي ﷺ والطعن فيهم دليل على بغض الشخص، وعدم حبه لهم، فإن النبيﷺ أخبرنا أن من أحبهم فلحبه لرسول الله ﷺ ومن أبغضهم فببغضه للرسول ﷺ، ولا يسبهم أحد إلا إذا كان وراءه هدف للطعن في الرسالة التي حملوها وبلغوها للناس، فهم واسطة العقد بيننا وبين نبينا ﷺ، ومن طعن فيهم فهو أولى بالطعن والذم، يقول أبو زرعة الرازي رحمه الله:
“إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله ﷺ فاعلم أنه زنديق؛ وذلك أن رسول الله ﷺ عندنا حق والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله ﷺ وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة”17.
وقال أبو المظفر السمعاني رحمه الله: “التعرض إلى جانب الصحابة علامة على خذلان فاعله، بل هو بدعة وضلالة”18.
قال تعالى: ﴿ وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلْإِيمَٰنِ وَلَا تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾19.
وقال تعالى: ﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ ۚ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَىٰهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنًا ۖ سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِى ٱلتَّوْرَىٰةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِى ٱلْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْـَٔهُۥ فَـَٔازَرَهُۥ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ ۗ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًۢا ﴾20.
وقد استنبط الإمام مالك رحمه الله من هذه الآية كفر من يبغضون الصحابة، لأن الصحابة يغيظونهم، ومن غاظه الصحابة فهو كافر، ووافقه الشافعي وغيره21.
وثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تسبوا أحداً من أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه»22.
وإليك تفصيل وبيان أحكام كل قسم:
من وسم الصحابة بالكفر والردة، أو الفسق، جميعهم أو معظمهم فلا نشك في كفر من قال بذلك لأمور من أهمها:
أ- أن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق، وبذلك يقع الشك في القرآن والأحاديث لأن الطعن في النقلة طعن في المنقول.
ب- لأن في ذلك إيذاءً له ﷺ لأنهم أصحابه وخاصته، فسب أصحاب المرء وخاصته والطعن فيهم يؤذيه ولا شك، وأذى الرسول ﷺ كفر كما هو مقرر.
ج- أن في هذا تكذيباً لما نص عليه القرآن من الرضى عنهم والثناء عليهم (فالعلم الحاصل من نصوص القرآن والأحاديث الدالة على فضلهم قطعي)، ومن أنكر ما هو قطعي فقد كفر.
قال الهيتمي رحمه الله: “… ثم الكلام (أي الخلاف) إنما هو في سب بعضهم، أما سب جميعهم، فلا شك في أنه كفر”.
فعن أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: “آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار”23. وفي رواية: “لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق”24.
وعن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: “لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر”25. فمن سبهم فقد زاد على بغضهم فيجب أن يكون منافقاً لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر26.
قال الحافظ في شرح حديث حب الأنصار: “… فلهذا جاء التحذير من بغضهم والترغيب في حبهم حتى جعل ذلك آية الإيمان والنفاق؛ تنويهاً بعظيم فضلهم، وتنبيهاً على كريم فعلهم، وإن كان من شاركهم في معنى ذلك مشاركاً لهم في الفضل المذكور كل بقسطه، وقد ثبت في صحيح مسلم عن علي أن النبي ﷺ قال له: “لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق”27، وهذا جار باطراد في أعيان الصحابة؛ لتحقق مشترك الإكرام؛ لما لهم من حسن الغناء في الدين، قال صاحب المفهم: وأما الحروب الواقعة بينهم فإن وقع من بعضهم بغض لبعض فذاك من غير هذه الجهة (يعني النصرة)، بل للأمر الطارئ الذي اقتضى المخالفة، ولذلك لم يحكم بعضهم على بعض بالنفاق، وإنما كان حالهم في ذاك حال المجتهدين في الأحكام، للمصيب أجران، وللمخطئ أجر واحد، والله أعلم”28.
________________________________________
[1] رواه ابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله (2/97)، ورواه أبو نعيم في الحلية (1/305) من طريق عمر بن نبهان عن الحسن عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه وسنده ضعيف.
[2] منهاج السنة (2/79).
[3] التوبة: 100.
[4] أخرجه أحمد والبخاري ومسلم.
[5] أخرجه أحمد 6/156. ومسلم 7/186 (6641).
[6] مجمع الزوائد (7/522).
[7] انظر الفتح (7/3) فضائل الصحابة.
[8] أحمد 3/7 (11056) والبخاري 4/44 (2897) ومسلم 7/183 (6558).
[9] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (32417). وإسناده حسن كما قال الحافظ: الفتح (7/5).
[10] الفتح: 18.
[11] فتح الباري (7/ 134- 234 )، صحيح مسلم، رقم 856.
[12] الصواعق المحرقة، ص316.
[13] مسلم (6560)، وشرح النووي (16/ 58).
[14] الفصل في الملل والنحل (4/148).
[15] مسلم (6651) وشرح النووي على مسلم. والنصيف: النصف
[16] انظر المطلع (149).
[17] الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص49).
[18] فتح الباري (4/365).
[19] الحشر: 10.
[20] الفتح: 29.
[21] الصواعق المحرقة (317)، و تفسير ابن كثير (4/ 204).
[22] صحيح البخاري حديث برقم (3673)، ومسلم كتاب الفضائل حديث رقم (2540، 2541).
[23] أخرجه أحمد 3/130(12341) والبخاري 1/11(17) ومسلم 1/60 (147).
[24] أخرجه أحمد 4/283 (18694) وفي 4/292 (18777) والبخاري 5/39(3783) ومسلم 1/60 (149).
[25] مسلم (247).
[26] الصواعق المحرقة (379) لابن حجر الهيتمي.
[27] أحمد 1/84 (642) ومسلم 1/60 (152) والترمذي (3736).
[28] الفتح (1/63).