أعراسنا خالية من المنكرات تأليف الشيخ مختار بن العربي مؤمن
28-10-2020 1214 مشاهدة
أعراسنا خالية من المنكرات
تأليف أبي سليمان المختار بن العربي مؤمن
الإمام والخطيب والباحث الشرعي بإدارة الدعوة بوزارة الأوقاف القطرية
بسم الله الرحمن الرحيم
فضل الزواج في الإسلام
ما أجمل ديننا ، وماأحسن تعاليم ربنا ، وماأعظم نبينا e ، لقد جاء ليمثل طبيعة هذا الدين وسماحته وواقعيته ، فهو ليس دينا كهنوتيا يهتم بالروح على حساب البدن ولادينا ماديا يرجح لذة الجسد عن الروح ، بل يجعل الميزان بالقسطاس ، ويعبر إلى خلجان النفس فيصور مشاعرها ، ويتلمس أحاسيسها فيدعو إلى إشباع الغريزة الجنسية في أدب جمٍّ ،وخلق رفيع ، فها هو النّبي e ينادي بأعلى صوته : « يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنّه أغضّ للبصر وأحصن للفرج »[1] ، وهاهو e يقف في وجه من أراد إماتة شهوته الجنسية بطريقة تريحه من عناء ثورانها ، فيوجهه إلى ماهو خير له في صالح دنياه وأخراه فيقول e : فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني »[2] ، وهكذا وقف e في وجه الغالين الذين يحاولون مخالفة الطبيعة البشرية ،ويردهم إلى فطرتهم السوية ، ولم يغفل الإسلام بهذه المناسبة السعيدة أن تكون ثمت مايدل عليها من أنواع اللهو المباح الذي يدخل السرور على النفس ويبهج الحاضرين .
اللهو في الأعراس :
الأفراح في الإسلام رمز السعادة والسّرور ، وإظهار الشكر لله الحليم الغفور ، وقد جاء نبي الهدى e فبين أن في ديننا فسحة من الفرح ،وإدخال السرور على الأنفس ، في مناسبات اقتران الزوجين ،وزفّ العروسين ،ففي صحيح البخاري في قصة زواج الفارعة بنت أسعد قال r "هل كان معكم من لهو فإنّ الأنصار يعجبهم اللّهو "[3].وقال r « أعلنوا هذا النّكاح واضربوا عليه بالدف » [4]
ولما كانت الأفراح لاتخلو من مخالفات شرعية اقتضى الحال التنبيه على تلك المنكرات والمخالفات ليحذرها المسلم ويجتنبها عسى أن يكون فرحه طاعة وأنسا ،فاتق الله عبدالله ، وياأمة الله ، واقتصد في فرحك بحسب مايرضي خالقك فإليه المآب وهو الهادي إلى الصواب .
من المفاسد والمخالفات الشرعية في المجتمع :
– عزوف الشباب والفتيات عن الزواج المبكر :
إن عزوف الشباب والفتيات عن الزواج بدون عذر شرعي ،أمر خطير يجر المجتمع إلى الفساد ، لاسيما المرأة فإن السن كلما تقدم بها كلما كانت محلّ غمز ولمز ، وصارت من ركاب قطار العنوسة والانتظار ، وقد كثر الاحتجاج بإكمال الدراسة ونحوها ، وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – عمن ترفض الزواج بحجة الدراسة.
فأجاب رحمه الله تعالى بقوله: حكم ذلك أنه خلاف أمر النبي e ، فإن النبي e قال:« إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ، »[5] ، وقال e « يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج»[6] وفي الامتناع عن الزواج تفويت لمصالح الزواج. "[7]
– مخالفات شرعية وبدع عند الخطبة وقبل الدخول بالزوجة :
أخرج الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها عن النبي e : "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"[8].
