حرمة سماع الباطل عموما والغناء على وجه الخصوص
15-08-2021 958 مشاهدةحرمة سماع الباطل عموما والغناء على وجه الخصوص:
(ولا يحلّ لك) أيها المكلف (أن تتعمد سماع الباطل كلّه) كان الباطل قولا كالغيبة، أو فعلا كصوت آلات الملاهي، وصوتِها فعل لها حقيقة وفعل للشخص من حيث إنه متسبب عن فعله (ولا) يحلّ لك (أن تتلذّذ بسماع صوت) كلام (امرأة لا تحلّ لك) أي لا يحلّ لك مناكحتها أي فيجوز التّلذذ بكلام من تحل من زوجة أو أمة، وكذا لا يحلّ التلذذ بصوت الأمرد الذي فيه لين .
(ولا) يحلّ لك (سماع شئ من آلات الملاهي) كالعود (و) كذا لا يحلّ لك سماع (الغناء بالمدّ) [1]وهو الصوت الذي يطرب به إن كان فيه مجون وفسوق ولم يكن من قبيل الغناء المباح كالحداء وما سيأتي ذكره من أنواع الغناء المباح، وقد نقل جماعة من العلماء الإجماع على تحريم الغناء منهم ابن الجوزي – رحمه الله – حيث قال : « قال الطبري : فقد أجمع علماء الأمصار على كراهية الغناء والمنع منه ، وإنمّا فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية » ،ثم قال بعد ذلك بقليل : فهذا قول علماء الشافعية ، وأهل التدين منهم ،( أي : في تحريم الغناء ) ، وإنما رخص في ذلك من متأخريهم من قلّ علمه ،وغلبه هواه » اهـ[2] .
وقال ابن رجب – رحمه الله تعالى- : « وقد حكى زكريا بن يحيى الساجي اتّفاق العلماء على النهي من الغناء إلا إبراهيم بن سعد المدني وعبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة ، وهذا في الغناء دون سماع آلات الملاهي ، فإنه لا يعرف عن أحد ممن سلف الرّخصة فيه » اهـ .
وقال : ” وهذا الخلاف في سماع الغناء المجرّد ، فأما سماع آلات اللهو فلم يُحْكَ في تحريمه خلاف “[3] .
وقد أجمع الأئمة الأربعة وأهل العلم على المنع من الغناء وآلات اللهو ، وقد حكى غير واحد اتفاقهم على ذلك ، فقال : وآلات اللهو لا يجوز اتخاذها ، ولا الاستئجار عليها عند الأئمة الأربعة …وقال ابن تيمية: وأما الغناء المجرد فمحرم عند أبي حنيفة ومالك ، وهو أحد القولين في مذهب الشافعي ، وأحمد ، وعنهما أنه مكروه” .وقال مالك رحمه الله تعالى لما سئل عنه :إنما يفعله الفساق عندنا .
وقد جاء في كتاب الله تعالى مايدل على تحريمه إجمالا كما فسر ذلك غير واحد من الصحابة فعن ابن عباس -رضي الله عنهما – في قول الله عز وجل :] وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّه[ [4]، قال: الغناء [5] ،ومن الصحابة :
وقد ورد أيضا من قول ابن مسعود رضي الله عنه حيث سئل عن هذه الآية ، فقال : هو الغناء ؛ والذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات ، وإسناده حسن[6] .
وكذلك ورد عن عدد من التابعين منهم : قتادة ، وعكرمة ، و إبراهيم النخعي ،ومجاهد ، وغيرهم .
ومن الأحاديث المرفوعة: ما أخرجه البخاري[7] في صحيحه من حديث أبي مالك الأشعري
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ليكوننَّ من أمتي أقوام يستحلون الحِر[8]َ ، والحرير ، والخمر ، والمعازف ، ولينزلنَّ أقوام إلى جنب عَلَمٍ ، يروح عليهم بسارحة لهم ، يأتيهم – يعني الفقير – لحاجة فيقولون : ارجع إلينا غداً ، فَيُبَيِّتُهُمُ الله ، ويضع العلم – الجبل – ، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة » .
وما أخرجه ابن أبي شيبة ، و ابن أبي الدنيا في « ذم الملاهي » بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إنّ في أمتي خسفاً ومسخاً وقذفاً ، قالوا:يا رسول الله ! وهم يشهدون أن لا إله إلا الله ؟ فقال : نعم ، إذا ظهرت المعازف،والخمور ، ولبس الحرير » .
و ما رواه عمرو بن الوليد بن عبدة عنه به مرفوعاً بلفظ : « إن الله – عز وجل – حرم الخمر ، والميسر ، والكوبة [9] ، والغُبيراء ،وكل مسكر حرام » أخرجه الإمام أحمد في المسند ( 6591 ) ، و البيهقي بإسناد صحيح ، إلى غير ذلك من الأحاديث الثابتة الصحيحة المروية عن جمع من الصحابة – رضوان الله عليهم – .
وقال ابن مسعود يقول : « الغناء ينبت النفاق في القلب »[10] .
“ولو لم يكن فيه من المفاسد إلاّ ثقل استماع القرآن على قلوب أهله واستطالته إذا قرئ بين يدي سماعهم ومرورهم على آياته صما وعميا لم يحصل لهم من ذوق ولا وجد ولا حلاوة بل ولا يصغي أكثر الحاضرين أو كثير منهم إليه ولا يقومون معانيه ولا يغضون أصواتهم عند تلاوته . . .
