الزيارة بين النساء في ضوء الكتاب والسنة (الأولى )
27-10-2020 1063 مشاهدةالزيارة بين النساء
على ضوء الكتاب والسنة
خولة درويش
أهمية الوقت لدى المرأة وأضرار إضاعته :
لقد جرت العادة في أكثر بلادنا الشرقية : أن تخصص المرأة فترةَ بعد العصر
لاستقبال صديقاتها ، أو زيارتهن على اختلافٍ في طريقة الزيارة أهي دورية منظمة أم عفوية ؟
، وأياً كانت الحال لا يخلو البيت يومها من إعلان حالة طوارئ فيها .
فاستعدادات فوق العادة ، تستنزف الجهد ، وتضيع الوقت ، وتبعثر المال . وتحول
يوم الاستقبال إلى مباراة بين الأسر فيما يقدم للضيوف ، وفي إبراز مظهر البيت
ولباس أهله .
ولو سئلت غالبية النساء عن الهدف من هذه الزيارة ؟ لكان أحسن ما يفصحن
به : إنه التلاقي لقتل الوقت والتسلية ودفع السأم والملل عنهن .
ولا أدري هل الوقت إلا عمر الإنسان الذي يسأل عنه ؟ ومتى السؤال ؟ إنه
يوم الفزع الأكبر .. يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله .
عن أبي بردة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال :
( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ؟ ، وعن
علمه ما عمل به ؟ ، وعن ماله من أين اكتسبه ؟ وفيم أنفقه ؟ ، وعن جسمه فيما
أبلاه ؟ ) [1] .
ومن السائل ؟ إنه رب العالمين الذي خلق الجن والإنس لعبادته لا للهو ولا
للتسلية ؛ ] لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إن كُنَّا فَاعِلِينَ [ [الأنبياء : 17 ].
فماذا نقول لرب العالمين إذا سألنا عن الوقت المهدور الذي إن لم يخل من
المحرمات فلا يخلو من لغو الكلام والثرثرة التي ذمها الرسول -صلى الله عليه
وسلم- : ( إن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني يوم القيامة : الثرثارون المتشدقون والمتفيهقون ) ؟ [2] .
ومن أضاع وقته فقد أضاع جزءاً لا يعوض من حياته ، وجديرٌ أن تطول
عليه حسرته ، وهل الوقت للمرأة وحدها ؟ ! أين حق الزوج والأولاد ؟ ومتى تؤدي
حقوق مجتمعها وأمتها الإسلامية ؟
لمن تترك مهمتها إذا كان همها الخروج من البيت واللهو الفارغ ؟ وقد تقول
إحداهن : إنها أدت واجباتها ، ظناً منها أن مهمتها محصورة في التنظيف وإرضاء
الزوج والإنجاب ، وإن التفتت إلى تربية من أنجبتهم فقد لا يتعدى اهتمامها إطعامهم
وكسوتهم المناسبة ودراستهم المتفوقة .
لا يا أختاه ، فأنت مربية الأجيال ، وممولة للمجتمع المسلم ببناته من نساء
ورجال ، إن واجبي وواجبك التربية الرشيدة لأبنائنا ، وإعدادهم إعداداً إسلامياً
يجعلهم قادرين على حمل الأمانة والنهوض بالأمة وبناء المجتمع الفاضل المنشود .
فإن تركتُ وإياكِ أبناءنا والتفتنا للتسلية فقد خلفنا أبناءً هم الأيتام حقاً رغم
وجود أبويهم ، إن اليتيم هو الذي تلقى له أماً تخلت أو أباً مشغولاً ، بل من فقد
والديه بالموت قد يجد من يشفق عليه ويرعاه ويحنو عليه ، أما من فقدهما في اللهو
عنه : فأنى يجد من يرحمه ويفطن لمأساته ، فالمرأة المشغولة بنفسها دائماً لن تجد
الوقت الكافي للإشراف على فلذات كبدها وتوجيههم ومتابعتهم والأنس بهم ، مما
يساعدها على أداء رسالتها وإرضاء ربها .