وتلك المنكرات والبدع إمّا أن يكون بعض المسلمين قلّد فيها الغرب الكافر، أو تكون من فعل الجاهلية القديمة والحديثة :
1 – عدم تمكين الخاطب من الرؤية الشرعية :
استحبّ العلماء للخاطب أن يرى ما يظهر غالبا من المرأة كالوجه واليدين، ولايجوز شرعا لأبوي البنت منع الخاطب من الرؤية إن طلب ذلك فعنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ خَطَبْتُ امْرَأَةً فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهَا فِي نَخْلٍ لَهَا ، فَقِيلَ لَهُ أَتَفْعَلُ هَذَا وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ e فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ e يَقُولُ : « إِذَا أَلْقَى اللَّهُ فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا »[9].
فإذا أمكن أهل الفتاة الخاطب فلينظر إلى حدود ماأباح الشرع ، وهو النظر إلى الوجه واليدين ، وليكن ذلك بحضرة محرم لها ودون خلوة ، أو أن ينظر إليها بطريقة لاتثير انتباهها ثم ينصرف لخطبتها إن رغب في ذلك وأعجبته، وليعلم كلّ خاطب أنّ الخطبة ليست عقدا شرعيا ، وإنّما هي مجرد نظرة عابرة للتعرف على ملامح شريكة الحياة إن كُتِبَتْ ، فلايتردد عليها ،ولايجوز له أن يخلو بها إلا ليلة الزفاف .
2 – من المخالفات المنكرة ماتفعله المرأة المخطوبة قبل رؤية خاطبها وأثناء العرس من ذلك :
– الذهاب للكوافيرات (صالونات التجميل )[10]: وهناك عدة محاذير ينبغي اجتنابها :
منها التحلية بحلي الكفار في الشعر وغيره، ومن المعلوم أن ذلك محرم لما فيه من التشبه بهم ومن تشبه بقوم فهو منهم، كما هو نص الحديث .
* المحذور الثاني: أنّ عَمَلَهُنَّ يكون فيه النمص، والنمص قد لعن النبي e فاعله، فلعن النامصة والمتنمصة، واللعن هو: الطرد والإبعاد عن رحمة الله، ولا أعتقد أن مؤمناً أو مؤمنة يرضى أن يفعل فعلاً يكون سبباً لطرده وإبعاده من رحمة الله عز وجل.
* المحذوو الثالث: أن في ذلك إضاعة لمال كثير بدون فائدة ، فيكون إسرافا وقد علمت المسلمة مافيه من الوعيد .
* المحذور الرابع: أن في ذلك تنمية لأفكار النساء أن يتخذن مثل هذه الحلي التي يتمتع بها نساء الكافرين، حتى تميل المرأة بعد ذلك إلى ما هو أعظم من هذا الأمر من تحلل وفساد في الأخلاق.
* المحذور الخامس: أنه كما ذكر السائل يفعلن من هتك العورات ما لا حاجة إليه فإن هذه الكوافيرة تُمِرُّ ما يسمّونه بالحلاوة على أفخاذ المرأة وعلى ما حول قبلها حتى تطلع عليه بدون حاجة، ومن المعلوم أنّ النّبيّ e نهى أن تنظر المرأة إلى عورة المرأة، إلاّ إذا كان هناك حاجة تدعو إلى النّظر، وهذا ليس بحاجة.
– لباس بعض الفتيات الشعر المستعار ( الباروكة ):
إنّ (الباروكات ) من الأمور المنكرة التي انتشرت وعرفها الناس في عصرنا بأنواع وألوان متعددة ،ولبسها فيه من الغشّ والتّدليس والخداع المنافي للأخلاق ما هو واضح, حيث يُوقِعُ في غضب الله والعياذ بالله[11] .
ولقد شدّد النّبيّ e في محاربة هذا النّوع من التّدليس ,حتى أنه لم يُجِزْ لمن تساقط شعرها نتيجة المرض أن يُوصل به شعر آخر ولو كانت عروساً ستزّف لزوجها،فعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ رضي الله عنها قَالَتْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِىِّ –e – فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِى ابْنَةً عُرَيِّسًا أَصَابَتْهَا حَصْبَةٌ فَتَمَرَّقَ شَعْرُهَا أَفَأَصِلُهُ فَقَالَ « لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ »[12].