وبالجملة فمفاسد هذا السّماع في القلوب والنّفوس والأديان أكثر من أن يحيط به العد [11].
وقال يزيد بن الوليد : “يا بني أميّة ! إيّاكم والغناء ؛ فإنّه ينقص الحياء ، ويزيد في الشّهوة ، ويهدم المروءة ، وإنه لينوب عن الخمر ، ويفعل ما يفعل السّكْر ، فإن كنتم لا بدّ فاعلين فجنّبوه النّساء ؛ فإنّ الغناء داعية الزنا”[12]، قال ابن القيم : “ومن الأمر المعلوم عند القوم أن المرأة إذا استصعبت على الرّجل اجتهد أن يُسمعها صوت الغناء ، فحينئذٍ تعطي اللَّيَان) ؛ وهذا لأنّ المرأة سريعة الانفعال للأصوات جدّاً ، فإذا كان الصوت بالغناء صار انفعالها من وجهين : من جهة الصوت ، ومن جهة معناه ؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأنجشة حَادِيهِ : (يا أنجشةُ رويدَكَ ، رفقاً بالقوارير)[13] يعني النساء .
“أما إذا اجتمع إلى هذه الرقية الدّف والشبابة والرّقص بالتخنّث والتكسّر ، فلو حَبَلَت المرأة من صوت لحبلت من هذا الغناء .
فلعمر الله كم من حرَّةٍ صارت بالغناء من البغايا ، وكم من حرّ أصبح به عبداً للصبيان أو الصبايا ، وكم من غيور تبدّل به اسماً قبيحاً بين البرايا ، وكم من معافى تعرّض له فأمسى وقد حلّت به أنواع البلايا”[14].
أمّا جنس الغناء المباح[15] فهو ماكان من قبيل الحداء لتنشيط الإبل ،وترويح المجاهد على نفسه بالكلام المباح الملحون ، ونحو غناء الحصّادين والعمال ،والأمّ لولدها ونحو ذلك ، ممّا لا يتخذ مهنة ولا يخرج به عن حدّ الاعتدال فلا يقترن به الاضطراب، والتثني ،والضرب بالرّجل مما يخلّ بالمروءة فلا بأس بذلك، أمّا أن يطلع على الأمّة مفتون يبيحون الخنا باسم الفن ،ويستروحون لنشر الفسق والمجون باسم الثقافة فهذا والله من الصد عن سبيل الله بمزامير الشيطان ،وإغراق الأمة في الفحشاء والمنكر .
[1] – انظر من الكتب التي ألفت في الغناء ومناقشة من ضل في الذهاب لتحليل ماحرم منه ،منها : حكم الغناء لابن القيم ،-و نزهة الأسماع في مسألة السماع للحافظ ابن رجب الحنبلي ،و أحاديث ذم الغناء والمعازف في الميزان ،للشيخ عبد الله الجديع ، و تحريم آلات الطرب ، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني ، و تنبيه اللاهي على تحريم الملاهي ، للشيخ إسماعيل الأنصاري ,و مجلة البيان ـ العدد [ 155 ] صــ 8 رجب 1421 ـ أكتوبر 2000 ))
[2] – تلبيس إبليس ، ص 245 .
[3] – نزهة الأسماع في مسألة السماع ، (59- فما بعدها ط/ دار طيبة تحقيق الوليد الفريان .).
[4] – من الآية ( 6 ) من سورة لقمان .
[5] – كما روى ذلك البيهقي في سننه ( 10/ 223 )،والبخاري في الأدب المفرد،وابن الجوزي في « تلبيس إبليس »( ص 231 ) وغيرهم، وروى البخاري في تاريخه الكبير ( 4/217 ) عن عكرمة ( لهو الحديث : الغناء ) وعكرمة وارث علم ابن عباس رضي الله عنهما .
[6] – كما أخرج ذلك البيهقي في السنن ( 10/223 ) ، وفي شعب الإيمان ، وابن الجوزي في « التلبيس » ص 231 ؛
[7] – رواه البخاري (5590)
[8] – الحر : الزنا (8) ،وورد في رواية أخرى بلفظ (الخز) وقد رجح الإمام عبد الحق الإشبيلي في « الأحكام » رواية : « الحِرَ » كما نقله الزيلعي في نصب الراية (4/231) ، والعَلَم : الجبل .
[9] – قال الخطابي في « المعالم » (5/268) : « والكوبة » يُفسَّر بـ (الطبل) ويقال : هو (النرد) ، ويدخل في معناه كل وتر ومزهر ، ونحو ذلك من الملاهي والغناء » انتهى نقلاً عن « تحريم آلات الطرب » للألباني
[10] – قال العلاَّمة الألباني- رحمه الله – : « قلت : وهذا إسناد صحيح ، رجاله ثقات . وقد أشارإليه ابن القيم في « إغاثة اللهفان » ( 1/248 ) ، وقال : « وهو صحيح عن ابن مسعود من قوله ».
[11] – تحريم آلات الطرب ( 173) لمحدث العصر الشيخ الألباني رحمه الله تعالى.
[12] – إغاثة اللهفان ( 1/369).
[13] – رواه البخاري ومسلم .
[14] – إغاثة اللهفان ، 1/370 ، 371 .
[15] – انظر تلبيس إبليس لابن الجوزي رحمه الله تعالى( 237-241)،وانظر تحريم آلات الطرب (130) في أنواع الغناء المباح.
المناهل الزلالة في شرح وأدلة الرسالة
تعليقات المستخدمين
Subscribe
Login
0 تعليقات