آداب الاستئذان
28-10-2020 1258 مشاهدة
بسم الله الرحمن الرحيم
آداب الزيارة والاستئذان من كتابي : المناهل الزلالة في شرح وأدلة الرسالة )
للزيارة آداب ينبغي مراعاتها :
ويمكن تقسيم الأماكن التي يرتادها النّاس ثلاثة :
أولها : بيت الإنسان وسكنه الخاص . فهو يدخله أيّ وقت يشاء دون حرج ، ودون استئذان من أحد ؛ إلا ّأنّ من الأدب إشعار من في داخله – زوجة وولداً وضيفاً- أنّه قادم كي لا يفاجأ بدخوله أحد ، هذا ما كان يفعله النبي عليه الصلاة والسلام حين يدخل بيته مُسلِّماً على أهله .
أمّا الدّخول على غرف البيت فلا بدّ من الاستئذان على من في داخلها كي لا تقع العين على عورة .
قال الحافظ في الفتح : أخرج البخاري في " الأدب المفرد " عن نافع " كان ابن عمر إذا بلغ بعض ولده الحلم لم يدخل عليه إلاّ بإذن " ، ومن طريق علقمة " جاء رجل إلى ابن مسعود فقال : أستأذن على أمّي ؟ فقال : ما على كلّ أحيانها تريد أن تراها "، ومن طريق مسلم بن نذير بالنّون مصغّر " سأل رجل حذيفة : أستأذن على أمّي ؟ قال : إن لم تستأذن عليها رأيت ما تكره " ، ومن طريق موسى بن طلحة " دخلت مع أبي على أمي فدخل واتبعته فدفع في صدري وقال : تدخل بغير إذن " ؟ ومن طريق عطاء " سألت ابن عباس : أستأذن على أختي ؟ قال : نعم . قلت : إنّها في حجري ، قال : أتحبّ أن تراها عريانة " ؟ وأسانيد هذه الآثار كلّها صحيحة [1].
وروى مالك في الموطأ أنّ رجلاً قال للنّبي صلى الله عليه وسلم : أأستأذن على أمّي ؟ قال : " نعم " قال : ليس لها خادم غيري أأستأذن عليها كلمّا دخلت؟ . قال " أتحبّ أن تراها عُريانة؟ " قال : لا . قال : "فاستأذنْ عليها " [2].
وكان الفاروق عمر رضي الله عنه يتنحنح بصوت عالٍ قبل أن يُسلّم ويدخل ، فالمرأة تحبّ أن يراها زوجها على أفضل حالاتها .
والاستئذان على أهل البيت في غرفهم في ثلاث أوقات واجب لقوله تعالى] يا أيّها الذين آمنوا : ليستأذنكم أ- الذين ملكت أيمانكم ، ب- والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات :
1- من قبل صلاة الفجر .
2- وحين تضعون ثيابكم من الظّهيرة .
3- ومن بعد صلاة العشاء .
ثلاث عورات لكم [[3] .
ففي هذه الأوقات الثلاثة يتجرّد الإنسان من ثيابه للنّوم والرّاحة . وقد روي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث غلاماً من الأنصار إلى عمر رضي الله عنه ظهيرة ليدعوه ، فوجده نائما قد أغلق عليه بابه ، فدقّ عليه الغلام الباب ودخل ، فاستيقظ عمر وجلس ، فانكشف منه شيء ، فقال عمر : وددت أنّ الله نهى أبناءنا ونساءنا وخدمنا عن الدّخول علينا في هذه السّاعات إلاّ بإذن . ثمّ انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجد هذه الآية قد نزلت ، فخر ساجداً شكراً لله "[4].
فإذا بلغ الأطفال الحلم وجب معاملتهم كغيرهم من الكبار أكانوا غرباء أم من المحارم .
ثانيها : دُورُ الأهلِ والأصدقاءِ . فهؤلاء لا يُدخل عليهم إلا ّبإذنهم .
فكيف يكون الاستــــئذان ؟
يُطرق الباب ثلاث مرات ، بين الواحدة والأخرى مقدار ركعة خفيفة كما يذكر الفقهاء ، ليُترك لأهل البيت مجالٌ مريح في الردّ . ولم يكن للبيوت كلّها على عهد الرسول الكريم أبواب ، إنّما ستائر. يقف القادم قريباً من الباب ، ليس أمامه حتىّ لا ينكشف عن أهل البيت سترهم ، ويغضّ بصره ، فقد روى علماؤنا أنّ الفاروق رضي الله عنه قال : من ملأ عينيه من قاعة بيت فقد فسق .
وروى البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ رجلا اطّلع من بعض حُجَرِ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم بمشقص أو بمشاقص فكأني أنظر إليه يَخْتِلُ[5] الرّجل ليطعنه » [6].
و عن سهل بن سعد أنّ رجلاً اطلع في جُحر في باب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم مِدْرىً ( مشط) يرجّل به رأسه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم « لو أعلم أنك تنظر لطعنتُ به في عينك، إنمّا جعل الله الإذن من أجل البصر » [7] ويسلم بصوت مسموع على أهل الدار ثلاث مرات ، بين الواحدة والأخرى زمن يسير .. هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الاستئذان ثلاث ، فإن أُذن لك ، وإلا فارجع »[8] واستأذن رجل من بني عامر على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أألج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخادمه :« اخرج إلى هذا فعلّمه الاستئذان ، فقل له : قل : السلام عليكم ، أأدخل ؟ » فسمعه الرجل ، فقال : السّلام عليكم ، أأدخل ؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل" ابوداود[9] .