ويمكن للمرأة الصلعاء التي لاشعر برأسها أن تتخذها إن لم تستطع زراعة الشعر لأنه من باب التداوي فقد أفتى العلامة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى بجواز لبس الباروكة للمرأة إذا كانت في مثل هذه الحالة من أجل تغطية العيب ، ولايعدّ ذلك وصلا لشعر بشعر ، وإن اختمرت وغطت رأسها واحتسبت فذلك أحوط لها ،والله أعلم [13].
– تحريم اللباس الضيق والشفاف والقصير على النساء سواء عند خطبة المرأة أو لعموم النساء في الأعراس والمناسبات وغيرها :
إن من جملة ما أخبر به النبي e من المعجزات ظهور النساء الكاسيات العاريات ، وجاء الوعيد الشديد للمرأة الكاسية العارية ، المائلة في مشيتها المميلة لغيرها ، فقد روى مسلم عن أبي هريرة t قال قال رسول الله e :" صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهنّ كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا"[14].
وعن أسامة بن زيد قال: " كساني رسول الله e قبطية كانت مما أهداها دحية الكلبي فكسوتها امرأتي " فقال لي رسول الله e : " ما لك لم تلبس القبطية؟! قلت: يا رسول الله كسوتها امرأتي، فقال رسول الله e : "مُرْهَا فلتجعل تحتها غلالة إني أخاف أن تصف حجم عظامها" رواه أحمد والبيهقي والطبراني وابن أبي شيبة[15].
فدلّت هذه الأحاديث على تحريم الثياب الضيقة، التي تبين مقاطع، وحجم أعضاء المرأة ومحاسنها من الثديين ودقة الخصر ونحو ذلك، وعلى تحريم اللّباس الذي يصف لون البشرة من بياض وحمرة وسواد، وعلى تحريم التّشبه بغير المسلمين من اليهود والنّصارى والمشركين والملحدين ،[16].
– لبس دبلة الخطوبة (اي خاتم مايسمى بخاتم الخطبة ):
إن مايسمى بختم الخطبة (الدبلة ) بدعة وافدة وتقليد لأهل الملل الأخرى ، وقد نهى النبي e عن التشبه بأهل الكفر فقال : "من تشبه بقوم فهو منهم"[17] وأقل أحوال هذا التشبه الكراهة [18] إن لم يخش على صاحبه من الكفر كما قال شرّاح الحديث .
– بدعة الزيارات والهدايا في المواسم والأعياد :
جاء في فتاوى اللّجنة الدائمة: تخصيص أيام معينة يهدى فيها الخاطب أو العاقد هدايا للعروس وذلك ما يسمونه (المواسم) وقد تكون بعض هذه المواسم غير شرعية بل هى أعياد مبتدعه وإرغام الزوج بهذه الهدايا يُثقل كاهله وقد تُسبب مشاحنات عند البعض إذا لم يقدمها أو لم يتكلف ويغالى فى ثمنها وكل هذا لا يجوز. علماً بأن أصل التهادى مباح ومستحب، لكن بلا تخصيص مناسبات[19].