صحيحٌ أن الدنيا – هي دار الامتحان – مليئة بالمتاعب والصعاب وفي اللقاء
تسلية ومؤانسة … لكن هل التسلية غاية من تشعر أنها على ثغر من ثغور الإسلام ،
فلا يؤتى من قبلها ؟ أم هي غاية العابثات ؟ أمَا وإن الترويح ضروري بين الفينة
والأخرى فليكن على غير حساب الأخريات وأوقاتهن … ! !
كثيراً ما نشكو من غزو أعدائنا الفكري … وأننا مستهدفون محاربون ، فهل
أعددنا العدة لمجابهتهم ، أو على الأقل هل حصَّنا أنفسنا ضدهم روحياً وثقافياً
لنطالب بالتسلية ؟ ولا تنصر الدعوات وتنتشر بالتشكي والأسى .
إن ما نعانيه يوجب علينا أن نراعي واقعنا على أسس إسلامية لنستطيع
النهوض من كبوتنا ، وإلا ستبقى آمالنا سراباً وأمانينا حلماً نرجو أن يتحقق ،
وهيهات أن يتحقق بدون عمل وجهد وجهاد . ] والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [
[العنكبوت : 69 ] .
إن العقوبات التي يوقعها الله في أمتنا ما هي إلا لتخاذلنا عن نصرة ديننا وعدم
القيام بواجبنا ، والانهزامات التي أصابتنا قد ساهمت بها المرأة من حيث لا تدري ،
يوم بدأ دورها ينحسر وتخلت عن القيام بواجبها كما ينبغي في التربية والتنشئة
والتعليم .
وهذه الحقيقة المؤلمة التي تدمي القلب وتحز في النفس ، تدفعنا في الوقت
نفسه إلى الاستفادة من أوقاتنا للقيام بمهمتنا التي سنسأل عنها : " المرأة راعية في
بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها " [3] .
فلنقم بواجبنا في تربية رجال وأمهات المستقبل ثم لنلتفت إلى التسلية . هذا
وإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- دلنا على طريقة لإبعاد الهم عن النفس ؛ ألا
وهى : توثيق الصلة بالله ، نقبل عليه بالطاعات ، ونجعل همنا الدار الآخرة ، فما
الهم إلا نتيجة الحرص على الفانية .
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- : " من كانت الآخرة همه : جعل الله غناه في قلبه ، وجمع له شمله ، وأتته
الدنيا وهى راغمة ، ومن كانت الدنيا همه : جعل الله فقره بين عينيه ، وفرق عليه
شمله ، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدِّر له " [4] .
ولقد قال تعالى مبيناً مدى الضيق والضنك ، والعيش النكد الذي يكون به
الغافل المعرض عن ذكر الله ، وذلك في الدنيا قبل الآخرة : ] ومَنْ أَعْرَضَ عَن
ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ونَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى
وقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنسَى [ [طه : 126 ]
فلنجعل غايتنا رضا الله تعالى ، وسبيلنا اتباع شريعته ، عندها : نشعر أنه لا
فراغ يثقل على النفس ويجلب الهم والحزن ، بل أوقاتنا معمورة بذكر الله وطاعته ،
والحياة كلها تصبح عبادة وقُربة ، واستفادة من كل لحظة في حياة الإنسان عملاً
بقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- : (اغتنم خمساً قبل خمس : حياتك قبل
موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل هرمك ، وغناك
قبل فقرك " [5] .
وإن كان ابن الجوزي قد عجب من أهل زمانه وإضاعتهم للوقت فقال :
(رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً ، وإن طال الليل فبحديثٍ لا ينفع أو
بقراءة كتاب فيه غزاة وسمر ، وإن طال النهار فبالنوم وهم في أطراف النهار على
دجلة أو في الأسواق نشبههم بالمتحدثين في سفينة وهي تجري بهم وما عندهم خبر ،
ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود ، فهم في تعبئة الزاد للرحيل ، إلا أنهم
يتفاوتون ، وسبب تفاوتهم قلة العلم وكثرته بما ينفق في بلد الإقامة ) [6] .
فماذا نقول نحن عن الناس في زماننا ؟ ! وقد أصبح العبث الفارغ أساس حياة
أكثرهم ، والتبرم بالحياة سبباً في أمراض نفسية غريبة ، وصار الضيق والهلع من
المجهول شبحاً يطارد ضعاف النفوس والإيمان ؟ !