وقد زار الرسولُ الكريمُ سعدَ بن عبادة زعيمَ الخزرج ، فلما وقف بالباب قال : السلام عليكم .
والسلام عليكم سلام المؤمنين…. فإذا دخل الرّجل بيتاً فيه غيره قال : السّلام عليكم . ولْيَرُدُّوا عليه : وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته .
وإذا دخل بيتاً ليس فيه أحد قال : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .
وإذا دخل المقابر قال : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، أنتم السّابقون ، ونحن إن شاء الله بكم لاحقون .
الفرق بين الاستــئذان والاستئناس :
قد يأذن لك أحدهم في الدخول حين تطرق بابه خجلاً منك ، وهو لا يريد في قرارة نفسه أن تدخل بيته ، فقد يكون تعباً يريد النوم أو الراحة ، وقد يكون مشغولاً في أمر لا يحبّ أن يطّلع عليه أحد ، أو كان يجهز نفسه لموعد ضربه أو لأسباب أخرى … يدعوك للدخول بلسانه ، وبريق عينيه يظهر عكس ذلك . أما الأنس فشيء آخر . إنه الترحيب الذي تشترك فيه الحواس كلها تدعوك مشتاقة إليك ، راغبة فيك مسرورة بلقائك . فكانت كلمة ( تستأنسوا ) رائعة في التعبير عن دخيلة النفس في الآية الكريمة ] يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها » أما إذا كان صاحب البيت شجاعاً وقال للزائر : لن أستطيع الآن دعوتك للدخول فارجع . فقد وجب الرّجوع دون أية حفيظة تبدو من الزائر أو امتعاض منه، ]وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا [[10] وهنا يظهر أدب الزائر في ردة الفعل ، وحسن تصرفه بالتزامه أدب الإسلام في العودة ، إنْ بعذر ، أو بغير عذر ، وبذلك يروّض نفسه على احترام خصوصية الآخرين .وحسبه جائزةُ الله تعالى] فارجعوا هو أزكى لكم [ [11] كما فعل سعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو موسى مع عمر .. إنّها طهارة النّفس من الغضب وردة الفعل السيئة التي قد يمليها الشعور بالإهانة ، فيبادر إلى القطيعة والعداوة ، ويكون الرابح الأول فيها شيطانه الوسواس الخناس .
يقول أحدُ المهاجرين : لقد طلبت عمري كله هذه الآية ، فما أدركتها ، أن أستأذن على بعض إخواني فيقول لي ارجع فأرجع وأنا منبسط لقوله تعالى : ] فارجعوا هو أزكى لكم [ ولعلّه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما إذ يقول: فيقولون ابن عم رسول الله ، لا نردّه .
ومن أدب الاستئذان أن يعَرّف الزّائر بنفسه تعريفاً واضحاً ولو ظنّ أنّ المزور يعرفه فعن أبي ذر رضي الله عنه قال : خرجت ليلة من اللّيالي ،فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحده ، فجعلت أمشي في ظلّ القمر ، فالتفتّ فرآني فقال : « من هذا ؟ » فقلت : أبو ذر "[12].
وقد استأذن جابر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فدققت الباب فقال : « من ذا ؟ » فقلت :أنا . فردد النبي صلى الله عليه وسلم : « أنا أنا؟ » ، كأنه كرهها .
ثالثـها : الفنادق والأسواق والمؤسسات العامة المشرعة الأبواب لمن يأتيها . فهذه لا يتطلّب دخولها الإذن ، ففيها متاع النّاس من بيع وشراء وإيواء ومنافع . يدخلها السّابلة كلّهم إن شاءوا ، متى شاءوا ، مادامت مفتوحة ليلاً أو نهاراً . لكن لا بد من أدب اللقاء من غض للبصر وإعطاء الطريق حقه ، وإلقاء تحية الإسلام ….
[1] – فتح الباري (11/26 ) باب الاستئذان من اجل البصر .
[2] – شرح الزرقاني على الموطأ (4/493 ).
[3] – من الآية ( 58 ) من سورة النور .
[4] – وهي من موافقات عمر رضي الله عنه لربه في أشياء ذكرها أهل العلم في كتبهم منها : نظم للحافظ السيوطي بعنوان " قطف الثمر في موافقات
عمر " في كتابه الحاوي في الفتاوي .
[5] – والمشقص بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه : نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض . وقوله " يختل " بفتح أوله وسكون
المعجمة وكسر المثناة أي يطعنه وهو غافل الفتح ( 11/26 ) .
[6] – أخرجه أحمد( 3/239(13541) و"البُخَارِي" 8/66(6242) وفي 9/13(6900) و"مسلم" 6/181(5692).
[7] – "أحمد" 5/335(23188) و"البُخَارِي" 7/211(5924) و"مسلم" 6/180(5689).
[8] – مالك في الموطأ(1730)، والبخاري (8/67) ومسلم (5753) .
[9] – أبو داود (5177) وإسناده صحيح كما قال النووي .
[10] – من الآية (28) من سورة النور .
[11] – من الآية (28) من سورة النور .
[12] – أخرجه أحمد 5/152(21674) و"البُخاري" 3/152(2388) و"مسلم" 3/75(2267) .