– قراءة الفاتحة عند العقد :
ليس من السنة قراءة الفاتحة عند الزواج ، وقد اعتاد الناس قراءتها والمستحب عند العقد أن يخطب بخطبة ابن مسعود t :" الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا … الخ الحديث المشهور .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : لا تقرأ الفاتحة إلا في الأماكن التي شرعها الشرع فإن قُرأت في غير الأماكن تعبداً فإنها تعتبر من البدع وقد رأينا كثيراً من الناس يقرأون الفاتحة في كل المناسبات حتى أننا سمعنا من يقول اقرأوا الفاتحة على الميت وعلى كذا وعلى كذا وهذا كله من الأمور المبتدعة المنكرة، فالفاتحة وغيرها من السور لا تقرأ في أي حال وفي أي مكان وفي أي زمان إلا إذا كان ذلك مشروعاً بكتاب الله أو بسنة رسوله e وإلا فهي بدعة ينكر على فاعلها.) اهـ[20]
– مصاحبة الغناء والمعازف لخطبة الزواج وأثناء العرس :
لابأس بإظهار السرور في الأفراح والضرب بالدف للنساء وأن تغني المرأة في وسط نسوي الغناء المباح، وسواء كان ذلك في الأفراح أو المناسبات المباحة كالأعياد وما أشبه ذلك .
والأدلة في ذلك كثيرة منها حديث الربيع بنت معوذ قالت : " دخل علي النبي e غداة بنى عَلَيَّ فجلس على فراشي كمجلسك منّي وجويريات يضربن بالدف يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر حتى قالت جارية وفينا نبي يعلم ما في غد فقال النبي e : لا تقولي هكذا وقولي ما كنت تقولين " .رواه البخاري ( 3700 ) .
فالمرخّص فيه شرعا الدّفّ وهو الإطار الذي له وجه مختوم وآخر مفتوح ، وأمّا الطّبل المختوم من الجهتين فلا يجوز لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ e نَهَى عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَالْكُوبَةِ وَالْغُبَيْرَاءِ وَقَالَ « كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ » رواه أبو داود [21]قال سفيان : قلت لعلي بن بذيمة : ما الكوبة ؟ قال : الطبل "[22].
ومن المنكرات التي شاعت وذاعت أثناء عقد الزّواج وفي الأفراح استماع الأغاني الماجنة والمزامير ،واستحضار الفرق الموسيقية ،ويستفتحون نعمة الزواج بالمعصية فمن أين تحلّ البركة في مثل هذه الأعراس وكيف يكون الأبناء بعد ذلك صالحين .
وليحذر الذين يستسهلون أمر المعازف والموسيقى من نقمة الله تعالى فقد جاء في الحديث الصحيح عن أبي مالك الأشعري t أنه سمع النبي e يقول : « ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ، ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم يعني الفقير لحاجة فيقولون ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة " ، والمعازف آلاتُ اللهو ، فقرن النبي e المعازف باستحلالِ الزنى والخمر" [23].
حكم الاستجابة لدعوة فيها منكر :
قال ابن قدامة رحمه الله : " إذا دعي إلى وليمة فيها معصية ، كالخمر والزمر والعود ونحوه ، وأمكنه الإنكار وإزالة المنكر ، لزمه الحضور والإنكار ؛ لأنه يؤدي فرضين : إجابة أخيه المسلم ، وإزالة المنكر . وإن لم يقدر على الإنكار ، لم يحضر . وإن لم يعلم بالمنكر حتى حضر ، أزاله ، فإن لم يقدر انصرف . ونحو هذا قال الشافعي " انتهى[24].
– غـلاء المهـور وقد كان في هذا الأمر عدد سابق بنفس العنوان فليراجعه من أراد .
مخالفات أثناء الأفراح والولائم
ترك الصلاة بحجة المحافظة على الزينة :
لايجوز للعروسين ولاغيرهما تأخير الصلاة بغير عذر ، ولاعذرَ في العرس ، كما يفعل بعض من لاحرص لهم على الصلاة فيتركها أياما ، ولو مات لمات عاصيا لله والعياذ بالله ، ولم يكن السلّف حريصين على شيء حرصَهم على الصّلاة في أوقاتها ومع الجماعة ، كيف لا وهي عنوان الشّكر للمنعم سبحانه .