إن أساليبهم في اللهو وإضاعة الأوقات تفوق الخيال : فبعد السهر والسحر
على شتى البرامج في وسائل اللهو الحديثة المحرمة والمباحة ، النوم حتى الضحى ،
واللهاث بقية النهار للدنيا فقط ، وفي أعمال الدنيا .. وكثرة النوم والتناوم هو شأن
الخاملين اللاهين . أما الجادون : فيحرصون على أوقاتهم حرص الشحيح على ماله
أو أشد حرصاً . حقاً :(نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ) [7] .
أيهما أفضل المخالطة أم الانفراد ؟
وكأني بك أختي المسلمة تتساءلين : وهل هذا يعني البعد عن الناس وعدم
الاختلاط بهم ؟
( إن اختيار المخالطة مطلقاً خطأ ، واختيار الانفراد مطلقاً خطأ ) [8] ،
والإسلام دين تجمع وألفة ، والاختلاط بالناس والتعارف بينهم من تعاليمه الأساسية ،
وقد فضل الرسول -صلى الله عليه وسلم- المسلم الذي يخالط الناس على ذلك الذي
هجرهم ونأى عنهم 🙁 المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من
الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم) [9] ، وكيف يكون الإحسان للجيران
والأقارب إلا بمواصلتهم ومعرفة أحوالهم ؟
فكم من زيارة دلت على خير في الدنيا والآخرة مسحت بها المسلمة آلام أختها
المصابة ، تقوي عزيمتها ، تشد أزرها وتدفعها إلى الصبر ، تحس عندها حسن
الظن بالله وقرب الفرج ، تشاركها أفراحها ، تعلمها ما تجهله من أمور الدنيا والدين ،
تتناصح وإياها وتتشاور لما فيه خيرها وخير المسلمين . أما المخالطة العشوائية
التي لا يأبه لها كثير من النساء : فما هي إلا مظهر من مظاهر انهزام المرأة
وتخاذلها عن القيام بواجباتها الأسرية ، وهروب من التبعات المنزلية لتمضي مع
صويحباتها فترة لهو ولغو . وهى حالة مرضية من حيث الهدف والمضمون .
فحري بنا أن نسعى حثيثاً للعلاج قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله . ] ويَوْمَ يَعَضُّ
الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا ويْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ
فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إذْ جَاءَنِي وكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنسَانِ خَذُولاً [
[الفرقان : 27-29 ] .
ولما للمرأة من مكانة عظيمة في توجيه الناشئة وغرس العقيدة الصافية في
نفوس الأبناء -أجيال المستقبل ، كان لابد من محاولة جادة للاستفادة من وقتها وعدم
إضاعته سدى في مجاملات تافهة ، ومظاهر فارغة .
لقد كانت المرأة أما وزوجة خير عون على الخير لما تطلعت نحوه ، وشر
دافع نحو الخراب والدمار لما سعت إليه . كانت مطية للأفكار الهدامة في القرن
العشرين ، وستكون مشعل نور للأجيال إن تمسكت بعقيدتها ودينها .
والله أسأل : أن يجعل هذه المحاولة لبنة تعين الأسرة المسلمة على إكمال
رسالتها ، وأن يلهم مسلمة عصرنا رشدها لتعود كسالفتها الصالحة مرشدة لكل خير
وفضيلة .
– يتبع-
________________________
(1) رواه الترمذي وقال : حسن صحيح .
(2) أخرجه الترمذي في البر والصلة من حديث جابر وحسنه وهو في المسند 4/193 ، وانظر شرح السنة 12/367 .
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 12 / 213 .
(4) رواه الترمذي / 2583 .
(5) أخرجه أبو نعيم في الحلية مرسلاً ، وأخرجه الحاكم 4 / 306 موصولاً ينظر شرح السنة
14/ 224 .
(6) صيد الخاطر / 142 .
(7) رواه البخاري في الرقاق ، والترمذي في الزهد .
(8) فتاوي ابن تيمية 1/426 .
(9) مصنف ابن أبي شيبة 8 / 564 .