ولتتأمل أيّها العروس كيف كان المسلمون يحافظون على الصلاة وكيف صارت بعضُ الفطر منكوسة ، حتى إنه قد ورد من المبالغة في محافظتهم على الصلاة كما يحكي بعضهم وقد زار بعض القبائل العربية فقال " أتيت لخماً وجذاماً، وكانوا يقدّمون العروس يصلي بهم سبعة أيام، فقلت لهم: ما هذه السنة ؟ قالوا: أما سمعت الله تعالى يقول في كتابه: كاد العروس يكون ملكاً " [25].
روى ابن القاسم ، عن مالك فى العتبية ، قال : لا يتخلف العروس عن الجمعة ولا عن حضور الصلوات ، وهو قول الشافعى … "[26].
قصة مؤثرة لعروس ماتت وهي ساجدة :
– التشريعة عند الزواج) الفستان الأبيض ) :
أباح الإسلام للمرأة أن تلبس أي لباس مادام ساترا لها سواء كان أبيض أم أخضر ام غير ذلك ، ولكن بشرط أن لا تظهر به أمام الرجال الأجانب عنها ، لأن الغالب في فستان الزفاف يكون مزخرفاً ومزيناً ، أو يكون أبيضا يجلب الأنظار ، ويشترط في حجاب المرأة أن لا يكون زينة في نفسه .
ويشترط أيضاً أن لا يكون ذلك الفستان عارياً يبدي مفاتن المرأة ، ولو كانت لا تظهر به إلا أمام النساء سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ما حكم لبس المرأة اللون الأبيض ليلة زفافها إذا عُلم أن هذا تشبُّهٌ بالكفار ؟
فأجاب:
" المرأة يجوز لها أن تلبس الثوب الأبيض بشرط أن لا يكون على تفصيل ثياب الرجل ، وأما كونه تشبهاً بالكفار فقد زال الآن هذا التشبه ، لكون كل المسلمين إذا أرادت النساء الزواج يلبسنه ، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً فإذا زال التشبه وصار هذا شاملاً للمسلمين والكفار زال الحكم ، إلا أن يكون الشيء محرماً لذاته لا للتشبه ، فهذا يحرم على كل حال " اهـ . [27]
ولكن مع جوازه ينبغي مجافاة الإسراف والتزيّ بزي فيه شبهة أو يجلب الكلام في عرض الإنسان .
المنصة ( الكوشة ) :
إذا كانت المنصة التي تصعد عليها العروس بمفردها ودون كشف مفاتن ،وهي آمنة من التصوير الذي ينقل هيئتها وأحوالها فلابأس بذلك "ولكن إذا كانت المنصة توضع بين النساء ويجلس إليها زوجها بحضرة النساء السافرات المتبرجات، وربما حضر معه غيره من أقاربه وأقاربها من الرجال، ولا يخفى على ذوي الفطرة السليمة والغيرة الدينية ما في هذا العمل من الفساد الكبير، وتمكن الرجال الأجانب من مشاهدة الفاتنات المتبرجات، وما يترتب على ذلك من العواقب الوخيمة. " لاسيما وأنّ النّساء يكنّ ليلة العرس أكثر اجتهادا في إبداء مفاتنهنّ وزينتهنّ إلاّ من رحم الله .
– خروج النّساء متطيبات:
عَنْ أَبِي مُوسَى t عَنْ النَّبِيِّ e قَالَ : (إِذَا اسْتَعْطَرَتْ الْمَرْأَةُ فَمَرَّتْ عَلَى الْقَوْمِ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ كَذَا وَكَذَا قَالَ قَوْلًا شَدِيدًا- يَعْنِي : زَانِيَةً -)[28].
( فهي زانية ) أي : هي بسبب ذلك متعرِّضةٌ للزنا ، ساعيةٌ في أسبابه ، داعيةٌ إلى طلابه ، فسميت لذلك زانيةً مجازا ….فربما غلبت الشهوة ، فوقع الزنا الحقيقي ، ومثل مرورها بالرجال قعودها في طريقهم ليمروا بها "[29].
– الاختلاط :
إنّ مما شاع في بعض المجتمعات المسلمة اختلاط الرّجال بالنّساء في المناسبات ، ولاسيما في الأفراح فلربما دخل الزوج وأقاربه وأقارب الزوجة من الرجال عند صعود العروسين وقت المنصة، ومعلوم أنّ الاختلاط في غير الأعراس فتنة عظيمة فكيف وقد أخذت النّساء تمام زينتهنّ ، وقد نصّ الإمام ابن القيم على " أنّ ولي الأمر يجب عليه أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفُرَج ومَجَامِع الرجال . قال مالك رحمه الله ورضي عنه : أرى للإمام أن يتقدّم إلى الصّـيّاغ في قعود النساء إليهم ، وأرى ألاَّ يَترك المرأة الشابة تجلس إلى الصياغ " [30].
وقال في موضع آخر : ولا ريب أنّ تمكين النّساء من اختلاطهنّ بالرّجال أصل كلّ بلية وشرّ ، وهومن أعظم أسباب نزول العقوبات العامة ، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة ، واختلاط الرجال بالنّساء سبب لكثرة الفواحش والزّنا ، وهو من أسباب الموت العام ، والطَّواعين المتّصلة … فمن أعظم أسباب الموت العام كثرة الزّنا بسبب تمكين النّساء من اختلاطهنّ بالرّجال والمشي بينهم متبرجات متجمّلات اهـ . [31]
– التصوير: إن من الفعل الفظيع ، والجرم الخطير أن تقدم امرأة على تصوير النّساء ونشر صورهنّ في المواقع والجرائد ،فإنّه من الأمر الشّنيع والترويج للفاحشة في المجتمع المصون .
وأن بعض الأعراس يدخلها شباب يصورن النساء في أتم زينتهن ، ولا يرتاب عاقل عارف بمصادر الشريعة ومواردها أن هذا أمر منكر ومحرم وأنه انحدار إلى الهاوية في تقاليد الكافرين المتشبهين بهم) [32] فاتقوا الله عباد الله إن كنتم مؤمنين .
الإسراف
الإسراف عنوان المترفين ،وسبيل المفسدين ، قال تعالى : ] وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) [، وقال عز وجل ] يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين [ ) الأعراف: 31).
وإن مما شاع وذاع في أعراس بعض المسلمين مظاهر الإسراف والترف ، والرياء والبطر في أمور كثيرة منها :
- بطاقة الدعوة (والإسراف في تزويقها وتجميلها وإغلاء ثمنها ، حيث تكفي الواحدة لإطعام أسرة فقيرة شهرا ).
2صالات الأفراح حيث تبالغ بعض العائلات في تزيين القاعة بحيث تدفع المبالغ الباهظة من أجل استيراد مفارش خاصة للطاولات ، وتلبيسة للكراسي ، وقطع من القماش الباهظ الثمن من أجل تغطية الحائط والأرض .
3-كثرة المطاعم والمشارب ( حتى ترمى في سلات القمامة وهذا من كفر النّعمة وجحودها ، فليكن المطعم والمشرب على قدر المدعويين إن أمكن وإن فضل شيء ينبغي أن يوجه بعد ترتيبه لبيوت الفقراء والمساكين ).
حكم النِّثَار أو مايسمى بالنُّقوط :
وهي أن يقوم بعض الحاضرين أو الحاضرات للعرس فينثرون الدراهم والدنانير على الحاضرات أو على رأس العروس .
ولم تكن " النُّقُوط " معروفة بهذا الاسم ، وإنما كانت تسمى بالنثار ،أو النهبة ، وحكم الشرع في هذه الدراهم هل يراد منها الإهداء للعروس ؟ فإن كانت كذلك فليست تلك طريقة للإهداء وإنما ينبغي أن تعطى إليها يدا بيد دون رمي لما فيد من الدّناءة والمذلة والانكسار ، وإن كان القصد منها الحاضرات فهو نوع أيضا من الرياء والتفاخر والإسراف والبغي والتبذير ،وعليه فإنّ النثار إذا كان نهبة يتزاحم عليه الأطفال والنّساء ولربّما أدى إلى ضرر بعضهم ، وللعلماء في النثار قولان :
1- قول بالجواز واستدل من جوزه من العلماء بحديث عبد الله بن قرط " أنّ رسول الله e قال : أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثمّ يوم القرّ[33] وقرب إلى رسول الله e خمس بدنات أو ست ينحرهن فطفقن يزدلفن إليه أيتهن يبدأ بها فلما وجبت جنوبها قال كلمة خفية لم أفهمها ، فسألت بعض من يليني ما قال قالوا قال: " من شاء اقتطع " رواه أحمد وأبو داود وقد احتجّ به من رخص في نثار العروس ونحوه "[34] .
والحجّة عندهم في قوله e : " من شاء اقتطع " أي من شاء أن يقطع منها فليقتطع هذا محل الحجة على جواز انتهاب الهدي والأضحية واستدل به على جواز انتهاب نثار العروس كما ذكره المصنف . ومن جملة من استدل به البغوي ووجه الدلالة قياس انتهاب النثار على انتهاب الأضحية ،وقد رويت في النثار وانتهابه أحاديث لا يصح منها شيء ، وليس هذا محل ذكرها.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى كراهة انتهاب النثار وروى ذلك عن ابن مسعود وإبراهيم النخعي وعكرمة وتمسكوا بما ورد في النهي عن النهبة وهو يعم كل ما صدق عليه أنه انتهاب ولا يخرج منه إلا ما خص بمخصص صالح ".اهـ[35]
2 القول بالكراهة :وقد قال به بعض العلماء لما فيه من المباهاة ،وإن كان من الطعام ففيه إهانة للطعام، فالتقاطه مكروه لأنّه دناءة ، والإنسان ينبغي أن يربأ بنفسه عن التلاحم والتزاحم ، وامتناعنا من التّدافع إليه احتجاج فعليٌّ على فعل هذا الرجل الذي نثر ، ومن أخذه فهو له ومن سقط في حجره فهو له . ) اهـ[36] .
وسئل فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى :
ما سبب كراهية الفقهاء للنثار(النقوط ) ؟
فأجاب :أما كراهية الفقهاء للنثار فهو النثار الذي ينثر في الأعراس ، ويعللون الكراهة بأن فيه دناءة ، وفيه امتهان للأطعمة…[37].
شهر العسل:
كلمة لها دلالتها النرجسية عند العروسين ، ويطلق على الشهر الذي يسافر فيه العروسان إلى بلاد غير البلاد التي بنى بزوجه فيها ، وذلك من أجل الاستمتاع بأهله والمزيد من معرفة كلا الطرفين بعضهما ببعض ، وهذا أمر لابأس به إذا لم تكن معه مخالفات شرعية ، "أما إذا كان السفر بالزوجة إلى بلاد الكفار فذاك أمر لايجوز شرعا لما فيه من المفاسد الدينية عليهما إذ يترتب عليه مفاسد كثيرة وأضرار تعود على الزوج والزوجة معا، إذ قد يتأثر الزوج بمظاهر الكفار من تبرج واختلاط وإباحية وشرب خمور وغيرها فيزهد في دينه وعاداته الطيبة، وتتأثر المرأة كذلك فتخلع تاج الحياء وتنجرف في تيار الفساد. وليس قليلا إذا قلنا إنّه من التشبه بالكفار المنهي عنه شرعا"[38].
[1] – البخاري (1806 -1905).
[2] – البخاري (5063) ، و أخرجه مسلم في النكاح باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه . . رقم ( 1401 ).
[3] – البخاري في صحيحه ج(5/ص1981 ح(4867 ).
[4] -الترمذي (1089) وقال «هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ فِي هَذَا البَابِ،» . وقال الألباني : ضعيف دون الشطر الأول فهو حسن .
[5] -رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ . 1084 وقال الألباني : حسن .
[6] – البخاري (1806 -1905).
[7] – "فتاوى علماء البلد الحرام" ص (390).
[8] – رواه مسلم – ( 1718 )
[9] – ( ابن ماجة ) 1864قال الشيخ الألباني : صحيح .
[10] – أنظر إصدارا من إصداراتنا بعنوان : صالونات التجميل بين التحريم والتحليل .
[11] – انظري فتاوى اللجنة الدائمة 5/191 ).
[12] – مسلم (5687) و تمرق : تساقط .
[13] – " مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 11 / جواب السؤال رقم 68 ) .
[14] – السياط : العصي ، « مَائِلَاتٌ » أَيْ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَمَا يَلْزَمُهُنَّ حِفْظُهُ « مُمِيلَاتٌ » أَيْ يُعَلِّمْنَ غَيْرَهُنَّ فِعْلَهُنَّ الْمَذْمُومَ . وَقِيلَ : « مَائِلَاتٌ » بِمَشْيِهِنَّ مُتَبَخْتِرَاتٌ . « مُمِيلَاتٌ » بِأَكْتَافِهِنَّ . وَقِيلَ : الْمَائِلَاتُ مِشْطَةُ الْبَغَايَا الْمُمِيلَاتُ بِمُشْطِهِنَّ غَيْرَهُنَّ تِلْكَ الْمِشْطَةُ.
قَوْلُهُ : « عَلَى رُءُوسِهِنَّ أَمْثَالُ أَسْنِمَةِ الْبُخْتِ » الإِبِل الْخَراسانية أَيْ يُكْومْنَ شُعُورَهُنَّ وَيُعْظِمْنَهَا بِلَفِّ عِمَامَةٍ أَوْ عِصَابَةٍ أَوْ نَحْوِهَا .
[15] – قال في المصباح: القبطي بضم القاف ثوب كتان رقيق يعمل بمصر نسبة إلى القبط، والغلالة قال في التهذيب: الثوب الذي يلبس
تحت الثياب.
[16] – من جواب للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى
[17] – كما فى سنن أبى داود بسند حسن.
[18] – السؤال رقم (72) من فتاوي الشيخ محمد بن صالح العثيمين تحت باب الزكاة من المجلد الثامن عشر الصفحة 112 :
[19] – (19/146) فتوى رقم 6337).
[20] – المصدر: فتاوى نور على الدرب (فتاوى النكاح ).
[21] – (3687) .
[22] – صحيح ابن حبان (5365 ) قال شعيب الأرنؤوط : إسناده جيد.
[23] – من منكرات الأفراح،ص5 )، والحر: الفرج وكنى به عن الزنا .
[24] – المغني" (7/214)
[25] – وبالطبع هو مثل ولكن لجهلهم به نسبوه للقرءان من شدة حرصهم على الصلاة ، لنظر التذكرة الحمدونية (2/208).
[26] – شرح ابن بطال على صحيح البخاري (7/338)
[27] – "مجموعة أسئلة تهم المرأة" (ص 92 .
[28] – رواه أبو داود (4173) والترمذي (2786) وصححه ابن دقيق العيد في "الاقتراح" (126) والشيخ الألباني في "صحيح الترمذي"
[29] – "فيض القدير" (1/355) .
[30] – الطرق الحكمية (401).
[31] – المرجع السابق(407).
[32] – من منكرات الأفراح،ص11
[33] – اليوم الحادي عشر من ذي الحجة ،وهو أول أيام التشريق لأن الحجاج يستقرون بمنى .فسمي بذلك .
[34] – أبوداود (1767) وأحمد (19098) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح رجاله ثقات .
[35] – نيل ألأوطار للشوكاني (5/192).
[36] – من شريط ( شرح زاد المستقنع / النكاح الجزء الثاني ) لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين .
[37] – الفتاوى السعدية ص ( 502 ).
[38] – منكرات الأفراح إعداد القسم العلميبدار الوطن للنشر والتوزيع .